تعثر منطقي للاتصالات.. لا التطبيع بين تركيا ونظام الأسد
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
تعثرت الاتصالات بين تركيا ونظام بشار الأسد؛ التعثر بدا منطقياً ومتوقعاً أيضاً مع الأجندات المتناقضة واختلاف وتغير الظروف التي أدت لانطلاق تلك الاتصالات بعدما أتى إليها نظام الأسد مرغماً ومضطراً كونه لا يستطيع أن يقول لا لروسيا، أصلاً، ولا يستطيع هذا إذا أراد التساوق مع المطالب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي طرحتها تركيا ضمن تصورها الشامل والاستراتيجي للعلاقات بين الدولتين.
بداية لا بد من التأكيد على حقيقة أننا لم نكن أمام حوارات من أجل التطبيع مع نظام الأسد بالمعنى الدقيق للمصطلح، وإنما اتصالات فقط مع خارطة طريق وجدول أعمال صعب ومعقد ومتشابك بغرض الوصول إلى علاقات صحية ومستدامة بين تركيا وسوريا الجديدة، بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية وإزاحتها من المشهد، وعودة اللاجئين الآمنة والطوعية إلى مدنهم وقراهم التي دمرها الأسد، وتوفير الحياة الكريمة لهم ونيلهم حقهم الطبيعي والأصيل في تقرير مصيرهم في أجواء ديمقراطية شفافة ونزيهة مؤاتية.
لم نكن أمام حوارات من أجل التطبيع مع نظام الأسد بالمعنى الدقيق للمصطلح، وإنما اتصالات فقط مع خارطة طريق وجدول أعمال صعب ومعقد ومتشابك بغرض الوصول إلى علاقات صحية ومستدامة بين تركيا وسوريا الجديدة، بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية وإزاحتها من المشهد، وعودة اللاجئين الآمنة والطوعية إلى مدنهم وقراهم التي دمرها الأسد، وتوفير الحياة الكريمة لهم ونيلهم حقهم الطبيعي والأصيل في تقرير مصيرهم في أجواء ديمقراطية شفافة ونزيهة مؤاتية
لا بد كذلك من الانتباه إلى الخلفيات التي واكبت الاتصالات منذ انطلاقتها قبل عدة شهور، حتى وصولها إلى نهايتها المتعثرة والمنطقية والواقعية في الفترة الأخيرة، حيث تجاوبت أنقرة مع مساعي موسكو للتواصل مع نظام الأسد كونها لم تُرد إغضاب الجار الروسي بعد غزو أوكرانيا، مع تحولها إلى الوسيط الوحيد مع حيادها الإيجابي والمجدي بين الجانبين، ولفهمها أن روسيا- فلاديمير بوتين انطلقت من فرضية الشعور بأنها دولة عظمى لا تزال صاحبة تأثير في سوريا والمنطقة والعالم؛ حتى مع تعثر الغزو وتداعياته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية على الداخل الروسي كما على صورة وهيبة البلاد في الخارج.
تركيا تجاوبت مع المساعي الروسية كذلك في ظل التوافق ولو العام على العناوين العريضة للاتصالات وحيثياتها وأجندتها؛ المتمثلة في أولوية محاربة الإرهاب وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار على قاعدة الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، مع إصرارها وتأكيدها الدائم على سيادة سوريا وسلامة ووحدة أراضيها، ورفض تقسيمها أو الحلول والأفكار والخطط الانفصالية للإرهابيين، وأن تواجد قواتها هناك لمحاربة تلك الخطط، وبالطبع حماية أمنها والدفاع عن مصالحها المتطابقة إلى حد كبير مع مصالح الشعب السوري وأهدافه وآماله المحقة في دولة مدنية ديمقراطية مستقرة وقوية وقادرة على تلبية احتياجات مواطنيها والسهر على رفاهيتهم.
القيادة التركية تجاوبت مع المساعي الروسية أيضاً نتيجة ضغط المعارضة التركية في الأسابيع والشهور التي سبقت الانتخابات الحاسمة والمصيرية لمستقبل البلاد -أيار/ مايو الماضي- وإصرار المعارضة على ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والترويج العنصري للمزاعم بأنهم سبب مشاكل وأزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة، واستخدام خطاب مفاده أن هذه العودة ضرورية وملحّة لاستقرار البلاد، وأنها لا يمكن أن تتم إلا عبر الاتصالات والتفاهم مع نظام بشار الأسد.
