أجمع مشاركون في ندوة فكرية نظمها منتدى المتوسط للتبادل والحوار، الأسبوع الماضي بمدينة سلا المغربية، على أن مؤلفات وكتابات السياسي التونسي راشد الغنوشي تشكل نقلة نوعية في مسار الفكر الإسلامي السياسي، خاصة في مقاربته للعلاقة بين الإسلام والديمقراطية.

خصص اللقاء لمناقشة كتاب "الديمقراطية المسلمة" للباحث الأمريكي أندرو مارش، الذي تناول التطور الفكري للغنوشي، مستعرضًا انتقاله من مفهوم الديمقراطية الإسلامية المثالية إلى نموذج الديمقراطية المسلمة، الذي يجمع بين القيم الإسلامية والتعددية السياسية.



أهمية الموضوع والشخصية المحتفى بها

في كلمته الافتتاحية، أكد رئيس المنتدى والسفير السابق، الدكتور رضا بنخلدون، على أهمية تناول قضية الإسلام والديمقراطية، مشيرًا إلى أنها من المواضيع التي أثارت ولا تزال تثير نقاشات واسعة. كما شدد على أن مناقشة فكر الغنوشي تكتسي أهمية بالغة، بالنظر إلى كونه أحد أبرز رموز الحركة الإسلامية المعاصرة، الذي استطاع مقاربة هذا الموضوع بتوازن.

مداخلات فكرية ودعوات للتضامن

المفكر والمؤرخ حسن أوريد عبّر عن أسفه لغياب الغنوشي عن هذا اللقاء بسبب وجوده في السجن، معتبرًا أن اعتقاله يمثل وضعًا غير مبرر لرجل فكر في بلد كان يتنفس الحرية والعقلانية. وأضاف أوريد أن الغنوشي ساهم في تقديم إضافات نوعية للفكر الإسلامي، مشددًا على أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر.



وأشار أوريد إلى أن كتاب مارش يمثل نقلة نوعية في الفكر الإسلامي السياسي، إذ تجاوز النموذج التقليدي الذي تأثر بأفكار سيد قطب القائمة على الحاكمية المطلقة والتقسيم الثنائي للمجتمع إلى نموذج أكثر توافقية. واعتبر أن رؤية الغنوشي تعزز فكرة المواطنة وتفتح المجال أمام التعددية السياسية.

من جانبه، أكد الباحث عبد الله ساعف أن فكر الغنوشي سيظل حاضرًا في المشهد السياسي والفكري، لما له من إسهامات في تطوير مفهوم الديمقراطية المسلمة. أما الوزير السابق محمد يتيم، فقد أشار إلى أن الغنوشي قدّم إضافة نوعية للحركة الإسلامية عبر تطويرها فكريًا ومنهجيًا.

مضامين الكتاب وأبعاده الفكرية

استعرض كتاب "الديمقراطية المسلمة" مراحل تطور فكر الغنوشي، خصوصًا في سياق الثورة التونسية عام 2011 وما تلاها من تحولات سياسية. وسلط أندرو مارش الضوء على جهود الغنوشي في بناء نظام ديمقراطي يتناغم مع القيم الإسلامية، من خلال التركيز على قيم الحوار والتوافق.

ورأى مارش أن فكر الغنوشي يمثل نموذجًا لفهم جديد للعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، وهو نموذج يمكن أن يلهم دولًا إسلامية أخرى في سعيها لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي.

رسائل تضامن ودعوات للإفراج

في ختام الندوة، أجمع الحضور على التضامن مع الشيخ راشد الغنوشي، داعين السلطات التونسية إلى إطلاق سراحه، معتبرين اعتقاله تعسفيًا وله أبعاد سياسية. وأكد المشاركون على أهمية استمرار النقاش حول قضايا الإسلام والديمقراطية، مع التأكيد على ضرورة التمسك بقيم الحرية والتعددية.



يذكر أن هذه الندوة هي أول فعالية من نوعها في العالم العربي لتقديم ومناقشة كتاب "الديمقراطية المسلمة" بحضور نخبة من المفكرين والسياسيين المغاربة.

