عربي21:
2025-06-24@23:49:04 GMT

لذا لزم التنويه: عن المعتقل وما فيه

تاريخ النشر: 1st, March 2025 GMT

"تفقدُ قيمتَها الأشياء مع الوقتِ، التكرار الرتيبِ، مع ملاحقةِ كلّ احتمالٍ للتمسّكِ، وسحقِ كلّ محاولةٍ للاستعادةِ.. ولو في المخيّلة!

يفقدُ جدواهُ سعي العدمِ ذاكَ، بلا يدٍ على الضفّةِ الأُخرى تستحثُّ السعيَ، بلا أعين تتلهّفُ الدنوّ، وبلا ضمّةٍ يُرجِفُها بردُ الانتظار.

ومحاولاتُ التخليقِ الافتراضيّ أذاها محقّقٌ.

. لن تتطوّرَ (نموّا وذبولا).. للخيالِ حدوده هنا، لن تبقى (ينهشُها احتياجٌ لا يشبعُ).. للزهدِ حدوده هنا، ولن تموتَ (ستقتُلنا رفاتُها بداخلِنا؛ تبعا).. للتخلّي -أيضا- حدوده هنا.

ومظنّةُ اعتيادُ الرحيلِ، ثبتُ خطأها بالتجربةِ.. كأنّها الأولى كلّ مرّةٍ.. كأنّه الوحيدُ كلّ راحلٍ".

* * *
ليست السيطرة على الجسد (امتلاكه؟) هي أخطر آثار السجن، ولعلّ غياب إدراكِ هذا ومظنّة أنّ الجسد هو كلّ حيّز سيطرته، ما يدفع البعض للتخلّص من هذا الجسد تخليصا له من هذا الحيز: سأهزمه وإن لم أنتصر
فكّرتُ في الانتحار كثيرا وأنا معتقل، ووقفتُ غيرَ مرّةٍ على حافة العدم، لكنّي لم أقفز؛ بدا التراجع عنه مناقضا لطبائع الأمور في حالٍ كهذا (السجنُ يقتل، والسجّانُ قاتلٌ بالضرورة)، لا علاقة لهذا بإيمانك ولا صلابتك، لعلّه الصبر أو الوعي بدرجةٍ ما (لستُ متأكّدا).

لكنّي شاهدتُ "أ س" بعد أن صفعه مخبر العنبر، في معتقل طرة، وقد قطع شرايين معصمه وابتلع شريطا دوائيا فور إعادته للزنزانة، لعجزه عن تحمّل الإهانة أو ردّها، وقبلها بسنين كنتُ في ذات عربة القطار/الزنزانة مع سجينٍ لا أعرفه وقد قطع خصيتيه أمامنا بعد أن عذّبه المخبرون وأهانوه وهو مقيّد، وألقاها في وجههم ثم سقط وسط بركة دمه.

ليست السيطرة على الجسد (امتلاكه؟) هي أخطر آثار السجن، ولعلّ غياب إدراكِ هذا ومظنّة أنّ الجسد هو كلّ حيّز سيطرته، ما يدفع البعض للتخلّص من هذا الجسد تخليصا له من هذا الحيز: سأهزمه وإن لم أنتصر، أو كما قلتُ لنفسي حينها: "سأخرج من هنا ولو جثمانا".

ليس قنوطا بالضرورة، إنّما رفضٌ للانحسار القسريّ في "بينٍ" لا يليق، "إذا كانت هذه هي الحياة، فلن أستمرّ"، اضطرار في غياب الاختيارات بيدِ القاتل/السجّان، لا يفزعني وأنا أعيد النظر إليه الآن، كما لا أشفق على نفسي فيه حتى، فقط أفكّر: لماذا لم أنتحر رغم كلّ ما جرى؟ لماذا لا ينتحر المعتقلون؟

* * *

"فالتعذيبُ إذن يلعبُ وظيفة قانونيّة وسياسيّة، إنّه احتفال من أجل إعادة إقرار السيادة بعد جرحها لحظة" (ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة).

