رسالة من الدكتورة تسنيم الغنوشي إلى والدها الشيخ راشد الغنوشي في الذكرى الثانية لاعتقاله ليلة السابع والعشرين من رمضان..

مرت سنتان على اعتقالك ليلة السابع والعشرين من رمضان. ليلة يحتفي بها المسلمون والتوانسة ويتبركون بها فيصطفونها لإحياء مناسباتهم مثل الخطبة والختان وغيرها من الأفراح.

ليلة سبعة وعشرين، ليلة مباركة في قلوب المسلمين غير أنها أصبحت منذ سنتين تذكي ذاكرة وملابسات اعتقالك الجبان.

ليلة اقتحم فيها زهاء مائة أمني بيتنا وقت الإفطار مطوقين المكان من كل الجهات عائثين فيه تفتيشا داخل كل تفاصيله ومحتوياته على مرأى ومسمع حفيدتيك ذاتَيْ الستة سنوات والسّنتين بينما كنت تتهيأ وبقية العائلة للإفطار سريعا ثم الانطلاق إلى جامع الزيتونة المعمور لإحياء تلك الليلة المباركة.

أتساءل أي عقل يقرن ليلة الرحمة والمغفرة بالمرور إلى تنفيذ برنامج اعتقال غريم سياسي بما ينتهك حرمة الشهر وحرمة العمر وحرمة المقام، وحرمة وقت الإفطار. واضح ان من هندس هذا كان يرمي إلى مضاعفة الصدمة ولكن خاب مسعاه حيث كنت مثلا للثبات والهدوء والسكينة والصبر. 

يبدو أن من هندس اعتقالك في هذه الليلة كان لا يسعى فقط إلى تسجيل ما يخيل إليه أنه إنجاز سياسي في غياب إنجازات تذكر، كما لا يسعى فقط إلى بناء مشهدية تفرض صورة القوة والسيطرة التي لا تخضع إلى أي منطق أو أخلاق أو عرف، بل يرمي بشكل سادي إلى إحداث أقصى درجات الألم والحزن وتحويل أفراح المؤمنين إلى أحزان. لا يمكن أن يصدر مثل هذا العمل إلا عن عقل منبت عن دفء المشاعر الدينية بل معاد لها. عقل ناقم بشدة أيضا على قيم الحرية والديمقراطية التي تؤمن بها وتنافح عنها ولم تدخر جهدا ولا طاقة للدفاع عنها، عقل لا يرضى أن تسير الأمور نحو ترسيخ هذه القيم.

أتساءل أي عقل يقرن ليلة الرحمة والمغفرة بالمرور إلى تنفيذ برنامج اعتقال غريم سياسي بما ينتهك حرمة الشهر وحرمة العمر وحرمة المقام، وحرمة وقت الإفطار. واضح ان من هندس هذا كان يرمي إلى مضاعفة الصدمة ولكن خاب مسعاه حيث كنت مثلا للثبات والهدوء والسكينة والصبر.لا أحتاج أن أصف لك هذا العقل فأنت قد خبرته لعقود طويلة وظللت تسعى لترويضه وجعله يطبّع مع الديمقراطية والقبول بالآخر. غير أن هذا العقل لم يعش في المنطقة إلا بتحالفه مع الديكتاتورية، واحتمائه بها، عقل كسول لم يعتمد إلا على عصا السلطة وسوطها ولم يحتج يوما ان يثبت نجاعته في غير انتاج العنف، ولم يسع يوما إلى بناء وطن يتسع لكل أبنائه. بعد تفويت فرصة وفرتها الثورة لمثل هذا البناء، هاهو يدمر البلاد تدميرا ويدخلها في متاهات لا يُعرف لها قاع. ماذا جنت البلاد من سجنك غير السير وراء شهوة الإقصاء والسلطة والقمع؟ شهرُ إمساك الشهوات والصبر وضبط النفس وتدريبها على ما لا تحبه لا يردَع من يسعى وراء شهوة الإقصاء  والسلطويّة عن المضي قدما في ما لا يقبله العقل ولا الخلق ولا الدين.

ونحن على مشارف العيد الخامس الذي سيحل وأنت في معتقلك، ورغم الألم الذي يعتصرنا لغيابك عنا في شهر رمضان وكل أيام السنة، رغم بعدك عن بيتك وزوجتك وأولادك وأحفادك وجميع من يحبك، فإنك حاضر معنا دوما في تفاصيل الحياة اليومية وخلال رمضان بالدعاء وكل آذان وقيام ونسك: نتذكر جلوسك الذي تستمر فيه بالذكر بعد صلاة الصبح إلى وقت الضحى، توجهك نحو القبلة بالدعاء بعد تناولك تمرة في وقت الإفطار، موعظتك لأحفادك وهم مجتمعون حولك بعد الصلاة، قيامك الليل، دعاء القنوت في كل الصلوات لفلسطين وكل الأمة، كلها تفاصيل وعبادات نذكرك بها ونحاول إحياءها بالشكل الذي تفعل فنشعر اننا متواصلون معك بمواصلة إحيائها كما تحييها.

ذكرى اعتقالك الدنيء تعتصرنا ألما خاصة  خلال هذا الشهر وفي هذه المناسبة ولكننا، كما تعلمنا منك أيضا، دائما واثقون في صحة البوصلة التي تحدوك، بوصلة الحرية، كما أننا مطمئنون إلى رحمة الله وقضائه وتدبيره.

