يختبئ الرئيس ترامب وهو يعمق من صناعة قرارته وراء الدوافع الاقتصادية
تجد الصّين نفسها مثل كثيرٍ من دول العالم في حيرة من أمرها لجهة التعاطي مع القرارات والمواقف الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع أنها كانت تتوقع منه ذلك مسبقاً على خلفية ما صدر منه في عهدة حكمه الأولى (2017 ـ 2021)، وأيضا ما روّج له خلال حلمته الانتخابية.
يختبئ الرئيس ترامب وهو يعمق من صناعة قرارته وراء الدوافع الاقتصادية بما تحمله من تنافس وصراع محموم بين بلاده والصين، لكنه في حقيقة الأمر ينطلق أيضا من دوافع سياسية، تتعلق أساساً بالمحافظة على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، من خلال فرض القوة والتوحش والتغول، بعيداًً عن القوة النّاعمة.
وعلى الطرف الآخر، تدرك الصين جيَداً أن دوافع التهديد الأمريكي ليست اقتصادية خالصة، إنما تحمل داخلها تهديداً لجبهتها الداخلية من خلال تعطيل التنمية، وبالتالي تراجع دورها كما ذهب إلى ذلك وانغ شياو هوي (كبير المحللين في شبكة الصين في مقاله، الذي حمل عنوان: عصا الرسوم الجمركية الأمريكية لن تعيق مسيرة تقدم الصين في 19 مارس الجاري ــ موقع الصين اليوم).
لا شك أن من بين أسباب فرض رسوم جديدة على المنتجات الصينية من طرف ترامب، هو محاولة تطويع الصين وإخضاعها أمام التهديدات الأمريكية واجبارها على التفاوض على غرار ما فعل مع كندا والمكسيك، بحيث ترجح الكفة فيها لجهة تحقيق المصالح الأمريكية على خلاف نتائج الحروب التجارية العديدة السابقة بين الدولتين، وهذا يعد عملاً تكتيكياً، وإن بدا هدفاً استراتيجيّاً، ذلك لأن فرض مزيد من الضرائب على السلع الصينية يضر بمصالح المواطن الأمريكي.. إذن ما هو الهدف الإستراتيجي الأمريكي من الضغط على بكين في العصر الترامبي؟.
تشير بعض التقرير والتحليلات، وكذلك المعطيات الحالية المعلنة، إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة ترامب، تعمل من أجل منع الصين من سيرها نحو تحديد موقعها في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تسعى إليه جاهدة مع دول أخرى منذ عقود، خاصة بعد أن تراجعت الدول المتحالفة معها، ومنها على الخصوص مجموعة "بريكس"، وكذلك بعد أن دخلت الولايات المتحدة في حوار مباشر مع موسكو، هدفه بالأساس ابعاد أي تحالف، أو حتى تعاون هذه الأخير، مع بكين.
من ناحية أخرى، فإن واشنطن، تضغط على الصين لإجبارها على التنازل في قضيتي بحر الصين الجنوبي وتايوان، وهذا لن يتحقق لأنه مضر بالأمن القومي للصين ووحدتها الترابية، لذا يتعذر تطويعها بهذا الخصوص، مع أنه هدف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.
الصراع بين الدولتين ـ رغم قرارات ترامب ـ ظاهره الاقتصاد وباطنه السياسية، مع أن الولايات المتحدة تضغط لأجل شراء الصين مزيدا من المنتجات الأمريكية، كما تحاول شراء حصص شركة "تيك توك" بأسعار زهيدة، في وقت تصر فيه الصين على موقفها.. يبقى السؤال هنا هل ستنجح سياسة ترامب في تحقيق ذلك؟.
