تعد فكرة تعدد العوالم لدى مالك بن نبي فكرة مفتاحية في هذا المقام وهي ثلاث؛ عالم الأشخاص، وعالم الأفكار، وعالم الأشياء. إلا أن هذه العوالم بتفاعلاتها وتشابكاتها إنما تؤكد على توليد عوالم أخرى مثل عالم الرموز حينما يتفاعل عالم الأشياء مع عالم الأفكار، وكذلك حينما يتفاعل عالم الأشخاص والأفكار فإنه يتحول الشخص إلى فكرة تحوله إلى رمز؛ فإن هيمن الشخص تحول إلى وثن؛ أي أن تحول الشيء إلى فكرة يحوله إلى رمز، وتحول الرمز إلى شيء يقدمه كوثن.



وهناك عالم الأحداث الذي هو ناتج لتفاعل العوالم الثلاثة ليس هناك عالم أحداث خلو من أفكار وإدراكات وعالم أشخاص يتفاعل فيها وعالم أشياء يشكل مساحة للتفاعل، وهناك عالم الإمكانية، وهو يمكن أن يتولد نتاج التفاعل بين العوالم المختلفة. وفي هذا الإطار فإن العلاقة بين الظاهرة الدينية والظاهرة السياسية ليست بعيدة عن هذه العوالم جميعا وليست بعيدة عن مولداتها، ومن هنا وجب علينا ألا نخلط بين عوالم بعوالم وألا نخلط بين من يتولد من تفاعل عوالم بعوالم، وألا نخطئ النظر في وضع هذه العوالم وتفاعلاتها.

العلاقة بين الظاهرة الدينية والظاهرة السياسية ليست بعيدة عن هذه العوالم جميعا وليست بعيدة عن مولداتها، ومن هنا وجب علينا ألا نخلط بين عوالم بعوالم وألا نخلط بين من يتولد من تفاعل عوالم بعوالم، وألا نخطئ النظر في وضع هذه العوالم وتفاعلاتها
المدخل الأول يتعلق بسيطرة عالم الأشخاص على عوالم أخرى، فإنما يشكل مؤشرا على أن يتحول الأمر إلى عبادة لأشخاص يتحول فيه استخدام عالم الأشياء من أجل شخص، وتتحول فيه الأفكار إلى شخص، وتصير الشخصانية هي الحالة المميزة والصفة لكافة العلاقات. هذا الوضع لا يمكن أن يولد إلا حالة استبدادية في هذا المقام؛ إن معنى ذلك في طبيعة علاقة الديني بالسياسي أنه وفقا للتطورات التي حدثت بشأن الدولة القومية من جانب والدولة المركزية التي ورثت الإدارة الكولونيالية المركزية في سلوكها وسياساتها من جانب آخر؛ إنما جعل الديني مصدر خوفٍ مستمر لأي سلطة، ذلك لأن الدين قام بدور كبير في حفز السياقات الوطنية والجماعة الوطنية في التاريخ المصري والخبرة التي حملها، إذ شكل تيارا أساسيا استطاع أن يحقق عناصر مهمة في إحكام النسيج الاجتماعي، وهو أمر لم يكن مصدر خوف للإدارة الكولونيالية فحسب، ولكن للأسف الشديد أنه صار مصدر خوف وعدم ثقة لإدارة الدولة المركزية التي ورثت الاستعمار.

المدخل الثاني في عمليات التقاطع والتفاعل بين هاتين الظاهرتين (السياسية والدينية)؛ دخول عناصر في تحليل العلاقة بين الظاهرتين، وأهم هذه العناصر التي دخلت هي الثقافي والقيمي، فنحن أمام معادلة ترتكن في أصولها إلى أربعة عناصر أساسية؛ الأول إعادة تعريف السياسي؛ الثاني إعادة تحديد المجال الديني؛ الثالث إعادة الاعتبار للقيم؛ الرابع إعادة بروز الثقافي في عملية التحليل. على سبيل المثال فقد أصبح الديني يشكل مصدرا ومرجعية للقيم؛ ورد الاعتبار للقيم في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وتأثير القيمي في السياسي جزء لا يتجزأ من تدهور مقولة علم خال من القيم؛ فأصبح السياسي لا يمكنه بأي حال من الأحوال تجاهل الديني أو تهميشه، وأصبح الديني طاقة لا يمكن إنكارها في عالم السياسة والعلاقات الدولية. والتساؤل الذي يتعلق بذلك: أين عناصر تلك العلاقة الرشيدة المتوازنة بين عناصر المعادلة الأربعة في تكوينها؟ أين الوسط الذي يشكل دافعا أو حافزا لعلاقات سوية بين هذه التقاطعات الأربعة فيما بينها لضبط العملية؟

