المياه والأنهار الجليدية هواجس أممية متجددة
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
أفادت تقارير أممية بأن المناطق الجليدية العالمية سجلت خسارة صافية في كتلتها عام 2024 للعام الثالث على التوالي، وجاء ذلك في أول احتفال دولي باليوم العالمي للأنهار الجليدية الجمعة، وقبيل إحياء يوم المياه العالمي في 22 مارس/آذار.
وأفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بيان بأن خمسة من الأعوام الستة الماضية شهدت تراجعا قياسيا في الأنهار الجليدية، وكانت سنة 2024 هي الثالثة على التوالي التي شهدت فيها كل المناطق الجليدية البالغ عددها 19 منطقة، خسارة صافية في كتلتها الجليدية.
وأوضحت المنظمة، استنادا إلى بيانات من الدائرة العالمية لمراقبة الأنهار الجليدية في سويسرا أن "الخسارة في كتلة الأنهار الجليدية بلغت 450 مليار طن في سنة 2024".
وقالت الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية سيليستى ساولو "لقد شهدنا بين عامي 2022 و2024 أكبر خسارة على الإطلاق في كتلة الأنهار الجليدية على مدى ثلاث سنوات".
وحسب البيان، كانت الخسارة في الكتلة الجليدية معتدلة نسبيا في مناطق مثل القطب الشمالي الكندي أو محيط غرينلاند، لكن الأنهار الجليدية في الدول الإسكندنافية وسفالبارد وشمال آسيا شهدت أكبر خسارة سنوية مُسجلة في كتلتها.
إعلانوبناء على نتائج الرصد المُجمّعة من كل أنحاء العالم، قدّرت الدائرة العالمية لمراقبة الأنهار الجليدية أن الأنهار الجليدية -باستثناء الصفائح الجليدية القارية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية- فقدت أكثر من 9 آلاف مليار طن من كتلتها منذ بدء التسجيل في عام 1975.
وحسب مدير الدائرة العالمية لمراقبة الأنهار الجليدية مايكل زيمب، فإن "هذه الخسارة تعادل كتلة جليدية ضخمة بحجم ألمانيا وسمكها 25 مترا". وقال زيمب إن 5 من الأعوام الستة الماضية سجّلت أكبر الخسائر، إذ فقدت الأنهار الجليدية 450 غيغا طن من كتلتها في عام 2024 وحده.
ويوجد أكثر من 275 ألف نهر جليدي في مختلف أنحاء العالم تغطي نحو 700 ألف كيلومتر مربع، ولا يشمل ذلك الصفائح الجليدية القارية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، لكن هذه التكوينات الجليدية تنحسر بسرعة بسبب تغير المناخ.
ويعرف النهر الجليدي بكونه تراكما كبيرا من الجليد والثلج، ينشأ على اليابسة ويتدفق ببطء بفعل ثقله، وتوجد الأنهار الجليدية في كل قارة، وفي العديد من المناطق الجبلية وحول حوافّ الصفائح الجليدية في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.
ورأت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الكثير من الأنهار الجليدية في غرب كندا والولايات المتحدة والدول الإسكندنافية وأوروبا الوسطى والقوقاز ونيوزيلندا والمناطق الاستوائية لن تصمد في القرن 21، في حال استمرار المعدل الحالي للذوبان. ونبهت إلى أن استنزاف ما يسمى "أبراج المياه" في العالم "يُهدِّد إمدادات المياه لمئات الملايين من البشر".
وحسب المنظمة من المتوقع أن يتسارع ذوبان الجليد بشكل كبير، من القطب الشمالي إلى جبال الألب، ومن أميركا الجنوبية إلى هضبة التبت، مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بفعل تغير المناخ الناجم عن حرق الوقود الأحفوري.
إعلانومن المرجّح أيضا أن يؤدي هذا إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية في جميع أنحاء العالم، مع ارتفاع منسوب مياه البحار، وتناقص هذه المصادر المائية الرئيسية.
يوم المياه العالمي
ويتزامن صدور تقرير منظمة الأرصاد الجوية مع قمة اليونسكو في باريس بمناسبة اليوم العالمي الأول للأنهار الجليدية، والذي دعا إلى اتخاذ إجراءات عالمية لحماية الأنهار الجليدية حول العالم.
وفي 22 مارس/آذار من كل عام، تحتفي الأمم المتحدة بيوم المياه العالمي، وقد حُدّد هذا اليوم لكي يكون وسيلة لجذب الانتباه إلى أهمية المياه العذبة، والدعوة إلى إدارة موارد المياه العذبة بطريقة مستدامة.
وأدى تسارع الذوبان إلى جعل الأنهار الجليدية الجبلية واحدة من أكبر العوامل المساهمة في ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يجعل الملايين عرضة لخطر الفيضانات الجارفة، فضلًا عن تدمير المجاري المائية التي يعتمد مليارات البشر عليها للزراعة، والحصول على الطاقة الكهرومائية.