في أولى المرّات تركوني بعد تعذيبٍ لثلاثة أيّام عندما بكيت، كان هذا هو الغرض، والتحدّي في المقابل، لكنّي لم أصمد إلا لثلاثة أيّام ثم خذلني ذهني وجسدي، أو لعلّي منحتهم الأمر لا واعيا لتنتهي المعاناة؛ لم أسامح نفسي على هذا الخروج، رغم فعل تمرّدٍ قمتُ به ردّا لإهانة، أو ربّما لأمنح نفسي العذر، لكن ظللتُ أعتبره خروجا مذلّا لسنين.

في الثانية، بعد عودتي من فلسطين مطلع 2009م، وتحديدا عند وصولي سجن ترحيلات الخليفة في القاهرة، وشوشَ ضابطٌ يرافقُ الترحيلة مأمور السجن وهو يناوله ملفّي، فقال المأمور"انت جيت يا.. أمّك" واندفع سيل وسخ هادر عليّ.

علّقوني خلفيّا في سقفٍ حديديّ، وبدأوا حفل تعذيبٍ. تكرّر في كلّ محطّةٍ وقفتُ فيها من رفح وصولا إلى سجن الأبعاديّة على اختلاف أماكن الاحتجاز وجهات تبعيّتها، وكان الغرضُ أيضا أن أبكي وأطلب العفو (هكذا قال مأمور قسم الترحيلات، والذي شارك بنفسه في التعذيب).

أقنعتُ نفسي أنّها لحظة طارئة، ولم أدرك أن الطارئ ممتدٌّ بطول العمر سوى حين التفتُّ لمرور 18 سنة منذئذٍ، ولم يعبر الطارئ أو ينتهِ (الحياةُ هي تلك اللحظة الطارئة/القاسية، على ما يبدو)، لكنّ الذهن لا يدركُ هذا ولا يستوعبه بمجرّد التفكير فيه، فقد انحشرتُ هناك ولم أخرج بعد، والسجّان (على باب الزنزانة، أو في قصر الحكم) واحدةٌ من غاياته ألا يخرج أحدٌ من هناك سوى مقبورا تحت الأرض أو في ذاته
كان الضربُ مؤلما، وكُسِرَ كوعي بضربة منه وما زالت به إعاقة. ولم يكن ثمّة حيلة أستخدمها كي لا أبكي وأصرخ طالبا الرحمة، في الوقت ذاته كنتُ قررتُ بالفعل ألا أكرر ما حدث في التعذيب السابق: لن أبكي أو أطلب الرحمة ولو متّ معلّقا هكذا، واهتديتُ ساعتئذٍ لأن أبدل الصراخ بالشتم والبكاء بالضحك، وفعلتُ كما أردتُ تماما، ظللتُ أضحك وأغني وأشتم حتى جنّ جنونهم وفقدوا الأمل فأوقفوا التعذيب وأنزلوني ثم رموا بي إلى الحجز مكسّر العظام، حرفيّا، غير قادرٍ حتى على التنفّس من فرط الوجع.

* * *

من هناك بدأ الخلل يتسلل إلى الـ"System" في نفسي، أو لعلّها كانت لحظة التجلّي لا الحدوث، أقنعتُ نفسي أنّها لحظة طارئة، ولم أدرك أن الطارئ ممتدٌّ بطول العمر سوى حين التفتُّ لمرور 18 سنة منذئذٍ، ولم يعبر الطارئ أو ينتهِ (الحياةُ هي تلك اللحظة الطارئة/القاسية، على ما يبدو)، لكنّ الذهن لا يدركُ هذا ولا يستوعبه بمجرّد التفكير فيه، فقد انحشرتُ هناك ولم أخرج بعد، والسجّان (على باب الزنزانة، أو في قصر الحكم) واحدةٌ من غاياته ألا يخرج أحدٌ من هناك سوى مقبورا تحت الأرض أو في ذاته.

* * *

"فادِحةٌ تلكَ اللحظةَ التي ندركُ فيها أننا لم نكن شجعانَ كفاية لنمضي قدما، ولا جبناءَ كفاية لنرتدّ على أعقابنا.

بئيسٌ ذلكَ الأملُ الخدّاعُ الذي يتناوبُنا، لا يحضرُ تماما لننفجر.. لا يغيبُ مطلقا لنسقطَ دفعة واحدة، فقط يستنزِفُنا.. يبعثرُ ذرّات وجودِنا على جانبي المسارِ كأثرٍ عارض.

