حوار ـ فيصل بن سعيد العلوي 

في هذا الحوار.. يفتح الدكتور يوسف البناي (الباحث والكاتب الكويتي المعروف في مجال الفيزياء وتبسيط العلوم)، نوافذ واسعة على مشروعه الفكري الممتد بين التأليف والترجمة والتبسيط العلمي، متتبعًا أثر النظريات الكبرى من ميكانيكا الكم إلى النسبية، ومتأملا في المعنى الكوني للحياة... ويعرف يوسف البنّاي وهو فيزيائي نظريّ متخصص في علم الكونيات من جامعة لايبزيج في ألمانيا، بقدرته على تبسيط نظريات الفيزياء المعقدة، وله عدة مؤلفات تحتوي على شرح مبسّط لنظريات الفيزياء، مثل النظرية النسبية لأينشتاين، ونظرية ميكانيكا الكم والانفجار الكبير، وقد شارك مؤخرا في جلسة حوارية بالنادي الثقافي بعنوان «هل حقًّا بدأ الكون بالانفجار العظيم؟» .

. ومن خلال إجاباته يكشف «البناي» كيف انتقل من قارئ ومترجم إلى صاحب أطروحة، وكيف يرى أن العلم ليس مجرد معادلات صارمة بل مدخل للدهشة والتواضع المعرفي... وبينما يشرح بدقة علمية صلبة وحدة القوانين بين السماء والأرض، يضع أيضا خريطة طريق تجعل العلم مكونا ثقافيا حيا في عالمنا العربي.

***********************************************************************************************

بدأ شغفك بالعلم من بوابة الترجمة ثم تبلور في التأليف والتبسيط العلمي، ما اللحظة المفصلية التي حسمت انتقالك من الناقل الأمين إلى الكاتب صاحب الأطروحة؟ وكيف غيّرت هذه النقلة علاقتك بالعلم والجمهور؟

في الحقيقة لم أبدأ بالترجمة كما قد يظن البعض، بل بدأت بالتأليف، وأول كتاب أصدرته كان بعنوان «ميكانيكا الكم بين الفلسفة والعلم» وذلك في سنة 2009 عندما كنت طالبا في سنتي الأخيرة في الجامعة، كان كتابا مؤلفا بالكامل لا مترجما، والدافع وراءه أنني شعرت بوجود فجوة كبيرة في المكتبة العربية، فمنذ صغري وأنا متأثر بالنسبية وبالكم وبالديناميكا الحرارية، لكنني لم أكن أجد كتابات عربية مبسطة في هذه المجالات، وإن وجدت فهي قليلة جدا وغالبها ترجمات، أما التأليف المبسط الموجه للقارئ العام فكان شبه معدوم، وإذا وجد فكان عادة موجها للمختصين وهم قلة قليلة من الناس، لذلك فكرت أن أكتب كتابا مبسطا لكنه مفهوم، وهكذا بدأت مع «ميكانيكا الكم بين الفلسفة والعلم»، ثم ألفت بعده كتابا عن «النظرية النسبية الخاصة»، وبعدها عن «النظرية النسبية العامة»، ثم انتقلت إلى الترجمة فعملت على كتاب لستيفن هوكينج، وبعده ترجمت كتابا لريتشارد فاينمان، ثم عدت مجددا إلى هوكينج، ومع كثرة الكتابة والقراءة والترجمة تبدأ بطبيعة الحال بالتشكل لديك آراء شخصية، وهذه طبيعة المعرفة عند أي إنسان، فالمرء يقرأ أولا ومع مرور الوقت يتأثر عقله بما يقرأ ثم يطرح أطروحاته الخاصة، وهذا ما حدث معي، فبعد أن شعرت أنني أصبحت محيطا بالأسس والمبادئ صرت قادرا على صياغة رؤيتي الخاصة وطرح آرائي العلمية.

