منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في دعم كييف، سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الضغوط الدبلوماسية على موسكو.
لكن بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدا أن النهج الأميركي قد اتخذ مسارا جديدا، حيث تسعى واشنطن الآن وراء مكاسب اقتصادية ضخمة، تتجاوز بكثير المعادن النادرة، لتطال قطاع الطاقة، وهو ما قد يعيد تشكيل مستقبل الصراع.

اتفاق المعادن.. مجرد بداية لمخطط أكبر
أعلن الرئيس دونالد ترامب مؤخرا أن اتفاق المعادن مع أوكرانيا بات قريبا من التوقيع، وهو ما يراه كثيرون خطوة أولى في إطار مخطط أوسع يمتد إلى قطاع الطاقة النووية في أوكرانيا.
فخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ناقش ترامب إمكانية استحواذ الولايات المتحدة على حصص في منشآت الطاقة الأوكرانية، بما في ذلك محطات نووية استراتيجية مثل زابوريجيا، التي تعد الأكبر في أوروبا.
تحركات بوتين ووقف إطلاق النار المؤقت
التطورات الأخيرة جاءت بعد مكالمة أخرى بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، توصلا خلالها إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، يشمل منشآت الطاقة والبنية التحتية الحيوية.
وفي خطوة مفاجئة، أعلن الكرملين أن بوتين أمر الجيش الروسي بوقف الهجمات على منشآت الطاقة بعد الاتصال بترامب، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية هذا الاتفاق وما إذا كان يهدف فقط لإعادة ترتيب الأوراق على الساحة الدولية.
استثمارات أميركا في أوكرانيا ورقة ضغط أم ضمان أمني؟
يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الوطنية، أوليكسي هاران، خلال حديثه لبرنامج التاسعة على سكاي نيوز عربية إن “أي اتفاق محتمل بشأن المعادن النادرة لا يتضمن ضمانات أمنية حقيقية، ويمكن أن تُذكر فقط كجزء من الخطاب السياسي، لكنها ليست مضمونة التنفيذ”.
ويضيف أن ترامب يتبع مقاربة مختلفة، حيث يعتقد أن “الاستثمارات الأميركية في أوكرانيا يمكن أن تكون بمثابة ضمانة أمنية غير مباشرة، لأنه من الصعب على أي دولة أن تهاجم منشآت يوجد فيها أميركيون أو مصالح أميركية ضخمة”.
لكن هاران يحذر من أن “الاعتماد على هذا المنطق قد يكون خطيرا، لأن روسيا لا تزال تمتلك زمام المبادرة في عدة جبهات”.
ويشدد على أن “السلام المستدام لن يتحقق دون تقديم ضمانات أمنية صلبة لأوكرانيا، وإلا فإن بوتين قد ينتهك أي اتفاق في اليوم التالي”.
زابوريجيا.. ورقة مساومة أم نقطة اشتعال؟
تعد محطة زابوريجيا النووية واحدة من أهم الأصول الاستراتيجية في أوكرانيا، إذ كانت توفر قبل الحرب نحو 20% من إمدادات الكهرباء للبلاد. لكنها الآن تحت سيطرة القوات الروسية، التي أعلنت نيتها إعادة تشغيلها بعد انتهاء الحرب.
ووفقًا لهاران، فإن “استعادة زابوريجيا تمثل أولوية قصوى، لأن بوتين يستخدمها كورقة ضغط على العالم”.
ويرى أن أي حديث عن استثمارات أميركية في هذا القطاع يجب أن يكون مشروطا بعودة السيطرة الأوكرانية الكاملة على المنشآت النووية، مؤكدًا أنه “لا يوجد نقاش حقيقي حول التخلي عن الأراضي التي تقع عليها هذه المحطة، ولا يجب أن يكون هناك أي تنازل في هذا الصدد”.

رهان ترامب.. هل يبالغ في تقدير تأثيره؟
من الواضح أن ترامب يسعى إلى لعب دور الوسيط القوي بين كييف وموسكو، لكنه يواجه عقبات كبرى. فبحسب هاران، “ترامب يعتقد أنه إذا أقنع أوكرانيا، فإن بوتين سيتبع خطاه، لكن الواقع أكثر تعقيدًا”.
ويشير إلى أن “بوتين لا يسعى حاليا إلى وقف إطلاق النار بشكل كامل، لأنه يرى أن ترامب قد يمنحه مكاسب إضافية على حساب أوكرانيا”.
ما القادم؟
في ظل هذه التطورات، يبدو أن واشنطن لن تكتفي بمجرد اتفاق المعادن، بل ستمضي قدمًا نحو محاولة تأمين مصالحها في قطاع الطاقة الأوكراني. لكن السؤال الأهم هو: هل ستتمكن من تحقيق ذلك دون إثارة ردود فعل عنيفة من موسكو؟.
يبقى مستقبل أوكرانيا مرهونًا بمدى قدرة واشنطن على الموازنة بين المصالح الاقتصادية والحاجة إلى تحقيق استقرار طويل الأمد، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا بضغوط دولية مستمرة على روسيا وضمان دعم عسكري وسياسي متواصل لكييف.

