المسلمون في الصين.. بين الحقيقة والتشويه
تاريخ النشر: 17th, March 2025 GMT
ناصر بن حمد العبري
على مدى العقود الماضية، دأبت وسائل الإعلام الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، على شن حملات دعائية تستهدف الصين، مستخدمة في ذلك العديد من الملفات، كان من أبرزها قضية المسلمين الصينيين. وكما هو الحال في العديد من القضايا الأخرى، فإنَّ هذه الحملات تتسم بالمبالغة والتزييف، متجاهلة الحقائق على الأرض، وتهدف بشكل أساسي إلى تشويه صورة الصين عالميًا، وزعزعة استقرارها الداخلي.
وتعتمد القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، على استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تقويض صعود الصين كقوة اقتصادية وسياسية عالمية. وقد سعت هذه القوى إلى إثارة قضايا مختلفة، بدءًا من حقوق الإنسان، مرورًا بالقضايا البيئية، وصولًا إلى الأقليات الدينية والعرقية. وتعد قضية المسلمين الصينيين، وخاصة أقلية الأويغور، من أبرز الملفات التي تم استغلالها في هذا السياق.
الوسائل الإعلامية الغربية تعتمد على تقارير صادرة عن منظمات غير حكومية، غالبًا ما تكون ممولة من جهات مشبوهة، وتسوق روايات أحادية الجانب تفتقد إلى المصداقية والتوازن. كما أن بعض هذه التقارير تأتي من أفراد أو جماعات تعيش خارج الصين، ولم تعش الواقع الصيني، مما يجعلها عرضة للتوظيف السياسي ضد بكين. وعلى الرغم من الحملات الإعلامية الغربية، إلّا أن الواقع يُشير إلى أن المسلمين في الصين يعيشون ضمن المجتمع الصيني، ويتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة؛ فالمسلمون الصينيون يشكلون جزءًا أساسيًا من النسيج المجتمعي، ويتواجدون في مختلف أنحاء البلاد، من بينهم قومية "هوي" المسلمة التي تعيش في تناغم مع باقي القوميات الصينية، بالإضافة إلى الأويغور في إقليم شينجيانغ. والدولة الصينية لا تحظر الإسلام؛ بل توفر للمسلمين أماكن العبادة؛ حيث يوجد آلاف المساجد المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، والتي ترعاها الدولة وتسمح بممارسة الشعائر الدينية بحرية. كما إن الحكومة الصينية تقوم بتمويل مشاريع إعادة إعمار وترميم المساجد، فضلًا عن دعم المدارس الإسلامية التي تدرس العلوم الدينية إلى جانب المناهج التعليمية الأخرى.
وفيما يتعلق بالحُريَّات الدينية، فإن الدستور الصيني يكفل حرية العقيدة، وهو ما يسمح للمسلمين بممارسة شعائرهم الدينية دون قيود، طالما أنها لا تتعارض مع القوانين الوطنية المتعلقة بالأمن والاستقرار. ومن المعروف أن الصين تتبنى سياسة عدم التدخل في شؤون الأديان، لكنها في الوقت ذاته تتخذ إجراءات ضد التطرف والإرهاب، وهي سياسات تتبعها معظم دول العالم، بما في ذلك الدول الغربية نفسها. والمُتابع للحملات الإعلامية الغربية يُدرك أنها ليست مبنية على أسس واقعية؛ بل تستند إلى مصادر غير موثوقة، وتُرَوِّج لروايات لا تستند إلى دلائل ميدانية موثوقة. فعلى سبيل المثال، يتم نشر تقارير تتحدث عن ما يسمى بـ"معسكرات اعتقال" للمسلمين في الصين، دون تقديم أدلة دامغة، بينما تشير الحقائق إلى أن الصين تُطبِّق برامج لمكافحة التطرف، وهي برامج مشابهة لما تطبقه الدول الغربية نفسها، لكنها تُعرض في الإعلام الغربي على أنها قمع ديني!!
