القرار الذي أصدره فصيل من حزب الأمة القومي بإقالة فضل الله برمة ناصر من مهامه الرئاسية سيوجد - لا محالة - انقساماً شديداً داخل الحزب العتيق، والذي يبدو أن هناك الآن ثلاثة أجنحة تتصارع حول قيادته: جناح برمة، و٢- صديق المهدي، و٣- وكريمات الصادق المهدي. إن حال الحزب الآن أمر مؤسف بالنسبة لنا نحن الذين نريد العافية، والإصلاح، لمؤسساتنا الحزبية المركزية حتى تضطلع بمهام توحيد السودانيين فوق العشائرية، والقبلية.
الحقيقة أن غياب الزعيم الصادق المهدي بكاريزماه التاريخية، والدينية، والسياسية، المعترف بها داخل تكوين الحزب قد ألقى بظلاله السالبة على التنظيم منذ لحظة وفاته. فهو - من ناحية - لم يجدْ في إعداد خليفة له حقيقي سواء داخل الأسرة، أو خارجها، ليكون مقبولاً للقاعدة الأنصارية قبل الحزبية. فإذا نظرنا بحساب التوريث المتوقع فإن الراحل الصادق المهدي نفسه - برغم حفاظه على الجسم الغالب في حزب الأمة بعد وفاة عمه - ساهم في هذا الفراغ الرئاسي. فابنه اختار، بمباركة من الأب، قراره الذي قضى يحرق نفسه مع النظام الاسلاموي. وبعد نجاح ثورة ديسمبر اللحظي لم يساعد اعتذار عبد الرحمن الصادق المهدي لقاعدة الحزب في جعله عضواً قيادياً فيه ناهيك عن أن يكون في سدته الرئاسية. ونتيجةً لفقر تقديراته السياسية المستمرأة عاد عبد الرحمن إلى حاضنة البرهان بعد الثورة، وانضم للكتلة الديمقراطية المناوئة للحزب، وبعد الحرب ارتدى بزته العسكرية. ولما فشل في تسويق نفسه كبطل مقاتل مثل كيكل - على أقل تقدير - عاد إلى المدنية بتوظيف من النظام لإعداده ليكون رئيس الوزارة المرتقبة، كما أشارت بعض مصادر. من ناحية ثانية لم يبد الصادق المهدي من السياسات الحكيمة التي تكفل إبعاد التوريث، والانحياز للكفاءة على حساب البراعة. فهو لم يحافظ على قيادات تاريخيّة مميزة تعينه حتى قبل وفاته بنضالاتها المعروفة. فاعتزل آدم موسى مادبو، وفيصل عبد الرحمن علي طه، وبكري عديل، وصلاح إبراهيم أحمد، وعبد المحمود أبو صالح. وإذا قلنا إن الراحل بريء من إبعادهم من سدة القيادة الاستشارية فإن المناخ القيادي في الحزب أجبرهم على الابتعاد فيما قرب الصادق شخصيات للاستشارة مشكوك في ولائها وضعيفة في مستواها المعرفي. ومن ضمن هؤلاء الفريق صديق إسماعيل الذي كان محافظاً لكلبس، واحتفظ بعلاقات مريبة مع النظام المباد كما قال خصومه. منذ وفاة الإمام محمد أحمد المهدي كانت قيادة الأنصار تواجه تحديات جمة، وكلنا نعرف الصراع الجهوي الذي واجه اختيار الخليفة. ولما استلم القيادة بعد دحر المهدية ابنه عبد الرحمن نجح في تعزيز قيادته الحزب حتى مماته،
ولكن بعد وفاته حدث الخلاف داخل الأسرة حول القيادة السياسية. ومنذ ذلك الوقت ظلت الخلافات الشخصية، والموضوعية، تضرب جنبات الحزب، والأسرة. ولكن ظل الزعيم الصادق المهدي يمسك بزمام غالب عضوية الحزب، ولم تفلح أحزاب الأمة العديدة التي كونها بعض أفراد الأسرة، وخارجه، من منازعة ثقل الإمام الزعيم، وإن كان قد ناقض نفسه لاحقاً. إذا رضي أن يجمع ما بين المنصبين بعد أن كان قد استكثره على عمه الإمام الهادي المهدي. بعض النقاد الغلاة يفرحون لهذا التشظي الذي واجهه حزب الأمة، وغريمه الاتحادي، بعد الإنقاذ حتى صار للحزبين التقليدين أكثر من ستة فروع، أو تزيد لكل منهما. وذلك بحجة أنهما سبب مؤثر لأزمة السودان. ولكن اعتقد أن الحزبين برغم أخطائهما الكارثية سوى أنهما وحدا السودانيين فوق التفكير الجهوي، والقبائلي. وكان من المتوقع أن يصححا بين مرحلة، وأخرى، الأخطاء التاريخية حتى يزدهرا باتجاه إنجاز الرؤى السياسية العقلانية المتقدمة. ولكن!. تأتي إقالة برمة في ظل وضع استقطابي شديد للغاية. ولعل استبداله بخليفته الدومة المنحاز للجيش يؤشر لأكثر من معنى في أتون هذا الصراع داخل مكونات الحزب. ولا ندري حتى الآن إن كانت إقالة برمة استوفت شروطها اللائحية الحزبية، وتمت بخضوره أم لا. ولكن عموماً فإن هذه الخطوة سواء كانت دستورية أم لا، فلا مناص من أن تزيد أوار الصراع على مستوى القواعد. ذلك إذا ما استطاعت رئاسة الحزب ضبط خطوات قياديها بشكل يمنع الانفراد في