موقع النيلين:
2025-10-14@17:13:42 GMT

أساطير عن الإقتصاد

تاريخ النشر: 13th, August 2025 GMT

أساطير عن الإقتصاد:
من الأساطير الشائعة عن الأقتصاد أن راس المال يهرب إلي حيث الأجور المنخفضة. في أفضل الحالات هذه نصف حقيقة. نظرة سريعة إلي تاريخ الصين الحديث، حيث اعظم تجربة تنموية في تاريخ البشرية، تشير إلي انجذاب راس المال الأجنبي إلي الصين مع بداية سياسة الإنفتاح في أواخر سبعينات القرن الماضي.
صحيح أن إنخفاض الأجور كان جاذبا للمستثمرين الأجانب ولكن هذا الإنخفاض لم يكن كافيا لوحده.

فقد تعززت الجاذبية بوجود عمالة ماهرة، متعلمة، شديدة الإنضباط، كما عززها وجود بيئة سياسية وقانونية وحوكمية مستقرة تماما وسياسة عامة مدروسة ومتسقة داخليا ومنضبطة في وجود قوانين إستثمار موثوق بها. في غياب هذه العوامل لم ليكن إنخفاض الأجور وحده يعني الكثير، ولا نحتاج للاستدلال بان دولا أخري حول العالم تدنت فيها الأجور ولكنها لم تجذب سوي الذباب.
أضف إلي ذلك أن عصر الأجر المنخفض في الصين قد إنصرم مع ارتفاع متوسطه أكثر من أربعة مرات وما زالت الصين مغطيسا جاذبا للإستثمار نسبة لإرتفاع مهارة العمال والفنيين والمهندسين بأعداد مهولة (سلك سلك قدر ما الله خلق). وقد ذكر مستثمر أمريكي في مجال التكنولوجيا الرفيعة أنه لو أعلن عن وظائف لمهندسين في مدينة أمريكية فان المتقدمين المؤهلين يمكن إستقبالهم في غرفة ولكن لو فتح نفس الفرص في مدينة صينية فان المتقدمين المؤهلين يحتاجون لإستاد لإستقبالهم.
يعزز الجاذبية الإستثمارية وجود بنية تحتية هي الأفضل في العالم في جهات وبمقاييس متعددة من طرق سريعة وقطارات بسرعة الطلقة وموانئ من الدرجة الأولي وسلاسل قيمة مترابطة وجيدة التوزيع وسياسة إقتصادية ممتازة التصميم والتنفيذ. كل هذا يتيح خروج المنتج الصيني من المصنع ليبحر إلي أسواق البيع في الدول الأخري في نفس اليوم وبتكاليف نقل منخفضة بلا معاناة من قيود بيروقراطية أو لوجستية.
كما قلنا سابقا، وكثيرا، فان الماركسيين الصينيين وغيرهم هم أعمق من يفهم الراسمالية، بداية بماركس نفسه، أعظم دارس للرأسمالية معية ادم سميث – سميث الحقيقي وليس النسخة المضروبة منه التي أنتجتها الدعاية الراسمالية .
ما الذي يهم المستثمر ؟
عادةً ما يُطرح في الخطاب العام أن المستثمرين يبحثون فقط عن العمالة الرخيصة، ويتجهون إلى حيث تكون الأجور الأدنى. لكن هذه الفكرة ليست دقيقة تمامًا. فما يهم المستثمر حقًا ليس مستوى الأجور بحد ذاته، بل تكلفة وحدة العمل، أي التكلفة التي تتحملها الشركة لإنتاج كل وحدة من المنتج.
ما هي تكلفة وحدة العمل؟
لتوضيح الفكرة، لنأخذ هذا المثال البسيط:
في الدولة “أ”، يتقاضى العامل 30 دولارًا شهريًا وينتج 30 قميصًا في الشهر.
في الدولة “ب”، يتقاضى العامل 60 دولارًا شهريًا (ضعف الأجر) لكنه ينتج 90 قميصًا (ثلاثة أضعاف الإنتاج).
أين سيستثمر رجل الأعمال الذكي؟
تكلفة وحدة العمل في الدولة “أ” = 30 / 30 = 1 دولار للقميص.
تكلفة وحدة العمل في الدولة “ب” = 60 / 90 = 0.67 دولار للقميص.
النتيجة؟ حتى مع ارتفاع الأجور في الدولة “ب”، فإن إنتاجية العمال الأعلى تجعلها أكثر جذبًا للاستثمار نسبة لإنخفاض تكلفة إنتاج القميص الواحد ما يعني أن الربحية أعلي!
المغزى أن الأجور المنخفضة لا تعني بالضرورة استثمارًا أفضل. وأن انخفاض الأجور لا يكفي لجذب الاستثمار إذا كانت الإنتاجية متدنية. ففي بلد مثل السودان، قد تكون الأجور منخفضة، لكن انخفاض الإنتاجية يجعل تكلفة وحدة العمل مرتفعة، مما يثبّط المستثمرين. بينما في دول أخرى، قد تكون الأجور أعلى، لكن الإنتاجية العالية تحقق تكلفة وحدة عمل أقل، مما يعزز الجاذبية الاستثمارية.
كيف نخفض تكلفة وحدة العمل؟
الحل ليس دائما في خفض الأجور، بل في رفع الإنتاجية من خلال:
التعليم الجيد والتدريب المهني – لأن العمالة الماهرة أكثر إنتاجًا.
تحسين بيئة العمل – عبر القوانين المدروسة والإدارة الفعّالة، والتكنولوجيا، والانضباط.
الاستثمار في البنية التحتية – لتسهيل عمليات الإنتاج والتوزيع.
هذه الإجراءات ليست مجرد “رفاهية اجتماعية”، بل هي استثمار في التنمية الاقتصادية. فالإنتاجية الأعلى تتيح للشركات دفع أجور أفضل مع الحفاظ على القدرة التنافسية، مما يعود بالنفع على العمال والاقتصاد ككل.
الخلاصة: المستثمرون لا يهربون من الأجور المرتفعة، بل يهربون من الإنتاجية المنخفضة أو من مركب الإنتاجية والأجور. لذلك، إذا أراد السودان جذب الاستثمارات، فالحل ليس في إبقاء الأجور متدنية، بل في صناعة عمالة أكثر كفاءة، مما يخفض تكلفة الوحدة المنتَجة ويجعل الاقتصاد أكثر تنافسية.
لهذا السبب عندما ندعو إلى التعليم المجاني وبرامج التدريب المجانية، فهي ليست مجرد دعوة أخلاقية لإعادة توزيع الموارد وانما هي من صميم التنمية ومحاربة الفقر.
يمكن أن يؤدي التعليم الجيد، النوعي، المدروس والتدريب المتوفر إلى زيادة إنتاجية العمل وبالتالي جعل البلاد جذابة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وتسمح الإنتاجية العالية للشركات بتقديم أجور أعلى مع الحفاظ على قدراتها على المنافسة في الاسواق الداخلية والخارجية.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی الدولة