وكتاب "الديمقراطية المسلمة" (On Muslim Democracy) للباحث الأمريكي أندرو مارش هو دراسة تحليلية عميقة تتناول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية من منظور فكري وسياسي. يركز الكتاب على تجربة المفكر والسياسي التونسي راشد الغنوشي، باعتباره نموذجًا للحركات الإسلامية التي سعت إلى التوفيق بين القيم الإسلامية والمبادئ الديمقراطية.

مفهوم الديمقراطية المسلمة:

يطرح أندرو مارش مفهوم "الديمقراطية المسلمة" باعتباره نموذجًا وسطًا بين الديمقراطية الغربية التقليدية والرؤية الإسلامية للحكم. ويرى أن هذا النموذج لا يقوم على التناقض بين الإسلام والديمقراطية، بل على التكامل بينهما، حيث يمكن للقيم الإسلامية أن تتعايش مع مبادئ التعددية وحقوق الإنسان.

قراءة في فكر راشد الغنوشي:

يسلط الكتاب الضوء على التحولات الفكرية التي مر بها الغنوشي، من تبني الأفكار الإسلامية التقليدية إلى تطوير رؤية أكثر توافقية للديمقراطية. وقد جاء هذا التحول نتيجة لتجربته السياسية في تونس، ومرحلة المنفى في بريطانيا، حيث اطلع على التجربة الديمقراطية الغربية.

التوفيق بين الحاكمية والشعبية:

يناقش مارش كيف استطاع الغنوشي إعادة تفسير مفهوم الحاكمية، بحيث لا يتناقض مع سيادة الشعب. ويرى أن مبدأ "الاستخلاف" في الإسلام يفرض على الإنسان مسؤولية في إدارة شؤونه ضمن إطار القيم الإسلامية، مما يفتح المجال للممارسات الديمقراطية.

نقد الإسلام السياسي التقليدي:

يتعرض الكتاب بالنقد لمفاهيم الإسلام السياسي التقليدي التي كانت تستند إلى رؤى راديكالية، مثل أفكار سيد قطب حول الحاكمية والتقسيم الثنائي للمجتمع بين جاهليين ومسلمين. في المقابل، يقدم الغنوشي نموذجًا أكثر مرونة، يدعو إلى الشراكة السياسية والحوار المجتمعي.

التجربة التونسية كنموذج:

يُبرز مارش التجربة التونسية بعد الثورة عام 2011 كمثال على إمكانية تطبيق نموذج الديمقراطية المسلمة. ويشير إلى الدور الذي لعبته حركة النهضة بقيادة الغنوشي في بناء توافق سياسي مع الأحزاب العلمانية، ما ساهم في حماية التجربة الديمقراطية من الانهيار.

أهمية الكتاب:

يعد كتاب "الديمقراطية المسلمة" مساهمة فكرية هامة لفهم تطور الفكر الإسلامي المعاصر، خاصة في سياق الحركات الإسلامية التي انتقلت من المواجهة إلى المشاركة السياسية. كما يطرح الكتاب رؤية متفائلة لإمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ندوة المغربية التونسي الغنوشي الأفكار المغرب تونس الغنوشي ندوة أفكار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القیم الإسلامیة راشد الغنوشی نموذج ا

إقرأ أيضاً:

