يعتمد الكاتب المصري محمد الشماع في كتبه على الأرشيف، لكنه لا يجمع الأوراق القديمة، رغم مشقة المهمة في كثير من الحالات، بغرض إعادة نشرها، لكنه يقرأ الأوراق، ويحاول الوصول إلى ما بين سطورها، ويملأ فراغاتها، كما فعل أخيرًا في كتابه الشيق "ميمي شكيب" الذي يحمل اسم فنانة مصرية شهيرة.

ميمي شكيب كانت شخصية محيرة بالنسبة له بسبب ما كان يُقال عنها، صورتها لم تكن واضحة في أذهان الكثيرين، اختُصرت تقريبًا في مشهدين، الأول هو مشهد اتهامها في قضية "الرقيق الأبيض" حيث أثارت جدلاً واسعاً في المجتمع المصري، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وقيل حولها الكثير من المعلومات، وتحولت إلى مادة يومية دسمة جدًا للصحافة، وفتحت شهية الكُتَّاب لإضافة الكثير من الخيال خصوصًا في الجانب السياسي، فقيل مثلًا: إن الهدف من هذه القضية هو شخصية عربية نافذة، وقيل كذلك: إن الهدف هو قطع العلاقات مع بلد عربي يعد ممثلاً للاتحاد السوفييتي في المنطقة العربية.

أما المشهد الثاني، كما يقول الشماع، فهو مشهد انتحارها أو قتلها بإلقائها من شرفة منزلها. يعلق: "هذا المشهد تحديدًا هالني أثناء عملية بحثي فيه، حيث أجمع سكان العمارة، التي كانت ميمي تقطنها بوسط القاهرة، أنها ألقيت من شرفة (بلكونتها)، بل كانوا يحذِّرون المترددين على شراء الشقة بأنها مليئة بـالعفاريت، وحين يسألهم أحد ما إذا قد شاهدوا الواقعة بأنفسهم؟ يرددون بأنها حكايات سمعوها عن آبائهم وأجدادهم، بين هذا المشهد ومشهد القضية اكتشفت مفاجآت كثيرة للغاية عن حياة هذه المرأة".

مع بداية عمله في الكتاب - منذ أن افتتن بحلقة من مذكراتها المنشورة في مجلة (الشبكة) سنة 1975 وقعت في يده بالصدفة - لم تكن في ذهن الشماع صورة واضحة يود تقديمها عن ميمي شكيب، بل جعل العمل نفسه يقوده لرسم صورة ميمي شكيب. يقول: "إنها شبيهة بصورة الفنانة نفسها على غلاف الكتاب، فهي تعكس ملامح امرأة قوية شعرت بأنوثتها مبكرًا، واقتحمت دوائر (باشوات) زمانها، وتعرضت للخيانة والغدر، وأرادت أن تنتقم من كل الرجال، وبين كل هذا وذاك امتلكت شغفًا مهولًا بالفن والحياة، وتقديرًا للفنان نجيب الريحاني فقد جعلته بمثابة أب لها، وحبًا حقيقيًا للفنان سراج منير زوجها حيث عاشت معه حياة سعيدة حتى وفاته".

وحول سبب الإقبال الكبير على قراءة هذا الكتاب وكتب السيرة الذاتية بشكل عام يقول الشماع: "أظن أن ذلك يعود إلى سببين، الأول يخص الكتاب، والصورة الذهنية التي كوَّنتها الغالبية عن ميمي شكيب، حتى أن أحد الأصدقاء استنكر إقدامي على تجربة مثل هذه وقال لي نصًا: "هل تريد أن تكتب سيرة قوادة؟!". من اقتنوا الكتاب أو قرؤوه على منصات القراءة كان دافعهم الرئيس -كما ذكر لي البعض- هو اكتشاف هذه المرأة، التي كان لها في عالم السياسة والمجتمع أكثر بكثير من عالم الفن".

ويضيف: "أما السبب الثاني فهو يخص كتب السيرة بشكل عام، خاصة ما تدور أحداثها في الأزمان البعيدة؛ لأن هناك حنينًا كبيرًا للزمن الماضي وشخصياته المؤثرة وعوالمه الأخاذة الغامضة، ومن هذه النوعية التي تعجب الناس أذكر كتابًا سابقًا لي صدرت منه عدة طبعات وهو "السرايا الصفراء"، الذي حقَّقت فيه مذكرات مدير مستشفى العباسية للأمراض العقلية في أواخر الأربعينيات، الدكتور محمد كامل الخولي".

ما الفارق بينك وأستاذك الكاتب الصحفي صلاح عيسى في التعامل مع الأرشيف؟ أسأل ويجيب: "أجمل تجارب عشتها في حياتي هي ملازمتي للراحل صلاح عيسى أثناء عمله على نصٍّ نشر منذ 100 عام تقريبًا وهو كتاب "مذكرات فتوّة" للمعلم يوسف أبو حجاج. رأيت كيف كان الأستاذ الكبير يدقق في كل لفظ ويعيده لأصله اللغوي والمجتمعي، كما لمست بنفسي كيف كان يحقق الحوادث التاريخية، وتعلمت كذلك من كتابه "رجال ريا وسكينة" درسًا مهنيًا عظيمًا في الوقوف عند لحظة تاريخية بعينها ربما نكون جميعًا على دراية بها، وتناولها بعمق شديد، في نص يخلط بين الإبداع والتحقيق التاريخي في الوقائع".