وقبيل هذا الإعلان الرسمي من اليونسكو عن زيادة وتيرة تلاشي الأنهار الجليدية حول العالم، خلصت دراسة علمية إلى أن الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا تذوب بسرعة غير مسبوقة بسبب تغير المناخ، وهو ما يهدد إمدادات المياه لما يقرب من ملياري شخص.
وذكرت الدراسة، التي أجراها المركز الدولي للتنمية الجبلية المتكاملة (ICIMOD)، ونُشرت نتائجها في يونيو/حزيران 2023، أنه بين عامي 2011 و2020، ذابت الأنهار الجليدية بوتيرة أسرع بـ65% مقارنة بالوتيرة المسجلة في العقد السابق.
ولفت التقرير إلى أن الأنهار الجليدية في سلسلة جبال "هندو كوش"، والهيمالايا تشكّل مصدرا مهما للمياه لنحو 240 مليون شخص في المناطق الجبلية، بالإضافة إلى 1.65 مليار شخص آخرين في المناطق المحيطة.
إعلانواستنادا إلى مسارات الانبعاثات الحالية، قد تفقد الأنهار الجليدية ما يصل إلى 80% من كتلتها الحالية بحلول نهاية القرن الحالي، وفق تقديرات مركز "ICIMOD"، وهو منظمة حكومية دولية مقرها في نيبال وتضم أيضا أفغانستان وبنغلاديش وبوتان والصين والهند وبورما وباكستان.
وتُغذي الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا 10 من أهم أحواض الأنهار في العالم، بما في ذلك نهر الغانغ، والسند، والنهر الأصفر، وميكونغ، وإيراوادي. وتوفر كذلك الغذاء والطاقة والدخل لمليارات البشر بشكل مباشر، أو غير مباشر.
وجاءت هذه التحذيرات من اليونسكو والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وهما وكالتا الأمم المتحدة اللتان تتوليان مهمة إدارة الاحتفال بيوم المياه العالمي. والذي يركز هذا العام على "الحفاظ على الأنهار الجليدية".
وتشير منظمة اليونسكو إلى أن الأنهار الجليدية تؤدي دور خزانات المياه العذبة للكوكب، وهي تسرِّب المياه الذائبة التي تدعم إمدادات مياه الشرب والزراعة والصناعة والنظم الإيكولوجية السليمة. وتقدِّم فوائد أساسية مثل تنظيم المناخ والحماية من الكوارث الطبيعية.
كما يلعب الحفاظ على الأنهار الجليدية دورا حيويا في رفاه الأفراد والمجتمعات حول العالم، وهو ما يحتم على البشرية حماية هذه الخزانات المتجمدة التي لا تزال تحتفظ بنحو 70% من المياه العذبة للأرض، وذلك من خلال إدارة هذه الأنهار الجليدية بطريقة مستدامة وتنفيذ الممارسات الخاصة بالرصد. وتعزيز التعاون العلمي الدولي خطوتين حيويتين.
وفي المقابل يطرح ذوبان الأنهار الجليدية بسرعة حالة من عدم اليقين بشأن تدفقات المياه، مع ما يترتب على ذلك من آثار بالغة على الناس والكوكب الذي يعتمد وسكانه في الاستمرار على وجود المياه، إذ يعتمد ما يقرب من ملياري شخص في الشرب والزراعة وإنتاج الطاقة على مياه الأنهار الجليدية وذوبان الثلوج والجريان السطحي للمياه من الجبال.
إعلانوفي المقابل يساهم الذوبان المتزايد للأنهار الجليدية بشكل كبير في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم، حيث يرتفع مستوى سطح البحر اليوم بحوالي 20 سم عما كان عليه في عام 1900.
وترى الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة أن الحل الوحيد الممكن للمحافظة على الأنهار الجليدية، هو مكافحة ظاهرة الاحترار المناخي من خلال الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتنفيذ إستراتيجيات محلية للتكيف مع الأنهار الجليدية الآخذة في التقلص.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بيئي العالمیة للأرصاد الجویة الأنهار الجلیدیة فی المیاه العالمی المیاه العذبة إلى أن
إقرأ أيضاً:
ذكرى عيد العرش المجيد في المغرب.. ملاحم متجددة من التنمية والتحديث والبناء
طارق الحسيسن
يحتفل الشعب المغربي في الثلاثين من يوليو الجاري بالذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عرش أسلافه الميامين، وهي مناسبة وطنية جليلة تحمل في طياتها العديد من الرموز والدلالات التي تعبر عن عمق أواصر الولاء والبيعة والتلاحم الوثيق بين العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الوفي، وتكريس الالتزام الراسخ بمواصلة مسارات التنمية والبناء والتحديث، وتحقيق النموذج التنموي المغربي المتميز الذي أرسى دعائمه صاحب الجلالة، نصره الله، باعث نهضة المغرب الحديث، وفق مقاربة قوامها النمو الاقتصادي المستمر والتنمية المستدامة والتضامن الاجتماعي والحكامة الجيدة.
