حكاية المستثمر الخارجي
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
د. ابراهيم بن سالم السيابي
في إحدى أسفاري، تعرفتُ على أحد المستثمرين من إحدى الدول، وكان هذا المستثمر يحمل في جعبته أفكارًا طموحة وأهدافًا واضحة، وبعد حوار طويل، كشف لي عن رغبته وشغفه لاستكشاف الفرص الاستثمارية في عُمان؛ حيث أبدى اهتمامًا عميقًا بالأسواق المحلية والمناطق الواعدة التي تحمل إمكانيات كبيرة للنمو.
بناءً على الحوار الذي دار بيننا وكنت قد بدأت أشرح له حال البلد، وما هي المقومات الجاذبة، مثل الوضع الاقتصادي وفرص الاستثمار بالسلطنة، بل أنني ذهبت أبعد من ذلك فقدمت له دعوة إلى السلطنة ليرى عن قرب ما يقدمه السوق المحلي من فرص استثمارية واعدة، وكعادة المستثمرين وأصحاب المال فإنهم يقرأون كل شاردة ورادة عن البلدان التي لديهم النية لوضع أموالهم والاستثمار فيها، ونحن مع الأسف البعض منا وربما بدون قصد يكتب والآخر يتحدث وينشر في وسائل التواصل الاجتماعي عن البيروقراطية وبطء الإجراءات الحكومية وما قد يواجهه المستثمرون من أنظمة وإجراءات في سبيل إنجاز وتخليص الموافقات والمعاملات، ودون أن ندرك بأننا بهذا الفعل قد نضر ببلادنا وقد نضيع عليها فرص استثمارية ممكنة، فحاولت أن أقنعه بأن الأمر ليس كما يظن وأن هناك جهات معنية تقوم بجهد كبير في هذا الموضوع ووعدته بمرافقته وإرشاده لكيفية تخليص معاملاته وجعل الأمور تسير بشكل أسرع وأكثر سلاسة وعليه ألا يحمل هم هذا الجانب.
وبعد لأن اطمأن مبدئيا على الأقل، عرض علي بالمقابل الشراكة إذا رغبت في الأمر في حالة أنه قرر المضي قدما في موضوع الاستثمار، وبعد انتهاء رحلتنا توادعنا على أن يكون بيننا باب التواصل، وبعد مرور زمن لا بأس به وكان من جانبي مليء بالأمل والترقب، وبعد أن كنت قد فقدت الأمل في شراكة كانت في الأفق، تلقيت منه اتصالا لرغبته لزيارة السلطنة والقيام بزيارات ميدانية والوقوف على فرص الاستثمار، وبعد زيارة لعدة أيام، عاد المستثمر إلى بلاده وقد بدا بالفعل التحضير لمشروع الاستثمار، وكان يفكر كما أخبرني في مشروع توريد بعض المنتجات من مصانع بلاده تتعلق بأغراض مختلفة وهذه المنتجات عليها طلب متزايد مثل المواد الغذائية والأثاث ومواد البناء بل أنه يفكر في إقامة أكثر من مشروع بالسلطنة بما يتوافر فيها من مصادر ومن مواد خام، وبدا واضحا بأن هذا التعاون سيعود بالنفع على جميع الأطراف، وشخصيا من خلال ما عرض علي من سيرة ذاتية وعلاقات كنت أرى أمامي فرصة جيدة، ليست فقط لشراكة تجارية واقتصادية فحسب، ولكن أيضًا لبناء علاقات طويلة الأمد وقد تسهم في زيادة الناتج المحلي والقيمة المضافة المحلية وتدعم بشكل غير مباشر الاقتصاد الوطني.
لكن، كما هي الحياة دائمًا مليئة بالمفاجآت، جاء الموت ليُغيِّب صاحبنا فجأة، ويضع حدًا لهذه الفرصة، فقد فاجأني بشكل غير متوقع نبأ وفاته عن طريق الصديق الذي عرفني عليه، ليترك خلفه العديد من الأحلام التي لم تتحقق، والأفكار التي لم تترجم إلى واقع، كما أنني فقدت شخصًا كان قد أصبح صديقًا لي في فترة زمنية قصيرة، وأيضًا فقدت فرصة لشراكة استثمارية محتملة، وكذلك فقدت محاولة متواضعة مني في جذب أحد المستثمرين إلى السلطنة.
ولا شك أن الاستثمار الخارجي يمثل إحدى الأدوات المُهمة في الاقتصاد؛ فدخول الأموال والمواد الخام والتكنولوجيا والخبرات الخارجية إلى السوق المحلية، يحقق نقلة نوعية في بعض القطاعات وأموال هذا الاستثمار تعزز النمو والحركة التجارية والاقتصادية وتسهم في رفاهية المجتمع.
