العراق والطائفية: دوامة لا تنتهي.. أحداث الساحل السوري مثالا
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
كتب: علي محمود الأبرز
"لا وطنٌ يضمّنا، ولا هوية تجمعنا، نعيش على هامش التاريخ في دوامة الصراع الطائفي"، بهذه الكلمات وصف المفكر العراقي علي الوردي أزمة الطائفية التي تستنزف العراق منذ عقود. فالصراع الطائفي لم يكن مجرد عارضٍ تاريخي، بل أصبح بنية تحتية متجذرة في المشهد السياسي والاجتماعي، تغذيها عوامل داخلية وخارجية، وتجعل من العراق ساحةً دائمة للاحتقان والتوتر.
ظلال الساحل السوري على المشهد العراقي
لم تكن التطورات في الساحل السوري مجرد أزمة محلية تخص سوريا وحدها، بل وجدت طريقها إلى العراق، حيث تفاعل معها الشارع العراقي بحدة، وانقسمت مواقفه وفق الاصطفافات الطائفية التقليدية. الاشتباكات بين القوات الحكومية السورية والمكوّن العلوي هناك أعادت إلى الأذهان مشاهد الصراع الطائفي في العراق، وحفّزت موجةً من الخطابات المتشنجة التي اجتاحت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
من جديد، أُعيد فتح الجروح القديمة، وكأن العراق لم يخرج بعد من مستنقع الحرب الطائفية التي كادت تفتك به قبل سنوات. التعليقات الملتهبة والتحليلات التي تستحضر الماضي الدامي كشفت أن الشرخ الطائفي لا يزال قائمًا، وأن أي حدث خارجي يمكن أن يعيد إشعال فتيل الأزمة من جديد.
الانتخابات العراقية: مزاد الطائفية المفتوح
كلما اقترب موعد الانتخابات، عاد الخطاب الطائفي ليأخذ موقعه في الصدارة. الأحزاب السياسية، التي كان يُفترض أن تقدم برامج تنموية واقتصادية تعالج الأزمات المتراكمة، فضّلت العودة إلى استثمار التوتر الطائفي لضمان تأييد جماهيرها.
وكما في كل دورة انتخابية، تُستخدم مصطلحات التخويف والتعبئة الطائفية كأدوات مضمونة لاستقطاب الناخبين، إذ تدرك القوى السياسية أن تأجيج المخاوف من "الآخر" هو وسيلة ناجعة لحشد التأييد الشعبي. وهكذا، تتحوّل الانتخابات في العراق إلى منافسة في صناعة الأزمات، بدل أن تكون فرصةً لحلها.
المرجعية الدينية: صمت محسوب أم موقف حذر؟
لطالما كانت المرجعية الدينية في النجف لاعبًا رئيسيًا في تهدئة الأوضاع، خصوصًا خلال الفترات الأكثر دموية في تاريخ العراق الحديث. لكنها اليوم تتخذ موقفًا أكثر حذرًا، مكتفيةً بمراقبة المشهد دون التدخل المباشر.
هل هو إدراكٌ بأن أي خطوة قد تُفسّر سياسيًا وتجرّ المرجعية إلى صراعٍ غير مرغوب فيه؟ أم أن المرجعية وصلت إلى قناعة بأن الحل ليس بيدها، وأن الطبقة السياسية باتت تستخدمها كصمام أمان لا أكثر؟ الأيام المقبلة ستكشف إن كانت ستتدخل بقوة، أم أنها ستبقى في موقع المراقب الذي يكتفي بإصدار البيانات التوجيهية.
الحكومة العراقية: وعود بلا أفعال
على الورق، ترفع الحكومة شعار "رفض الطائفية"، لكن في الواقع لا توجد خطوات ملموسة لوقف التحريض أو محاسبة المسؤولين عن تأجيجه. بل إن بعض القوى المتنفذة داخل مؤسسات الدولة نفسها تغذّي هذا الخطاب حين تجد فيه أداةً مناسبة لحماية نفوذها.
ما تزال التصريحات الرسمية حول "تعزيز الوحدة الوطنية" حبرًا على ورق، إذ تغيب أي سياسات جدّية لإعادة بناء النسيج الاجتماعي، أو لمحاسبة الإعلاميين والسياسيين الذين يكرّسون الطائفية عبر منابرهم.
الإعلام والتواصل الاجتماعي: وقود الفتنة
أصبحت وسائل الإعلام العراقية، سواءً التقليدية أو الرقمية، ميدانًا مفتوحًا للمزايدات الطائفية. القنوات الحزبية لا تتردد في تكريس الانقسام، وبرامج "الحوار السياسي" تحوّلت إلى منصات للتراشق، حيث يُطلق الضيوف اتهامات متبادلة دون أي ضوابط مهنية.
