مفاجأة.. 7% من الرجال في مصر يصابون باكتئاب الحمل
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
كشف الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن الهرمونات تؤثر على الرجال تمامًا كما تؤثر على السيدات، وأن هذا التأثير ليس مقصورًا على النساء فقط.
وقال خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية رشا مجدي، والإعلامي أحمد دياب في برنامج «صباح البلد» على قناة «صدى البلد»، إن نفس المسميات العلمية للهرمونات لدى السيدات توجد أيضًا لدى الرجال.
وأضاف هندي أن الدراسات تشير إلى أن 7% من الرجال في مصر يعانون من اكتئاب الحمل، مشددًا على أن التغيرات الهرمونية ليست حكرًا على السيدات، إذ يمر الرجال بتجارب مشابهة، مما يستدعي فهمًا أعمق لهذه الظاهرة وعدم التحيز في التفسيرات الشائعة.
اقرأ أيضاًمخاطر استخدام الهاتف قبل النوم.. يؤدي للأرق ويصيب بالخلل في هرمونات الجسم
ينظم الهرمونات ويعدل المزاج.. النوم المبكر من أسرار النجاح والسعادة
تحذير مهم من "هيئة الدواء" بشأن خطورة استخدام أدوية الكورتيزون والهرمونات
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإعلامية رشا مجدي استشاري الصحة النفسية الهرمونات الهرمونات تؤثر على الرجال التغيرات الهرمونية اكتئاب الحمل
إقرأ أيضاً:
الوجوه المتعددة للبذاءة (4)
د. ناهد محمد الحسن
تقول فرجينيا وولف: (ليس الحزن ما يكسِر المرأة، بل الكلمات التي تُقال لها حين تكون وحدها في العاصفة).
في زمن الحرب السودانية، لم يعد الدمار مقتصرًا على الخرائط والبيوت، بل تمدّد إلى المعجم اليومي للنساء. اللغة نفسها صارت تحارب. الكلمات التي كان يُنتظر منها أن تكون ملاذًا أو عزاءً، تحوّلت إلى أسلحة دقيقة التصويب، تُحدث جروحًا لا تُرى على الجسد، لكنها تنغرس عميقًا في الروح، وتعيد تشكيل العلاقة بين النساء بطريقة تُشبه إعادة توزيع الألم أكثر من مواجهته.
هذا المقال ليس إدانةً للنساء، ولا دفاعًا عن العنف، بل محاولة للفهم. لفهم كيف تُصبح النساء، في زمن الانهيار، مصادر ألم لبعضهن البعض، وكيف يخلق النزاع بنية نفسية تجعل المعتدي — رجلًا كان أو امرأة — يعمل، غالبًا دون وعي، كامتدادٍ للأبوية التي خبرنا قسوتها طويلًا. وفي المقابل، كيف تنشأ داخل النساء الناجيات مقاومة هادئة وصلبة، تمنحهن القدرة على تحويل الخراب إلى معرفة، والجرح إلى صوت، واللغة — رغم كل شيء — إلى جسر نحو السلام.
الحرب لا تغيّر فقط مكان الإقامة، بل تغيّر أيضًا طريقة الإحساس والقول. علم الأعصاب يبيّن أن التعرّض المستمر للتهديد يُضعف عمل القشرة الجبهية المسؤولة عن الحكم الأخلاقي والتفكير المتأني، ويُنشّط اللوزة الدماغية، مركز الخوف والانفعالات. في هذه الحالة يصبح الحكم أسرع، والغضب أقرب، واللغة أكثر حدّة، والاختلاف أشد إيلامًا.
تقول لورا شيبرد إن الخطاب في زمن النزاعات لا يصف العنف فحسب، بل يمارسه. تصبح اللغة تمثيلًا دقيقًا لموازين القوة: من يحق له الكلام، من يُطالَب بالصمت، ومن يُعاقَب بالكلمات قبل الأفعال. وفي مجتمعات تحكمها الأبوية التاريخية، يصبح صوت المرأة — حتى حين يهاجم امرأة مثلها — صدىً لسلطة ذكورية متوارثة، تسكن اللغة أكثر مما تسكن القوانين.
وحين نحاول فهم صورة المعتدي أو المعتدية، نكتشف أننا أمام ذهنية تُصنع ببطء تحت ضغط الخوف. فالتعرّض المستمر للصدمة يجعل الإنسان ينحاز إلى ردود الفعل الدفاعية؛ تنكمش القدرة على التعاطف، وتتضخم الحساسية للتهديدات الاجتماعية الصغيرة، ويغدو إسقاط الخوف على الآخرين آلية بقاء. تُستخدم اللغة هنا كسلاح لتفريغ الضغط، لا لأن صاحبها قوي، بل لأنه مُنهك، ممزق، محروم من الأمان. وحين يخاف الإنسان، لا يعود يفرّق بين العدوّ والمرآة. وأنا هنا لا اقصد الذين يقفون خلف الشاشات بأجندة محدّدة لتخدم مصالحهم الشخصية. و لكني اقصد الذين يقعون ضحية للشائعات و التلاعب الذهني، و الذين لا يميزون تحت ضغط الخوف بين العدو و انفسهم فيجرحون، ينجرحون، وينهزمون!.
