صدرت رواية “فومبي” للكاتبة والشاعرة بدرية البدري عن دار الساقي في العام 2022، تعود بك “فومبي” إلى نهايات القرن التاسع عشر مع ظهور حركات الحقوق المدنية في عصر إعادة الإعمار.

تقدم لنا بدرية البدري عملاً أدبياً خارج حدود المألوف في إنتاج الرواية العمانية. “فومبي” كما تقول الكاتبة في مقدمة الرواية: "هي أشبه بقاعة محكمة، فيها ضحايا ومجرمون، يقدم كل منهم أدلته ويدافع عن نفسه، والقارئ هو القاضي الوحيد".

وهذا ما انتهجته الكاتبة في الأسلوب السردي السلس الذي يجمع بين الفلسفة والسرد الأدبي التاريخي العميق.

تصور “فومبي” بشاعة الإنسانية الفجّة أمام نزعة السلطة والنفوذ "كمخلوق قبيح جُمّل كثيرا ليحتمل العالم رؤيته". حيث تعرّضنا لقضايا العدالة الانسانية وظلم الإنسان للإنسان. إستنادا إلى تجارب تاريخية مؤلمة. في عهد الملك ليوبولد الثاني، وهو ثاني ملوك بلجيكا، الذي دوّن عنه أنه فرض سيطرته الشخصية على منطقة واسعة في وسط أفريقيا عُرفت باسم "دولة الكونغو الحرة" خلال الفترة من 1885 إلى 1908. مستغلا ببشاعة مواردها الطبيعية الغنية كالمطاط والعاج، لتزخر خزينته المستعرَة بما لا يطفئها من أرباح طائلة من خلال نظام استعماري قاس.

تُكثّف “فومبي” الضوء على قضايا الظلم واستغلال النفوذ لتدسّ لنا بين سطورها ما يتناوله الواقع المعاصر عندما ذكرت بديرة البدري في مستهل الرواية: "... لكنك لو رفعت بصرك قليلا عن الورق ونظرت حولك لوجدت أبطالها يحيطون بك، ولا أظنك ستنصدم إن رأيت نفسك بينهم، تلبس أجسادهم، وتمارس أدوارهم، وربما -أقول ربما- ترفع يدك عاليا ليهبط الشيكوت على جسد أحدهم".

“فومبي”، سرد تاريخي يصوّر تشويه السلطة المطلقة للهوية الإنسانية. فقد تناولت الانتهاكات الجسيمة لملك بلجيكا ليوبولد الثاني ضد المستعمرة التي أقامها في الكونغو. وهنا تكمن أهمية الرواية التي توثّق حدثا تاريخيا مهما في الذاكرة الجمعية في شكل سردي يستنهض ما غفى في قلوبنا من جراء إعتياد المشاهد والأحداث الوحشية.

في “فومبي”، التي تعني الروح الهاربة أو الشبح في بعض لغات الكونغو. والتي استخدمتها الكاتبة بفطنة مستحضرة بذلك أسطورة أفريقية تشير إلى أن الرجل الأبيض هو “فومبي” بعد أن نجح في خطف لون الروح. توظيف بدرية البدري لهذا المفموم في روايتها يثير الدهشة والفضول معا. حيث تكتشف في طياتها أنها تتناول مفهوم الأوراح الهاربة من قبضة الشيطان لتبيان قسوة الظلم حول العالم. والجشع الذي يأكل بعضه بعضا. مستعينة بأحداث قضية الاستعمار البلجيكي الفظ للكونغو.

الأصوات في “فومبي” غزيرة ومتداخلة. حيث تستخدم بدرية البدري تقنية السرد المتعدد، فتتداخل الأصوات والشخصيات بطريقة تحمِل القارئ إلى عوالم متباينة ودرجات متكاثفة من الفضول، أمام استكشاف تعدد التجارب القاسية والتشويه الكبير للهوية الإنسانية التي عاشها سكان الكونغو تحت حكم ليوبولد الثاني.

مؤكد أن الكاتبة استعانت بهذه التقنية لتعزز من عمق الرواية، حيث تقدم كل شخصية منظورها بصوتها الخاص، وقد نجحت الكاتبة تماما من خلال هذا الأسلوب السردي في إظهار الأبعاد المختلفة للموضوعات المطروحة. لا سيما في توظيف لغة تتخللها الفصاحة الشعرية، مما يجعل النص يتسم بالعمق والقدرة على تداول مشاعر متلوّنه في في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية للرواية. مما يمنح القارئ إحساسًا بالزمن والمكان. مناوبة في سردها بين الحكايات الشخصية والأحداث التاريخية.

رواية “فومبي” للكاتبة بدرية البدري، هي تأريخ سردي للظلم ودوافعه، ونبش عميق في النفس البشرية، ودعوة من قلب عربي عماني إلى التفكّر في تقلّب مراتب الإنسان وتلوّن غرائزه تبعا لمقاماته. هذه الرواية ما وجدتها إلا دعوة مستترة بأحداث واقعية لكيفية مواجهة وتعزيز قيم الإنسانية في عالم سلطوي يعاني الاستغلال. ودعوة لاستحضار الأسئلة الوجودية حول الغريزة الوحشية للذات البشرية. لاسيما عندما تعرّضك لمشاهد العنف التي اتُبعت في الكونغو تحت حكم ليوبولد الثاني. كبتر الأطراف التي كانت تمثّل العقوبة الشائعة والتي تُفرض على السكان المحليين في الكونغو لعدم تحقيقهم الحصص المطلوبة في جمع المطاط. والإصطياد العشوائي في شِباك الاختطاف لسكان البشرة السوداء لتغريبهم. في حقبة مخيفة تكاثفت فيها سلطة الرجل الأبيض على الرجل الأسود أثناء ازدهار تجارة العبيد. هذا الاختطاف ما كان إلا رفاهية وأمنية تجنب الضحية أساليب التعذيب فوق أرضه وموطنه.