أما وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تحولت إلى ساحةٍ أشد خطورة، حيث يمكن لأي خطاب تحريضي أن ينتشر كالنار في الهشيم. تغريدات ومنشورات مليئة بالكراهية تجد جمهورًا واسعًا مستعدًا لإعادة تدويرها، مما يزيد من تعقيد المشهد العراقي.
"الكراهية التي تُزرع اليوم، ستُزهر دماءً غدًا"، عبارة قد تلخص واقع الإعلام العراقي، الذي يبدو بعيدًا كل البعد عن دوره المفترض في تعزيز الوعي وتقديم خطاب جامع.
إلى أين يتجه العراق؟
إذا استمر هذا النهج، فإن العراق سيبقى عالقًا في دوامةٍ لا نهاية لها. الأزمات الطائفية المتكررة ليست مجرد أحداث معزولة، بل هي انعكاس لفشل مستمر في بناء مشروع وطني جامع.
غياب الإرادة السياسية، وتقاعس المؤسسات الدينية والثقافية عن لعب دور فعّال في رأب الصدع، يجعل من إعادة إنتاج الطائفية أمرًا حتميًا. وإذا لم يحدث تغيير جذري في طريقة إدارة الدولة والمجتمع، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار هذا الانقسام، وربما انفجاره في أي لحظة.
هل من مخرج؟
الخيار المطروح أمام العراق واضح: إما الاستمرار في استنزاف ذاته عبر صراعات لا تنتهي، أو البحث عن مسارٍ جديد يُعيد الاعتبار لفكرة المواطنة، حيث تكون الهوية العراقية جامعةً وليست ساحةً للصراعات المذهبية.
السؤال الكبير الذي يواجه العراق اليوم ليس عن الماضي، بل عن المستقبل: هل ستتمكن البلاد من كسر الحلقة المفرغة، أم ستظل رهينةً لتاريخها الدموي؟
لا أحد يملك الإجابة الحاسمة، لكن ما هو مؤكد أن الشعب العراقي يستحق مستقبلاً أفضل، بعيدًا عن أزمات الانقسام التي حوّلته إلى رهينة لصراعات لا تنتهي.
وكما قال بدر شاكر السياب:
"ما مر عامٌ والعراقُ ليس فيه جوعُ
ما مر عامٌ والعراقُ ليس فيه قهرُ"
ربما تكون هذه الكلمات تلخيصًا لحقيقة العراق: بلدٌ يمتلك من الإمكانيات ما يؤهله للنهوض، لكنه لا يزال عالقًا في دوامة أزماته، بانتظار اللحظة التي يقرر فيها كسر قيوده والمضي نحو مستقبل مختلف.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
أوروبا تعاقب 3 فصائل وقائدين بالجيش السوري بسبب جرائم الساحل
قرر الاتحاد الأوروبي الأربعاء، فرض عقوبات على ثلاثة كيانات وشخصين مسؤولين عن أعمال العنف الدامية التي هزت سوريا في مارس وطاولت مدنيين ينتمون خصوصا إلى الأقلية العلوية.
وأوردت الصحيفة الرسمية للاتحاد الأوروبي أنه تم استهداف هذه المجموعات الثلاث واثنين من المسؤولين عنها بالعقوبات التي شملت جميد الأصول وحظر دخول الاتحاد، لضلوعهم في "جرائم تعسفية" و"أعمال تعذيب" وقعت في مارس الفائت في العديد من مدن وبلدات الساحل السوري.
وفصائل السلطان مراد وسليمان شاه والحمزة متهمة بالمشاركة في موجة المجازر هذه.
وأضاف الاتحاد الأوروبي إلى قائمة الأشخاص الخاضعين لعقوبات بسبب "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"، قائدي فصيل سليمان شاه الملقب بـ”أبو عمشة” وهو قائد الفرقة 25 في الجيش السوري حاليا، وسيف بولاد “أبو بكر” قائد فرقة “الحمزات” وقد جرى تعيينه مؤخرا قائدا للفرقة 76 بالجيش السوري.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أكثر من 1700 شخص، غالبيتهم الساحقة من الأقلية العلوية، لقوا حتفهم في تلك الأحداث التي وقعت بشكل أساسي يومي 7 و8 مارس، متحدثا عن ارتكاب قوات الأمن ومجموعات رديفة لها مجازر وعمليات "إعدام ميدانية" بحق الأقلية العلوية.
من جهتها، اتهمت السلطات مسلحين موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد بإشعال أعمال العنف في الساحل عبر شن هجمات دامية على عناصرها. وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى المناطق ذات الغالبية العلوية.
كذلك نشر الاتحاد الأوروبي الأربعاء الوثائق القانونية الضرورية لدخول رفع كل العقوبات الاقتصادية التي فرضت على سوريا خلال النزاع حيز التنفيذ، عملا بقرار اتخذه وزراء خارجية الاتحاد في 20 مايو.