«فومبي».. مرآة التاريخ التي تعكس وحشية الإنسان
تاريخ النشر: 1st, April 2025 GMT
صدرت رواية “فومبي” للكاتبة والشاعرة بدرية البدري عن دار الساقي في العام 2022، تعود بك “فومبي” إلى نهايات القرن التاسع عشر مع ظهور حركات الحقوق المدنية في عصر إعادة الإعمار.
تقدم لنا بدرية البدري عملاً أدبياً خارج حدود المألوف في إنتاج الرواية العمانية. “فومبي” كما تقول الكاتبة في مقدمة الرواية: "هي أشبه بقاعة محكمة، فيها ضحايا ومجرمون، يقدم كل منهم أدلته ويدافع عن نفسه، والقارئ هو القاضي الوحيد".
تصور “فومبي” بشاعة الإنسانية الفجّة أمام نزعة السلطة والنفوذ "كمخلوق قبيح جُمّل كثيرا ليحتمل العالم رؤيته". حيث تعرّضنا لقضايا العدالة الانسانية وظلم الإنسان للإنسان. إستنادا إلى تجارب تاريخية مؤلمة. في عهد الملك ليوبولد الثاني، وهو ثاني ملوك بلجيكا، الذي دوّن عنه أنه فرض سيطرته الشخصية على منطقة واسعة في وسط أفريقيا عُرفت باسم "دولة الكونغو الحرة" خلال الفترة من 1885 إلى 1908. مستغلا ببشاعة مواردها الطبيعية الغنية كالمطاط والعاج، لتزخر خزينته المستعرَة بما لا يطفئها من أرباح طائلة من خلال نظام استعماري قاس.
تُكثّف “فومبي” الضوء على قضايا الظلم واستغلال النفوذ لتدسّ لنا بين سطورها ما يتناوله الواقع المعاصر عندما ذكرت بديرة البدري في مستهل الرواية: "... لكنك لو رفعت بصرك قليلا عن الورق ونظرت حولك لوجدت أبطالها يحيطون بك، ولا أظنك ستنصدم إن رأيت نفسك بينهم، تلبس أجسادهم، وتمارس أدوارهم، وربما -أقول ربما- ترفع يدك عاليا ليهبط الشيكوت على جسد أحدهم".
“فومبي”، سرد تاريخي يصوّر تشويه السلطة المطلقة للهوية الإنسانية. فقد تناولت الانتهاكات الجسيمة لملك بلجيكا ليوبولد الثاني ضد المستعمرة التي أقامها في الكونغو. وهنا تكمن أهمية الرواية التي توثّق حدثا تاريخيا مهما في الذاكرة الجمعية في شكل سردي يستنهض ما غفى في قلوبنا من جراء إعتياد المشاهد والأحداث الوحشية.
في “فومبي”، التي تعني الروح الهاربة أو الشبح في بعض لغات الكونغو. والتي استخدمتها الكاتبة بفطنة مستحضرة بذلك أسطورة أفريقية تشير إلى أن الرجل الأبيض هو “فومبي” بعد أن نجح في خطف لون الروح. توظيف بدرية البدري لهذا المفموم في روايتها يثير الدهشة والفضول معا. حيث تكتشف في طياتها أنها تتناول مفهوم الأوراح الهاربة من قبضة الشيطان لتبيان قسوة الظلم حول العالم. والجشع الذي يأكل بعضه بعضا. مستعينة بأحداث قضية الاستعمار البلجيكي الفظ للكونغو.
الأصوات في “فومبي” غزيرة ومتداخلة. حيث تستخدم بدرية البدري تقنية السرد المتعدد، فتتداخل الأصوات والشخصيات بطريقة تحمِل القارئ إلى عوالم متباينة ودرجات متكاثفة من الفضول، أمام استكشاف تعدد التجارب القاسية والتشويه الكبير للهوية الإنسانية التي عاشها سكان الكونغو تحت حكم ليوبولد الثاني.
مؤكد أن الكاتبة استعانت بهذه التقنية لتعزز من عمق الرواية، حيث تقدم كل شخصية منظورها بصوتها الخاص، وقد نجحت الكاتبة تماما من خلال هذا الأسلوب السردي في إظهار الأبعاد المختلفة للموضوعات المطروحة. لا سيما في توظيف لغة تتخللها الفصاحة الشعرية، مما يجعل النص يتسم بالعمق والقدرة على تداول مشاعر متلوّنه في في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية للرواية. مما يمنح القارئ إحساسًا بالزمن والمكان. مناوبة في سردها بين الحكايات الشخصية والأحداث التاريخية.
