في لحظات الانكسار واليأس والهزيمة في تاريخ الشعوب والأمم.. تظل لحظات مضيئة تخلص فيها العزائم والهمم وتتوحد فيها الأهداف فتنتصر الإرادة.. فيبدي الشعب ثباتًا وصمودًا ضد كل الضغوط السياسية والعسكرية.. وعندما تخلص العزائم، وتتوحد الأهداف يتحقق النصر الذي يعبر بالأمة العربية كلها إلى آفاق جديدة، ويرفع عن كاهلها ذكريات حزينة مؤلمة.

هذا ما نشعر به، ونحن نقلب صفحات التاريخ للتأمل، والتعليم والاستفادة.. ولنلقي الضوء على أهم الصراعات العسكرية العربية الإسرائيلية منذ عام 1948..

صراع 1948.. كان مجرد قضية دولية للاجئين اليهود المهاجرين إلى فلسطين بعد وعد بلفور..

تم استيلاء اليهود على 20% من أرض فلسطين بمساعدة العصابات الصهيونية وأمريكا وروسيا وبريطانيا.. ولم تكن مشاكل إسرائيلية وأقلية تخص أقلية عربية إسرائيلية.. ولم يأب غالبية الإسرائيليين بالمشكلة الفلسطينية..

ذهب متطوعون من الجيش المصري بقيادة العقيد أحمد عبد العزيز، وانتهى الصراع العسكري 1948 بهزيمة العرب، ووقف القتال بمفاوضات رودس 1949، وأطلق على إسرائيل وقتها (إسرائيل المزعومة)..

وفي عام 1956 نشأ صراع عسكري مصري- إسرائيلي.. كان قضية قومية وطنية (ممكن الدفاع عنها) بدأها الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.. وتأكد بعدم قدرة القوات على التحرك السريع فلم يلوح باستخدام الجيش المصري، أو حشده رغم ما بدا هزيمة عسكرية.

أدار الرئيس جمال عبد الناصر قراره لصالح مصر سياسيًّا.. وقتها كان الحلم العربي تحرير فلسطين..

وجاء الصراع الثالث 1967..

لم تكن هناك قضية وطنية واضحة.. فلا وضوح للقرار السياسي، ولا تحديد أهداف.. وبدأت الأزمة (الصراع العسكري المصري/ الإسرائيلي) باستخدام الجيش، وتحركه واستدعاء القوات على عجل ومعظمهم من الاحتياط.. وتم حشد أكثر من مائة ألف على مسرح عمليات غير جاهز في سيناء.. فكان صراعًا عسكريًّا بلا أهداف، ولا مهمة فانتهى بالهزيمة قبل أن يبدأ.. وكانت النتيجة قيام إسرائيل باحتلال الضفة الغربية في سوريا، وغزة والقدس والجولان وسيناء.. وتم إنهاء الصراع بعد موافقة الطرفين على قرار مجلس الأمن الدولي 242.. وأصبح هذا القرار مرجعية كل متحدث عن الصراع العربي حتى الآن، وشمل القرار النقاط الآتية:

1- إنهاء جميع حالات الحرب، أو الادعاء بها.

2- الاعتراف بكل دولة في المنطقة.

3- العيش في نطاق حدود آمنة.

4- إقامة إجراءات أمن بينها مناطق منزوعة السلاح.

- كان من نتائج ذلك..

- أصبح الإسرائيليون في مواجهة العرب لأول مرة واتصال يومي بينهم وهي نقطة تحول.. كما دفعت بالقضية الفلسطينية إلى الأمام كمشكلة وطنية.. وسار الصراع حول مستقبل الأراضي المحتلة، وسكانها الفلسطينيين وكان احتلال الأرض لم يكن سوى أسوأ ما في يونيو 1967 وحتى اليوم مازلنا نعيش يونيو 67 الأسود بنتائجه السياسية.

- جميع الاتفاقات بعد يونيو 67.. ولدت من رحم يونيو، ولم تطوَ صفحته حتى اليوم ودخل التاريخ.. وأعطت إسرائيل ظهرها ولم نجد من يرغمها على الانسحاب ولم تفعل إلا عندما قاد الرئيس الشهيد (بطل الحرب والسلام) محمد أنور السادات الصراع العسكري في أكتوبر 73.. وصراع نوفمبر السلمي..

- الصراع العسكري أكتوبر 73..

كان هناك قرار سياسي لهذا الصراع.. صدر قرار القائد العام أول أكتوبر 73.. تناول أبعاد الموقف السياسي محليًا، وعالميًا والهدف الإستراتيجي المطلوب للقوات..