من غير الواضح ما ستؤول إليه مواقف الصين من خلال رد فعلها على ضغوط ترامب المتواصلة، لكن المعروف أن الصين والولايات المتحدة هما أكبر اقتصادين في العالم، وهما متكاملان في سلاسل الصناعة والتوريد بشكل كبير، وبالتالي فإن الحرب التجارية بينهما ـ ذات الطابع السياسي الخفي والمعلن ـ لا تقوض التعاون بينهما فقط ولكنها تشكل تهديدا للاقتصاد العالم، ولا شك أن الرئيس ترامب يعرف ذلك، لكنه يصرُّ على تحكم الولايات المتحدة في العالم حتى لو أدى ذلك إلى كوارث.. إنها حرب مفتوحة من ترامب على دول العالم كلها بالقوتين الاقتصادية والعسكرية، والصين من الدول المعنية بذلك، لكن مهما كانت النتائج السلبية للحرب الأمريكية عليها ستكون الأقل ضررا مقارنة بالدول الأخرى.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين عودة ترامب ترامب الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
التنافس الأمريكي الصيني في بحر الصين الجنوبي (2-3)
د. هيثم مزاحم
في كتابه "بحر الصّين الجنوبي: تحليل جيوبوليتيكي"، يُعدِّد المؤلّف دياري صالح مجيد المصالح الصّينيّة والأمريكيّة في بحر الصّين الجنوبي. فالصّين من جهتها تسعى لتحقيق الأهداف التّالية:
تأمين الخط التّاسع الصّيني، لما له من أهمية في تحديد النّطاق الجغرافي- السّياسي لسيادتها، ولحماية البلاد من التّعرّض لأي غزو، إذ إن احتلال دول جزرًا أو شُعبًا مرجانية في بحر الصّين الجنوبي يفسّر بأنّه إنتهاك لمبدأ السّيادة الصّينية. حماية الاستقرار في بحر الصّين الجنوبي، حيث ترى الصّين في هذا البحر مصدر تهديد مستقبلي محتمل يقوّض طموحاتها في الإستمرار في إضفاء صفة القوّة العظمى عليها، خصوصًا أن بحر الصّين الجنوبي يُعدّ المدخل الجنوبي لتهديد هذا الإستقرار. أمن الطّاقة: تشير دراسات معنيّة بالشّان الصّيني إلى أن الصّين ستستمر في تصاعدها كقوّة اقتصاديّة كبرى في القرن الحادي والعشرين، حيث يرتبط هذا الصّعود بتزايد معدّلات التّصنيع والتّحضّر، الأمر الذي يحتّم على الصّين الإعتماد بشكل أكبر على إستيراد مزيد من موارد الطّاقة من الخارج.ولذا، فإن الصّين تحاول التّوجّه نحو بحر الصّين الجنوبي باعتباره يمثّل إحدى المناطق الواعدة في مجال الإنتاج النّفطي في ظل الإحتياطات التّي يُحتمل إكتشافها.
تأمين الممرّات البحريّة: تعتمد الصّين بشكل كبير على النّفط المستورد من دول الخليج العربية وإيران وأفريقيا لسدّ نحو 70 في المئة من حاجاتها الحالية في ميدان الطّاقة. وهذه الكمّية تنقلها السّفن عبر المحيط الهندي لتدخل إلى بحر الصّين الجنوبي عبر مجموعة مهمّة من المضائق التّي تُعدّ جسرًا للوصل مع باقي المحيط الهندي. لذا، ترى الصّين في هذا النّطاق نقطة حرجة يمكن أن تساهم جيوبوليتيكيًّا في التّأثير سلبًا في مستقبلها إذا ما استغلّت هذه الحتميّة الجغرافيّة بشكل خاص من الولايات المتّحدة الأمريكية أو من حليفتها الهند، التّي لها هي الأخرى مصلحة في تعطيل وتخريب حرّية الملاحة وأمنها عبر هذه الممرّات، وصولًا إلى بحر الصّين الجنوبي، بهدف الحيلولة دون خضوعه للسّيطرة الصّينيّة خضوعًا كاملًا.ويُضاف إلى أهميّة النّفط أنّ وكالة معلومات الطّاقة الأمريكية ذكرت أن إزدياد أهميّة الغاز الطّبيعي مصدرًا للطّاقة، جعل بحر الصّين الجنوبي يحظى بأهميّة متزايدة، بفعل الحقيقة التّي تشير إلى أن عام 2011 شهد نصف حركة التّجارة العالمية من الغاز الطّبيعي عبر هذا البحر إلى دول الصّين واليابان وكوريا الشّمالية.