رواية “فومبي” للكاتبة بدرية البدري، هي تأريخ سردي للظلم ودوافعه، ونبش عميق في النفس البشرية، ودعوة من قلب عربي عماني إلى التفكّر في تقلّب مراتب الإنسان وتلوّن غرائزه تبعا لمقاماته. هذه الرواية ما وجدتها إلا دعوة مستترة بأحداث واقعية لكيفية مواجهة وتعزيز قيم الإنسانية في عالم سلطوي يعاني الاستغلال. ودعوة لاستحضار الأسئلة الوجودية حول الغريزة الوحشية للذات البشرية. لاسيما عندما تعرّضك لمشاهد العنف التي اتُبعت في الكونغو تحت حكم ليوبولد الثاني. كبتر الأطراف التي كانت تمثّل العقوبة الشائعة والتي تُفرض على السكان المحليين في الكونغو لعدم تحقيقهم الحصص المطلوبة في جمع المطاط. والإصطياد العشوائي في شِباك الاختطاف لسكان البشرة السوداء لتغريبهم. في حقبة مخيفة تكاثفت فيها سلطة الرجل الأبيض على الرجل الأسود أثناء ازدهار تجارة العبيد. هذا الاختطاف ما كان إلا رفاهية وأمنية تجنب الضحية أساليب التعذيب فوق أرضه وموطنه.
تعكس تسلسل الأحداث في الرواية الأحداث التاريخية في الواقع، فقد إنتهت الإنتهاكات الشرسة في الكونغو إلى غضب دولي واسع بعد أن كشف المبشّرون والصحفيون، مثل إدموند دين موريل، عن الانتهاكات الجارية في الكونغو. ثم في نهاية مطاف الأحداث التاريخية التي تناولتها الرواية، وتحت الضغط الدولي الكبير، اضطرت بلجيكا إلى ضم الكونغو كمستعمرة رسمية تحت إدارتها في العام 1908، منهيةً بذلك الحكم الشخصي الشرس لليوبولد الثاني على المنطقة.
تحرّضك رواية فومبي لإعادة تعريفك لنفسك وللمفاهيم الأساسية في العدالة البشرية. وتفتح أمامك آفاقاً جديدة للتفكّر حول ماهية الإنسان، أبيضا كان أو أسود. وما يعنيه الانتماء للوطن، وكيف تؤثر سلطة المال والنفوذ على الفرد والجماعة. هذه الرواية تجربة فريدة للقارئ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الکونغو
إقرأ أيضاً:
مغردون: استهداف الدفاع المدني بغزة يؤكد وحشية الاحتلال
منذ العدوان الإسرائيلي على غزة والقصف يطول حتى طواقم العمل الإنساني، إذ وثقت الكاميرات لحظة استهداف مباشر لعنصر الدفاع المدني الشاب نوح الشغنوبي في وقت كان ينتشل المصابين من تحت أنقاض منزل جنوبي حي الزيتون بقطاع غزة .
وبعد دقائق من الغارة الأولى، عاد الطيران الحربي ليضرب الموقع مجددا، مستهدفا الأهالي والمسعفين الذين هرعوا لإنقاذ الجرحى، في جريمة مركبة تعكس إصرار إسرائيل على قتل المدنيين ومن يحاول إنقاذهم، ضمن حملة إبادة ممنهجة تطال هذا الحي منذ أسابيع.
ويستمر القصف المكثف ليحول دون وصول فرق الإنقاذ إلى الطابق المستهدف، تاركا الجرحى تحت الركام في سباق قاس مع الموت.
وقد تصاعد القصف الجوي والمدفعي مؤخرا على أحياء غزة، خاصة الزيتون والتفاح، في ظل حديث الحكومة الإسرائيلية عن عملية عسكرية وشيكة لاجتياح المدينة بالكامل.
انتشار واسع للفيديو وردود فعل غاضبةوحظي مقطع الفيديو بانتشار واسع على منصات التواصل، حيث اعتبر مغردون فلسطينيون أنه يمثل واحدة من عشرات اللحظات المروعة التي يعيشها سكان القطاع منذ 22 شهرا على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع الدولي وسط صمت مخز.
ورأى ناشطون أن المشهد يلخص قسوة الحرب وشجاعة الإنسان، إذ استهدف الشغنوبي أثناء قيامه بواجبه الإنساني في إنقاذ المصابين.