المدخل الثالث الذي يحسن أن نتوقف عنده ببعض من التأني؛ فهو المجالات التأسيسية التي ترتبط بالظواهر عامة وهو ما يمكن أن نطلق عليه "4 Ps"، والتي تتكون من أربع مجالات الشخصي (Personal) والخاص (Private)، والعام (Public)، والسياسي (Political)، ويضاف إلى ذلك العولمي (Plus Global)، لأن العولمي يحيط بالأربعة، فقد تداخل فيه ما هو شخصي، وخاص، وعام وسياسي.

إن دخول الديني على هذه المعادلة من المجالات المختلفة يمكن أن يحدث ارتباكا كما يحدث ترشيدا في سياق هذه المعادلة، ومن هنا وجب النظر إلى طبيعة العلاقات بين هذه المداخل المختلفة في إطار وضع كل مجال في مقامه، بحيث لا تتعدى على بعضها، أو تطغى على بعضها، ولكنها تستطرق استطراقا جميلا من غير اعتساف أو ضغط أو تهرُؤ أو غير ذلك من أمور تُخرج هذه المجالات عن طبيعتها.

المدخل الرابع: العلاقة بين الداخلي والخارجي لا تحدث العلاقة بين الديني والسياسي بمعزل عن العلاقة بين الداخلي والخارجي، بل ربما كانت هذه العلاقة الأخيرة هي أحد أهم الدواعي التي تدفع إلى إعادة التفكير في العلاقة بين الديني والسياسي وإعادة تعريف السياسي من جانب وإعادة تحديد المجال الديني من جانب آخر.

وفقا للتطورات التي حدثت بشأن الدولة القومية من جانب والدولة المركزية التي ورثت الإدارة الكولونيالية المركزية في سلوكها وسياساتها من جانب آخر؛ إنما جعل الديني مصدر خوفٍ مستمر لأي سلطة
وفي هذا السياق، يبدو لنا من جملة ما قررنا أن العولمة قد تكون لعبت دورا أفسد طبيعة العلاقة بين الشخصي والخاص والعام والسياسي، وأن هذا الإفساد قد تم نظرا لعدم مراعاة النسب المقررة والمتوازنة بين هذه المجالات، فإنه من نافلة القول أن نؤكد أن البعض قد قرن العولمة باعتبارها "دينا وضعيا" أو ما أسماه البعض "ديانة السوق"؛ أكدت ضمن مساراتها وعملياتها على حالة من تنميط البشر على شاكلتها في عملية تبدو في دخول البشر دين العولمة.

في هذا السياق، لا بد وأن نؤكد على أن زحف الخارج على الداخل في شئون كثيرة ومنها الديني؛ قد طال الإسلام كدين أكثر من أي دين آخر، خاصة وفق عملية صناعة الصورة، فصار هو الدين الذي يرتبط بالعنف وكذا بالإرهاب، صار هو الدين الذي يُرمز له بالعدو الأخضر، صار هو الذي يمثل قوس الأزمات الحالي والمحتمل، صار هو مجال الفعل لأى عملية سيطرة أو تحكم في المعمورة.

المدخل الخامس: الحالات والمقامات والآليات والمآلات. ومن الأهمية بمكان أن نؤكد بشأن العلاقات بين العوامل والمتغيرات المختلفة والمجالات المتنوعة؛ أن تلك العلاقات تفرز بطبيعتها شأنا عملياتيا (العمليات)، والوصل ما بين هذه العمليات الأربع في العلاقة بين السياسي والديني إنما يتطلب منا دراسة عدد من الموضوعات منها:

1- الخبرات والتجارب والنماذج التاريخية السلبية والإيجابية للعلاقة بين الظاهرة السياسية والدينية في الأديان المختلفة وخبراتها المختلفة.

2- مدى تأثير الدين ضمن تلك الخبرات والنماذج التاريخية والخبرات المعاصرة.

