عاد برعي محمد دفع الله إلى لحن أغنية “اظهر وبان عليك الأمان” بعد سنوات، لكن هذه المرة بكلمات سودانية خالصة كتبها الشاعر سيف الدين الدسوقي، لتصبح أغنية “أحب ّمكان وطني السودان”.

في مشهد غير متوقّع، تحوّل لحن وُلد في أستوديوهات السينما المصرية منتصف القرن الماضي إلى نشيد وطني هزّ وجدان السودانيين لعقود طويلة ولا يزال.

ووفقاً لما نقل محرر موقع النيلين, من تقرير لموقع “العربية مصر” تعود القصة المثيرة إلى العام 1958، عندما أبدع الموسيقار السوداني برعي محمد دفع الله لحناً لأغنية “اظهر وبان عليك الأمان”، من كلمات الشاعر المصري فتحي قورة، وأداها الفنان السوداني الكبير إبراهيم عوض ضمن فيلم “إسماعيل يس طرزان”. وقتها لم يكن أحد ليتخيّل أن هذا اللحن العابر في أحد أفلام إسماعيل يس الكوميدية سيعود لاحقاً ليأخذ مساراً مختلفاً تماماً، متحولاً إلى أحد أكثر الأناشيد الوطنية تأثيراً في السودان.

من السينما إلى المناسبات السياسية

ما حدث بعد ذلك أشبه بلغز موسيقي، إذ عاد برعي محمد دفع الله إلى اللحن ذاته بعد سنوات، لكن هذه المرة بكلمات سودانية خالصة كتبها الشاعر سيف الدين الدسوقي، لتصبح أغنية “أحب ّمكان وطني السودان”. لم تكن مجرد أغنية وطنية، بل تحوّلت إلى رمز وجداني ردّدته الأجيال السودانية في المناسبات الوطنية، واستُخدمت في الاحتفالات الرسمية، وغير الرسمية وحتى في لحظات الثورة والمقاومة، مما عزّز مكانتها في الوجدان الجمعي للسودانيين.

كيف أُعيد إحياء اللحن؟

وكشف الموسيقار كمال يوسف، الذي أعاد تسليط الضوء على القصة المُثيرة عبر فيسبوك، لـ”العربية.نت”، تفاصيل غير معروفة عن هذه الرحلة الموسيقية الغامضة، قائلاً: “أغنية (اظهر وبان)، التي لحّنها برعي محمد دفع الله وأداها إبراهيم عوض في فيلم (إسماعيل يس طرزان) عام 1958، تعدّ واحدة من عدة أغنيات قدّمها مطربون سودانيون في السينما المصرية خلال الخمسينيات. لاحقاً، أعاد برعي وإبراهيم عوض تقديم اللحن ذاته في أغنية (أحب مكان وطني السودان) بكلمات سيف الدين الدسوقي. ومع ذلك، لم يكن اللحن سودانياً مصرياً، بل كان سودانياً خالصاً مستنداً إلى السلم الخماسي، في حين تولّى موسيقيون مصريون توزيعه وتنفيذه”.

الموسيقار كمال يوسف

وأضاف يوسف: “ما حدث مع هذه الأغنية تكرّر سابقاً، حيث قدّم سيد خليفة (المامبو السوداني) في فيلم (تمر حنة) العام 1957، وغنّى أحمد المصطفى والمطربة اللبنانية صباح (رحماك يا ملاك) في فيلم (وهبتك حياتي) العام 1956. أما في العام 1952، فقد قدّم إسماعيل عبد المعين أغنية مع فريد الأطرش في فيلم (ما تقولش لحد). جميع هذه الأغنيات احتفظت بطابعها السوداني الخماسي، رغم أن الموزعين الموسيقيين سعوا لإبراز إيقاعها الإفريقي الراقص”.

وأكد يوسف لـ”العربية.نت”، أن اللحن لم يكن مقتبساً، كما أُشيع، مشيراً إلى أن برعي محمد دفع الله لم يتأثر بالموسيقى المصرية، بخلاف الفنان السوداني العاقب محمد حسن، الذي كان أكثر تأثراً بها. أما فيما يتعلق بإعادة استخدام اللحن في أغنية “أحب مكان وطني السودان”، فقد ظلّ كما هو، مع استبدال الكلمات المصرية بأخرى سودانية.

“موزارت أم درمان”

في قلب هذا التحوّل الموسيقي، يقف اسم الموسيقار السوداني برعي محمد دفع الله، الرجل الذي حوّل النغمات الموسيقية إلى أيقونات خالدة. وُلد برعي العام 1929 في حي الموردة بأم درمان، واشتهر بلقب “موزارت أم درمان”. بدأ رحلته الفنية متأثراً بالإنشاد الديني، قبل أن يشق طريقه كعازف ماهر على العود، ثم ملحناً استثنائياً ساهم في تشكيل ملامح الموسيقى السودانية الحديثة.

الموسيقار السوداني برعي محمد دفع الله

وبحسب ما نقل محرر موقع النيلين, فإن من أبرز محطاته تعاونه مع الفنان الكبير عبد العزيز محمد داؤود، حيث قدَّما معاً أعمالاً أصبحت علامات في تاريخ الغناء السوداني، مثل “أحلام الحب” و”عذارى الحي” و”أريج نسمات الشمال”. كما لحّن أعمالاً لكبار الفنانين، من بينهم الموسيقار محمد وردي والفنان الكبير إبراهيم عوض، وصاغ مقطوعات موسيقية استثنائية، مثل “مارش الحرية” و”فرحة شعب”.