تعزيز مكانتها العسكريّة: تتّجه الصّين نحو تعزيز قدراتها ووجودها العسكري في بحر الصّين الجنوبي، الذي يُعدّ في نظر البعض ذا علاقة وثيقة بالإستراتيجيات النّوويّة التّي تعتمدها الصّين وتسعى إلى تحقيق أهدافها كمصلحة عليا للبلاد في المرحلة المقبلة، ونظرًا للتّرابط بين بحر الصّين الجنوبي وتطوير البرنامج النّوويّ الصّيني أكثر من عنصر يدعم مكانته في خريطة المصالح الصّينيّة في هذا البحر.أما الولايات المتّحدة، فتسعى لتحقيق الأهداف التّالية في بحر الصّين الجنوبي:
تطالب الولايات المتّحدة الصّين بضرورة احترام حرية الملاحة في بحر الصين الجنوب، استنادًا إلى القانون الدّولي للبحار، الذّي يجيز لجميع الدّول إستخدام النّطاقات الإقتصادية الخالصة في أي نطاق بحري. وقد ادّعت وزيرة الخارجية الأمريكية السّابقة، هيلاري كلينتون (في يوليو 2010)، أن لدى الولايات المتّحدة، شأنها شأن بقيّة الأمم، مصلحة وطنية في حرية الملاحة والوصول إلى البحار الآسيوية المشتركة، وهي تعمل على ذلك وفقًا لاحترامها القانون الدّولي في بحر الصّين الجنوبي. وتردّ الصّين بأن الولايات المتّحدة تخفي نيتها الحقيقيّة في العمل على بناء تحالف إقليمي مضاد للمصالح الصّينيّة في هذه المنطقة. تسعى أمريكا إلى السّيطرة على مداخل بحر الصّين الجنوبي: وذلك بتعزيز الأسطول الأمريكي في مواجهة تنامي الثّقل الجيوبوليتيكي للأسطول الصّيني في بحر الصّين الجنوبي بشكل خاص، حيث تشكّل المداخل الجغرافية لهذا البحر نقطة ضعف حرجة في استراتيجية الصّين البحريّة، لكونها تقع تحت سيطرة قوىً آسيوية متحالفة مع الولايات المتّحدة. ترى الإدارة الأمريكية أن مصالحها الإستراتيجية تفرض عليها أن تكون مشاركة في أيّ تسوية تحدّد مستقبل السّيادة البحرية على بحر الصّين الجنوبي، رغم أنّها لا تُعدّ دولة جوار مباشر. فالولايات المتّحدة موجودة هنالك من خلال شركات النّفط النّاشطة في دول كثيرة، والتّي يعمل عدد منها في البحث والإستكشاف عن النّفط والغاز في بحر الصّين الجنوبي عبر إتّفاقيات خاصة مبرمة مع "دول صديقة"، كما هي الحال مع ماليزيا والفلبّين وفيتنام. تعمل الإدارة الأمريكية على تفعيل صيغ الاتّفاقات التّي يمكّنها أن تعزّز من ربط الدول التّي تختلف مع الصّين حول السّيادة على بحر الصّين الجنوبي، بمصير الوجود الأمريكي فيها، بذريعة مواجهة التّهديد الصّيني لهذه الدّول. ضمان التّجارة الأمريكية عبر بحر الصّين الجنوبي: تشير دراسات حول التّبادل التّجاري إلى أن 7 دول من مجموع 15، في مجموعة دول آسيا-الهادئ للتّعاون الاقتصادي (APEC) هي دولة أساسية شريكة للولايات المتّحدة، و60 في المئة من صادرات الولايات المتّحدة من البضائع بيعت في هذا النّطاق.وهذا الأمر جعل الولايات المتّحدة تفكّر في كيفية استيعاب الدّول الآسيوية في هذا الإقليم ضمن تكتّل اقتصادي مهم، يشتمل على مجمل دول بحر الصّين الجنوبي، بما فيها الصّين ذاتها، ضمن مجموعة "أبيك"، التي تشكّل في أغلبيتها أكثر من نصف الإقتصاد العالمي.
من هنا تسعى الولايات المتّحدة إلى الإبقاء على بحر الصّين الجنوبي في حالة من عدم الاتفاق النهائي بين دوله، كونها تدرك أن الصّين ستكون لها الحصّة الأكبر، والتي يقدّرها البعض بـ80 في المئة من مساحة هذا المسطّح المائي، الأمر الذّي يعطيها الحق القانوني في عدم السّماح للسّفن الأجنبية بالمرور عبر هذا البحر.
ويُشير المؤلّف إلى أهمية بحر الصّين الجنوبي بالنّسبة للعالم العربي، رغم عدم وجود تواصل جغرافي-برّي بين بحر الصّين الجنوبي ومنطقة الخليج العربي. فالصّين والدّول العربيّة تدركان أهميّة تعزيز الرّوابط التّجارية، في ظل المشاريع الصّينيّة الإستراتيجيّة التّي عزّزت الصّين من خلالها شراكتها مع حلفائها، بالرّغم من المصالح الأمريكية-الهندية تحديدًا.
كما تقوم رؤية الصّين الجيوبوليتيكية على أساس تصوّرات مستقبليّة حيال إمكانية تعرّض وارداتها النّفطيّة من الخليج للتّخريب، عبر الإضرار بأمن الممرّات الملاحيّة في وقت الأزمات مع الهند أو واشنطن.
وهناك توقّعات بأن الدّول الآسيوية، وعلى رأسها الصّين، ستعتمد في عام 2030 على النّفط العربي بمعدّل 90 في المئة، في وقتٍ ستتحرّر الولايات المتّحدة من حتميّة الاعتماد على هذا النّفط؛ الأمر الذي يعني أن الصّين ستتأثّر بأي اضطراب جيوبوليتيكي لاحق قد تشهده القوى الأهم في خريطة الإنتاج النّفطي في الشّرق الأوسط، سواء كان ذلك في السّعودية أو في إيران.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان
** يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية- لبنان
رابط مختصر