أما بالنسبة لدوافع النظام "منتحل الصفة" فقد حضر مخفوراً بعد حملاته الدعائية "الحنجورية ضد تركيا"، واعتبار تلك الحملات بديلاً للسيادة المفقودة والمنهارة، ورفع سقف الخطاب ورفضه المشاركة بأي لقاء مع أنقرة، إلا بعد انسحاب قواتها من الشمال السوري، ولكنه لم يستطع أن يقول لا لراعيته روسيا التي أبقته في السلطة حتى الآن، خاصة أنه يعرف جيداً الأجندة التركية التي لا يريد التساوق والتماهي والتعاطي الجاد معها بأي حال من الأحوال؛ كونه مستفيدا من الواقع السوري الراهن ويفهم أن أي عملية سياسية جادة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة لن تبقيه في السلطة؛ حيث لا مستقبل له في سوريا الجديدة الآمنة والمستقرة والديمقراطية بأي حال من الأحوال.
لا نية لبشار لمحاربة الإرهاب باعتباره أساسه ومصدره، كما أن الظروف ليست مؤاتية أمام إعادة الإعمار دون أي ضوابط أو شفافية ونزاهة، وتمويل وإشراف ورعاية وتمويل الأمم المتحدة والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة عليها، حيث لا ثقة بالنظام للقيام بذلك كما رأينا في فضيحة بل فضائح التعامل مع المساعدات الإغاثية والإنسانية إثر كارثة الزلزال الأخير، ناهيك عن سؤال الشرعية والسيادة
في لقائه الإعلامي الأخير المنفصم والمتعجرف أكد بشار فعلاً أن لا نية لديه تجاه الحل السياسي ولا رغبة في عودة للاجئين، كما قال حرفياً، في غياب الماء والكهرباء وأدنى مقومات الحياة والخدمات لهم، وهو لا يريد عودتهم أصلاً مع يقينه برفضهم أن يكونوا رعايا خانعين في سورياه الطائفية المتجانسة، وإنما مواطنين كاملي المواطنية في سوريا التاريخية العظيمة والمدنية والديمقراطية لكل مواطنيها.
وبالتأكيد لا نية لبشار لمحاربة الإرهاب باعتباره أساسه ومصدره، كما أن الظروف ليست مؤاتية أمام إعادة الإعمار دون أي ضوابط أو شفافية ونزاهة، وتمويل وإشراف ورعاية وتمويل الأمم المتحدة والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة عليها، حيث لا ثقة بالنظام للقيام بذلك كما رأينا في فضيحة بل فضائح التعامل مع المساعدات الإغاثية والإنسانية إثر كارثة الزلزال الأخير، ناهيك عن سؤال الشرعية والسيادة.
تجب الإشارة كذلك إلى تحريض إيران وموقفها السلبي تجاه الاتصالات مع تركيا، حيث لا تحبذ طهران أي علاقات للأسد بعيداً عن هيمنتها وقبضتها، كما أنها تعي هي الأخرى مغزى ودلالات وتداعيات المطالب والمحددات التركية؛ كونها مستفيدة من واقع الفوضى والانهيار الراهن في مناطق سيطرة النظام في سوريا، تماماً كما هو الحال في لبنان والعراق واليمن والحواضر والعواصم العربية التي تتبجح إيران باحتلالها.
ومن هنا يمكن أيضاً فهم الشرط غير المنطقي للأسد وآلته الدعائية -رغم سيادته الشكلية- بانسحاب القوات التركية من سوريا قبل الشروع الجدي بالحل السياسي، والقضاء على التنظيمات والأخطار الإرهابية، والعودة الآمنة للاجئين، وإعادة إعمار جدية شفافة ونزيهة، وهي معطيات لا يمكن أن تتم مع الأسد.
