"فليحيَ الشِعر" كتاب يسلط الضوء على أهمية الأدب في تعليم البابا فرنسيس
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصدرت رابطة الأبحاث والدراسات "أريس" كتابا بعنوان "فليَحيَ الشعر" جمعت فيه النصوص والمداخلات التي يتطرق فيها البابا فرنسيس إلى أهمية الشعر والأدب في التكوين والتربية وأيضا بالنسبة للحوار بين الكنيسة والثقافة المعاصرة. وقد أعد هذا الكتاب الأب اليسوعي أنطونيو سبادارو الذي كان مديرا للمجلة اليسوعية "الحضارة الكاثوليكية".
وللتعريف بتعليم البابا فرنسيس حول أهمية الأدب والشعر يعود الأب اليسوعي، وهو لاهوتي وناقد أدبي إلى جانب كونه حاليا وكيلا في الدائرة الفاتيكانية للثقافة والتربية، إلى نصوص مختلفة للأب الأقدس ما بين رسائل عامة وإرشادات رسولية وكلمات ورسائل، هذا على جانب التذكير بما كتب قداسة البابا في تقديمه لبعض الكتب وما قال في مقابلات أُجريت مع قداسته أو حتى ما كتب في بعض رسائله الشخصية. ومن بين هذه الوثائق هناك على سبيل المثال الرسالة التي وجهها البابا فرنسيس في ١٧ يوليو ٢٠٢٤ حول دور الأدب في التنشئة، وأيضا رسالة الحبر الأعظم التي نُشرت في كتاب صدر السنة الماضية بعنوان "نحو الله. مختارات من الشعر الديني".
هذا وفي تقديمه للكتاب يحاول الأب أنطونيو سبادارو إعطاء القارئ مفتاحا لفهم المعرفة الأدبية للبابا فرنسيس الذي يعود في أحاديثه إلى الكثير من الكتاب الأرجنتينيين والعالميين الذين كانوا جزءً هانما من تكوينه مثل بورخيس ودستويفسكي، مانزوني ودانتي. وأشار الأب سبادارو إلى أن البابا يُدخل في تعلميه جوانب شعرية ورمزية وهو ما يعتبره الأب اليسوعي أمرا ذا أهمية كبيرة. وأراد هنا إعطاء مَثلا الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس حول الأمازون Querida Amazonia الذي استعار فيه البابا فرنسيس ما كتب ١٧ من الكُتاب والشعراء.
هذا ويُختتم الكتاب الذي يجمع نصوص البابا فرنسيس حول أهمية الشعر والأدب بمقابلة مع الصحفي الأرجنتيني خورخي ميليا والذي كان تلميذا للبروفيسور برغوليو حين كان يُدَرِّس في منتصف ستينيات القرن الماضي في مدرسة ثانوية في سانتا في الأرجنتينية. وكشف الصحفي عن بعض جوانب شغف البروفيسور اليسوعي الشاب برغوليو بالأدب والفن، كما وأشار إلى أسلوب تعليمي مميز شمل أيضا تحفيز الطلاب على كتابة قصص قصيرة كانت قد جُمعت في كتاب كتب مقدمته الشاعر الأرجنتيني الكبير خورخي لويس بورخيس. بل وقد ساهم البروفيسور برغوليو في تأسيس فرقة روك مدرسية تستلهم من فريق البيتلز الشهير.
ومن الجدير بالذكر أن ما يبدا به الكتاب، بعد مقدمة الأب سبادارو، رسالة قصيرة بخط الي كتبها البابا فرنسيس للأب اليسوعي يشدد فيها على أهمية الأدب والشعر وتتضمن العبارة التي أختيرت عنوانا للكتاب: "فليحيَ الشِعر". ويضيف الأب الأقدس في هذه الرسالة أن علينا استعادة مذاق الأدب في حياتنا وفي تنشئتنا وإلا فسنصبح كثمرة جافة، كما ويؤكد البابا أن الشِعر يساعدنا على أن نكون بشرا وهو ما نحن في حاجة كبيرة إليه اليوم، كتب قداسته.