- في 5 من أكتوبر أصدر الرئيس السادات خطابًا ثانيًا صدر للقائد العام ثلاث مهام للعمليات..

1- كسر وقف إطلاق النار على الجبهة.

2- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة.

3- العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل.

- تحولت المشكلة الوطنية إلى قضية سياسية خارجية.. أثارت مفهوم الصهيونية اليهودية القومية الفلسطينية..

- ظهر أن التجربة الصهيونية بل وتاريخ اليهود كله.. ثبت عدم صحة مبدأ سيادة الحكومة الإسرائيلية على حقوق عرب فلسطين.

- إن نصر أكتوبر المجيد عام 73 سيبقى صفحة مضيئة في تاريخنا جيلاً بعد جيل.. وفي ضميرنا شعاع ضوء يعيد لنا الثقة في قدراتنا.. وسيظل حدثًا عظيمًا، وصورة غالية لصحوة أمة استطاعت أن تخرج من نكستها عام 67..

- صراع أكتوبر.. لم يكن نصرًا عسكريًّا فقط على قوة محتلة غاشمة ولكن كان صراعًا بكل المقاييس والأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.. جرأة في القرار.. براعة، وعبقرية القرار.. ودقة الأداء.. مفاجأة وخداع.. معجزة في شجاعة الجندي المصري الذي يؤمن بربه، وعدالة قضيته.. وسيظل حدثًا عظيمًا، وصورة غالية لصحوة أمة.. وللأسف نصر أكتوبر الآن يمر في صورة سريعة، ولا تعرف الأجيال الجديدة شيئًا سوى أغنيات وقصصًا وأوبريتات عابرة تردد دون استفادة شيء منها.. وذلك من خلال قنوات تليفزيونية وقنوات فضائية خاصة وأجيال لم تعاصر الحرب.. إن دماء الشهداء الأوفياء والأبرار لا تجف.. والذين أعطوا أرواحهم لا ينبغي أن يكونوا صفحات عابرة.. فكم من أصاغ دمه.. فجرًا أضاء لمصر أعتى دياجيها..

- إلى الشهداء الأبرار.. والأبطال المجهولين.. والمقاتلين الأوفياء عرفانًا بفضلكم وحسن أدائكم وعطائكم في معركة العبور العظيم تحت شعار القوات المسلحة المصرية والفرقة 19 مشاة التي شَرُفت بقيادتها في حرب أكتوبر 73 (الإيمان.. الشرف.. الجهاد)، لن أنسى أن أسأل الله تعالى أن يؤتي كل ذي فضل فضله، وأن يرزقكم الحسنى وزيادة.. وأن أختم كلمتي هذه بصفحة عزيزة عليّ..

يقول القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الرئيس الراحل (محمد أنور السادات.. .. .. .. .. .. .. .

- كنت أعلم نوع تفكير القادة الإسرائيليين وكنت أقرأ ما في أذهانهم ولي بهم خبرة طويلة..

لقد كان الإسرائيليون يتوقعون منا-مثلًا- أن نندفع بسرعة إلى داخل سيناء.. وفضلوا أن ينصبوا لنا الشرك وينتظرونا لندخل الكمين الذي أعدوه ثم يرتدون علينا في هجوم مضاد ليفتكوا بنا كما أرادوا.

كنا على بينة من أسلوبهم، وكنا نقرأ أفكارهم، ولم نمنحهم الفرصة، ولم نندفع في عمق سيناء..

وكان علينا.. أن ننتبه.. مرة أخرى لرد فعلهم.. لموقفنا من خططهم.. وأمكننا أن نقتنع بأن صبرهم سوف ينفد.. فقد كنا نثق بأن هذا المسلك من جانبنا سوف يحملهم مضطرين على مهاجمتنا..

وهكذا.. تنبأنا بالهجوم وأعددنا له العدة.. وبالفعل حضروا إلينا ودمرناهم..

وكانت البداية قصة الفوج 190 المدرع الذي أُفنى عن آخره، وأُسر قائده (عساف ياجوري).. ثم صمود الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس الباسلة..

هكذا.. كنا نبني تخطيطنا على أساس ما نعتقده، ونتنبأ به من تفكير وتخطيط العدو (توقيع/ الشهيد البطل محمد أنور السادات).