الكثير من الصور والمقاطع التي يتم تداولها حول "اضطهاد المسلمين في الصين" قد ثبت أنها مُفبركة أو مأخوذة من دول أخرى أو أحداث لا علاقة لها بالصين. كما أنه يمكن إنكار أن الصين، مثل أي دولة أخرى، تواجه تحديات تتعلق بإدارة التنوع العرقي والديني، لكنها تتعامل مع هذه التحديات من خلال سياسات تنموية تهدف إلى تحقيق المساواة بين جميع المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية.
المسلمون في الصين يشاركون في مختلف مجالات الحياة، ويشغلون مناصب حكومية وتجارية وتعليمية، كما أن الدولة تدعم تطور الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة من خلال مشاريع البنية التحتية والتعليم والصحة. ولا شك أن الحملات الإعلامية الغربية ضد الصين تندرج ضمن سياق أوسع من الصراع الجيوسياسي، حيث يتم توظيف قضايا حقوق الإنسان والأقليات كأدوات ضغط سياسي. لكن الواقع يشير إلى أن المسلمين في الصين يتمتعون بحقوقهم المدنية والدينية، وأن الروايات التي يتم ترويجها لا تعكس الصورة الكاملة.
من الضروري للمجتمعات المسلمة، خاصةً في العالم العربي، أن تتعامل بحذر مع هذه الحملات، وأن تستند في مواقفها إلى مصادر موثوقة ومعلومات دقيقة، بعيدًا عن الدعاية الإعلامية المُسيَّسة؛ فالعلاقة بين الدول الإسلامية والصين قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وهو ما يجعل من الضروري فهم الحقائق بموضوعية، وعدم الانجرار وراء الحملات الغربية التي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية لا تخدم مصالح المسلمين أنفسهم، وعلى مدى عشر زيارات قمتُ بها شخصيًا الى الصين ومختلف مقاطعتها ولقاءاتنا بالمسلمين، لم اسمع من المسلمين الصينيين ولا من الجاليات الأخرى إلّا كل الثناء والشكر للحكومة الصينية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
علماء المسلمين: مصر قادرة على قيادة تحالف إسلامي لإنهاء الحرب ورفع حصار غزة
أكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن مصر تمثّل الدولة المحورية الأولى في جهود كسر الحصار عن قطاع غزة، مشددًا على أن القاهرة تمتلك مفاتيح المبادرة لوقف الحرب المستمرة، خاصة إذا قاد الشعب المصري والأزهر الشريف والقيادة السياسية تحالفًا إقليميًا بالتعاون مع تركيا والسعودية وقطر.
وأوضح الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور علي محمد الصلابي، في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن الاتحاد الفعلي بين الكتلة العربية والإسلامية ـ من إندونيسيا وماليزيا وتركيا وصولًا إلى دول الخليج العربي ودول المغرب العربي ـ كفيل بخلق ضغط سياسي وإنساني دولي حقيقي قادر على فرض وقف لإطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وإنهاء معاناة ملايين المدنيين الفلسطينيين.
وأشار الصلابي إلى أن مصر ليست فقط بوابة جغرافية، بل هي ركيزة سياسية وروحية للعالم الإسلامي، مؤكدًا أن الفرصة التاريخية أمام القاهرة الآن هي في توجيه دفة المبادرة لوضع حد لمعاناة الفلسطينيين، داعيًا في الوقت نفسه الشعب المصري إلى الوقوف بثقله مع القضية الفلسطينية، كما فعل دائمًا في محطات تاريخية مفصلية.
ونوّه الصلابي إلى ضرورة بلورة موقف جماعي واضح لدول الخليج وتركيا وباكستان وقطر والسعودية، داعيًا إياها إلى الانضمام لتحالف صريح يدعم الجهود المصرية لوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، مضيفًا: "إذا توحّد صوت العالم الإسلامي، فلن تستطيع أي قوة أن تستمر في الحرب أو أن تفرض حصارًا على أطفال ونساء غزة."