هذا ومن بين الأفكار الكثيرة التي ينقلها الكتاب من خلال كلمات البابا فرنسيس خلال حديثه عن الأدب والشعر ضرورة ألا تسقط الكنيسة في فخ اللغة الساذجة وما يصفها البابا فرنسيس بعبارات تتكرر بشكل آلي ومُجهَد. وقد تحدث البابا عن ضرورة أن يكون الإنجيل ينبوع إبداع ومفاجأة وقادرا على هز الأشخاص في الأعماق. هناك أيضا نداء قداسة البابا الذي وجهه مشددا فيه على حاجتنا إلى لغة جديدة إبداعية وإلى كُتاب وشعراء وفنانين قادرين على أن يجعلوا العالم يرى يسوع، وذلك في هذا الزمن الذي تطبعه الحروب والاستقطاب ويواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والبيئي. وينقل الكتاب أيضا النصوص التي تعكس اهتمام البابا فرنسيس بتنشئة الكهنة والعاملين الرعويين، هذا إلى جانب تشديد قداسته على كون الأدب الأداة الملائمة بشكل كبير لتعزيز الحوار بين الإيمان المسيحي والثقافة المعاصرة ومن أجل التعريف بالرسالة المسيحية ونقلها بشكل أفضل ومفهوم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: فرنسيس 10 فرنسيين البابا فرنسیس الأدب فی
إقرأ أيضاً:
القدس في وجدان المغاربة.. من حارة التاريخ إلى ضمير الأمة.. كتاب جديد
كتاب: المغاربة والمسجد الأٌقصى صلات أصيلة، وعطاء ممتدالكاتب: حماد القباج وعبد المجيد أيت عبو
الناشر: مكتبة وما يسطرون
الطبعة الأولى: 2025
عدد الصفحات: 540
وقائع تاريخ بيت المقدس تثبت وجود صلات عميقة بين المغاربة والمسجد الأقصى سواء في التاريخ العام الذي يهم فلسطين والقدس والخليل، أو في التاريخ الخاص الذي يستعرض الأوقاف أو المدارس التعليمية أو الأبنية في القدس، وتحتفظ حارة المغاربة وباب المغاربة برمزية تاريخية كبيرة، تشهد على دور المغاربة في تعمير بين المقدس والدفاع عنه.
لكن هذه الرمزية التاريخية التي تشهد للمغاربة بشرف خدمة المسجد الأقصى، بقدر ما تجلي أدوراهم التاريخية وواجبهم اتجاه المسجد ألأقصى، بقدر ما تختصر هذه الجهود وتغطي على جهود أخرى، لا يعرفها إلا الباحثون المطلعون على الحقائق التاريخية لصلة الغاربة بالمسجد الأقصى والعطاء الممتد في التاريخ الذي قدموه لبيت المقدس.
وقد قام عدد من الباحثين والمؤرخين المغاربة والمشارقة والأجانب بجهود بحثية مهمة تكشف جوانب من هذا العطاء الذي بقي مغمورا في الكتب، منهم الدكتور المؤرخ نظمي الجعبة الذي كتب عن " المغاربة في بيت المقدس ظهر سنة 2021، وقد سبقه المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي الذي كشف جانبا من صلة المغاربة ببيت المقدس عبر بوابة الرحلة، فكتب كتابه:" القدس والخليل في الرحلات المغربية"، وكان قد قدم في سنة 2009، جملة وثائق قانونية وتاريخية لملتقى القدس الدولي برعاية جلالة الملك محمد السادس، وبتعاون بين مؤسسة ياسر عرفات ووكالة بيت مال القدس الشريف، حول المغاربة والقدس، وقدم وثائق أخرى عن أوقاف المغاربة بالقدس الشريف سنة 1981، وكتب الدكتور عبد الرحمان المغربي أطروحته حول طائفة المغاربة بالقدس، بجامعة عين شمس سنة 2000، وغطت إسهامات أخرى أدوار المغاربة ببيت المقدس، خاصة في مجال التعليم والبناء والتجهيز والعمل الخيري والإحساني، ولم يكن نصيب المغاربة من إظهار أفضال أجدادهم هو الأبرز، بل غطى المؤرخون المشارقة والغربيون هذه الافضال في جملة كتاباتهم العامة، التي تناولت تاريخ بيت المقدس والخليل، أو غطت بالبحث والدراسة الأوقاف الإسلامية، أو المدارس الإسلامية بالقدس الشريف.
