أي فرصة سياسية للحكومة الموازية في السودان
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
الأمور في السودان ذاهبة إلى نفق التقسيم والمزيد من الصراعات المسلحة لأن المناطق التي من المفترض أن تتشكل فيها الحكومة الموازية تحتضن كل الأمراض من انقسامات عرقية إلى حروب جهوية.
مشكلة أكبر من الاتفاقيات والتفاهمات
زادت أوجه الاعتراض على الحكومة الجديدة أو الموازية التي تعتزم قوى وحركات مسلحة سودانية تدشينها في مناطق تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع، فمنذ الحديث عن ميثاقها أو دستورها التأسيسي في نيروبي الشهر الماضي لم يتوقف الرفض والممانعة والتحفظ من جهات خارجية عديدة، بينما لا تزال بعض القوى الرئيسية التي تدعم الخطوة تصمم على استكمالها للنهاية، مع حديث سياسي متواتر يحاول إبعادها عن تصويرها كتوجه نحو تقسيم جديد في السودان.
جاءت ردود الفعل السلبية من قوى إقليمية ودولية حيال الحكومة الموازية مقدمة سيئة لمن وقفوا خلفها، ممن تصوروا إمكانية الحصول على مشروعية سريعة أو على الأقل وجود جهات تدعمها وتقبل التعامل معها، وحتى الآن لم تظهر مؤشرات واضحة على ذلك، وحتى كينيا التي وفرت مكانا مريحا لعقد مؤتمر تأسيسي للحكومة المنتظرة لم تتبن بشكل صريح الاتجاه الداعم لها، وجاء موقف الاتحاد الرافض ليضع قيدا يكبل نيروبي وغيرها من العواصم الأفريقية التي تنوي الاعتراف بالحكومة الموازية.
مضت أسابيع على الإعلان عن الخطوة ولم يتم تشكيل حكومة أو تحديد مقر نهائي لها في إقليم دارفور أو ولاية جنوب كردفان، بعد أن خسرت قوات الدعم السريع عدة مناطق في الخرطوم جعلت من اتخاذها مقرا مسألة غاية في الصعوبة. ويعد تأخير تشكيل الحكومة دليلا على وجود مشكلات بين القوى والحركات المسلحة، ومؤشرا على خيبة أمل في المواقف الخارجية، وعلامة على أن الولادة المتعثرة للحكومة تواجه أزمة حادة قبل إعلانها، ما يعني أن تشكيلها فعلا سوف يتسبب في المزيد منها.
◄ الحكومة الموازية لم تتفاعل بقوة مع التوجه نحو تشكيل حكومة موازية لها واختفت بإدانات تقليدية، كأنها على يقين من فشلها، أو أنها تتخذها ذريعة لمواصلة الحرب ودعم رهان الجيش على الحسم العسكري
تكفي المحاور الغامضة حول المقر والقيادة السياسية وآليات دمج العناصر المسلحة وتأخير تطبيق البيان التأسيسي والغموض الذي يلف الأهداف، للقول إن الفرص السياسية لنجاح الحكومة الموازية محدودة، فإذا كانت هناك قوى ناقشت واجتمعت ووضعت ميثاقا وقبلت به، فليس من السهل عليها تنفيذ ما توافقت عليه، لأن مشكلة السودان الهيكلية أكبر من المبادرات والاتفاقيات والتفاهمات، وحتى المواثيق والعهود لا توجد حصانة لها، فهناك جملة كبيرة منها تم توقيعها وانهار قبل أن يجف حبره.
لا يعني هذا أن خطوة الحكومة الموازية فشلت تماما قبل أن تبدأ أو سوف يطويها النسيان قريبا، بل يعني أن الخلافات بين جميع القوى السودانية عميقة، فالحرب التي تخوضها قوات الجيش والدعم السريع جاءت نتاجا لتباينات بينهما ظهرت مقدماتها قبل الحرب، وبعد فترة من الإخفاق بين القوى السياسية المدنية والعسكرية في تطبيق الإعلان الدستوري للفترة الانتقالية التالية لسقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.