وشدد على أن أي جهد مخلص لوقف الحرب ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني هو موضع ترحيب، سواء كان على المستوى الشعبي أو الرسمي أو من خلال المؤسسات الدينية والإنسانية المستقلة.
وجدّد الصلابي دعوته إلى الأزهر الشريف باعتباره "منارة الاعتدال والقيادة الروحية للعالم الإسلامي"، من أجل أخذ زمام المبادرة وتحريك الضمير العالمي، والعمل مع علماء الأمة لإطلاق تحالفات واسعة تستند إلى شرعية دينية وأخلاقية، وليس فقط سياسية.
وأضاف: "الحل بيد مصر والأزهر والشعب المصري، وإذا توفّر لهم الدعم من الدول الكبرى في العالم الإسلامي، يمكنهم أن يقودوا تكتلًا إقليميًا ودوليًا يُجبر العالم على وقف الحرب فورًا".
السيسي يناشد ترامب.. والمساعدات تتحرك من مصر
تتزامن تصريحات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مع تصاعد التحركات الدبلوماسية المصرية لاحتواء الكارثة الإنسانية في غزة. فقد وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الاثنين، نداءً عامًا إلى المجتمع الدولي، وخاصة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحثه على بذل الجهود الكفيلة بوقف الحرب وإنهاء الحصار.
وقال السيسي في خطاب رسمي بثه التلفزيون المصري: "أوجه نداءً خاصًا للرئيس ترامب، لأن تقديري له الشخصي، بإمكانياته، بمكانته، هو القادر على إيقاف الحرب وإنهاء هذه المعاناة."
وأضاف: "نبذل أقصى جهد خلال هذه الفترة الصعبة لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات وإنهاء هذه الأزمة"، مؤكدًا أن مصر لا تمنع المساعدات عن القطاع، لكنها بحاجة إلى التنسيق الكامل مع الجانب الإسرائيلي لتأمين مرور القوافل.
وقد بدأت بالفعل شاحنات مساعدات بالتحرك من مصر نحو قطاع غزة، في وقت أعلنت فيه إسرائيل عن هدن إنسانية مؤقتة وممرات آمنة في بعض مناطق القطاع، رغم استمرار الحرب وغياب اتفاق وقف إطلاق نار شامل، بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة في الدوحة.
في المقابل، شدد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة على أن الحل لا يكمن في مبادرات إنسانية قصيرة، بل في فتح ممرات ثابتة وتدفق طويل الأمد للإمدادات، محذرًا من اقتراب غزة من مجاعة شاملة تهدد حياة أكثر من 100 ألف طفل.
غزة تحت الحصار والمجاعة
وتعيش غزة أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، حيث تتقاطع المجاعة مع حرب إبادة جماعية، تشنها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدعم أمريكي، وسط تجاهل صارخ لكل النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية.
وتواصل إسرائيل منذ 2 مارس/آذار الماضي إغلاق معابر غزة بالكامل أمام المساعدات الإنسانية والطبية، في تصعيد واضح لسياسة التجويع، بينما تحذّر منظمات أممية من خطر موت جماعي وشيك.
وبحسب أحدث إحصائية من وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، بلغ عدد الوفيات بسبب المجاعة وسوء التغذية حتى يوم الأحد 133 شهيدًا، بينهم 87 طفلًا. في حين تخطّى العدد الإجمالي لضحايا الحرب، وفقًا للوزارة، 204 آلاف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب أكثر من 9 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين.
وأكد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن المرحلة الراهنة تتطلب تحالفًا حقيقيًا لا بيانات رمزية، مشيرًا إلى أن المبادرة الإسلامية يجب أن تنطلق من الأزهر الشريف والشعب المصري، بدعم صريح من قطر والسعودية وتركيا والدول الكبرى في العالم الإسلامي.
ويختم الدكتور الصلابي بالقول: "إذا التقى صوت الأزهر وضمير الأمة مع الإرادة الشعبية والقرار السياسي، فلن تقف أي قوة أمام إنهاء الحرب وإنقاذ أهل غزة."