في الأسابيع الماضية تغيرت الظروف والمعطيات السابقة رأساً على عقب، وتبدّى الضعف الروسي بعد تمرد مرتزقة فاغنر الذي أظهر المشهد في البلد على حقيقته وعلى كل المستويات السياسية العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي لم تعد تركيا مضطرة لمسايرتها أو التجاوب مع مساعيها، خاصة في ظل الانفتاح والتقارب مع الغرب (الناتو الاتحاد الأوروبي)، دون أن يعني ذلك العداء أو كسر الجرة مع روسيا ولكن التعامل معها كما هي بحجمها وقوتها الفعلية على الأرض، واستمرار الوساطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا وفق القواعد الدولية والمصالح المشتركة والتنافس والندية في الملفات الإقليمية والدولية الأخرى، مثل سوريا وليبيا وأذربيجان وشرق المتوسط وهكذا.
لا بد من الإشارة إلى تعثر التطبيع العربي مع الأسد واشتداد وتفاقم أزماته الداخلية وتجدد التظاهرات الشعبية ضده، والتي كشفت النظام على حقيقته؛ دون شرعية أو سيادة أو قدرة على حل مشاكل الناس وتوفير أدنى مقومات الحياة الكريمة لهم
داخلياً؛ كان انتصار الرئيس رجب طيب أردوغان وتحالف الشعب الحاكم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حاسماً، ولم تعد الحكومة مضطرة لمسايرة المعارضة تجاه قضية اللاجئين والاتصالات عديمة الجدوى مع الأسد، والتأكيد على أنها ستأخذ على عاتقها ملف اللاجئين وعودتهم بشكل آمن وطوعي وكريم، مع إعادة الإعمار بالاتفاق مع دول صديقة ومنظمات المجتمع المدني المحلية الأممية بعيداً عن أجواء العنصرية التي أججتها المعارضة، وبعيدا عن شروط الأسد وخطابه الدعائي ضمن حالة الإنكار والانفصام والانقطاع عن الواقع التي يعيشها، كما تبدّى في لقائه الإعلامي الأخير حيث لم ينسَ شيئاً ولم يتعلم شيئاً ولم يفهم شيئاً.
في المقابل، هناك إصرار تركيا على مواقفها وشروطها المحقة والمعلنة، والمحاربة الجدية للإرهاب بدون تمييز بين التنظيمات الإرهابية، وعودة اللاجئين، ورفض التقسيم والخطط الانفصالية، والحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها أكثر من الأسد نفسه؛ الذي فرّط بالسيادة واستقدم الغزاة وتماهى مع الإرهابيين الانفصاليين فقط للبقاء في السلطة ولو شكلاً وفاقدا للسيادة ومنتحل الصفة. ثم رفع وزير الدفاع التركي الجديد الجنرال يشار غولر السقف بالحديث عن الدستور التوافقي الجامع وضمان أمن الحدود، ما يعني بالضرورة أن لا إمكانية لتحقيق ذلك مع الأسد.
في السياق العام لا بد من الإشارة إلى تعثر التطبيع العربي مع الأسد واشتداد وتفاقم أزماته الداخلية وتجدد التظاهرات الشعبية ضده، والتي كشفت النظام على حقيقته؛ دون شرعية أو سيادة أو قدرة على حل مشاكل الناس وتوفير أدنى مقومات الحياة الكريمة لهم.
في النهاية وباختصار وتركيز، ستراوح الاتصالات الحالية مكانها، بينما سيكون التطبيع الكامل للعلاقات وعلى كافة المستويات مع سوريا الجديدة التي لا مكان للأسد فيها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا الأسد اللاجئين سوريا أردوغان سوريا الأسد تركيا أردوغان لاجئين مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة نظام الأسد بین ترکیا مع الأسد فی سوریا مع نظام حیث لا
إقرأ أيضاً:
التطبيع والحرب الناعمة .. أخطر أهداف العدو الإسرائيلي لاختراق المجتمعات العربية
في أكثر المراحل خطورة على الأمة والعدو الصهيوني يشن أقذر وأبشع عدوان بربري همجي على أبناء غزة ، شن العدو هجوماً لا يقل خطورة عن الحرب العسكرية ، من بوابة التطبيع التي فتحت الأنظمة العربية له الأبواب ، في اللحظة التي كان يُنتظر فيها أن تنهض الأمة بوعيها، وتستعيد شبابها من براثن التشتت، كانت أياد المطبعين تحفر في جدران هويتها من الداخل بأدوات لا تُحدث صوتًا، لكنها تُصيب القلب مباشرة، إنه مخطط يسير بعيداً عن مسار احتلالٍ عسكري، وعن دبابات صهيونية تعبر الحدود، إنه مخطط من نوع آخر، صامت، وخفي ،هدفه أن يتحوّل الشاب العربي والمسلم من حامل رسالةٍ إلى مستهلكٍ فارغ، ومن مُدافع عن قضيته إلى كارهٍ لها، بل وربما ساخرٍ منها.