وأضاف: "أذكر له كذلك كتب "رجال مرج دابق" و"البرنسيسة والأفندي" و"مأساة مدام فهمي"، وكلها لقطات تاريخية نستطيع جميعًا الوصول إليها في كتب التاريخ العادية، لكن الوقوف عندها واستعادتها في اللحظة الحالية هو بمثابة صناعة تاريخٍ على تاريخ. أما عن الفارق بيننا، فأنا بالتأكيد ما زلت تلميذًا في مدرسته التي فتحت أبوابها بعد رحيله لعشرات الكتَّاب فسلكوا نفس المنهج في البحث والتدقيق، والتقاط اللحظات التاريخية المهمة والكتابة عنها وحولها بعمقٍ وتقصٍّ".

يتحدث الشماع عن صعوبات البحث في الأرشيف فيقول: "أتغلب عليها دائمًا بالشغف وعدم اليأس في الوصول إلى المعلومة، أتذكر في كتاب "ميمي شكيب" كيف استغرقت عملية البحث عن ثلاث حلقات من مذكراتها المنشورة في مجلة "الشبكة" اللبنانية مدة تزيد على ستة أشهر، رغم أنني جمعت 47 حلقة في شهر واحد. أتذكر أيضًا أثناء إعداد كتاب "السرايا الصفراء" أنني انتظرتُ موظفًا في إحدى الجمعيات النفسية لمدة شهر حتى يمنحني عددًا تذكاريًا من مجلة تصدرها الجمعية عن د. محمد كامل الخولي بطل كتاب أعمل عليه، كذب عليَّ الموظف وأخبرني أن مقر الجمعية يُعاد طلاؤه وتجهيزه، ولما مر الشهر، ومع عدم رده على اتصالاتي، ذهبت بنفسي إلى مقر الجمعية فلم أجد لا طلاء ولا تجهيزًا، بل إنني وجدت الجمعية نفسها مغلقة، فسلكت طريقًا آخر للبحث في قاعة الدوريات في دار الكتب والوثائق القومية، فلم أجد في الفهارس شيئًا عن المجلة في الأساس. ولكنني وجدتها مصادفة في أرفف العرض بالقاعة! والحقيقة ما أكثر الصدف السعيدة في رحلات البحث!".

ما الذي تضيفه اللغة الأدبية التي تكتب بها لمثل هذا النوع من الأعمال؟ يجيب: "كتاب "ميمي شكيب.. سيرة أخرى" كان تحديًا بالنسبة لي، وربما تكون هي المرة الأولى التي شعرت بأنني أكتب نصًا أدبيًا عن وقائع تاريخية، وأظن أن ما أضافته أنها جعلت الكتاب أكثر سهولة وسلاسة في استقباله، وهي الملحوظة التي أجمع عليها من قرأ الكتاب".

ما الصفة التي تريدها لنفسك؟ المؤرخ؟ الكاتب؟ الكاتب الصحفي؟ ولماذا؟ يقول أخيرًا: "لست مؤرخًا، وأتشرف بمهنة الصحافة بكل تأكيد. لكن أنا كاتب، أكتب كل أنواع الكتابة، أكتب السيناريو وأكتب تحقيقات صحفية لوقائع تاريخية، كما أكتب محتوى إبداعيًا للسوشال ميديا كمواكبة لما هو جديد، لذا أظن أن كلمة الكاتب بالنسبة لي هي الصفة الأفضل؛ لأنها الأكثر شمولاً".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: میمی شکیب

إقرأ أيضاً:

شاهد بالصورة.. “مساء الورد والياسمين” الفنانة إيمان أم روابة تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مبهرة من القاهرة

شاركت الفنانة السودانية, إيمان أم روابة, صورة عبر حسابها الرسمي على عملاق مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك, حظيت بتفاعل واسع.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فإن الفنانة الشابة نشرت الصورة من مقر إقامتها بالعاصمة المصرية القاهرة, وكتبت عليها (مساء الورد والياسمين).

صورة إيمان أم روابة حصدت آلاف الإعجابات بعد ساعات قليلة من نشرها, وسط تعليقات إيجابية من جمهورها ومتابعيها على فيسبوك.

محمد عثمان _ الخرطوم

النيلين

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المارديني لـ سانا: هدفنا هو تقديم تجربة إعلانية تُبرز الوجه العصري لدمشق منذ لحظة الوصول إلى أرض المطار، إيماناً منا بأن المطار هو النافذة الأولى التي يطل منها الزائر على البلاد
  • هند صبري توجه رسالة امتنان لمن ساندها في محنة وفاة والدتها «صورة»
  • ميمي جمال لـ صدى البلد: الناس بتعمل حاجات غريبة علشان التريند.. فيديو
  • شاهد أحدث ظهور لـ زينة بعد صورة أبنائها المتداولة
  • ميمي جمال تهدي تكريم «القومي للمسرح» إلى زوجها الراحل حسن مصطفى
  • بالصور.. محمد بكر يهدي ميمي جمال رسمة في ندوة تكريمها في مهرجان القومي للمسرح
  • ميمي جمال تظهر بنضارة سوداء قبل ندوة تكريمها بالمهرجان القومي للمسرح
  • اليوم.. تكريم ميمي جمال ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح
  • اليوم.. ندوة لتكريم الفنانة ميمي جمال بالقومي للمسرح
  • شاهد بالصورة.. “مساء الورد والياسمين” الفنانة إيمان أم روابة تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مبهرة من القاهرة