لقد كان قصد الشيخ حماد القباج من هذا الكتاب في سياق تطبيعي وتوقيع اتفاقات إبراهيمية، تداعت فيه أقلام مغرضة للتشكيك في المغاربة وعلاقتهم بالقضية الفلسطينية، أن يثبت الصلات الوجدانية العميقة بين المغاربة وبيت المقدس، وأنها ليست مبنية على شعارات أو أوهام، وإنما هي مبنية على إرث تاريخي، مليء بالمنجزات والأفعال الدالة على تعلق المغاربة ببيت المقدس ودفاعهم عنه، وخدمتهم له. فصلة المغاربة ببيت المقدس، حسب الكتاب، ليست صلة عابرة، وإنما هي متجذرة في التاريخ متصلة غير مقطوعة تشهد عليها عطاءات المغاربة الممتدة إلى اليوم في كافة المجالات.في هذا السياق، ندرج جهدا آخر، أتى متأخرا زمنيا، لكنه، جاء مستوعبا لما سبقه، غير مقتصر على باب واحد من أفضال المغاربة وإسهامهم في خدمة بين المقدس، إذ كان الشيخ حماد القباج ـ الداعية والبحاثة المغربي ـ رحمه الله مهتما بالقضية الفلسطينية ومناصرتها، مغرما بجمع الوثائق التي تثبت صلات المغاربة ببيت المقدس وإسهامهم في خدمته، فاشتغل على جمع مادة الكتاب وتبويبها وتنسيقها، والتمس من يعينه في ذلك، ولم تمنعه الإعاقة من استكمال جهده، فأعانه على ذلك الأستاذ عبد المجيد أيت عبو، وشاءت يد القدرة أن يتوفى الشيخ حماد القباج قبل خروج هذا العمل إلى المكتبات، إذ توفي رحمه الله في التاسع من مارس 2025 أي قبل أقل من ستة أشهر من صدور كتابه.
قصة الكتاب
يروي الأستاذ عبد المجيد أيت عبو في مقدمة كتاب: "المغاربة والمسجد الأٌقصى صلات أصيلة، وعطاء ممتد" سياق تأليفه، وأن الشيخ حماد القباج رحمه الله، اشتغل على مادته لسنوات طويلة، وجمع فيه جذاذات بعضها قد استوى على ساقه، وبعضها الآخر كان مسودات تحتاج لدراسة ومراجعة، وأن الشيخ نظرا لامتداد السنوات واشتغاله بشكل متقطع على مادة الكتاب، خشي أن تداهمه السآمة فتحول دون إتمام كتابه، وأنه لذلك عرض عليه في صيف 2024، مقترحا بمساعدته في إتمام الكتاب وإخراجه، فتم التوافق على العمل المشترك الذي أثمر صدور هذا الكتاب هذا الشهر.
يذكر الأستاذ عبد المجيد أيت عبو في المقدمة نفسها بجهود الشيخ القباج في مناصرة القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع، ويشير إلى جملة من أعماله وكتاباته ومقالاته حول القضية الفلسطينية، ويعتبر أن انشغاله بموضوع صلة المغاربة ببيت المقدس لم يكن مجردة سرد تاريخي أو ولع بوثائق كان يرجو تقاسمتها مع القراء والجمهور، بل كان يقصد بدرجة أولى أن يغوص في أعماق ذاكرة جمعية مغربية مقدسية عربية إسلامية تحمل في طياتها إرثا روحيا وحضاريا وسياسيا امتد عبر قرون، وأن ذك أضحى يشكل جزءا ثابتا في هوية الأمة المغربية.
لقد كان قصد الشيخ حماد القباج من هذا الكتاب في سياق تطبيعي وتوقيع اتفاقات إبراهيمية، تداعت فيه أقلام مغرضة للتشكيك في المغاربة وعلاقتهم بالقضية الفلسطينية، أن يثبت الصلات الوجدانية العميقة بين المغاربة وبيت المقدس، وأنها ليست مبنية على شعارات أو أوهام، وإنما هي مبنية على إرث تاريخي، مليء بالمنجزات والأفعال الدالة على تعلق المغاربة ببيت المقدس ودفاعهم عنه، وخدمتهم له. فصلة المغاربة ببيت المقدس، حسب الكتاب، ليست صلة عابرة، وإنما هي متجذرة في التاريخ متصلة غير مقطوعة تشهد عليها عطاءات المغاربة الممتدة إلى اليوم في كافة المجالات.
