الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
يمانيون../
يشكل البحر الأحمر مصدر قلق دائم للكيان الصهيوني منذ وجوده على الأراضي الفلسطينية سنة 1948م.
ما يدل على ذلك هي التصريحات للمسؤولين الصهاينة عن أهمية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث تقول غولدا مائير “وزيرة خارجية” الكيان آنذاك في خطاب لها أمام الأمم المتحدة في 1 مارس 1957م: “إن حرية الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر هي مصلحة قومية حيوية بالنسبة لهم”.
في عام 1949م، تمكن “جيش” العدو الإسرائيلي من احتلال منطقة أم الرشراش، ليصبح للكيان بعد ذلك منفذ على البحر الأحمر، وأعطاه هذا مرونة التحرك التجاري والاقتصادي باتجاه البحر العربي والمحيط الهندي، لا سيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر والأردن، والاطمئنان الصهيوني من أن خليج العقبة ومضايق تيران وقناة السويس لم تعد تشكل للكيان أي عوائق.
وخلال تجارب سابقة، مثل إغلاق الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر أهم النكبات لاقتصاد العدو، وظل مضيق باب المندب من أهم نقاط الضعف الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، والتي سببت له الكثير من الخسائر، وظل تعرض الخطوط الملاحية لـ”إسرائيل” في المياه الدولية في البحر الأحمر من أهم الهواجس التي تثير القلق لدى الإسرائيليين.
جاءت الصفعة غير المتوقعة لـ”إسرائيل” من خلال تفعيل مضيق باب المندب، وتم استخدامه لحصار السفن الإسرائيلية في مناسبات استثنائية، لكنها شكلت قلقاً وهاجساً للصهاينة، منها، قيام جبهة التحرير الفلسطينية بتنفيذ عملية فدائية في مضيق باب المندب، عندما ضرب زورق مسلح بمدفع بازوكا تابع لجبهة التحرير الفلسطينية ناقلة النفطة الليبيرية (كورال سي)، والمؤجرة لنقل النفط إلى “إسرائيل”، وأثارت هذه العملية قلق الكيان، لأن نصف احتياجات “إسرائيل” تقريبا من النفط كانت تصله بواسطة سفن قادمة من إيران عبر مضيق باب المندب إلى ميناء “ايلات”، وقد عمد الكيان الصهيوني بعد هذه الحادثة إلى تسليح ناقلات النفط العائدة إليه، وصرح قائد القوات البحرية الإسرائيلية آنذاك قائلاً: “إن سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط في البحر الأحمر، أما المفتاح الثاني (يقصد به مضيق باب المندب) والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية سيكون بين أيدينا” أي في يد “إسرائيل”.
عملية الحصار الثانية على الكيان الصهيوني كانت في حرب أكتوبر سنة 1973م، حيث تم منع وصول النفط إلى ميناء “ايلات” عبر مضيق باب المندب، وتسبب في حرمان “إسرائيل” من الاتصال بشرق أفريقيا وجنوبها وجنوب شرق آسيا، ما سبب لها أضراراً اقتصادية.
وخلال تلك الحرب القصيرة قال ما يسمى وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) في حديث لصحيفة إسرائيلية: “كنا نتوقع المصريين في خليج العقبة، فإذا بهم يظهرون في باب المندب. بعد انتهاء الحرب سنعمل بكل قوتنا لتدويل هذا الممر أو احتلاله”.
وبالفعل تحرك الكيان الصهيوني، بكل ما يملك، محاولاً أن يكون له نفوذ في البحر الأحمر، والسيطرة على مضيق باب المندب، وحاول السيطرة على بعض الجزر التي تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر سواء عن طريق الاحتلال أو الشراء أو الاستئجار، والتي من أهمها جزر الساحل الإرتيري (دهلك وحالب وفاطمة وسنشيان ودميرا) وجزر الساحل اليمني (زقر، وحنيش الصغرى والكبرى وبريم الواقعة في مدخل باب المندب).