ومهما كانت الدوافع والأسباب التي جمعت القوى السودانية التي وقعت على ميثاق نيروبي، فإن التناقضات الكبيرة داخلها وإن تم تجاوزها مؤقتا يمكن أن تتفجر في أي لحظة وتقذف بمجموعة من المشاكل في وجه من رتبوا وتبنوا الخطوة وقرروا الشروع في تنفيذها، خاصة أنها بدأت تتحول من ورقة للضغط على الجيش ومحاولة لمساومته للعودة إلى المفاوضات إلى هدف لدى بعض القوى التي يراودها حلم تقرير المصير والتقسيم والسيطرة على منطقة شاسعة من السودان، متجاهلة أن العبرة بما توفره القفزة الجديدة أو الحكومة الموازية من قدرة على تحقيق الأمن والهدوء والاستقرار.
من هذه الزاوية، لن تكون الحكومة الجديدة أفضل حالا من الحكومات القديمة التي سبقتها في السودان، وعانت من الخلافات والهيمنة والاستحواذ على القرار، وخلق مناطق هامشية وسودانيين لا يتمتعون بحق المواطنة كاملة، كما أن تجربة انفصال جنوب السودان ماثلة في الأذهان، ورغم ما توافر لها من تأييد إقليمي ودولي واعتراف مريح بها، إلا أنها أنتجت دولة فاشلة في محيط جغرافي قاس، فلم تبارحها الأزمات أو يغادرها الاقتتال بين قواها، بعد مضي نحو خمسة عشر عاما على استقلالها.
حققت الحكومة الموازية ضجة إعلامية، لكنها لم تحظ سياسيا باهتمام كبير، لأنه مشكوك في نجاحها، وإن تم تشكيلها عقب ولادة قيصرية فصمودها قد لا يتوافر له الحد الأدنى من المقومات الرئيسية، وتحسبا لذلك حرصت قيادات مهمة انخرطت في مشروع الحكومة الجديدة على التمسك بشعرة معاوية، أي شعار الوحدة والسلام، الذي اتخذ عنوانا لهذه الحكومة، لنفي فكرة الذهاب إلى الانفصال أو الترويج له، لكنها حتى الآن لم تظهر ملامح دالة على أي من صفتي الوحدة والسلام.
على العكس تبدو الأمور ذاهبة إلى نفق التقسيم والمزيد من الصراعات المسلحة، لأن المناطق التي من المفترض أن تتشكل فيها الحكومة الموازية تحتضن كل أمراض السودان، من انقسامات عرقية إلى حروب جهوية، مرورا بوفرة كبيرة في الجماعات المسلحة والمعدات العسكرية، وهي وصفة جاهزة لنسف الجهود السياسية الرامية إلى ضبط الدفة في السودان، وعدم القدرة على تعديل الموازين بما يؤدي إلى وقف اختلالات هيكلية في السودان، وسحب ممن وقفوا خلف الخطوة رغبتهم في حكومة جديدة.
◄ تأخير تشكيل الحكومة يعد دليلا على وجود مشكلات بين القوى والحركات المسلحة، ومؤشرا على خيبة أمل في المواقف الخارجية، وعلامة على أن الولادة المتعثرة للحكومة تواجه أزمة حادة قبل إعلانها
لم تتفاعل الحكومة التي تتخذ من بورتسودان مقرا لها بقوة مع التوجه نحو تشكيل حكومة موازية لها واختفت بإدانات تقليدية، كأنها على يقين من فشلها، أو أنها تتخذها ذريعة لمواصلة الحرب ودعم رهان الجيش على الحسم العسكري، مع انتصارات ميدانية حققها مؤخرا في عدة ولايات سودانية. في الحالتين لن تفضي الحكومة الموازية إلى تغيير في المشهد السوداني السياسي، وتزيده تعقيدا على المستوى العسكري.