سكاي نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

أميركا اللاتينية تميل إلى الصين في خضم الحرب التجارية

في خضم التصعيد التجاري المستمر بين الولايات المتحدة والصين، تظهر استطلاعات حديثة أن دول أميركا اللاتينية باتت تميل اقتصاديًا نحو بكين، وهو ما يعكس تغيرًا ملحوظًا في المزاج الشعبي والإقليمي تجاه القوى الاقتصادية العالمية.

وبحسب استطلاع "نبض أميركا اللاتينية" الذي أجرته شركة أطلس إنتل لصالح وكالة بلومبيرغ نيوز ونُشر اليوم الجمعة، فإن دعوات تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين تتزايد في مختلف أنحاء المنطقة، لا سيما في المكسيك، الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة.

تفوق واضح لتأييد الصين في المكسيك

وأظهر الاستطلاع أن نحو ثلثي المكسيكيين المشاركين في المسح الذي أجري في مايو/أيار الجاري يفضلون توسيع العلاقات التجارية مع العملاق الآسيوي، وهي نسبة تفوق بكثير أولئك الذين يدعمون تعميق العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، وذلك وسط موجات عدم الاستقرار التي تسببت بها الرسوم الجمركية المتقطعة التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

أما في البرازيل، فقد أبدى أكثر من نصف المشاركين تأييدهم لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين، وهي نسبة قريبة جدًا من عدد المؤيدين لتوسيع العلاقات مع الولايات المتحدة، مما يشير إلى انقسام نسبي في الرأي العام البرازيلي.

الرسوم الجمركية الأميركية أصبحت سببا مباشرا في تراجع ثقة الشعوب اللاتينية بواشنطن (رويترز) الصين شريك مفضل

وفي دول أخرى مثل الأرجنتين، وتشيلي، وكولومبيا، وبيرو، عبّر غالبية المشاركين عن دعمهم لتوسيع التجارة مع بكين. كما أن الصين تُعتبر لدى معظم المشاركين – باستثناء الأرجنتين – مصدرًا أفضل لفرص الاستثمار والتمويل مقارنة بالولايات المتحدة.

إعلان

وقالت بلومبيرغ إن هذا التحول في المواقف يعكس تداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وسياسته القائمة على الضغوط الاقتصادية، مما دفع العديد من قادة الدول اللاتينية لمحاولة التوازن في علاقاتهم مع واشنطن وتجنب الاصطدام المباشر، فيما باتت شرائح واسعة من شعوبهم ترى في الصين شريكًا تجاريًا أكثر موثوقية.

نتائج الاستطلاع بالأرقام

وقد تم تنفيذ الاستطلاع بهامش خطأ (±2 نقطة مئوية) في الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا والمكسيك، و±1 نقطة مئوية في البرازيل، مما يعكس درجة عالية من الدقة الإحصائية.

أظهرت النتائج أن المكسيك الدولة الأكثر ميلا نحو تعزيز العلاقات مع الصين، حيث صرّح نحو 66% من المشاركين بأن على بلادهم زيادة التعاون الاقتصادي مع بكين، في مقابل نسبة أقل بكثير تؤيد التقارب مع الولايات المتحدة. ويرى مراقبون أن هذا التغير يعود إلى الرسوم الجمركية غير المتوقعة التي يفرضها ترامب، والتي أثرت على ثقة الشركاء التجاريين.

وفي حين عبر البرازيليون بأكثر من 50% من المشاركين عن رغبتهم في تقوية الروابط التجارية مع الصين، كانت الغالبية المطلقة في كل من تشيلي، وكولومبيا، وبيرو، تميل لصالح توسيع التعاون مع الصين.

وباستثناء الأرجنتين، التي تسعى حكومتها برئاسة خافيير ميلي إلى توقيع اتفاق تجارة حرة مع إدارة ترامب، أظهرت كل الدول الأخرى تفضيلا واضحًا للاستثمارات والتمويلات القادمة من بكين على حساب واشنطن.

في ضوء هذه النتائج، يتضح أن الصين باتت تمثل بوابة اقتصادية واعدة لكثير من دول أميركا اللاتينية، وسط التراجع التدريجي في الثقة الاقتصادية تجاه الولايات المتحدة، خاصة في ظل السياسات الحمائية التي تتبناها إدارة ترامب، والتي باتت تؤثر بشكل مباشر على توجهات الشعوب تجاه الشراكات الإستراتيجية المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • تراجع صادرات سيول 1.3% بسبب الرسوم الجمركية على شحنات أميركا والصين
  • أكبر بنوك أميركا يحذّر من انهيار سوق السندات الأميركي تحت ضغط الديون
  • ترامب يطمئن الطلاب الصينيين في أميركا: ستسير الأمور على ما يرام
  • اليابان: لا اتفاق دون تنازلات من أميركا بشأن جميع الرسوم الجمركية
  • الهدنة التجارية بين أميركا والصين مهددة بالانهيار بسبب المعادن النادرة
  • ترامب: بوتين وزيلينسكي عنيدان
  • أميركا اللاتينية تميل إلى الصين في خضم الحرب التجارية
  • اتفاق الـ 7 مليارات.. هل تعيد الطاقة رسم ملامح سوريا الجديدة؟
  • واشنطن: على بوتين قبول الاتفاق المطروح لإنهاء حرب أوكرانيا.. أفضل نتيجة ممكنة
  • ترامب يعرض وساطة تاريخية.. اجتماع ثلاثي مع بوتين وزيلينسكي وتسوية أوكرانيا خلال أسبوعين