في الختام، لا شك أن الموت سيُغيِّبُنا جميعًا في يوم ما، فهذه سنة الحياة وهذه نهاية كل حي، لكن هذه التجربة التي لم تكتمل برحيل هذا المستثمر، تُعلِّمُنا أن الحياة مليئة بالفرص التي قد نفقدها في لحظة غير متوقعة ولأسباب مختلفة، ولكن علينا أن نسعى إلى إيجاد فرص أخرى، ولا شك بأن السلطنة بيئة استثمارية مواتية لما تملكه من موقع جغرافي، وثروات طبيعية، وبنية أساسية، وأنظمة وقوانين محفزة للاستثمار، واستقرار سياسي، بالإضافة إلى اهمية زيادة الاتفاق الحكومي الذي لا نختلف بأنه أحد أهم مصادر تنشيط السوق المحلي ورفع القوة الشرائية على الأقل في الوقت الحالي، علينا كذلك العمل على تمكين ريادة الأعمال والسعي إلى جلب الاستثمارات الخارجية لأنها قد تكون الحل الأمثل للتنمية الاقتصادية المستدامة وتنويع مصادر الدخل والمساهمة في خلق فرص التوظيف ورفاهية المجتمع، ولكن علينا في المقابل عندما يتعلق الأمر بهذه البلد العزيز، الحذر، واختيار المفردات المناسبة لما نقول أو نكتب حتى تبقى السلطنة بيئة جاذبة للاستثمار وعلينا كذلك العمل بخطوات متسارعة على إيجاد منظومة عمل تتسم بصفة تسهيل وتبسيط الإجراءات.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
محترف التزلج المظلي المختار المجيني.. حكاية بدأت من البحر
حاوره - عامر الأنصاري
رياضة التزلج المظلي، واحدة من الرياضات التي تحمل في طياتها الكثير من المتعة والإثارة، سواء بالنسبة لممارسيها أو المشاهدين من الشاطئ، فلوحات تزلج تعبر البحر، ومظلة تدفعها الرياح على بعد يتراوح بين 20 إلى 25 مترا من اللاعب المتصل معها بالحبال، وحركات القفز العالية، والمهارة في كسر الأمواج، جميعها عوامل تشكل لوحة في سماء الساحل الذي تتوفر فيه عوامل تلك الرياضة الحماسية، ومن أهمها سرعة الرياح التي لا يجب أن تقل عن 12 عقدة، ولا تزيد في الغالب عن 35 عقدة، وللمكان طبيعته التي تحدد الملائم من سرعة الرياح.
أثارتني هذه الرياضة وأنا في مهمة عمل لتغطية «مهرجان عُمان للتزلج المظلي 2025» الذي نظمته «عُمان للإبحار» بالتعاون مع مجموعة عمران وعدد من الجهات الأخرى خلال الفترة من 15 إلى 24 من يوليو، لأطرح على نفسي سؤالا، كيف للعوامل الجوية التي قد تجبر الصيادين على عدم خوض البحر أن تكون ذاتها عوامل ملائمة لإقامة مهرجان للتزلج المظلي وفرصة سانحة لمحبي هذه الرياضة؟ وأسئلة عديدة أخرى عن مخاطرها ومواقف أبرز ممارسيها.
المحترف المختار
ويعد الرياضي المختار بن عبدالكريم المجيني، واحدًا من محترفي رياضة التزلج المظلي من أبناء سلطنة عُمان، إذ توجت مسيرته الاحترافية بحصوله على المركز الثاني في المسابقة الرئيسية لمهرجان عُمان للتزلج المظلي 2025، وقبل ذلك كانت له مشاركات وإنجازات عديدة تؤكد شغفه وحبه لهذه الرياضة.
المختار، البالغ من العمر 25 عامًا، يثبت تفوقه على العديد من الأسماء العالمية المشاركة في هذا المحفل، فمن بين حوالي 90 مشاركًا من 12 دولة عربية وأجنبية، حقق المركز الثاني في مسار «داون وندر»، وحول ذلك قال: «كان المسار ممتعًا جدًا، البداية كانت من بر الحكمان إلى جزيرة مصيرة (قارن)، والمسافة كانت ٤٢ كيلومترًا، عبرنا خلالها على طبيعة مختلفة، من شواطئ ورمال بيضاء وجبال وتضاريس جميلة، الصعوبة التي واجهناها كانت في التيارات والأمواج العالية، وأيضًا في صعوبة رؤية اليابسة من الجهة الثانية، لكن جهود (عُمان للإبحار) كانت جبّارة، إذ صنعت لنا بيئة سباق آمنة ومطمئنة».