على المستوى الاجتماعي، تعمل الأبوية أحيانًا عبر أفواه بناتها. فالنساء المحاصرات بعنف هيكلي طويل الأمد قد يلجأن، دون وعي، إلى تبنّي قواعد النظام الذكوري ذاته: مراقبة أجساد النساء الأخريات، التشكيك في الشرف، جلد المختلفات لغويًا، محاكمة الفرح، وتأديب الصوت الخارج عن السرب. هذا السلوك ليس شراسةً بقدر ما هو استراتيجية بقاء داخل نظام يكافئ المرأة “المطيعة” ويعاقب المرأة “المنفلتة”. وهكذا يصبح العنف بين النساء عنفًا مضاعفًا: جرحًا للأخت، وخيانةً للذات، وإعادة إنتاجٍ لحكم الأبوية في آنٍ واحد. فأدوات السيّد لا تهزم منزله! كما تقول اودري لورد. وتشتد هذه الديناميكيات حين تتحوّل السياسة، في زمن الحرب، إلى مسألة حياة أو موت. يصبح الانتماء سؤالًا وجوديًا، وتتحول اللغة إلى أداة لفرز “الصحيح” من “الخاطئ”. تُخوَّن المختلفات، ويُمنعن من الفرح لأن “الوطن يحترق”، ويُتّهمن بالاستعراض أو الخيانة. هذه هي فاشية الداخل: حين يُمارس الأفراد على بعضهم ما مارسه النظام عليهم. ففي أزمنة الخوف، يصبح الحكم على الآخرين محاولة يائسة لإنقاذ الذات.
ورغم هشاشة الفضاء الرقمي، ورغم البيئات التي تضع المرأة تحت رقابة أخلاقية دائمة، برزت النساء السودانيات — الكاتبات والمناضلات والناجيات — كأكثر الأصوات قدرة على تسمية الألم، وإعادة بناء المعنى، وتحويل الجرح إلى معرفة، والصمت إلى حضور. يشير علم النفس إلى ما يُعرف بالنمو بعد الصدمة: تلك القدرة الإنسانية على أن نصبح أعمق بعد الألم، لا أضعف. الناجية التي تُهاجَم ليست ضعيفة؛ هي امرأة دفعت ثمنًا باهظًا، لكن قيمتها الأخلاقية لا تتناقص، بل تتكثف.
تقول الشاعرة ليلى المطوّع: ليس الجرح ما يربكني، بل النور الذي يخرج منه. حين تتحول اللغة إلى مقاومة نسوية شفافة، تصبح علاجًا للذاكرة، وتثبيتًا لكرامة النساء، وتوثيقًا للجرح دون تشييئه أو استثماره.
العنف اللفظي ضد النساء يتخذ أشكالًا متداخلة: تحقير الجسد بالسخرية من المظهر، وتجريمًا أخلاقيًا يضرب السمعة والشرف، وتجريدًا سياسيًا يحرم المرأة من رأي مستقل، وتهديدًا وجوديًا مباشرًا بالإسكات أو الإيذاء. هذه المستويات لا تعمل منفصلة، بل تتضافر لإعادة إنتاج الأبوية بوسائط جديدة: رقمية، لغوية، نفسية.
هذه الحرب لا تدوس فقط على أجسادنا؛ إنها تدوس على قلوبنا وأرواحنا قبل أن تدوس على جسد الوطن: ذاكرته، تاريخه، حاضره ومستقبله. الرجال الذين يحملون السلاح، في كل جبهات الحرب، لهم أمهات وأخوات وبنات. هذه الحرب، إن لم تُصب أجساد النساء أو أعراضهن مباشرة، فإنها لا تُخطئ قلوبهن. فالرجال لا يعرفون عن عناء خلق الحياة سوى المتعة العابرة؛ ليست لهم أرحام، لا يحملون، لا يرضعون، ولا يسهرون الليالي الطويلة حتى يصير الطفل رجلًا أو امرأة. واقصد هنا عناء الرعاية المباشرة وليس السعي المادي من اجل الرزق والذي تفعله مع عبء البيت والتربية أيضا النساء في هذا الزمن، ومن رحم ربي من الرجال. الجندي حين يُصوّب سلاحه يرى هدفًا فقط. لكنه لا يرى أن هذا الهدف هو تاريخ كامل من تعب الأمهات: دفاتر السهر، الحبو، أول الكلمات، الأسنان، المدرسة، المراهقة… كل خطوة تتشكل أولًا في قلوبنا قبل أن تصبح قتيلًا أو قاتلًا. نحن نموت كل يوم. يُسفح دمنا كل يوم. يُهال علينا التراب أو نُلقى في العراء كل يوم. ألم نتعلم شيئًا من صراعنا الطويل مع الأبوية التي تركت لنا وحدنا عبء خلق الحياة ورعايتها، ثم حمّلتنا أيضًا ألم قتلها وتعذيبها وإهدارها مضاعفًا؟ هل ننضم إليهم في حربهم، ونقتل ما تبقى منا بأيدينا؟
ومع ذلك، لا يمكن لهذا المقال أن يُشيطن الرجال. فالرجال أيضًا أبناء ثقافتهم، أبناء نظام حدّد الأدوار ووزّع الألم. كما ان كثير من الرجال اشتغلوا على أنفسهم وغادروا المنظومة الأبوية القديمة، أصبحوا اقرب الى انسانهم. العمل الكبير الذي قامت به النسوية السودانية، والانفتاح على العالم، كان يسعى إلى شراكة حقيقية: في الزواج، وفي الهمّ المشترك، وفي الحياة. لكن الحرب أعادتنا إلى المربع الأول؛ إلى عنف الأبوية المباشر، إلى تسعير الجرح الإثني بدل تضميده، والعنصرية بدل معالجتها، والذكورية بدل أنسنتها.
