ليس هناك أسوأ من أن يجد الإنسان نفسه في وطن بلا دولة، حتى في الحد الأدنى من مسؤولياتها الأساسية، وهذا هو الواقع الذي يعيشه اليمنيون اليوم، فهم يخسرون حاضرهم ومستقبلهم يوما بعد يوم، بينما تستأثر قيادات سلطات الأمر الواقع بالموارد، دون أي رقابة أو محاسبة.
تفتقر جميع سلطات الأمر الواقع إلى الشرعية، فالحوثيون، الذين وصلوا إلى السلطة عبر انقلاب، يحكمون بالحديد والنار دون أي شرعية دستورية أو قانونية أو حتى شعبية.
بدلا من العمل على كسب تأييد المواطنين عبر تحسين الخدمات، وإرساء الأمن، وصرف المرتبات، انخرطت هذه السلطات في سباق محموم نحو الفشل والفساد، منشغلة بتبادل الاتهامات للهروب من الحد الأدنى من المسؤولية الوطنية.
أبرز مظاهر هذا الفساد يتجلى في النهب المنظم لموارد الدولة لصالح الممسكين بزمام السلطة هنا وهناك، بينما يعاني المواطن من انهيار الخدمات الأساسية، وغياب الرواتب، وتلاشي فرص العيش الكريم.
لقد أسهمت عوامل عدة في تدجين الرأي العام وتجريده من الأمل في التغيير، فقد كرّست الأحزاب السياسية الولاءات الأيديولوجية العمياء، ما دفع أنصارها إلى تبرير فساد قياداتهم، فيما أنتجت الحرب كيانات جديدة لا تختلف في نهجها عن القوى التقليدية، مما عمّق الإحباط في المجتمع وأفقده الثقة بأي مسار للتغيير رغم عدم وجود مبادرات جادة من هذا النوع لدى أي طرف.
وازدادت الأزمة تعقيدا مع غياب قيادات وطنية نزيهة تمتلك رؤية واضحة لمستقبل البلاد، إذ أن معظم الشخصيات البارزة إما متورطة في الفساد أو عاجزة عن تقديم حلول عملية.
في ظل هذا الفراغ القيادي ، ترّسخت النكسات السياسية والأمنية والاقتصادية، ولم تكن أي مرحلة جديدة سوى امتداد لمأساة مستمرة منذ 2011، حيث لم يتحقق أي من وعود الذين جاءوا للحكم في التغيير، بل تصاعدت موجات الفساد والاضطراب.
وعلى الرغم من تعاقب جهات مختلفة على الحكم بصرف النظر عن مشروعيتها، إلا أن القاسم المشترك بينها هو الفشل في إدارة الدولة وانعدام الرؤية للخروج من الأزمة، ما عزز القناعة بأن أي بديل قادم لن يكون سوى امتداد لمنظومة الفساد ذاتها. ونتيجة لذلك، أصبحت الدولة شبه غائبة عن أداء أبسط وظائفها، فيما ترزح المؤسسات الحكومية تحت وطأة الشلل، ويواجه المواطنون أزمات معيشية خانقة، وسط انهيار اقتصادي متسارع.
في ظل هذا الواقع، بات من الصعب إقناع اليمنيين بإمكانية حدوث تغيير إيجابي قريب، إذ فقدوا الثقة في النخب السياسية والأحزاب، فيما يكتفي المجتمع الدولي بإدارة الأزمة بدلا من البحث عن حلول جذرية. وبينما تزداد الأوضاع سوءا، تتعاظم التساؤلات حول مستقبل البلاد، وما إذا كان بالإمكان ظهور قوى وطنية جديدة قادرة على كسر هذه الحلقة المفرغة من الفساد والصراع.
نحن أمام مفترق طرق خطير؛ حيث يجد المواطن نفسه عالقا بين سلطات أمر واقع لا تمثله، ونخب سياسية عاجزة، وأوضاع معيشية تزداد قسوة، في ظل غياب أي بوادر للتغيير. ومع ذلك، فإن عجلة الزمن لا تتوقف، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر إلى الأبد، ففي لحظة ما، خارج كل الحسابات، قد تنقلب الموازين رأسا على عقب، وحينها سيدرك أولئك الذين أغرتهم نشوة السلطة أن سُنن الحياة لا تستثني أحدا.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الأحزاب اليمنية الشرعية اليمن كتابات يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
سلطات العدو الصهيوني تعتزم بناء مركز شرطة في بلدة جبل المكبر بالقدس
الثورة نت/
تعتزم سلطات العدو الإسرائيلي بناء مركز شرطة جديد في بلدة جبل المكبر جنوب شرقي القدس المحتلة، بهدف محاصرتها وتعزيز مراقبة الفلسطينيين، وتسهيل وصول قوات الشرطة إلى جميع الأحياء المقدسية.
وحسب وكالة صفا الفلسطينية،اليوم السبت، صادق العدو قبل أيام على تحويل ميزانية قدرها 8 مليون شيكل لبناء مركز جديد للشرطة وسط جبل المكبر، تنفيذًا لمخطط أُعلن عنه عام 2023.
ويستهدف العدو البلدة بالمشاريع الاستيطانية والشوارع الالتفافية، وعمليات الهدم، وإقامة المراكز الأمنية والعسكرية، تمهيدًا لمحاصرتها بالاستيطان والمستوطنين، وتقييد حركة أهلها وتعريض حياتهم للخطر اليومي.
وحسب حركة “السلام الآن” الإسرائيلية المتخصصة بمراقبة النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية، فمن المتوقع بدء العمل في بناء مركز الشرطة الجديد قريبًا.
وذكرت أن مركز شرطة “عوز” الحالي الذي يقع على أطراف جبل المكبر، تنوي سلطات الاحتلال نقله، بهدف بناء وحدات استيطانية جديدة بدلًا منه.
وعلى مقربة من المركز، وسط منازل المقدسيين في جبل المكبر، أنشأت سلطات العدو عام 2004 مستوطنة “نوف صهيون”، تم بناء مشروع “نوف زيون” بحوالي 90 وحدة استيطانية في مرحلتها الأولى.
وفي المرحلة الثانية، تتم إضافة مئات الوحدات الإضافية، والتي وصلت الآن إلى مراحل متقدمة من البناء، بينما تتضمن المرحلة الثالثة إنشاء 140 وحدة استيطانية و550 غرفة فندقية على الأرض التي يقع عليها مركز الشرطة حاليًا.