- والآن لك أيها القارئ العزيز نقدم لك كتابنا هذا «المحور العسكري-مراحل الصراع العربي الإسرائيلي 48-73» تأريخًا للأحداث بحلوها ومرها وكاشفًا لخفايا وأسرار الزمن

*فريق يوسف عفيفي

محافظ البحر الأحمر والجيزة الأسبق

قائد الفرقة 19 مشاة في حرب

أكتوبر 1973

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الصراع العسکری صراع ا

إقرأ أيضاً:

خبراء: صراع ترامب مع كاليفورنيا يهدد أسس النظام الفدرالي

أجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن التصعيد الحالي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولاية كاليفورنيا يمثل أزمة دستورية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي.

وحذروا من أنها تهدد أسس النظام الفدرالي، وتثير تساؤلات جدية حول حدود السلطة الرئاسية والحقوق الدستورية للولايات.

وشهدت مدينة لوس أنجلوس تصعيداً بدأ بعمليات مداهمة واعتقال نفذتها السلطات الفدرالية ضد مهاجرين، وتطورت إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة.

وبحسب مراسل الجزيرة ناصر الحسيني من لوس أنجلوس، فإن الأحداث شهدت مشاركة مجموعات بالآلاف من المهاجرين والمواطنين الذين يرفضون سياسة الترحيل والاعتقال والمداهمات التي بدأها الرئيس.

وقد تطورت الأوضاع بشكل خطير عندما انضم الكثير من الشباب المهاجر إلى الاحتجاجات معبرين عن غضبهم بالتهجم على السلطات.

وقد حوّل هذا التصعيد -وفق الحسيني- المظاهرات من احتجاجات سياسية سلمية إلى مظاهرات وأعمال شغب حقيقية شملت حرق سيارات الشرطة والاعتداء على المحال التجارية، مما دفع السلطات المحلية لفرض حظر التجمع وسط المدينة.

وانطلاقاً من هذه التطورات الميدانية، يرى الكاتب الصحفي المختص بالشأن الأميركي محمد المنشاوي أن ما يحدث ليس مفاجئاً على الإطلاق، بل يعكس إستراتيجية محسوبة من الرئيس ترامب.

إعلان

وأوضح أن الرئيس يؤمن بأنه ينفذ ما تم تكليفه من أغلب الناخبين في فترة الحكم الثانية، حيث وعد خلال فترة الانتخابات بأن يكون قاسياً جداً في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين (النظاميين).

تصحيح خطأ بايدن

كما لفت الكاتب إلى أن ترامب يحاول تصحيح ما يراه خطأ كبيرا من إدارة سلفه جو بايدن بفتح الحدود على مصراعيها أمام المهاجرين.

ولفت إلى بُعد أيديولوجي آخر "فترامب يرى نفسه ونائبه جيه دي فانس المسؤولين الوحيدين المنتخبين من الشعب كله" وهذا ما يمنحه شعوراً "فرعونياً" في حجم السلطات التي يريد أن يقوم بها.

وهذا التصور للسلطة الرئاسية يعكس رغبة ترامب في "تضخيم" الجهاز التنفيذي للدولة والسلطة التنفيذية التي يرأسها، بحسب الكاتب.

وبناءً على هذا الفهم للدوافع العامة، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الله الشايجي أن العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا تتجاوز الخلافات السياسية لتصل إلى مستوى الصراع الشخصي.

وأوضح أن ترامب لديه عقدة تجاه كاليفورنيا والولايات التي يحكمها من ينتمون إلى الحزب الديمقراطي.

وتمثل كاليفورنيا تحدياً خاصاً لترامب لعدة أسباب موضوعية، فهي -كما يشير الأكاديمي- أهم وأكبر ولاية في الدخل القومي، حيث تساهم بالضرائب الفدرالية للحكومة بـ50 مليار دولار.

وأكثر من ذلك، أن أكثر من ثلث عدد سكان كاليفورنيا لم يولدوا داخل الولاية، وأكثر نسبة من السكان يتحدثون في منازلهم اللغة الإسبانية، مما يجعلها رمزاً لأميركا متعددة الثقافات التي يعارضها ترامب أيديولوجياً.

انتهاك دستوري

وفي ظل هذا الصراع الشخصي والأيديولوجي، أوضح الدكتور الشايجي أن ترامب استند -في إرسال قوات فدرالية إلى لوس أنجلوس- إلى قانون عام 1807 الذي يسمح للرئيس بأن يرسل قوات فدرالية لمساعدة الولاية إذا احتاجت إلى ضبط الأمن ومواجهة من يهددون السلم والأمن.

إعلان

ولكن -كما يؤكد الشايجي- فإنه لا حاكم الولاية ولا عمدة المدينة ولا شريف مقاطعة لوس أنجلوس طلبوا ذلك من ترامب، مما يجعل إرسال القوات انتهاكاً دستورياً واضحاً.