ولن ينحصر القتال عند هذه النقطة بين قوات الجيش والمتحالفين معه من حركات مسلحة بعضها من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وبين قوات الدعم السريع وحلفائها الذين ينحدر غالبيتهم من دارفور ومعهم جماعات من جنوب كردفان والنيل الأزرق أيضا.
وهذه وجبة خطيرة للانفلات وسريان الفوضى في صفوف الفريق الثاني، لأن الفريق الأول نجح في توفير قاعدة وفاق صمدت أمام عواصف عديدة خلال الفترة الماضية وتحولت إلى جزء من المؤسسة العسكرية في القتال وقبلت بالصيغة التي خاضت الحرب بموجبها، بينما الثاني أمامه شوط طويل من الاختبارات، فلا توجد مظلة عسكرية نظامية يمكن أن ينخرط فيها، وكل العناصر المسلحة في الفريق الثاني لديها أهداف شخصية تتجاوز الفكرة البراقة المتعلقة بالحداثة والوحدة والسلام التي تعتزم الحكومة الموازية الوصول إليها.
قد يخيب ظن من فكروا في نقل الصيغة الليبية إلى السودان، أي وجود حكومتين متقابلتين، كما هو الحال في طرابلس وبنغازي، وكل منهما يملك أوراق قوة وضعف، وصمد في مواجهة تحديات داخلية وخارجية لا تحصى، لأن الوضع الاجتماعي في السودان أشد تعقيدا من ليبيا، ومع ذلك لم تنج من الاقتتال الأهلي، ويكفي هذا التعقيد ليكون سببا مركزيا في قطع أي فرصة سياسية واعدة على الحكومة الموازية.
محمد أبوالفضل
كاتب مصري
نقلا عن العرب اللنديه
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة الموازیة فی السودان
إقرأ أيضاً:
كرت تفاوض: حكومة المليشيا: مقاربات وخيارات
بكل الحسابات والتقديرات السياسية ، فإن ما (تهورت) مليشيا الدعم السريع المتمردة وحلفاءها بإعلانه (27 يوليو 2025م) ليس تشكيلة حكومية ، أو سلطة ذات قيمة أو أثر ، أو حتى رسالة اعلامية آنية ، وإنما المقصد والهدف هو وضع (شرط جديد في حلقات التآمر السياسي والاجندة الخبيثة)، وهى خطوة تتطلب من الحكومة خطوات تصعيدية أكثر من التعامل مع ردود الافعال ، بل لابد من وضع أجندة..
لقد استبقوا إجتماع الرباعية في واشنطن ليكون هذا الجند ضمن سياقات نقاشاتها واهتماماتها أو على الأقل إثارة المخاوف أو طرح خيارات علي طاولة التفاوض ، وعلينا أن نشير للآتي:
أولا: ليس في إمكان مليشيا الدعم السريع المتمردة وبعد كل انتهاكاتها وجرائمها أن تكون جزءا في اي معادلة سياسية أو حوار وطني ، ولا يمكن القبول بها داخليا أو خارجيا ، وهذا خيار قاس على الداعمين لها من القوى الاقليمية وبعض الاطراف الدولية المتآمرة ، ولهذا اقترحوا هذه الخطوة ، بعد أن فشلت مخططات سحب الاعتراف من الحكومة السودانية ، فلم يعد امامهم سوى تكوين خيال (مآته) أو (همبول)..
وثانياً: هذه خطوة ضمن سياقات حديث الأطراف ، وبعد ان تداعت قدرات المليشيا المجرمة عسكرياً ولم يعد الحديث عن سيطرة عسكرية وارداً تم التعجيل بفكرة حكومة المليشيا للقيام بذات مهمة المليشيا دون وجه عسكري وإنما اطراف كلهم من خارج الميدان العسكري ، وحتى حميتي هناك حديث عن اعتذاره ولم يكن الأمر سوى تأجيل دخوله المسرح ، من جديد..