#غزة_الفاضحة فعلا فضحة المحتل المجرم وجيشه المريض نفسيا وحقده
لحظات مرعبة، توثق استهداف الاحتلال عنصر الدفاع المدني"نوح الشغنوبي" بشكل مباشر أثناء محاولته إنقاذ عدد من المصابين من منزل جنوب حي الزيتون بمدينة غزة.#غزة_تُباد pic.twitter.com/NhIe5Jd57M
— Pery Ahmed (@Freedom_P_A) August 12, 2025
وكتب أحد النشطاء "في غزة، حتى من يهرع لينقذ… يستهدف، وفي اللحظة التي مد فيها يده للحياة باغتته آلة القتل".
كما علق آخرون "استهدفوا الصحفيين بالأمس، واليوم يستهدفون رجال الدفاع المدني".
إعلانووصف ناشطون بأنه "مشهد صادم ومرعب" مؤكدين أن جيش الاحتلال يقصف طواقم الدفاع المدني أثناء انتشال الجثث، كما فعل سابقا مع الصحفيين، رغم وجود تنسيق مسبق مع منظمات دولية.
شهادات من قلب المأساةقال أحد النشطاء من سكان المنطقة "تعرض منزل في جنوب حي الزيتون للقصف، مما أدى إلى إصابة الجيران. وأثناء محاولة أولاد عمي إنقاذهم، تم استهدافهم أيضا، وفقدنا بعضهم وأصيب 3 آخرون. حاول الدفاع المدني إنقاذهم لكنهم تعرضوا للاستهداف. نناشد الصليب الأحمر والإسعافات بالدخول فورا".
وأضاف ناشط آخر "مذبحة كبيرة في حي الزيتون… نسفوا شقة على رؤوس ساكنيها، ولم يكتفوا بذلك، فحتى من ذهب لينقذ الناس قصفوه".
مذبحة كبيرة في حي الزيتون نسفوا شقة على رؤوس ساكنيها، لم يكتفوا بذلك فحتى مَن ذهب لينقذ الناس قصـ.فوه .
— يَحيى????????????????????. (@yahia_yassar) August 11, 2025
وأشار مغردون إلى أن ما يجري في الحي "مجزرة كبيرة" إذ قصف الجيش الإسرائيلي شقة على رؤوس ساكنيها، ثم استهدف من هرع لإنقاذهم.
وذكر آخرون أن عائلات في الحي أبيدت بالكامل، آخرها عائلة الطفلة لورين النديم التي انتشلت من تحت ركام منزلها بعد استشهاد عائلتها في قصف ليلي عنيف، كما استشهد أمس أب وأم وأبناؤهم الستة في استهداف آخر.
تدمير ممنهج وتمهيد لاجتياح بريرأى نشطاء أن إصابة المسعف الشغنوبي تأتي ضمن سلسلة استهدافات لكل من يساند المجتمع ويخفف من وقع الإبادة، بدءا من أسماء مجهولة، مرورا برفعت العرعير، وصولا إلى الشغنوبي.
قصف ونسف متواصل في حي الزيتون
— ????Khalil (@KhalilAtef93) August 11, 2025
ووصف مدونون الوضع في الحي بـ"الكارثي" حيث التكاتك وعربات الجر وسيارات الإسعاف تنقل الشهداء والمصابين وسط قصف مدفعي متواصل ونزوح كبير للعائلات.
واعتبر مغردون أن حي الزيتون "يباد بصمت" مؤكدين أن ما حدث اليوم مؤشر على خطورة المخطط الإسرائيلي الذي يهدف لتطبيق سياسة الأرض المحروقة المنتهجة منذ الأيام الأولى للحرب، مشيرين إلى أن استئناف العمليات العسكرية خلال الأشهر الخمسة الأخيرة أدى إلى تدمير شرق وجنوب الحي بالكامل.
وأضافوا أن جيش الاحتلال أفرغ اليوم مربع المصلبة ومجمع مدارس عين جالوت من السكان، واستهدف شارع النديم بشكل همجي، حيث تحولت المنطقة إلى ما يشبه "كسارة الحجارة".
مجزرة مروّعة في حي الزيتون بعد قصف شقة سكنية في برج دلول، وبعد تجمع الناس لانقاذ العالقين في الشقة قصف المكان مجددًا! الحديث عن عشرة شه.داء وعدد كبير من الجرحى
— معين الكحلوت ???????? , من غزة ???? (@Moin_Awad) August 11, 2025
وأكدوا أن التمهيد الناري بالروبوتات والمدفعية والأحزمة الناسفة على هذه المربعات يدل على أن عملية برية وشيكة ستجري قريبا، وأن الجيش بدأ يشكل "فكي كماشة" لحصار أكثر من مليون و200 ألف نازح يعيشون في بحر (متلاطم) من الخيام.