إن تخليد هذه الذكرى الغالية لعيد العرش المجيد، يشكل لدى كل المغاربة قاطبة مناسبة للتأمل في منجزات العهد الزاهر لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وهي لحظة سياسية مهمة لرسم معالم العشرية الثالثة من حكم جلالته الزاهر، والتي جعلت من إرساء الدولة الاجتماعية هدفا استراتيجيا ومحورا أساسيا لها يقوم على العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، من خلال تعزيز المكتسبات المحققة، والعمل على انتهاج النموذج التنموي الجديد وفق الرؤية الملكية المتبصرة والسديدة.
على الصعيد الدبلوماسي، تواصل المملكة المغربية بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الإسهام الفاعل والمؤثر في القضايا الإقليمية والدولية، وفق رؤية ملكية سامية سديدة، مبنية على الحوار وحسن الجوار واحترام سيادة الدول ودعم الأمن والسلم الدوليين وتكريس التعاون الدولي وترقية حقوق الإنسان وتحقيق التنمية المستدامة. وفي هذا الإطار، فإن المغرب يعمل جاهدا، منذ سنوات، من أجل تفعيل الاتحاد المغاربي، وتعزيز العمل العربي المشترك، والدفاع عن القضايا المصيرية للأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في إطار حل الدولتين ووفقا للمرجعيات الأممية ذات الصلة. كما إن التوجه الإفريقي أضحى محددا ثابتا واستراتيجيا في السياسة الخارجية المغربية، والتي بفضل ديناميتها، حققت نتائج مهمة على مستوى دعم التنمية في عدد من البلدان الإفريقية، وفق قاعدة الكسب المشترك والمنفعة المتبادلة، والتنمية الجماعية المستدامة للقارة، وهو ما تمت بلورته فعليا وعلى أرض الواقع من خلال المبادرة الأطلسية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس -نصره الله- لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، وفق رؤية ملكية سامية طموحة ومبتكرة.
وفيما يخص واقع العلاقات المغربية العمانية وآفاقها، لا بد من التذكير أن هذه العلاقات الأخوية المتينة والراسخة والمتميزة بين البلدين الشقيقين والقائمة على الثقة المتبادلة والتعاون والتنسيق المثمر والبناء والتضامن المتواصل، عرفت وستعرف مزيدا من التقدم والتطوير إلى آفاق أرحب، في ظل القيادة الحكيمة والرشيدة لقائدي البلدين المبجلين صاحب الجلالة الملك محمد السادس -نصره الله، وأخيه صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه، والذي نتمنى لجلالته بهذه المناسبة السداد والتوفيق في قيادة الشعب العماني الشقيق نحو مزيد من التقدم والازدهار والرخاء.
وفي هذا الصدد، ينبغي التذكير أن العلاقات المغربية العمانية، تعززت خلال الفترة الأخيرة بالتوقيع -بمناسبة انعقاد الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية العمانية بمسقط بتاريخ 13 أبريل 2025، برئاسة معالي وزيري خارجية البلدين الشقيقين- على عدد من الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم شملت العديد من القطاعات الحيوية والمهمة، كالرياضة والرقمنة وتبادل الخبرات بين وزارتي العدل بالبلدين ومجال الطاقة المتجددة والمجال السياحي والاعتراف بالشهادات الصادرة بموجب أحكام الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب والإجازة والخفارة للملاحين لعام 1978 وتعديلاتها، إضافة إلى استمرار التشاور والتنسيق على مختلف المستويات بين مسؤولي البلدين الشقيقين، من أجل إبرام اتفاقيات جديدة تخص مجالات تعاون أخرى كالتعاون الأمني والعسكري وغيرها، فضلا عما تعرفه العلاقات الثقافية والعلمية من زخم متميز.
ويظل الطموح قائما للدفع بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين الشقيقين إلى مستويات أرحب، خاصة في ظل توفر كل الظروف المواتية لتحقيق ذلك من موقع استراتيجي متميز، ومؤهلات اقتصادية كبيرة، وبيئة استثمارية جاذبة، فضلا عن وجود إطار قانوني غني يغطي كافة مجالات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين.
وفي الختام، أغتنم هذه المناسبة لأتقدم إلى كافة أفراد الجالية المغربية المقيمة بسلطنة عمان، بأحر التهاني بهذه المناسبة الغالية، وأتمنى لهم مزيدا من التقدم والنجاح، كما لا يفوتني أن أعبِّر عن جزيل الشكر وعظيم الامتنان والتقدير العالي لكل المؤسسات والهيئات الرسمية والخاصة بهذه الأرض الطيبة المعطاء، التي أبت إلا أن تعبر لنا عن تهانيها بالذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد.
** سفير صاحب الجلالة ملك المغرب، عميد السلك الدبلوماسي