كما أقام العدو الإسرائيلي نقاط مراقبة بحرية على الجزر التي يراها مناسبة للإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر على طول الخط الملاحي الممتد من باب المندب إلى ميناء “إيلات”، وحاول كذلك إنشاء قواعد عسكرية جوية وبحرية في جنوب البحر الأحمر، ليستطيع الكيان الصهيوني الانطلاق منها وفرض سيادته على مياه البحر الأحمر وسمائه.
وظلت أطماع الكيان على مدى سنوات مضت في احتلال جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى اليمنية، كما ينوي الكيان الصهيوني احتلال جزيرة زقر الشاهقة الارتفاع (650 متر فوق مستوى سطح البحر) لإقامة قاعدة للرادار عليها.
وظهرت المخاوف الإسرائيلية إلى العلن بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، إذ عبر الكثير من المسؤولين الصهاينة عن تخوفهم وقلقهم من هذه الثورة على حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ففي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي في 4 مارس 2015م قال: “حزب الله والحوثيون يمثلان تهديداً صارخاً لأمن واستقرار إسرائيل”، وقد جاء هذا التصريح قبل الإعلان عن تشكيل تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية بـ 23 يوماً فقط.
وفي تصريح آخر لنتنياهو يقول: “نحن نشعر بقلق عميق لما يحدث في اليمن من سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، واستمرار تقدمهم باتجاه مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى من حيث التحكم بمرور نفط العالم”.
من خلال ما سبق، تتضح لنا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية، وأن إغلاق الملاحة البحرية الصهيونية في هذا الممر المائي المهم، يعني إشعال حرب، فالكيان المؤقت لا يتحمل الحصار، ولديه في هذا الجانب تجربة مريرة مع الحصار اليمني للكيان في معركة “طوفان الأقصى”، والذي كان الحصار الأكبر والأطول والأشد قساوة على الإسرائيليين، وفشلت أمريكا عن طريق “تحالف الازدهار” في رفع الحصار اليمني على العدو الإسرائيلي.
ولهذا، فإن إعلان السيد القائد عبد الملك الحوثي عن مهلة 4 أيام لرفع الحصار عن قطاع غزة، ما لم فسيتم استئناف عملياتنا في البحر الأحمر ضد العدو الإسرائيلي، يأتي من موقع قوة، وليس للاستعراض الإعلامي، أو لكسب المواقف السياسية، فالجميع يعرفون أن تهديدات اليمن واقعية وجادة.
ويأتي التهديد اليمني في الموقع الحساس للعدو الإسرائيلي، فالكيان يدرك جيداً ما معنى فرض حصار عليه في البحر الأحمر، وهو لا يطيق مثل هذا الإجراء، ولذلك من غير المستبعد أن يستجيب العدو لهذا التهديد، ويبادر إلى إدخال المساعدات تحت أي مبرر، لأن اليمن يمتلك ورقة ضغط قوية جداً ذات حساسية لدى العدو الإسرائيلي.
أما إذا فضل العدو الخيار الثاني، فإن التداعيات والعواقب ستكون وخيمة، وهي أيضاً ستمهد لحرب إقليمية ستكون أوسع وأشد ضراوة من ذي قبل، لا سيما وأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تريد أن تسير الأحداث بهذا الاتجاه، وهي مغامرة ستكون مكلفة كثيراً على الأمريكيين والإسرائيليين.
أحمد داود
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: العدو الإسرائیلی الکیان الصهیونی فی البحر الأحمر مضیق باب المندب الإسرائیلیة فی
إقرأ أيضاً:
افتتاح مسرح قصر ثقافة الغردقة بعد تطويره الشامل
في خطوة تعكس رهان الدولة على الثقافة كأداة تغيير ناعمة في المدن السياحية، يفتتح الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، بصحبة اللواء عمرو حنفي، محافظ البحر الأحمر، اليوم مسرح قصر ثقافة الغردقة بعد عملية تطوير شاملة أعادت تشكيله من الداخل والخارج، ليخرج في صورة مختلفة تمامًا عمّا اعتاده أبناء المدينة لسنوات.