إقرأ أيضاً:

السمدوني: العمل جارٍ لتحويل الموانئ المصرية إلى منظومة أكثر ذكاءً وكفاءة

أكد الدكتور عمرو السمدوني، سكرتير عام شعبة النقل الدولي واللوجستيات بغرفة القاهرة التجارية، أن التكنولوجيا أصبحت المحرك الرئيس لتطوير قطاع النقل واللوجستيات عالميًا، مشيرًا إلى أن الدولة المصرية تعمل بخطى ثابتة نحو دمج التقنيات الحديثة في منظومة الموانئ لتحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030.

وأوضح السمدوني، أن هناك علاقة إيجابية بين تطبيق معايير الموانئ الذكية ورفع كفاءة الأداء التشغيلي داخل محطات الحاويات في الموانئ البحرية المصرية، الأمر الذي يسهم في زيادة القدرة التنافسية لهذه الموانئ على المستويين الإقليمي والدولي.

وأضاف أن الموانئ الذكية تُحسّن من سير العمل وتزيد من القدرة التشغيلية دون الحاجة إلى مساحات أو استثمارات إضافية، كما تُقلل من تكاليف التشغيل وترفع من كفاءة ومرونة العمليات اللوجستية، بما يتيح تحقيق أقصى استفادة من الأصول المتاحة وتحسين جودة الخدمات المقدمة.

وأشار السمدوني، إلى أن مصر تخطو بخطوات متقدمة نحو التحول الذكي في موانئها، موضحًا أن موانئ العين السخنة ودمياط والإسكندرية وبورسعيد بدأت في استكشاف خدمات الموانئ الآلية مثل أنظمة رسو السفن الرقمية، والسجلات الإلكترونية للبضائع والحاويات، بالإضافة إلى الأنظمة الذكية التي تُسهل عمليات التفريغ ودخول وخروج سيارات النقل.

ولفت إلى أن هذه الجهود تهدف إلى تحويل مصر إلى منطقة لوجستية متكاملة، وتعزيز مكانتها كمركز إقليمي مفضل للنقل والتجارة، مؤكدًا أن الموانئ البحرية الذكية تمثل ركيزة أساسية لدفع عجلة الاقتصاد وتطوير التجارة المحلية والدولية، من خلال تغيير نمط العمل في الموانئ لتصبح أكثر ذكاءً واستدامة.

طباعة شارك شعبة النقل الدولي النقل الدولي السمدوني التكنولوجيا التقنيات الحديثة الموانئ البحرية

مقالات مشابهة

  • "ثروات بلس" تهدف لتعزيز الأنشطة الإنتاجية ورصد المشاريع الاستثمارية في الأمن الغذائي
  • بمشاركة 120 عارضا وعارضة.. وحدة التضامن الاجتماعي تفتتح معرض الأسر المنتجة بجامعة حلوان
  • وحدة التضامن تفتتح معرض الأسر المنتجة بجامعة حلوان بمشاركة 120 عارضا وعارضة
  • وحدة التضامن الاجتماعي تفتتح معرض الأسر المنتجة بجامعة حلوان بمشاركة 120 عارضًا
  • جولدمان ساكس: المستهلكون الأمريكيون يتحملون أكثر من نصف تكلفة الرسوم الجمركية
  • أرامكو تؤكد القدرة على الحفاظ على الطاقة الإنتاجية دون تكلفة
  • السمدوني: العمل جارٍ لتحويل الموانئ المصرية إلى منظومة أكثر ذكاءً وكفاءة
  • تفوق على العظماء.. محمد صلاح يرسخ مكانته بين أساطير الكرة الإنجليزية والإفريقية
  • هالاند يتفوق على أساطير الكرة في الأهداف الدولية
  • مجلس القيادة الرئاسي يؤكد التزامه بمبدأ الشراكة والتوافق الوطني لضمان وحدة الصف واستعادة الدولة