3- الآليات التي يمكن استخدامها لتعظيم تأثير الدين لتأسيس علاقات سوية صحيحة إيجابية دون اتخاذ موقف مسبق يتعلق باستبعاد الدين من جملة الحياة الدنيوية والمدنية (قواعد العيش المشترك، أصول التعايش، التربية الدينية الحاضرة الجامعية، الجماعة الوطنية الصالح المشترك العام، سفينة الوطن.. الخ).

4- المآلات وفهم تلك الحالات والمقامات والآليات وما تنتجها من آثار محتملة على أرض الواقع.

المدخل السادس: تمويه الحدود بين السياسي والديني. من جملة ما تراكم لدينا من فهم عوالم كل المداخل السابقة؛ من الضروري أن نعطى مجموعة من المؤشرات والمعايير التي يمكن أن نستند إليها في "رفع الالتباس بين الديني والسياسي والعام من شئونهم عن عموم الناس". ونشير إلى جملة من التنبيهات:

أولها أن استبعاد أحد طرفي العلاقة لمصلحة الآخر إنما يشكل نظرة تعسفية غير منهاجية، ومن هنا وجب علينا من الناحية البحثية المنهاجية -وليس من ناحية الرأي والفكر أو اتخاذ مواقف فكرية- أن نقف بحدة وبشدة ضد توجيهات وتوجهات العلمانية الفجة، التي تستبعد الدين من جملة فاعليات الحياة، وتحاول أن تفسر ذلك الواقع على غير طبيعة العوامل الفاعلة فيه؛ إن ذلك المتدين المتطرف في رؤيته هذه لا يختلف عن العلماني الفج لأن كلا منهما يسحب الآخر لصالح تصوره، فمنهج من يجعل الدنيا بلا دين والآخر يجعل الدين بلا دنيا. والاثنان يعبّران عن حالة انسحابية لا يمكن أن تنتج إلا علائق غير سوية غير صحيحة وغير صحية.

ثانيها أن التأويل الصحيح للقول الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تأبير النخل "أنتم أعلم بشئون (أمور) دنياكم" التي لا تفتأ بعض التوجهات العلمانية من أن تتبنى بعض مقولات دينية في تسويغ رؤاها، فقد أراد الفريق الأول أن ينفي مطلقا الصلة بين أمور الدنيا بأمر الدين من قريب أو من بعيد، وهو تزيّد في تفسير وتأويل حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بينما يعني الفريق الثاني أن ما من شأن للدنيا مهما دق أو صغر إلا وللدين وصفه تفصيلية له في مجراه ومرساه وفي سائر أحواله، وهذا اتجاه يصادر على حقيقة الاجتهاد كأصل بنياني من أصول البنيانية للشريعة؛ وما عبّر عنه السيوطي في رسالته التي عنونها بـ"الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".

ثالثها أنه في هذا السياق وجب علينا أن نؤصل ونفصل معنى الشأن الذي يقوم بـ"شئون" على سبيل الجمع؛ و"أمور" على سبيل الجمع، وأيضا على سبيل التنكير فإن هذا الأمر كما هو مبين من سياق الحديث النبوي إنما يعبر عن شئون فنية وأمور تتعلق بالآليات والوسائل. بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يؤصل معنيين لا يجب التفريط فيهما في شأن العلاقة بين السياسة والدين؛ أما الأمر الأول فإنه يتعلق بأن الولاية الدينية لا تعطي أهلية لأي إنسان كائنا من كان أن يتدخل في الأمر الفني من دون اختصاص، وفي ذلك الشأن يجب أن نأخذ قول الحباب بن المنذر في غزوة بدر حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم "أَبِوَحْيٍ فَعَلْتَ أَوْ بِرَأْيٍ؟ قَالَ: بِرَأْيٍ يَا حُبَابُ".

صارت عملية التجديد عملية مستمرة وحدتها الزمنية "القرن" تؤكد على أنه كلما خبت الشريعة من تقصير البشر المؤمنين بها في فاعليتها، وجب عليهم أن يبحثوا من كل طريق عن سبل تجديدها؛ ومسالك نهوض الأمة بها؛ ووصلها بأصلها، وهذا بحق هو معنى التجديد؛ ومشاتل التغيير والإصلاح مشرعة مفتوحة
إن هذا التمييز بين المسائل التي تلتقي بالدين الموحى والأمور التي تتعلق بعمليات الحرب "الفنية" فقد كان لها مدخلا في هذا. ومن ثم كان على صاحب الولاية الدينية أن يذكّر بأمر ثانٍ هو أنتم أعلم بأمور دنياكم، فمن حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى إلى لفت النظر إلى الإيمان بقدرة الله، ومن حيث إن الأمر أدى إلى إخراج من غير تأبير النخل شيصا (أي لم يثمر ثمرته الأصلية)، كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد على أن في كل اختصاص لا بد وأن يعود الناس إلى صاحب الولاية الفنية والاختصاصية، وأن التخصص وجب أن يكون في خدمة الأمة والإنسان والعمران.