يمانيون / تقرير / خاص
بدأ المخطط من كيان العدو ، حيث كانت مراكز التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلية، ومراكز الفكر التابعة للمؤسسة العسكرية والاستخباراتية، قد وضعت منذ سنوات طويلة أهدافًا تتجاوز الجغرافيا، الهدف لم يكن فقط السيطرة على الأرض، بل السيطرة على الوعي، والسيطرة على من يكون الإنسان المسلم في داخله.
بوابة الدخول
حين بدأ قطار التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي في التسارع، لم يكن الحديث يدور فقط عن اتفاقيات أمنية أو مصالح اقتصادية. كانت هناك طبقات أعمق، تُحاك بصمت، بوابة التطبيع الثقافي والفكري كانت الأهم، بوابات مفتوحة للزيارات المتبادلة، وللبرامج الشبابية، وللتبادل الأكاديمي والفني، والأخطر من ذلك، لمنصات الترفيه والتواصل التي تحرّك المزاج الشعبي بصمت.
في الوقت الذي كانت فيه منصات للعدو الإسرائيلي تُموّل محتوىً ترفيهيًا موجّهًا بلغات عربية وبلهجات محلية، كانت شركات إنتاج في دول عربية متماهية تفتح المجال لنمط جديد من الأعمال الدرامية والمهرجانات التي تُقدَّم على أنها حرية وتطور، لكنها في حقيقتها تشوّه الفطرة، وتطبع مع كل ما يتعارض مع القيم الإسلامية.
خريطة التأثير .. الشباب أولاً
لم يكن اختيار فئة الشباب عشوائيًا، بل إن كل الدراسات الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي كانت ترى في وعي الشباب العربي تهديدًا طويل الأمد، لا بد من تفكيكه، كانت الخطة، ببساطة، أفراغهم من إيمانهم، ومنحهم بديلًا تافهًا يُشغلهم عن قضاياهم الكبرى.
بدأت أدوات هذا المخطط الصهيوني الخبيث تتسرّب عبر وسائل عدّة، منها الترفيه المُفرط، حيث تم إنتاج وتسويق محتوى يُقدّم نماذج حياة خالية من أي قيمة دينية، يُروّج للعلاقات المفتوحة، والاستهلاك العبثي، والعلاقات المحرمة .
ودعمت مؤسسات الاستهداف الثقافي الصهيونية، خوارزميات المنصات الرقمية حسابات معيّنة تُقدّم الحياة الحديثة بأسلوب ساخر من الدين أو خالٍ تمامًا من أي التزام، مع تغييب الرموز التي تربط الشاب بهويته، وكذلك برامج التبادل والأنشطة الشبابية، التي نظّمتها مؤسسات دولية لكنها على ارتباط مباشر بشركات أمنية أو استخباراتية إسرائيلية، تحت ستار السلام والحوار.
عندما تُفرغ القيم .. يُملأ الفراغ بالرذيلة
ما يحدث اليوم في بعض العواصم العربية من انفلاتٍ أخلاقي وتحت شعارات الحرية الشخصية والانفتاح، ليس مجرد نتيجة عفوية، بل يُنظر إليه باعتباره جزءًا من الهندسة الاجتماعية الجديدة التي تسعى إلى إعادة تعريف الإنسان المسلم، وتحويله من شخص يحمل رسالة وقضية، إلى شخص لا يعرف من هو أصلًا.
فتحت أبواب الرذيلة على مصراعيها في بعض دول التطبيع، واحتُفي بها على أنها تحرر من القيود، ولم يكن الأمر نابعًا من حاجة داخلية للمجتمعات، بل كانت هناك موجات مُمنهجة من الدعاية والتأثير الناعم، مُموَّلة ومدعومة من منصات معروفة بتعاونها مع مراكز التأثير الإسرائيلية والغربية.