لم تهيّئنا -حتى- أسوأُ الكوابيسِ لتلكَ "الماضويّة القسريّة" و"الجنديّة الاضطرارية في معركةِ الأزلِ"، لم تهيّئنا لـذلك المسخُ الذي حاولَ الانسلاخَ من تاريخِهِ، فانحشرَ في برزخِ البينِ؛ لا دودة ظلّ، ولا فراشة أصبح!".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه معتقل السجن التعذيب مصر تعذيب سجن معتقل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من هذا من هنا

إقرأ أيضاً:

ترامب: لماذا لا يكون هناك تغيير للنظام في إيران؟

لمح الرئيس الأمريكي إلى إمكانية تغيير النظام في إيران بآخر تصريحات له عقب ضرب المواقع النووية.

وقال ترامب، "إذا كان النظام الإيراني الحالي عاجزا عن جعل إيران عظيمة مجددا فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟".

وأضاف أنه ليس من الصواب سياسيا استخدام مصطلح تغيير النظام".

وسبق أن أكدت الولايات المتحدة مرارا أنها لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، كما ذكر الاحتلال أنه هجماته لا تهدف إلى إسقاط النظام الإيراني.

حذّرت الولايات المتحدة، الأحد، إيران من الإقدام على أي رد فعل على الهجمات التي استهدفت منشآتها النووية، مؤكدة أن أي تصعيد إيراني سيقابل برد أمريكي "هائل" قد تكون عواقبه كارثية على طهران.

وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال دان كين، في مؤتمر صحفي: "أي رد من قبل إيران سيكون خيارًا سيئًا للغاية، وسنتعامل معه بحزم".



وفي السياق ذاته، حذّر وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، من أي خطوة إيرانية انتقامية، واعتبر أن "الرد سيكون أكبر خطأ ترتكبه إيران على الإطلاق"، مضيفًا في تصريحات لشبكة فوكس نيوز أن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران لكنها "لن تتردد في الدفاع عن مصالحها وحلفائها".

وفي وقت سابق، أجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سؤال عمّا إذا كان يتفق مع تصريحات إسرائيل بشأن احتمال تغيير النظام في إيران، قال بوتين إن المجتمع الإيراني يتحد حول قيادة الجمهورية الإسلامية.

من جانبه قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الرغبة في تغيير النظام في إيران بالقوة ستكون خطأ إستراتيجيا، داعيا إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران للحفاظ على حياة المدنيين في كلا الجانبين.

وأدلى ماكرون بتصريحات على هامش مشاركته في قمة مجموعة السبع بكندا، وأوضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغ الحاضرين في القمة بوجود مناقشات للتوصل إلى وقف إطلاق نار بين إسرائيل وإيران.

وأضوج "نريد وقفا لإطلاق النار ويجب العودة للتفاوض بشأن برنامج إيران النووي. يجب الحفاظ على أرواح المدنيين في إيران وإسرائيل".

وأكد الرئيس الفرنسي أن الدول الأوروبية مستعدة للمشاركة في مفاوضات نووية جادة مع إيران في حالة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

مقالات مشابهة

  • دعم نفسي من جهاز منتخب مصر للاعب الأهلي بعد انتقادات الجماهير
  • معاريف: هناك منشأة نووية إيرانية سرية محصنة أكثر من فوردو
  • هل هناك حرب أخرى تلوح بالأفق في المنطقة؟
  • ترامب: دمرنا المنشآت النووية الإيرانية.. ولا أريد تغيير النظام هناك
  • ترامب: إسرائيل لن تهاجم إيران وطياريها هناك في «مهمة ودية»
  • القبض على طبيب نفسي لاتهامه بالاعتداء الجنسي على مريضاته
  • عاجل ـ ترامب: نأمل ألا يكون هناك مزيد من الكراهية
  • صراع الهويّة في السجن: من أنت؟
  • "فريدا" تضيء مسرح الجمهورية بثلاث ليالٍ من الرقص الحديث
  • ترامب: لماذا لا يكون هناك تغيير للنظام في إيران؟