ورغم وفاته في أبريل (نيسان) 1999، لا يزال اسم برعي محمد دفع الله محفوراً في ذاكرة السودان الموسيقية، إذ ترك خلفه أكثر من 350 عملاً موسيقياً، بينها 100 معزوفة سُجلت في إذاعات عالمية، وبقيت شاهدة على عبقرية رجل لم يكن مجرد ملحن، بل صانع وجدان وأيقونات وطنية.

مصادفة أم قدر موسيقي؟

قد يبدو أن تحوّل هذا اللحن من مشهد سينمائي إلى نشيد وطني مجرد مصادفة، لكن تأمل رحلة برعي محمد دفع الله يكشف أن موسيقاه لطالما حملت طابعاً ملحمياً. فهل كان يدرك منذ البداية أن هذه النغمات ستصبح جزءًا من هوية وطنية؟ أم أن الألحان تختار مصيرها بنفسها؟

ربما لم يكن برعي يدرك تماماً تأثير عمله في تلك اللحظة، لكن ما هو مؤكد أن “أحب مكان وطني السودان” لم تعد مجرد أغنية، بل صارت نشيداً غير رسمي محفوراً في ذاكرة السودان، يروي قصة وطنٍ صنع من ألحانه هوية لا تُنسى.

محمد عثمان _ الخرطومالنيلين إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: إسماعیل یس فی فیلم لم یکن

إقرأ أيضاً:

مقتل طبيبة داخل مستشفى المجلد بغرب كردفان إثر قصف للجيش السوداني

الشبكة حذرت من مغبة تحويل المرافق الصحية إلى مواقع للصراع، لاسيما أن مستشفى المجلد يُعد المرفق الطبي الوحيد العامل في المنطقة، ودعت طرفي النزاع، إلى احترام حرمة المرافق الطبية وعدم الزج بها في العمليات العسكرية.

الخرطوم: التغيير

قالت شبكة أطباء السودان إن طبيبة قُتلت داخل مستشفى المجلد بولاية غرب كردفان، بعد قصف نفذه الجيش السوداني على موقع كانت تتحصن فيه قوات الدعم السريع داخل حرم المستشفى.

وأعربت الشبكة في بيان الأحد، عن إدانتها الشديدة لاستهداف الكوادر الطبية، محذّرة من مغبة تحويل المرافق الصحية إلى مواقع للصراع، لاسيما أن مستشفى المجلد يُعد المرفق الطبي الوحيد العامل في المنطقة.

ودعت الشبكة طرفي النزاع، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إلى احترام حرمة المرافق الطبية وعدم الزج بها في العمليات العسكرية، التزاماً بالقوانين الدولية التي تحظر استهداف المنشآت الطبية والعاملين فيها أثناء النزاعات المسلحة.

وأكد البيان أن تحويل المستشفيات إلى ثكنات عسكرية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ويهدد حياة المدنيين والكوادر الصحية، ويقوّض فرص توفير الخدمات الطبية المنقذة للحياة في المناطق المتأثرة بالحرب.

وتشهد ولايات السودان، بما فيها غرب كردفان، مواجهات متصاعدة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

وقد أسفرت المعارك عن انهيار واسع في الخدمات الأساسية، بما في ذلك القطاع الصحي، حيث تضررت مئات المرافق الطبية، وتم استهداف عدد من الكوادر الصحية، وسط تحذيرات أممية متكررة من كارثة إنسانية متفاقمة.

الوسومآثار الحرب في السودان المجلد شبكة أطباء السودان ولاية غرب كردفان

مقالات مشابهة

  • المستشار السياسي لحركة جيش تحرير السودان قيادة – مناوي: الانحياز للشعب موقف وطني راسخ لا حياد فيه ولا تراجع
  • شاهد بالفيديو.. بسبب الظروف القاسية.. الممثل والكوميديان السوداني الشهير ذاكر سعيد يتجه لأعمال “اليومية” ويحمل “الطوب” في رحلة عمل شاق ويؤكد: (الزول يشتغل بضراعه)
  • شاهد بالصورة والفيديو.. “حميدتي” يعترف بهزيمتهم وطردهم من الخرطوم وعدد من الولايات (نعم مرقونا من مناطق غالية وفقدنا فيها أغلى ما نملك) وساخرون: (يعني ما انسحاب تكتيكي؟)
  • شاهد بالصورة والفيديو.. (شربت الشربوت واستلمت الظرف).. شيبة ضرار يهاجم أحد أئمة المساجد ويصفه بــ”الصعلوق” و”الشماسي”
  • شاهد بالصورة والفيديو.. سيدة سودانية توثق لحصول مولودها الجديد على هدايا بالعملة الصعبة و”الدولار” يحيط به من كل مكان
  • مقتل طبيبة داخل مستشفى المجلد بغرب كردفان إثر قصف للجيش السوداني
  • نجوم الفن يدعمون هند صبري بعد مطالبات بترحيلها.. القصة كاملة
  • شاهد.. فيديو “جرتق” زواج الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب “زول ثقيل” يتصدر “الترند” على مواقع التواصل
  • بسبب فشل وفساد حكومة السوداني..العراق خارج العالم في مؤشر الطاقة
  • شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة سودانية صاعدة تستعرض جمالها وتصف نفسها بأنها (ياسمين صبري) فرع السودان