وأوضح أن هذا الانتهاك لا يعد مجرد خلاف إجرائي، بل يمس جوهر النظام الفدرالي، فالدستور يفصل في التعديل العاشر صلاحيات للولاية لا يحق للحكومة الفدرالية أن تتجاوزها دستورياً، لكن ترامب "يضرب عرض الحائط" بهذه القيود الدستورية.

وفي سياق متصل بهذا الانتهاك الدستوري، تكشف الأرقام الاقتصادية عن تناقضات صارخة في سياسات ترامب.

فوفقاً لمكتب إحصاءات العمل، فإن خطة ترامب لطرد المهاجرين ستكبد القطاع الخاص تريليون دولار خلال عقود في صورة أجور ضائعة وتباطؤ بالإنتاج وتراجع بالاستهلاك.

وفي كاليفورنيا وحدها، يساهم المهاجرون غير الموثقين بـ8.5 مليارات دولار ضرائب سنوية ويمثلون جزءاً من الناتج المحلي للولاية التي تمثل 14% من الناتج المحلي للولايات المتحدة، كما أن ترامب سيحتاج 80 مليار دولار لتنفيذ هذه الخطة.

وتطرح هذه الأرقام تساؤلات جدية حول منطق ترامب الاقتصادي -كما يشير الدكتور الشايجي- فإن هذا التصعيد يحدث في وقت هو في حرب مع الملياردير إيلون ماسك، وحرب مع الجامعات الأميركية الكبرى، ويخوض حروباً كثيرة مع دول العالم فيما يتعلق بالرسوم الجمركية.

ونتيجة لهذه التكاليف الاقتصادية الباهظة، يوضح الشايجي أن كثيراً من الأميركيين يشعرون بالندم، خاصة اللاتينيين من الأصول المكسيكية، على أنهم انتخبوا ترامب.

دوافع أيديولوجية

ولفهم الأسباب الجذرية وراء هذا السلوك رغم تكاليفه الاقتصادية والسياسية، يجب النظر إلى الأيديولوجية التي تحرك ترامب -حسب المنشاوي- الذي ذهب للقول إن ترامب لا تحكمه إلا النزوات الشخصية والمصالح الخاصة، وبما أنه ليس لديه انتخابات أخرى مستقبلية فهو لا يكترث بما يعانيه المواطن.

إعلان

وتتمثل رؤية ترامب الأيديولوجية في تنفيذ أجندة اليمين الذي يدعمه، و"أميركا العظيمة" التي يقصدها هي أميركا البيضاء التي تتحدث الإنجليزية ويكون فيها عدد قليل جداً من المهاجرين.

ولفت الكاتب إلى أن هذه الرؤية تدفع ترامب لاعتبار أن ما قام به الرئيس السابق من ترك الباب مفتوحا أمام الهجرة غير النظامية كان هدفه تغيير المكون السكاني الأميركي.

وبدوره حذر الشايجي من أن التداعيات طويلة المدى لهذا الصراع قد تكون كارثية على النظام السياسي الأميركي، مؤكدا أن ما يحدث يضرب النظام الدستوري الفدرالي الديمقراطي الذي كان يروج له بأنه النموذج لحكم شؤون العالم.

كما لفت إلى أن الخطر الأكبر هو إمكانية تطور الوضع نحو حركات انفصالية، خاصة أن القبضة الحديدية التي يمارسها ترامب فيها نوع من الشوفينية ومصادرة حق الولاية، وهذا التطور المخيف يذكر بالأزمات التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية، وفق الشايجي.

مقالات مشابهة

  • تكريم مبارك النيادي بوسام أستراليا العسكري
  • أندية سعودية تبدي اهتمامها بضم المحور الليبي المصراتي من بشكتاش
  • أن تكون عميلا لعدوك
  • خبراء: صراع ترامب مع كاليفورنيا يهدد أسس النظام الفدرالي
  • لامين يامال يسخر من رونالدو والصراع بين النجمين يتصاعد
  • إنجاز مراحل متقدمة من 18 مشروعًا لأحياء سكنية متكاملة بالمحافظات
  • إلى المكون العسكري: ما هو برنامجكم اليوم ؟
  • قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤرخ الشاب زاخاري فوستر
  • بمساحة 10فدان.. مراحل استقبال الاضحيات بأحد المجازر العمومية في الإسكندرية
  • شارك بهجوم 7 أكتوبر.. إسرائيل تقتل القيادي أبو شريعة