منافسة قوية
ويُعتبر مسار «داون وندر»، وهو السباق الرئيسي في المهرجان، سباقًا طويلاً من حيث المسافة، إذ تجاوز إجمالي محطاته الأربع في المهرجان حوالي 120 كيلومترًا وفي عمق البحر، وهذا ما يتطلب جهدًا عاليًا ويعكس منافسة قوية بين المتسابقين، وأثبت المجيني تفوق الرياضي العماني وقدرته على المنافسة بكل مهارة وقوة وتحمل.
يقول المختار عن سر تقدمه: «المنافسة كانت قوية جدًا، ومستوى المتسابقين عالٍ في الغالب، وللتفوق كنت أبحث عن مناطق بعيدة عن الأمواج أو يكون فيها الموج قليلًا، لكي أبحر بشكل أسرع وأكثر انسيابية، إضافة إلى أنني قبل السباق، كنت أراجع الخريطة وأقرأ المسار بعمق، وهذا الشيء ساعدني في صنع فارق بيني وبين صاحب المركز الثالث».
البدايات
المستوى العالي من الأداء الرياضي للمختار، لا بد وأن سبقه تاريخ رياضي وشغف وبداية، ففي صغره كان طموحه أن يكون مظليًا في القطاع العسكري، إذ كانت مشاهد المظليين تبعث فيه العزيمة والشغف، ولكن مسيرة الحياة أخذته إلى مكان ليس ببعيد عن شغفه وحلمه، فهو موظف في «عُمان للإبحار»، وقد أوضح: «تعلمت الكثير من الرياضات البحرية، الفضل بعد الله يرجع للرياضي سلطان البلوشي الذي لم يألُ جهدًا في نقل خبرته ومهاراته إلي، والتحقت برياضة التزلج المظلي في ٢٠١٧ قبل أن أتوظف بحوالي 3 سنوات، البداية كانت متواضعة، اشتريت أدوات مستعملة، وبدأت أتعلم من جديد وكان مستواي بسيطًا جدًا، ثم تعرفت على أيمن الغافري وشركة (سولتي رايدر)، وحصلت على دعم كبير منهم، سواء من ناحية الأدوات أو المعسكرات، تطوّرت بسرعة ووصلت إلى ما أنا عليه اليوم».
ورياضة التزلج المظلي لا تقام طوال العام، إذ تعتمد على الرياح الموسمية التي قد لا تتوافر طيلة أيام السنة، وحتى يحافظ المختار على لياقته، يسعى دائمًا إلى مواصلة التمرين البدني، ويمارس بعض أساليب محاكاة التزلج المظلي لكي يحافظ على المستوى العالي من القدرة على التوازن والثبات على لوح التزلج.
وخلال سنوات ممارسة المختار للرياضة، اكتسب العديد من المعارف والمعلومات عن أدوات تلك الرياضة، فمن شراء المستعمل، إلى امتلاك مجموعة كبيرة من لوحات التزلج والمظلات، وهي مختلفة ومنوعة، يقول: «هناك أنواع كثيرة وشركات تصنيع متعددة، سواء للوحات التزلج أو المظلات، فمثلًا لوحات التزلج منها الأحجام، ومنها متعددة الشفرات التي تكون في الأسفل لمزيد من الانسيابية، ومنها المزودة بقواعد الأقدام، ومنها دون ذلك، ولكل واحدة استخدام يحدده المتسابق بناءً على نوع المنافسة، وكذلك المظلات هناك أحجام متعددة، لكل منها استخدامها المناسب في كل ظرف، وهذا يرجع إلى قرار المتسابق وخبرته في الاختيار، إضافة إلى الأحزمة والحبال ومقابض التحكم بالمظلة».
المختار والبحر
ارتبط المختار المجيني بالبحر، إذ كثيرًا ما نجد منشوراته على صفحة الإنستجرام تعكس هذا الارتباط، فتارة في رحلة صيد، وتارة في إبحار شراعي، وكثيرًا من الإثارة في رياضة التزلج المظلي.
وعن علاقته بالبحر، يقول: «علاقتي بالبحر بدأت من عمر ١٣ عامًا في رياضة الإبحار الشراعي، بعدها دخلت في مجال الغوص الحر في سن ١٦ عامًا، وبعدها التحقت برياضة التزلج المظلي في عمر ١٧، إلا أن التطور الملحوظ بدأ فعليًا في عام ٢٠٢٣».