تعكس تسلسل الأحداث في الرواية الأحداث التاريخية في الواقع، فقد إنتهت الإنتهاكات الشرسة في الكونغو إلى غضب دولي واسع بعد أن كشف المبشّرون والصحفيون، مثل إدموند دين موريل، عن الانتهاكات الجارية في الكونغو. ثم في نهاية مطاف الأحداث التاريخية التي تناولتها الرواية، وتحت الضغط الدولي الكبير، اضطرت بلجيكا إلى ضم الكونغو كمستعمرة رسمية تحت إدارتها في العام 1908، منهيةً بذلك الحكم الشخصي الشرس لليوبولد الثاني على المنطقة.

تحرّضك رواية فومبي لإعادة تعريفك لنفسك وللمفاهيم الأساسية في العدالة البشرية. وتفتح أمامك آفاقاً جديدة للتفكّر حول ماهية الإنسان، أبيضا كان أو أسود. وما يعنيه الانتماء للوطن، وكيف تؤثر سلطة المال والنفوذ على الفرد والجماعة. هذه الرواية تجربة فريدة للقارئ.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الکونغو

إقرأ أيضاً:

القومي للمسرح يستضيف الكاتبة د. شهيرة خليل في ندوة حول مجلات الأطفال ومستقبلها

في إطار فعاليات معرض الزمالك للكتاب في دورته الأولى، ينظم المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية لقاءً مفتوحًا ضمن برنامج "مساحة حرة"، تستضيف خلاله الكاتبة د. شهيرة خليل – رئيس تحرير مجلة سمير، ومدير مركز التراث الصحفي بدار الهلال – للحديث حول المجلات الموجهة للطفل ومستقبلها.

 

يقام اللقاء في تمام الساعة السابعة والنصف مساء اليوم الإثنين الموافق ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥، بمقر المركز القومي للمسرح، وذلك برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة. ويدير اللقاء الدكتور محمد أمين عبد الصمد، المشرف على التراث الشعبي بالمركز.

 

يأتي هذا الحدث ضمن سلسلة فعاليات ثقافية وفكرية يشهدها معرض الزمالك للكتاب، الذي ينظمه المركز بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب خلال الفترة من ٦ وحتى ١٥ أكتوبر ٢٠٢٥، ويهدف إلى دعم الحراك الثقافي والتفاعل المجتمعي مع رموز الفكر والإبداع في مصر.

 

الدعوة عامة للجمهور والمهتمين بمجال أدب الطفل والتراث الصحفي والمجلات التربوية.

أجواء خريفية مستقرة بطقس الإسكندرية سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه اليوم الإثنين ترامب: تدمير قدرات إيران النووية إنجاز كبير.. دمرنا أخطر الأسلحة بالعالم نقص الأسمدة الزراعية المدعمة يثير غضب مزارعي البحيرة مؤشر مرصد الأزهر لتحليل جرائم التنظيمات الإرهابية وجهود مكافحتها في وسط إفريقيا الرئيس السيسي يستقبل المستشار الألماني فور وصوله إلى قمة شرم الشيخ للسلام ترامب: نتنياهو كان يتصل بي مرارًا يطلب أنواعًا مختلفة من الأسلحة محمد المنياوي: سعيد بتحقيق ذهبية بطولة العالم وكنت أتمنى كسر الرقم العالمي تفاصيل إجراءات التسكين للطلبة والطالبات بمدن جامعة الأقصر السيسي يستقبل أبو مازن فور وصوله إلى قمة شرم الشيخ للسلام مفتي الجمهورية: العلم عبادة وسلوك حضاري يسهم في بناء الإنسان وتحقيق العمران صحة المنيا: 95 ألف متردد و951 عملية جراحية في شهر سبتمبر نائب يقاطع خطاب ترامب أمام الكنيست وعناصر الأمن يخرجونه من القاعة "لسه إنسان".. مكتبة الإسكندرية تستضيف اللقاء الثالث لذوي الهمم

مقالات مشابهة

  • الكاتبة السويسرية دوروتيه إلمجر تفوز بجائزة الكتاب الألماني
  • حسام البدري: فخور بتأهل مصر للمونديال.. وصلاح يكتب التاريخ من جديد
  • حسام البدري: يجب الإعداد الجيد لأمم إفريقيا.. وسعيد بما يقدمه محمد صلاح
  • الكاتبة الصحفية إلهام أبو الفتح والمهندس محسن صلاح في عزاء شقيقة المهندس إبراهيم محلب| صور
  • مجلس حقوق الإنسان يطالب متمردي الكونغو بوقف هجماتهم
  • القومي للمسرح يستضيف الكاتبة د. شهيرة خليل في ندوة حول مجلات الأطفال ومستقبلها
  • «كوشيب» مرآة منظومة الإنقاذ في السودان
  • ندوة ثقافية حول الرواية الأردنيّة في جامعة مؤتة
  • يوسف البناي: العلم ليس عزاءً بل وعيٌ بموقع الإنسان في التاريخ الكوني
  • حين تُزيّف الكاميرا الحقيقة.. هل أصبحت الفلاتر مرآة النساء الجديدة؟