الافتتاح لا يُقدَّم فقط كحدث بروتوكولي تقليدي، بل كإشارة إلى توجه واضح لدمج النشاط الثقافي والفني في قلب المشهد السياحي للغردقة، تلك المدينة التي طالما عُرفت بشواطئها ومنتجعاتها أكثر مما عُرفت بمسارحها وقاعاتها الثقافية. فالمسرح، وفق التصور الجديد، لا يستهدف جمهور العاصمة أو الفرق الزائرة فقط، بل يُفترض أن يتحول إلى فضاء مشترك يجمع بين سكان المدينة والسياح القادمين إليها من مختلف الدول.
يتضمن برنامج حفل الافتتاح تقديم باقة من العروض الفنية لفرق تابعة لهيئة قصور الثقافة، بحضور عدد من الفنانين والمبدعين وقيادات وزارة الثقافة ومحافظة البحر الأحمر، في محاولة لتكريس رسالة مفادها أن المنشأة الجديدة ليست مجرد مبنى مطور، بل منصة يُراد لها أن تصبح مركزًا للحراك الفني في الإقليم. المشروع الذي شهده مسرح قصر ثقافة الغردقة لم يكن مجرد ترميم سطحي، بل تطوير متكامل للبنية التحتية والتجهيزات الفنية؛ حيث جرت إعادة تأهيل القاعات والواجهات، وتزويد المسرح بأنظمة إضاءة وصوت وديكور مسرحي حديثة، بما يضعه – وفق المواصفات التي أُعلن عنها – ضمن أكبر وأهم المسارح في منطقة البحر الأحمر، بطاقة استيعابية تصل إلى نحو 850 مقعدًا، وهي سعة لافتة إذا ما قورنت بطبيعة الكثافة السكانية للمدينة وتوزيع الأنشطة الترفيهية فيها.
المؤشرات الأولية تفيد بأن المسرح صُمم ليستوفي معايير تقنية أقرب إلى المعايير العالمية في مجال العروض الحية، بهدف استقطاب عروض أكبر وتنظيم مهرجانات وفعاليات قادرة على جذب الجمهور المحلي والزائر في آن واحد. هذه الرؤية يساندها بروتوكول تعاون مبرم بين وزارة الثقافة ومحافظة البحر الأحمر، ينص على توظيف المسرح لخدمة أبناء المحافظة وفي الوقت ذاته إدخاله ضمن خريطة البرامج والفعاليات المقدمة للسياح.
على المستوى العملي، يفتح هذا التطوير الباب أمام أسئلة جوهرية: إلى أي مدى يمكن لمثل هذا الصرح أن يغير من طبيعة العلاقة بين المواطنين والثقافة في مدينة يغلب عليها الطابع السياحي؟ وكيف سيتعامل القائمون عليه مع تحدي بناء جمهور حقيقي من الأهالي، لا يقتصر على المناسبات الرسمية أو زيارات الوفود؟ الإجابات لن تتضح في ليلة الافتتاح، لكنها ستظهر مع نوعية البرامج التي ستتوالى على خشبته، ومدى استمرارية الدعم المؤسسي له، وقدرته على أن يصبح نقطة التقاء بين الفن المحلي والجمهور الدولي الذي يزور الغردقة على مدار العام. في كل الأحوال، يشير مشهد افتتاح مسرح قصر ثقافة الغردقة بحلته الجديدة إلى محاولة لإعادة تعريف دور المؤسسات الثقافية في المدن الساحلية، بحيث لا تكون مجرد مبانٍ تكميلية، بل جزءًا من هوية المكان ورصيده الحضاري، في موازاة صور الشواطئ والمنتجعات التي اعتادتها حملات الترويج السياحي.