اتخاذ القرار الكبير نوعياً. ما لا يسهم في استقرار الحزب، ويشكك في صدق نوايا الذين أقالوا برمة لمعالجة منازعة قيادة الحزب بين دعم الجيش أو الدعم السريع هو موقفا د. مريم الصادق وشقيقتها الأستاذة رباح. فهن بارحا الحياد بين طرفي الحرب في تصريحاتهن، وأثبتن انحيازهن للجيش بجانب انحياز الدومة له على خلفية تضرر مكونه القبلي من الدعم السريع. إن الحاجة ملحة أمام عقلاء الحزب لأبعاده عن الاستقطاب نحو طرفي النزاع كما كان هذا هو الموقف المفترض في أحزابنا المركزية أن تجسر للتفاوض بين الطرفين لإنهاء الحرب. بالإضافة إلى ذلك فإن قاعدة الحزب - حيث أغلبيتها في دارفور وكردفان - تتعرضان منذ فترة لقصف يومي من طيران الجيش الذي راح ضحيته مئات المدنيين، وتدمير البنيات التحتية على شحها. ولهذا فإن انحياز مريم ورباح وشقيقهما عبد الرحمن للجيش ستتبعه ردود فعل مناوئة غاضبة لقيادات، وقاعدة الحزب، ما يجعل من الصعب على الحزب القيام بدور إيجابي لوقف الحرب. في وقت نطالب كديمقراطيين بتوحيد أحزابنا في مظلة وطنية جامعة لوقف الحروب يأتي انقسام حزب الأمة ليزيد الفتق على الراتق الوطني. ومع ذلك فالسبيل لمعالجة الأزمة هو استئناف الاعتماد على المصلحة العامة، وليست الفردية لقيادات الحزب.
suanajok@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية:
الصادق المهدی
عبد الرحمن
حزب الأمة
إقرأ أيضاً:
بعثة الأمم المتحدة: الانقسام السياسي في ليبيا يهدد الاستقرار والعملية الانتقالية
أكد الاستعراض الاستراتيجي لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الوارد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، أن البلاد لا تزال عالقة في مرحلة انتقالية غير مستقرة بعد أكثر من 14 عاماً على ثورة 2011، بسبب استمرار الانقسامات السياسية والمؤسسية وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة والتدخلات الخارجية.
وأوضح التقرير، أن البعثة الأممية لا تزال تمثل عاملاً رئيسياً في حفظ الاستقرار داخل ليبيا، رغم القيود التي تواجه قدرتها على تنفيذ ولايتها نتيجة “التشرذم الوطني والبيئة الجيوسياسية المعقدة”.
وأشار التقرير إلى أن ليبيا تشهد ازدواجية في مراكز السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية في الغرب والجيش الوطني الليبي في الشرق والجنوب، ما أدى إلى ترسيخ مؤسسات موازية وصعوبات كبيرة أمام جهود توحيد الأجهزة الوطنية.
كما لفت التقرير إلى أن الانقسام الحاد بين الشرق والغرب، واستمرار التدخلات الخارجية، وتنافس القوى الإقليمية والدولية، كلها عوامل تُبقي البلاد في حالة جمود سياسي وتمنع تقدم العملية الانتقالية.
وبيّن التقرير أن البعثة الأممية تمكنت خلال الأعوام الماضية من الإسهام في منع تجدد الصراع الواسع ودعم ترتيبات وقف إطلاق النار المبرم عام 2020، إضافة إلى تيسير مفاوضات بين مؤسسات الدولة الليبية لتوحيد مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة، وتقديم دعم فني مستمر للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
لكن التقرير أشار إلى أن البعثة ما زالت تواجه تحديات عميقة، أبرزها محدودية وجودها الجغرافي خارج طرابلس، ونقص الموارد البشرية، وضعف الثقة الشعبية في فعاليتها، وتراجع التنسيق الدولي في إطار عملية برلين.
وحذرت البعثة من أن استمرار حالة الجمود “قد يؤدي إلى ترسيخ الانقسام الفعلي للدولة، أو حتى إلى تجدد النزاع المسلح على نطاق واسع”، في حال غابت عملية سياسية جديدة تقودها الأمم المتحدة.
وأكد الاستعراض أن المخرج الوحيد من الأزمة يكمن في إعادة تركيز الجهود الأممية على هدف استراتيجي واحد يتمثل في “تيسير عملية سياسية شاملة يقودها الليبيون وتعيد الشرعية الوطنية والتماسك المؤسسي”، مشدداً على ضرورة مواءمة هيكل البعثة ومواردها مع هذا الهدف.
واختتم التقرير بالتوصية بإجراء إعادة تقويم شاملة للتوجه الاستراتيجي للبعثة، تشمل مراجعة هيكلها الداخلي وملاكها الوظيفي وأمنها الميداني، بما يتيح توجيه مواردها نحو دعم عملية سياسية ذات مصداقية ومستدامة.
لمتابعة التقرير كاملاً من هنا