رابعها أن الدين الإسلامي على وجه الخصوص يقدم رؤية في فهم الدين قد تختلف عن تلك الرؤية التي شاعت في تصور الدين كعلاقة شخصية، أو كما تتصوره بعض التوجهات العلمانية. شمول الدين الإسلامي فرض تصوره على أنه له رؤية كلية لكافة مجالات الحياة، ترتبط بالأصول المعرفية والأصول القيمية والأصول السلوكية والأصول المقاصدية؛ السياسي فيه ليس بعيدا عن الدين، ولكن ليس معنى عدم بعده عنه أن يسيطر أو يتحكم شخوص الدين بالسياسي،ولكن بمعنى كيف يمكن أن يرفد الدين المجال السياسي بكل ما يؤدي إلى تنظيم فعاليته وتقويم مساراته واستثمار طاقاته.

خامسها أن من المبادئ العامة المرتبطة بخصائص هذه الشريعة أن تلك الشرعية انتظمت في مساق عام يؤكد على معنى أنها "أجملت ما يتغير، وفصلت فيما لا يتغير"، وظل ذلك أساسا معرفيا ومنهاجيا للشريعة الإسلامية في هذا المقام لتؤكد على المعنى الذي يؤكد على العلاقة بين عالمين؛ عالم الثابت وعالم المتغير فيما يتعلق بالعلاقة فيما بينهما، فكلما انتهى الأمر إلى دائرة الثبات كان ذلك أكثر تفصيلا، وكلما ارتبط الأمر بدائرة التغير كان ذلك أكثر إجمالا، وهو يتعلق بما سبق وأن قررناه من أن الاجتهاد أصل بنيوي في الشريعة، وأن التجديد من الفروض الواقعة ما حدثت الحوادث وما تراكمت القضايا وما نزلت النوازل وما طرأت الطوارئ.

وصارت عملية التجديد عملية مستمرة وحدتها الزمنية "القرن" تؤكد على أنه كلما خبت الشريعة من تقصير البشر المؤمنين بها في فاعليتها، وجب عليهم أن يبحثوا من كل طريق عن سبل تجديدها؛ ومسالك نهوض الأمة بها؛ ووصلها بأصلها، وهذا بحق هو معنى التجديد؛ ومشاتل التغيير والإصلاح مشرعة مفتوحة.. ولنا في ذلك عودة ومعالجة في مقال آخر.

x.com/Saif_abdelfatah

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدينية السياسية القيمي اسلام الدين سياسي قيم صحافة سياسة مقالات اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النبی صلى الله علیه وسلم الدینی والسیاسی العلاقة بین هذه العوالم بعیدة عن على سبیل من جملة بین هذه من جانب لا یمکن یمکن أن صار هو الذی ی على أن فی هذا

إقرأ أيضاً:

بريك: إسرائيل أسيرة للتطرف الديني والجيش غير مستعد للحرب

#سواليف

درج الجنرال الإسرائيلي المتقاعد #إسحاق_بريك على انتقاد #الحكومة و #قيادة_الجيش بسبب #الفشل في تحقيق #أهداف_الحرب، مرجعا ذلك إلى عدم جاهزية الجيش بتركيبته الحالية لتحقيق #الانتصارات في الحروب على جبهات عدة بل حتى في جبهة #غزة وحدها، ولكنه هذه المرة يضيف إلى ذلك بعدا جديدا وغير مسبوق بالتحذير من أن #إسرائيل تسير نحو #الهاوية بسبب “سيطرة المتشددين على مقاليد الحكم، وانخداع القيادة الإسرائيلية بأوهام دينية” لا تمت بصلة إلى الواقع الأمني والعسكري الذي تواجهه إسرائيل.