التشاحن الرقمي .. والتفكك الداخلي
وفي مشهد موازٍ، تُرك الفضاء الرقمي العربي ليغرق في مستنقع من الكراهية، والتخوين، والسجالات التافهة، وكل يوم يُصعّد الخلاف بين طائفة وأخرى، بين بلد وآخر، بين تيار وآخر، حتى صار الانقسام حالة دائمة.
وهنا، يدخل العدو الإسرائيلي ليستفيد من هذا الصدع، فبينما ينشغل الشباب العربي بشتم بعضهم البعض على تويتر و تيك توك، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحليل هذه النزاعات، وتوظيفها في مزيد من التفتيت الاجتماعي، وتمييع القضايا الكبرى، وعلى رأسها قضية فلسطين.
المعضلة الأخطر .. تفريغ الأمة من أبنائها الحقيقيين
يبدو أن ما يُراد لنا ليس فقط فقدان الأرض أو السيادة، بل فقدان أنفسنا، أن ننشأ جيلًا لا يعرف لماذا وُجد، ولا يؤمن بشيء يستحق التضحية، ولا يرى في أمته أي قيمة، ولا يجد في نفسه أي انتماء، جيلٌ يرى القضية الفلسطينية شيئًا من الماضي، والصراع مع العدو ضربًا من الرجعية، والدين مجرد طقوس قديمة لا تناسب العصر، هذه هي النتيجة المرجوة من ذلك المخطط الكبير، جيلٌ بلا إيمان، بلا هوية، بلا قضية.
كيف نكسر الحصار الناعم؟
النجاة لا تكون بالهروب من الواقع، بل بفهمه ومواجهته، نحتاج إلى وعي إيماني، يفهم التحديات الرقمية والثقافية الجديدة، ويُعيد بناء الجدار القيمي من الداخل، نحتاج إلى مؤسسات إعلامية تُخاطب الشباب بلغة القرآن، وتقدّم محتوى قويًا وجذّابًا ومتماسكًا، مبني على أسس إيمانية وفق المنهج القرآني، الذي يقدمه أعلام الهدى، من أولياء الله، الدعاة الى الإيمان والوعي الاجتماعي وحماية هذا الجيل من التأثيرات التي تستهدفه ، والأخذ بيديه ليكون جيل يُدرك أنه مستهدف، ويعرف أن المعركة اليوم ليست بالسلاح فقط، بل في كل ما يُشاهد، ويُشارك،
خطاب التحصين وموقف القيادة
من أبرز العناوين التي أكد عليها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، في ظل المشهد العربي و الإقليمي الخطير ، هو عنوان ’’التحصين الاجتماعي’’ الذي اعتبره خط دفاع أمام الحرب الناعمة التي تستهدف الهوية الإيمانية، ودعوته المستمرة إلى مقاومة كل أشكال الانحراف تحت مسمى الانفتاح، التي تعتبر مدخلاً لتفكيك الهوية الدينية من الداخل .
والسيد القائد حفظه الله هو القائد الوحيد الذي حذر من خطورة هذه المعركة وأنواعها ، في سياقها التثقيفي والإفسادي الذي يستهدف فكر الإنسان، مفاهيمه، وطهره، وعفافه وأخلاقه وقيمه، كما بيّن أن وسائل الحرب الناعمة كثيرة، ودعاتها كثر، وأنها تعمل لإبعاد الأمة عن هويتها الدينية، منبهاً إلى خطورة عدم الانتباه، وعواقب الاستهانة بمخاطر الحرب الناعمة، لأن الأعداء يُحوّلون أدواتهم عندما تفشل الوسائل العسكرية إلى أدوات ناعمة وثقافية، لأنها جزء من استراتيجية العدوان الكلية التي تستهدف الأمة من الجبهات كلها، الفكرية، الثقافية، الإعلامية، الاجتماعية، لذا فإن المواجهة لا تنتهي بالسلاح فقط
خاتمة
العدو لا يخشى من شبابٍ يُغرقون أنفسهم في الترفيه واللهو والجدالات التافهة، العدو يخشى من شابٍ واحدٍ يعرف من هو، ويعرف ربّه، وقضيته، ويعرف كيف يردُّ كيدهم بخطوة وعي واحدة.