ثم هناك هذا الخطر الصامت: استسهال الحرب من خلف الشاشات. هذا الستار الشفاف الذي حجب عنا معاناة الضحايا، وما تفعله كلماتنا في قلوبهم وأرواحهم. من السهل أن نكتب تعليقًا ونمضي، كأننا نلقي كيس نفايات، وننام بينما تستمر كلماتنا في تمزيق تقدير إنسان لذاته، وحقه في الكلام، وحقه في الوجود. لطالما كنا — نحن النساء — أدوات في صراعات الذكورية على الثروة والسلطة: في الحكومة، في المعارضة، في خدمة النظرية. تُستدعينا في الحرب والثورة، ثم نُترك عند الأبواب مثخنات بالجراح. فماذا نفعل بحكايات أخواتنا؟ بحكايتنا نحن؟ لسنا ذات الأنثى ولا ذات التجربة: من خطوط النار، إلى ساحات التظاهر، إلى المنافي الأوروبية والأمريكية، إلى بلدان الاغتراب. لكننا جميعًا اختبرنا الأبوية، وإن اختلفت درجاتها. نحن أقرب لفهم بعضنا مما نتصور. فلماذا ننضم إلى تدمير ما تبقى منا؟ الرجال قد يستفيدون من الحرب، لكن السلام يفيدنا جميعًا — ويفيد الرجال أيضًا — ويفيد الوطن أولا وأخيرا.
في مشاكوس، حملت النساء الجنوبيات التابوت أمام الرجال وهن يندبن، ليضغطْن عليهم لتوقيع اتفاقية السلام. وفي المفاوضات، تلاشت سريعًا الحواجز بين النساء الجنوبيات والشماليات المشاركات؛ صرن يلتقين خلف الكواليس، يتبادلن الهدايا، ويصنعن مساحة إنسانية وسط الخراب. في لحظة ما من تاريخ السودان، وفي جزء منه، كانت النساء توقفن الحرب بين فريقين بمجرد أن تقف بينهم وتكشف رأسها عن ثوبها. كانت السيوف تعود سريعا الى مواضعها لأنها تذكرهم بما تفعله الحرب من هتك للعرض والشرف. توظف المغروس في لا وعيهم عن كرامتهم ودورهم الاجتماعي. فيتراجعون.. واليوم تهنا عن ذاكرتنا. عن أنفسنا، وعن المعنى. نعم، في السودان مشاكل عميقة: انقسام عرقي، قبلي، تهميش، أيديولوجيات، جشع واستعلاء. كلها وقّعت أسماءها على أجسادنا. لكنها ليست عصية على الحل إذا توفرت إرادة حقيقية وفهم حقيقي.
السلام ليس اتفاقًا سياسيًا فقط. السلام يبدأ حين تتوقف الكلمات عن أن تكون أسلحة. حين نصنع لغة تُنصف الناجيات، تعترف بكرامتهن وألمهن وحقهن في الفرح كما في الحزن. لغة تُعرّي المعتدي دون شيطنته، نفهمه لا لنعذره، بل لنفكك منظومته. لغة تُعيد بناء الجسور داخل مجتمع النساء: تسأل بدل أن تتهم، تُصغي بدل أن تُدين، تُرافق بدل أن تفرض. لغة مقاومة، لا عارية من الحنان ولا مشدودة للعنف. لغة تؤمن أن إصلاح الخراب يبدأ من إصلاح الطريقة التي نتحدث بها عن بعضنا وعن أنفسنا. وكما قيل (إذا ابتلعت الحرب المعنى، فاللغة هي ما يُعيد للإنسان قلبه).
عندما تحترق البلدان، تشتعل الكلمات. لكن بإمكان النساء — اللواتي يحملن ذاكرة الوطن وروحه — أن يطفئن هذا الحريق بخطاب لا يعيد إنتاج الألم، بل يفككه. يحوّل الجرح إلى معرفة، والمعرفة إلى تضامن، والتضامن إلى مستقبل يليق بكرامة النساء السودانيات، وبالوطن. هذه ليست دعوة إلى تهذيب اللغة، بل إلى تحريرها. إلى جعلها أداة شفاء لا سلاحًا. إلى تحويل الساحة التي شهدت العنف… إلى مساحة يُبنى فيها السلام.