وفي مقال جديد نشرته صحيفة معاريف، أكد بريك -الذي شغل عددًا من أعلى المناصب بالجيش الإسرائيلي- أن هذا الجيش “غير مستعد للحرب لا في الدفاع أو الهجوم” متهمًا القيادة السياسية، وفي مقدمتها رئيس الوزراء بنيامين #نتنياهو ووزيرا الأمن إيتمار #بن_غفير والمالية بتسلئيل #سموتريتش بأنها أسيرة لرؤى دينية “مسيحية” تتجاهل الوقائع الصلبة على الأرض.

ويستهل بريك مقاله بتأكيد ثقته المطلقة في تقييماته، بالتذكير بمسيرته العسكرية الطويلة، مشددًا على أن تقييماته لا تأتي من فراغ أو من موقع المراقب البعيد، بل من موقع الخبير العارف بتفاصيل المؤسسة العسكرية، قائلاً “أنا أعرف الجيش الإسرائيلي من الداخل أكثر من أي شخص آخر”.

مقالات ذات صلة لواء اسرائيلي .. القضاء على حركة “حماس” بشكل كامل أمر غير ممكن 2025/06/04

ويستعرض سلسلة من المناصب التي شغلها، قائلا إنه خدم في الجيش كقائد لسلاح المدرعات، وقاد الفرقة النظامية رقم 36، كما شغل منصب نائب قائد القوات البرية، وقائد الفيلق الجنوبي، وقائد الكليات العسكرية.

كما أنه كان لفترة 10 سنوات مفوضًا لشكاوى الجنود (أمين المظالم) وهي وظيفة مكنته من الاطلاع عن كثب على أوضاع أكثر من 1600 وحدة عسكرية في سلاح البر والجو والبحر، ووحدات التدريب والصيانة والبنية التحتية.

ويشير الجنرال بريك إلى أن تجاربه، من الخدمة في حرب الاستنزاف مرورًا بحرب ما سمي يوم الغفران (عام 1973) إلى دوره في حرب لبنان الأولى (عام 1982) أكسبته خبرة عميقة بشأن جاهزية الجيش ونقاط ضعفه، وهو ما يؤهله، بحسب قوله، لإطلاق هذا التحذير في لحظة مفصلية.

ويضيف أنه لم يكتف بجمع الانطباعات، بل قرأ جميع تقارير مراقبي الدولة والمؤسسة الأمنية والرقابة العسكرية، ووجد أن نتائجها تتطابق مع ما توصل إليه من أن الجيش يعاني من “فجوات خطيرة” لاسيما في القوات البرية.

ويخلص بعد ذلك إلى القول “كل شيء يشير إلى أزمة عميقة غير مسبوقة داخل الجيش، وقد عبر لي عدد كبير من القادة والجنود عن مشاعر الإحباط واليأس، ويفضل الكثير منهم مغادرة الجيش بدلاً من البقاء في هذه المنظومة المتداعية”.


فشل ذريع

في تحليله للوضع العسكري الراهن، يقول الجنرال المتقاعد إن الجيش “عاجز عن تحقيق أهداف الحرب المعلنة” والمتمثلة في “القضاء على حماس، وإطلاق سراح الرهائن” معتبرًا أن استمرار القتال بهذه الطريقة لا يؤدي إلا إلى مزيد من الإخفاقات، ويهدد بفشل مدوٍّ في أي حرب متعددة الجبهات.

ويحمّل بريك المسؤولية المباشرة للقيادة السياسية والعسكرية، قائلًا إن “الحكومة كان عليها أن تتمسك بالاتفاق الذي وقّعه نتنياهو في مرحلته الثانية، وأن تركز على إعادة بناء الجيش بدلًا من دفعه للاستنزاف في معركة لا نهاية لها”.

ولم تسلم القيادات السياسية والعسكرية الحالية من النقد، وقد اتهمهم بريك بالصمت والانصياع للخط السياسي المتطرف.

ويقول “المشكلة التي أراها بشكل أساسي مع كبار القادة، الذين يتم تسريحهم من الجيش والانضمام إلى السياسة، هي أن فكرهم وعقيدتهم تملي طريقهم عليهم، حتى لو لم يتطابق مع الواقع على الأرض”.

ويعتقد بريك أن “الفشل في إحراز أي تقدم حقيقي ضد حماس أو حزب الله هو نتاج لتخفيضات مستمرة في ميزانية القوات البرية خلال الـ20 عامًا الماضية” إضافة إلى أزمات مستفحلة في “القوى البشرية، واللوجستيات، والصيانة، وثقافة تنظيمية معيبة في الجيش نفسه”.