بالرغم من رغبات الإستبداد في حجب فكرك عن مجتمعك و سعيه  المحموم إلى طمس فكرة الحرية وتشويه الوعي بها، فكتبك التي اشتغلت بتأصيل هذه الفكرة في الفكر الإسلامي المعاصر تجوب العالم باللغات المختلفة. رغم السجن وقمع حريتك بعزلك عن العالم في زنزانة، فإن أفكارك تناقش في اصقاع الدنيا واسمك يتردد على ألسنة احرار العالم في مشارق الأرض ومغاربها، بين المشيد بأفكارك والمناقش لها والناقد لها، وكلهم يجتمعون على استنكار ما تتعرض له من سجن واستهداف. عبثا يحاول سجانوك، فلم يزدك سجنك إلا رفعة في سلم التضحيات والثبات. أعلم أيضا يقينا أنه لك خلوة مع الله وفسحة للسبح في عالم الروح الذي لا يحده باب الزنزانة ولا سلطة مشوهة. على أمل فرج قريب، كلنا ثقة في الله، كما ظللت تردد دائما، وكما اثبتت الثورة السورية، أن ليل الظلم مهما طال وعربد، فان الصبح حتما آت.

واختتم هذه الكلمات بدعاء والدتي لك وبكلماتها يوم عيد ميلادها قبل يومين:

حبيبنا وتاج رؤوسنا العزيز، راشد، أسأل الله أن يفرج عنك وعن جميع المظلومين ويرفع عنك وعن الجميع هذه الغمة ويعيدك إلينا سالماً معافى يارب وأن يرزقك الصحة والسلامة والثبات والصبر والصمود ان الله على كل شيء قدير وبكل شي عليم….

#غنوشي_لست_وحدك

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه رسالة راشد الغنوشي اعتقال رسالة تونس اعتقال راشد الغنوشي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقت الإفطار

إقرأ أيضاً:

مقتل عريس ليلة زفافه بسبب موسيقى الـ دي جي.. فيديو

وكالات

تحولت فرحة زفاف إلى مأساة مؤلمة في إحدى قرى ولاية أوتار براديش الهندية، بعد وقوع شجار عنيف بسبب خلاف حول رقص على موسيقى الـ دي جي، أدى إلى وفاة العريس إثر إصابته بجروح قاتلة.

وبحسب تقارير محلية، بدأت الأحداث عندما وصل موكب العريس راكيش رام قادماً من قرية مجاورة، وسط أجواء احتفالية يملأها صوت الموسيقى المنبعثة من الـ دي جي، حيث شارك الضيوف في الرقص والفرح المعتاد في مناسبات الزواج.

وأضافت التقارير أنه أثناء استعداد العائلتين لبدء مراسم “الجيمالا” التقليدية، نشب خلاف بين أفراد من طرف العريس وآخرين من جهة العروس، حول طريقة الرقص على موسيقى الـ دي جي.

وتصاعد الخلاف بسرعة، رغم محاولات والد العريس تهدئة الوضع، لكن بعض الحاضرين كانوا في حالة سكر وبدأوا بالاعتداء عليه بالعصي، فيما تدخل العريس لحماية والده، لكنه تعرض لهجوم شرس من طرف المعتدين، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة.

ووثق مقطع فيديو متداول، أحد المتورطين في الشجار يحمل مسدساً غير مرخص ويهزّه أثناء الرقص، وخلال المشاجرة، استُخدم المقبض المعدني للمسدس لضرب العريس على رأسه، ما أدى إلى فقدانه وعيه على الفور.

تم نقل العريس إلى المستشفى المحلي ثم إلى مركز الطوارئ وسط محاولات لإنقاذه، لكنه فارق الحياة متأثراً بجراحه الخطيرة، وباشرت الشرطة تحقيقاتها بسرعة، وتمكنت من اعتقال المتهم الرئيسي، فيشال، بالقرب من قناة فولي، بحوزته مسدس غير قانوني وطلقة حية، ليتم تحويله إلى الحجز لاستكمال الإجراءات القانونية.

;embeds_referring_euri=https%3A%2F%2F24.ae%2F

مقالات مشابهة

  • سمية الغنوشي: ماذا لو أبحر الآلاف لغزة من كل ميناء مطل على المتوسط؟
  • الدكتورة إيمان كريم تغادر القاهرة للمشاركة في الدورة الثامنة عشر للدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
  • ليلة العيد يدخل قائمة الأعلي مشاهدة فى مصر.. تفاصيل
  • في ذكرى ميلاده.. أحمد خالد توفيق العرّاب الذي غيّر وجه الأدب العربي
  • في ذكرى ميلاد زهرة العلا.. الوجه الهادئ الذي أضاء الشاشة وأسر القلوب رغم العزلة والنهاية الحزينة
  • صوت مصر.. أنغام: والدي قدمني به .. ولا أعتبره حكرا لي
  • مقتل عريس ليلة زفافه بسبب موسيقى الـ دي جي.. فيديو
  • جينا إبنة نجيب الريحاني تزور قبر والدها في ذكرى رحيله
  • ليلة العيد.. دفن جثة شاب دهسه قطار على مزلقان الحوامدية
  • في ذكرى وفاته.. نجيب الريحاني "الضاحك الباكي" الذي غيّر وجه الكوميديا وبقيت بصمته خالدة