نصير شمة: أبحث عن صوت اللون وسكون الضوء

فاطمة عطفة 

أخبار ذات صلة نقش على «القماش» «موهبتي»..  طفولة الأحلام.. وبراءة الألوان

عاشقاً للجمال والتعبير الفني، مبدعاً استثنائياً حين يمسك بعوده كأنما أصابعه مغطاة  بالموسيقى، وحين تّلوح يده بفرشاة الرسام يصبح للون نغمة، وللظلال إيقاع، هكذا هو الفنان نصير شمة عبر رحلته بين الموسيقى والتشكيل، يقدم عبر تجاربه المتنوعة عطاءً فنياً فريداً منذ تخرجه في معهد الدراسات الموسيقية ببغداد عام 1987، مروراً بمحطات فارقة في مسيرته الإبداعية عربياً وعالمياً، وصولاً إلى مكانته الراهنة في صدارة المشهد الموسيقي والفني، وتأسيسه لبيوت العود في عدد من العواصم العربية (أبوظبي، القاهرة، بغداد، الخرطوم، الرياض).
في حديثه إلى (الاتحاد)، تعود بدايةً الفنان نصير شمة إلى سنوات النشأة وتفتح الهواية الموسيقية، وبالذات الشغف المبكر بآلة العود، قائلاً : «نشأت في بيئة عائلية تحتفي بالفن وتحترم الإبداع، في مدينة الكوت جنوب العراق، حيث كانت الطبيعة هي المعلم الأول: صوت النهر، حركة الأشجار، وغناء الطيور»، مبيناً أن آلة العود جذبته في سن مبكرة، وكأنها كانت تناديه من مكان بعيد، وكان وقتها في الثامنة من عمره حين بدأت علاقته بها، خاصة أن أحد أصدقاء أخيه كان يعزف على القانون ويدرس الموسيقى في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وقد فتح له هذا الباب منصة الانطلاق، لكنه يؤكد أن الإلهام كان الدافع الأول وليس المعلم، حيث كان يشعر بأن العود ليس مجرد آلة، بل كيان حي يعبر عما يصعب قوله، ومنذ تلك اللحظة بدأ شغف الفنان شمة يتحول إلى مسار حياة.
وحول أهمية مرحلة التدريب والاستمرار في تعلم العزف، ومن هم أهم الأساتذة الذين تأثر بهم، يشير نصير شمة إلى أنه التحق بمعهد الدراسات الموسيقية في بغداد عام1982، وهناك بدأ التكوين الأكاديمي الحقيقي، رغم أن الشريف محيي الدين حيدر، رحل قبل ولادة نصير، إلا أن مدرسته كانت حاضرة في مناهج المعهد، وهو يتذكر أن اللقاء الحاسم جاء مع الأستاذ علي الإمام، ثم الأستاذ منير بشير، الذي يعتبره المعلم والملهم، فقد زرع في نفس الطالب نصير شمة الإيمان بأن على كل فنان أن يخلق صوته الخاص وأسلوبه المتفرد، كما بدأ وقتها تأثره كذلك بالموسيقى الكلاسيكية الغربية، ومن ثم بدأت رحلة البحث عن أسلوبه الخاص الذي يدمج بين الموروث والابتكار.
ومن الموسيقى إلى التشكيل، يبحث نصير شمة عن أشكال متعددة من التعبير الفني، ومنها التشكيل الذي يقول عنه: «منذ سنوات وأنا أرسم، لا بصفتي رساماً محترفاً، بل كعازف يبحث عن صوت اللون وسكون الضوء»، موضحاً أن المعرض التشكيلي في أبوظبي كان امتداداً موسيقياً بصرياً، حيث تحولت الأصوات إلى ألوان، والمقامات إلى خطوط وتكوينات، وقد استخدم خامات أعيد تدويرها، وكأنه يعيد تشكيل الذاكرة والزمان، معتبراً أن هذه التجربة كانت كشفاً عن جانب خفي من تجربته، وقد منحته يقيناً أن الموسيقى والتشكيل ينبثقان من نبع واحد، هو الرغبة في التعبير والبحث عن الجمال، ثم جاء الطلب الثاني من القاهرة، حيث أقام فيها معرضه التشكيلي الشخصي الثاني، بالإضافة إلى ثلاث مشاركات متتالية في «أبوظبي آرت»، معلناً أن لديه حالياً عدة دعوات لإقامة معارض في روما والبحرين والسعودية.