المسيحانية تغلب الواقعية

ولكن الجزء الأكثر أهمية في مقاله يتمثل في هجومه العنيف على ما وصفه بـ”العقيدة المسيحانية” التي تهيمن على عقول بعض القادة السياسيين والعسكريين. وقال إن هؤلاء يعيشون في وهم أن “الله سينصرهم” دون أي اعتبار للتوازنات العسكرية أو الاستعدادات الواقعية.

وفي إشارة واضحة إلى وزراء متطرفين مثل بن غفير وسموتريتش، كتب “إنهم يمنحون رئيس الوزراء رياحًا خلفية للاستمرار في حرب لا أفق لها، بهدف تحقيق أهداف لا يمكن للجيش إنجازها الآن، مثل القضاء على حماس”.

وأضاف أن “كبار القادة الذين تقاعدوا من الجيش وارتدوا القلنسوات (القبعة التي يرتديها المتدينون المتطرفون) وامتهنوا العمل السياسي أو تقديم الاستشارات للسياسيين، يتجاهلون الواقع القاسي ويعتمدون على إيمانهم الديني لتبرير الاستمرار في الفشل”.

ولتعزيز حججه، يستحضر بريك أحداثًا تاريخية من التراث اليهودي، أبرزها تدمير الهيكلين الأول والثاني حسب الروايات اليهودية، فضلا عن حادثة الهولوكوست، إضافة إلى تمرد بار كوخبا الذي قال إن اليهود دفعوا بسببه ثمنًا باهظًا بلغ 600 ألف قتيل ونفيًا دام ألفي عام “بسبب تبنيهم فكرًا مسيحانيًا مماثلًا لما نراه اليوم”.

عواقب وخيمة

بحسب الجنرال المتقاعد، فإن الإصرار على الاستمرار في الحرب -رغم عجز الجيش عن حسمها عسكريًا- يضر بكل مناحي الحياة في إسرائيل: “يتدهور وضع المختطفين، ويصاب المزيد من الجنود، وتدخل إسرائيل في أزمة غير مسبوقة مع العالم، ويستمر تفكك الجيش من الداخل، بينما تعاني الجبهة الداخلية من الفوضى الاجتماعية والانهيارات في التعليم والصحة والاقتصاد”.

وتابع بلهجة يائسة “هذه حكومة وهمية، تتعامل مع بقائها في الحكم باعتبارها أهم من أمن الدولة، وهي تقود إسرائيل نحو الهاوية بسرعة جنونية”.

وينهى بريك مقاله بتحذير صريح ومباشر “إن من يديرون الحكومة الآن يعيشون بوهم ديني لا علاقة له بالواقع العسكري أو الأمني، وعندما يصطدمون بجدار الحقيقة الصلب، لا يملكون سوى الادعاء أن الله سيساعدهم، في حين أن الدولة كلها تنهار من الداخل”.

ويؤكد أن لديه “آلاف الشهادات والوثائق والتقارير والمقابلات التي تؤكد كل ما يقوله” داعيًا إلى وقف ما سماه “الجنون المسيحاني” وإعادة الجيش إلى واقعه المهني، بعيدًا عن الخطابات الدينية أو الأوهام العقائدية.

مقالات مشابهة

  • متحدث الجوازات بمكة: أعمالنا تشمل لجانا بمداخل العاصمة المقدسة
  • بريك: إسرائيل أسيرة للتطرف الديني والجيش غير مستعد للحرب
  • ثغور المرابطة والمرابط.. مشاتل التغيير (21)
  • تخلَّص من "لكن".. وابدأ التغيير الآن
  • «طرق دبي» تُعلن عن مشروع متكامل لتطوير شارع الوصل بطول 15 كم
  • حكم تعدد الأضاحي في البيت الواحد.. الأزهر للفتوى يجيب
  • تونس: تعدد المبادرات وغياب المراجعات
  • الأمن العام السعودي يخرج أكثر من 205 آلاف مخالف من مكة ويشدد العقوبات خلال موسم الحج
  • التربية تتابع سير امتحانات «التعليم الديني» في مختلف المناطق
  • اكاديميون يناقشون أزمة السياسة والسياسي في لقاء بالرباط