بين يدي الكتاب
يضم الكتاب مقدمة وبابين اثنين، خصص الأول لتقديم لمحة تاريخية عن القدس والأقصى، حيث عرج على الفتح العمري والاحتلال الصليبي لبيت المقدس وتحرير صلاح الدين للقدس والمسجد الأقصى، ثم الاحتلال الصليبي الثاني للشام (الاحتلال الفرنسي للشام والاحتلال البريطاني والصهيوني لفلسطين) مذكرا في هذا السياق بالتحالف العربي البريطاني، وأدوار لورانس، واكشاف الملك حسين لغدر بريطانيا مرورا بوعد بلفور واختلاق هيكل سليمان والسياسة التهويدية اتجاه القدس، والإجراءات الصهيوني التي طالت المسجد الأقصى، والموقف العربي الإسلامي من تهويد القدس.
أما الباب الثاني، وهو زبدة الكتاب وثمرته الأساسية، فقد خصص لعرض علاقة المغاربة ببيت المقدس والمسجد الأقصى، إذ اختار المؤلف أن يقف على مختلف إسهامات المغاربة، منطلقا ابتداء من مسح موقع القدس والمسجد الأقصى في الرحلات المغربية، وذلك منذ مراحل جد مبكرة في القرن الخامس الهجري (رحلة الفقيه المغربي المالكي أبي بكر ابن العربي المعافري)، ثم رحلات كل من الشرق الإدريسي السبتي وابن جبير ورحلة الإمام الشاطبي والعبدري وخالد البلوي وابن بطوطة وابن ابن خلدون والمقري والعياشي والمكناسي والكتاني وابن يزدان والجعيدي وبوشعرة ومحمد الرقيوق، ثم أشار المؤلف في نفس الفصل المتعلق برحلات المغاربة إلى ما كتبه رحالة مغاربة عن القدس ولم يروها.
كما ضم الباب الثاني من هذا الكتاب، ودائما ضمن عطاءات المغاربة وصلاتهم بالقدس الشريف، صفحات مشرقة من جهادهم في الدفاع عن القدس، سواء في غزوة دمشق أو غزوة تيمورلنك، فذكر في هذا السياق جهاد الأمير عبد العزيز بن شداد الصنهاجي، وإسهام يعقوب المنصور الموحدي، والقائد المرابطي، ومكي بن حسون المغربي، وذكر جوانب مهمة من التعاون بين الدولة المغربية والدولة الأيوبية. ولم يقتصر الكتاب على جهود الأجداد في القرون الماضية، ولكنه ألحق بهم جهود المعاصرين في مواصلة النضال، فذكر من ذلك نضال الشيخ محمد المهدي شيخ أوقاف حارة المغاربة (1945)، ومصطفى مراد الدباغ (1989)، وشكيب القطب وبهجة أبو غريبة (2012) وفوزي نامق القطب (1088) وعصام ناجي سيسالم (2009) وعماد خليل العلمي ودلال المغربي (1973) وسامر عصوم المحروم، وحسن العلمي (2005)، وهاني محمد الشريف ومحمود معين الريفي (2009).
وركز الكاتب أيضا على جانب آخر من جوانب إسهام المغاربة في خدمة بين المقدس، يهم الحركة العلمية بالقدس، سواء من خلال القضاء، أو الإمامة والخطابة في المسجد الأقصى أو التدريس والإفتاء، أو تصدر مجالس العلم وكراسيه في مجال الحديث والفقه ومشيخة المغاربة وإمامة المالكية، هذا فضلا عن مجال الأدب والشعر والعلم بالمواقيت، ليعرج في فصل آخر ضمن نفس الباب أيضا على أوقاف المغاربة في القدس وفلسطين، وكيف توسعت بشكل كبير حتى شملت جوانب لا يمكن تصور دخول الأحباس عليها، فذكر الكاتب من ذلك وقفية الشيخ عمر المصمودي المجرد المغربي المالكي، والربعة الشريفة (المصحف المريني) ووقفية ابي مدين الغوث المغربي المالكي، وأشار إلى وقفيات أخرى كثيرة، مركزا أيضا على تدبير المغاربة لهذه الأوقاف وطرق إدارتها، وكيف استهدفها العدوان الصهيوني بعنف، والآثار الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت عن تدمير هذه الأوقاف والاستيلاء الصهيوني عليها.