وينتقل الفنان نصير شمة بالحديث إلى «بيت العود» في أبوظبي، والتطور الذي مر به حتى أصبح أكاديمية متميزة، فيقول : (تأسس «بيت العود» في أبوظبي عام 2008، بدعم من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، كمنارة تعليمية تعنى بالعود والموسيقى الشرقية، بدأ كمركز لتعليم العود، ثم تطوّر ليصبح أكاديمية متكاملة تخرج فنانين قادرين على الأداء، والإبداع، والتعليم، حيث يعتمد منهجاً يجمع بين الصرامة الأكاديمية والحرية الإبداعية)، لافتاً إلى أن بيت العود في أبوظبي يعد اليوم نموذجاً يحتذى به في العالم العربي، وواجهة مشرقة للفن العربي في الإمارات، كذلك البيت الذي سبقه في القاهرة وبغداد والخرطوم والرياض.
وحول الفنون المتنوعة التي أُدخلت على تجربة بيت العود من غناء وآلات الموسيقية، وهل كان هذا لصالح الفنون السمعية؟، يؤكد نصير شمة، بلا شك أن تنوع الآلات مثل القانون والناي، الكمان، التشيللو، وإدخال الغناء العربي التقليدي، مكن الطلبة من فهم البيئة الصوتية والمقامية، وهذا التنوع أسهم في خلق فنانين أكثر وعياً وإدراكاً، وهو ما يخدم الفنون السمعية بشكل مباشر، ويعيد للموسيقى العربية تكاملها الذي افتقدناه في بعض المراحل»، كاشفا أنهم لا يخرجون عازفين فقط، بل يخرجون فنانين قادرين على التفكير والإبداع، وآخر فرع تم إطلاقه هو تعليم البيانو.
ويضيف : «نعمل على ربط بيوت العود (في أبوظبي، القاهرة، بغداد، الخرطوم، الرياض) بمنصة رقمية تعليمية واحدة تشمل مناهج موحدة، ومحتوى مرئياً، وتواصلاً مباشراً بين الطلبة والأساتذة، كما نستعد لإطلاق مهرجان «ترددات»، وهو مهرجان دولي مخصص لآلات العود، يشمل حوارات فكرية، مسابقات، وحفلات موسيقية»، كاشفاً أن لديهم أيضاً خطة لإدماج ذوي الهمم عبر مناهج مصممة خصيصاً لهم، بالإضافة إلى ورش بحثية لصناعة الآلات الموسيقية التقليدية.
ويختتم نصير شمة حديثه، بالتأكيد على دور الإعلام في متابعة البرامج الثقافية والفنية، حيث يرى أن الإعلام هو الحامل الأول للرسالة الثقافية، مضيفاً أن الإمارات تتمتع بمشهد إعلامي ناضج ومهني، يواكب الحركة الثقافية بجدية واحتراف، وخص جريدة «الاتحاد» بالثناء لأنها لعبت دوراً بارزاً في تسليط الضوء على الفن والموسيقى بوصفهما جزءاً من بناء الهوية الوطنية، مبيناً أن الإعلام مسؤول عن خلق وعي جماهيري وتقدير للفن، ومتى كان شريكاً في التنمية الثقافية، تصبح النتائج أعمق وأكثر استدامة.

مقالات مشابهة

  • نصير شمة: أبحث عن صوت اللون وسكون الضوء
  • البحوث الإسلامية: الإسلام سبق إلى ترسيخ العلاقة الأخلاقية بين الإنسان والبيئة
  • الشؤون الإسلامية” تخصّص مركزًا إعلاميًا لإبراز رسالة المملكة وجهودها في خدمة الإسلام والمسلمين
  • تجارة عين شمس تنظم ندوة تعريفية حول نموذج محاكاة النظام المصرفي المصري
  • أردوغان يحذر قوات سوريا الديمقراطية من "المماطلة"
  • “من الحرية إلى الإعمار”.. ندوة علمية لجامعتي دمشق وغازي عينتاب ‏الإسلامية التركية للعلوم والتكنولوجيا
  • أردوغان يحذر قوات سوريا الديمقراطية من "المماطلة"
  • ندوة بالمضيبي تسلط الضوء على الجدوى الاقتصادية لحقول الفاكهة
  • مبادرات السلام المشبوهة لزعزعة استقرار دولنا الإسلامية
  • مجلس الأمن يسلط الضوء على أوضاع غزة باجتماعه الشهري