وثالثاً: فمن واضح أن المليشيا المتمردة قطعت العشم في اى دور لمجموعة دكتور حمدوك (صمود) ، فقد اخذت منهم غالب مسمياتهم ، وبدلاً عن الحديث من خلالهم ، فإن المليشيا وداعميها شكلوا هيكلاً وهمياً جديداً..
هذا الواقع السياسي الجديد كان حاضراً في الكثير من دوائر القرار في كثير من الدول العربية والافريقية والمحافل الدولية ، ولذلك جاءت ردة الفعل مباشرة ، رافضة ومستنكرة خطوة المليشيا ، بل اضافت تلك البيانات وردود الافعال ثلاثة نقاط مهمة:
– دعم سيادة ووحدة السودان واراضيه..
– تأكيد الاعتراف بالحكومة السودانية ومؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية..
– الترحيب بحكومة الدكتور كامل ادريس رئيس الوزراء كواجهة مدنية وقائدة للانتقال المدني..
ومع تفاوت المواقف بين القوة والوضوح وبين الاحاديث المواربة ، فإن مواقف بعض الأطراف السياسية السودانية تكشف المستور..
– نشرت احزاب (الأمة القومي والحزب الشيوعي السوداني) بيانات رافضة لحكومة المليشيا المجرمة ، ولكن المثير للدهشة اعلانهم عدم اعترافهم بحكومة السودان كذلك ، وهذا هو الموقف والمنطلق الذي تسعى إليه القوى المتآمرة ضد السودان ، اى المساواة بين مؤسسات الدولة وتشكيل مليشي بربري..
وبكل الحسابات فإن حزب الأمة القومي شريك في حكومة المليشيا ، ورئيسه فضل الله ناصر طرف فاعل ، ولكن لماذا وقع الحزب الشيوعي في هذا الفخ ؟ هل مجرد معاداتهم للجيش السوداني سبب واجه لتأييد هذا المخطط التآمري الاستعماري..
على القوى الوطنية استعادة رؤيتها والمصالح الكبرى وتجاوز رهانات افعال (الناشطين)..
– قصور الأحزاب والتيارات السياسية والوطنية في توصيف ما يجري والتعامل معه بموقف واحد ، يتجاوز حالة الاستقطاب إلى وحدة وطنية جامعة..
لقد ادى تباعد الأطراف الاقليمية إلى افشال مخطط بعض أطراف الرباعية ، لكن المؤامرة قائمة ، والسعي مستمر ، في محاولات تليين المواقف ، مما يقتضى تحرك اسرع من الحكومة السودانية والقوى السياسية والمجتمعية ، واول الخطوات: كشف ابعاد ومخططات القوى المعادية للسودان وتحركاتها ، وعلى وزارة الخارجية السودانية عقد مؤتمر صحفي عاجل لكشف ما جرى وفضح المواقف الاماراتية والاطراف وتنوير البعثات المقيمة بالسودان ، وهذا على الأقل لقطع الطريق أمام تحركات اخرى ، فقد وصل العاصمة البريطانية لندن امس وفد من مجموعة صمود ، وهم فى القياس رافعة سياسية للمليشيا المتمردة وخطابها ، مما يستدعي رسالة حاسمة من السلطة السياسية في البلاد..
وثانيها: توافق القوى السياسية والمجتمعية السودانية على بيان واحد ، من نقاط ثلاث (لا مساس بوحدة السودان وارضه وشعبه ، لا مساس بمؤسسات الدولة السودانية وعلى راسها الجيش السوداني ، وكامل الدعم والمساندة الانتقال السياسي وحكومة دكتور كامل ادريس)..
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق علي
30 يوليو 2025م