وفي الفصل الخامس من نفس الباب المعني بكشف عطاءات المغرب اتجاه القدس وبيت المقدس وصلاتهم الوثيقة بهما، عرض الكاتب بالتفصيل الموثق إلى جوانب مهمة من تراث المغاربة المادي في القدس، وذكر من ذلك زاوية المغاربة، وطاحونة وقف المغاربة، وجامع المغاربة، وباب المغاربة (باب الحرم) ومئذنة باب المغاربة، وحارة المغاربة والمدرسة الأفضلية وجامع المغاربة وباب المغاربة وزاوية المغاربة ومسجد البراق وحائط البراق والزاوية الفخرية وملحقاتها ومدرسة بنات المغاربة، وتعرض الكاتب أيضا للسياسة الصهيونية التي استهدفت حارة المغاربة بالهدم، وكيف تحول هذا الحي إلى حي منسي بعد أن قام بأدوار مهمة في تاريخ بيت المقدس.
وإضافة إلى هذا التراث المادي، تناول الفصل السادس من نفس الباب الثاني، نضال وجهاد المغاربة للدفاع عن تراثهم المادي بالقدس، وانتصارهم للقدس والمسجد الأقصى سواء من خلال الجهود المدنية أو المؤسسية الرسمية، فذكر في هذا السياق إسهام المغاربة في ثورة البراق سنة 1929، ومواقف المغرب بالمؤتمر الإسلامي بالقدس سنة 1931، واحتجاج المغرب ضد قرار تقسيم فلسطين سنتي 1937 و 1947، وذكر جوانب من احتجاج مدن المغرب على هذا القرار خاصة مدينة سلا، وكيف تداعى المغاربة للتطوع للجهاد في حرب 1948، ولم يفته أن يقدم لمحة مهمة عن مواقف الحركة الوطنية من القضية الفلسطينية، وخص بالذكر حزب الاستقلال ومواقف زعيم الحركة الوطنية علال الفاسي وأحد رؤساء رابطة علماء المغرب الشيخ عبد الله كنون رحمهما الله، هذا فضلا عن مواقف المغرب الرسمية في الدفاع عن القضية الفلسطينية والاحتجاج على السياسات الصهيونية، والمبادرات التي قام بها سواء بالمشاركة في حرب 1973، أو إنشاء لجنة القدس وبيت مال القدس، دون أن يغفل الكتاب الإشارة إلى المبادرات المدنية لدعم الكفاح الفلسطيني.
أشار الكتاب إلى العلاقات الاقتصادية والتنموية بين المغاربة والقدس من خلال ذكر أوقاف المغاربة، وكيف كانوا يديرونها للمنفعة العامة، ولخدمة التنمية في المدينة المقدسة، وأيضا من خلال إسهاماتهم في مجال الأبنية والتجهيزات التي كانوا يقيمونها بالمدينة المقدسة، ولم يغفل الكتاب أن يذكر جانبا آخر، من جوانب الارتباط (السياحي) من خلال الرحلات المغربية إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى، وما يسجله الرحالة المغاربة في كتاباتهم بهذا الشأن.هذا وقد فضل الكاتب أن يختم الباب الثاني، بفصل سابع، جعله بمثابة دليل استمرارية تيقظ الوعي الوطني بقضية فلسطين وواجب الأمة العربية اتجاهها، فاستقرأ جريدة "الوحدة المغربية"، والنصوص التي تضمنت مواقف اتجاه القضية الفلسطينية وفضح السياسات الصهيونية، ووثائق تكشف المخططات العبرية للسيطرة على فلسطين والمسجد الأقصى، وطرق مقاومة هذا الكيان وتخليص فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
هذا وقد اعتمد الكتاب على 124 مرجعا علميا باللغة العربية، يضم المصادر التاريخية العامة والخاصة، والوثائق الوقفية، والوثائق المتعلقة بمدارس التعليم بيت المقدس، فضلا عن دراسات علمية في جزئيات متخصصة تكشف أدوار المغاربة المختلفة في بيت المقدس وخدمتهم للمسجد الأقصى، كما ضم مقالات ومراجع أجنبية متخصصة، مما يبين الجهد الموسوعي الذي قام به حماد القباج، والذي قد يغني القارئ إلى الرجوع إلى المراجع المتخصصة، إذ جمع الوثائق المختلفة، وضمنها هذا الكتاب، مما يبين أهميته في هذا الباب.