وما بين هذه الرياضات وهذه الأعوام، تعرض المختار لمواقف لا تُنسى، حدثنا عنها قائلًا: «تعرضت لكثير من المواقف الخطرة، خاصة أثناء التمرين في ظروف جوية قاسية، مثل: الرياح القوية والارتفاعات العالية، من أخطرها تمزق في عضلة الرقبة، هذه الإصابة أوقفتني فترة عن كل الرياضات لأبدأ مرحلة العلاج، التي خرجت منها بأفضل حال، كما تعرضت إلى إصابة في عضلة الساعد، وخرجت منها بسلامة».
إنجازات عديدة
شهدت المسيرة الرياضية للمختار المجيني إنجازات عديدة، استطاع خلالها أن يثبت مكانة الرياضي العماني في المحافل الدولية، ففي عام 2023 شارك المختار في بطولة دبي للتزلج المظلي، وحصل على المركز الثالث في مسارين مختلفين، يقول: «تلك التجربة زرعت لدي الثقة وطورت من مستواي، وجعلت أدائي أفضل بكثير في مهرجان التزلج المظلي الأخير، ومسيرتي في الرياضة بشكل عام».
وعن أهم الإنجازات أوضح: «في بطولة دبي للتزلج المظلي عام ٢٠٢٣، حصلت على المركز الثالث في فئة سباق المضمار، والمركز الثالث في فئة الـ(فري ستايل)، كما شاركت في سباق الـ(سلالم) -هو نوع من السباقات المليئة بالانعطافات، لا يكون في خط مستقيم، بل يشبه موجات متتابعة أو مؤشر نبضات القلب يعكس مهارة المتسابق في التحكم بالاتجاهات والمسارات، وفي رأس الحد عام ٢٠٢٤، حصلت على المركز الثاني، وأخيرًا شاركت في سباق الـ(كاستال) -سباق ساحلي يمتد بمحاذاة الشاطئ لمسافة محددة- وسباق الـ(داون وندر) في مهرجان عُمان للتزلج المظلي 2025، وحققت المركز الثاني في كل منهما، الحمد لله، فخور جدًا بالمستوى الذي وصلت له، وإن شاء الله القادم أفضل».
الواقع والدعم
يرى المختار المجيني أن رياضة التزلج المظلي لا تزال حديثة نسبيًا في سلطنة عُمان، لكن الإمكانات الجغرافية والمناخية المتوفرة في البلاد تجعلها مهيأة تمامًا لتكون وجهة عالمية لهذه الرياضة. يقول: «الحمد لله بلدنا تتميز بتضاريس رائعة تدعم هذه الرياضة، في موسم الشتاء، من رأس الحد إلى شناص، وفي الصيف من رأس الحد إلى صلالة، وكل موقع له طابعه الخاص، أما جزيرة مصيرة، فهي الأجمل، وتتوفر فيها كل الظروف المناسبة، من هواء قوي إلى متوسط إلى خفيف، سواء للمبتدئين أو المحترفين».
وأضاف: «نتمنى من الجهات المعنية إعطاء هذه الرياضة الاهتمام المطلوب، فتطوير البنية الأساسية والدعم المؤسسي سيُحدث فارقًا كبيرًا في بروز المواهب العُمانية وإبراز الوجه البحري لسلطنة عمان».
التدريب ونقل المعرفة
إلى جانب ممارسته واحترافه للتزلج المظلي، يحرص المختار على نقل المعرفة والتجربة للآخرين، ويشارك في تدريب المواهب الجديدة وتحفيزهم، ويؤمن بأهمية كسر حاجز الرهبة لديهم، موضحًا: «كثير من الناس حين يرون المظلة لأول مرة يعتقدون إنها صعبة وتحتاج إلى مجهود عالٍ، لكنها في الحقيقة سهلة جدًا، أهم شيء تتبع تعليمات المدرب لكي تتجنب المخاطر».
ويختم حديثه بالنصيحة قائلا: «أنصح كل غواص يتعلم هذه الرياضة؛ لأنها بديل ممتاز في حال كانت ظروف الغوص صعبة، مثل ارتفاع الموج أو شدة الرياح».
أشخاص لهم أثر
ولكل بطل قصة، وأشخاص كان لهم أثر واضح في دعمه وبداياته، ويستذكر المختار أولئك الذين مدّوا له يد العون، قائلا: «أولًا، عائلتي، ثم المدرب والصديق سلطان البلوشي، الذي كان دافعًا قويًا لأدخل عالم البحر والرياضات بشكل عام، وأعتبره قدوتي، وبعده أيمن الغافري من (سولتي رايدر)، اللي وصلني للمستوى الحالي، وأيضًا أحمد الفضيلي المصور العالمي، وعائلة (سولتي رايدر) بالكامل».