في حقيقة ارتباط المغاربة بالقدس والمسجد الأقصى
في خاتمة الكتاب، خلص المؤلفان إلى الجوانب الأساسية من ارتباط المغاربة بالقدس والمسجد الأقصى، إذ انتهى الكتاب بتقرير حقيقة أن ارتباط المغاربة بالمسجد الأٌقصى ليس فقط مجرد علاقة تاريخية أو جغرافية، بل هو علاقة عقائدية وروحية عميقة تستمد جذورها من التاريخ الإسلامي المشترك.
وهكذا بين الكتاب وجه الارتباط التاريخي الذي يجمع المغاربة القدس والمسجد الأقصى، والذي يمتد لقرون طويلة تعود إلى الفتح الإسلامي لبيت المقدس في القرن السابع الميلادي، حيث ساهم الجنود المغربة بشكل كبير في تحرير القدس، ويعود هذا الارتباط مع استقرار عدد من المغاربة في المدينة المقدسة خلال فترات مختلفة من التاريخ وخاصة بعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر، حيث أنشأ لهم حارة خاصة عرفت بحارة المغاربة وكانت قرب المسجد الأقصى لتسهيل عبادتهم وخدمتهم له.
أما بخصوص الارتباط العقائدي، فقد دلل عليه الكتاب بارتباط المغاربة بمدينة القدس والمسجد الأقصى منذ أن استقر الإسلام في أوطانهم، بفعل الأواصر الروحية والعقائدية التي تشد المسلمين إلى أعظم ثلاث مساجد في الإسلام، المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى بالقدس.
وأما الارتباط الروحي والعلمي، فقد أثبته الكتاب من خلال دأب المغاربة منذ العصور الأولى على زيارة الأقصى حين يرجعون قافلين من رحلتهم للحج، أو حين يقصدونها استقلالا وشوقا إلى هذه البقعة الطاهرة، ورغبة في الصلاة بالمسجد الأقصى، إذ كانوا لا يفوتون هذه الفرصة التعبدية، ويضيفون إليها النهل من دروس العلم التي لا تنقطع من مساجد القدس ومدارسها وزواياها، فمن المغاربة من آثر المكث في مدينة القدس مددا طويلة، ومنهم من كان يقضي مآربه ويرجع إلى أهله، وقد كانوا بين مستفيد من العلم ينهل من مجالسه، وبين علماء ومشايخ يقدمون زادهم العلمي، ويوطدون العلاقات العلمية والروحية بين المغاربة وفلسطين.
هذا وقد أشار الكتاب إلى العلاقات الاقتصادية والتنموية بين المغاربة والقدس من خلال ذكر أوقاف المغاربة، وكيف كانوا يديرونها للمنفعة العامة، ولخدمة التنمية في المدينة المقدسة، وأيضا من خلال إسهاماتهم في مجال الأبنية والتجهيزات التي كانوا يقيمونها بالمدينة المقدسة، ولم يغفل الكتاب أن يذكر جانبا آخر، من جوانب الارتباط (السياحي) من خلال الرحلات المغربية إلى بيت المقدس والمسجد الأقصى، وما يسجله الرحالة المغاربة في كتاباتهم بهذا الشأن.
وإذا كانت بعض هذه الجوانب من الارتباط تغطي بشكل كبير المراحل التاريخية السابقة، فإن الكاتب، إضافة إلى استمرار جوانب الارتباط التاريخي والعقائدي والروحي، لم يغفل أن يشير إلى مظاهر الارتباط الغربي بالقدس في العصر الحديث، سواء من خلال المبادرات المدنية أو الرسمية التي تقوم بها الدولة المغربية من خلال مشاريع بيت مال القدس التي بذلت الكثير لفائدة المقدسيين سواء في مجال التعليم أو الصحة أو البناء أو حفظ التراث المقدسي.