***********************************************************************************************

في كتابك الأحدث «في الأرض كما في السماء» تطرح وحدة القوانين بين السماء والأرض كمعجزة الوجود، فما الإطار الفلسفي الذي تستند إليه هذه الأطروحة؟

كتاب «في الأرض كما في السماء» لا يقوم على أداة براجماتية ولا على رأي شخصي، بل يستند إلى قوانين فيزيائية صارمة لا علاقة لها بأي نزعة فردية، تاريخ الكون محدد بدقة بواسطة علم الفيزياء من خلال نظرية الانفجار العظيم وغيرها من الأدلة التي تبين أن الكون وُلد في لحظة معينة، وأن له عمرا يمكن قياسه والتعامل معه، كذلك عمر الأرض هو أيضا محدد فيزيائيا عبر دراسة الصخور باستخدام طرق التأريخ بالذرات المشعة، مثل التأريخ باليورانيوم أو بالكربون.

هذه الطرق تشبه ما يمكن أن نسميه ساعات رملية طبيعية بدأت بالعمل منذ لحظة تكوّن الأرض، فعندما نقول إن عمر الأرض 4.5 مليار سنة فإننا لا نقول ذلك جزافا، بل لأن ذرات مثل اليورانيوم تعمل كساعات دقيقة، هناك في الفيزياء النووية مفهوم يسمى عمر النصف، فإذا كان لدينا وعاء يحتوي على مائة ذرة من اليورانيوم، فإنها بعد فترة زمنية محددة، قد تكون آلاف أو ملايين السنين، تفقد نصفها وتبقى خمسون ذرة فقط، وهكذا تتكرر العملية، نفس المبدأ ينطبق على الكربون وعلى عناصر أخرى مثل البلوتونيوم، وكل عنصر له فترة نصف عمر مختلفة، بعضها يمتد إلى ملايين أو مليارات السنين، ومن خلال هذه القياسات الدقيقة عرفنا عمر الأرض.

أما الكائنات الحية فيتم تحديد أعمارها أيضا من خلال الصخور التي دُفنت فيها باستخدام نفس أساليب التأريخ الإشعاعي، وهناك طبعا طرق أخرى يستخدمها علماء الجيولوجيا والبيولوجيا لدراسة تاريخ الحياة على الأرض، كذلك طبقات الأرض حُدد عمرها عبر علم الجيولوجيا بوسائل دقيقة، فإذا جمعنا هذه المعطيات سواء عن الكون أو عن الأرض أو عن الكائنات الحية، نجد أن كلها أدلة موثقة علميا من الفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا والكيمياء، ولا يوجد أي تعارض فيما بينها، فلا نجد شيئا في الكيمياء يناقض الفيزياء، ولا في الجيولوجيا ما يخالف علم الأحياء، وهذا الانسجام الكبير يدل على أن هناك وحدة متأصلة في الكون، في عمره، في عمر الأرض، وفي تاريخ الكائنات الحية.

***********************************************************************************************

في سياق الكتاب نفسه ينتقل الخطاب من الطرح العلمي الصارم إلى البعد التأملي، فكيف تتصور علاقة الدهشة العلمية بالتواضع المعرفي؟ وهل ترى للدهشة وظيفة تولد أسئلة أفضل أم أخلاقية تربي حس المسؤولية تجاه الحياة والكوكب؟  

أنا دائما أقول إن العلم لديه ما يقوله حول الواقع، هناك من يرى أن العلم لا يعطي معنى للحياة وأنه جاف ولا يقدم العزاء للوجود البشري، لكنني أخالف هذه النقطة تماما، فمن يفهم الكون ويفهم الأزمنة التي تحدثنا عنها قبل قليل مثل الزمن الجيولوجي والبيولوجي سيتغير حتما، هناك فرق كبير بين أن تعرف المعلومة وبين أن تدركها إدراكا عميقا، وهذا الإدراك يجعلك مباشرة متواضعا أمام هذه العظمة الكونية، وشعور التواضع هذا شعور جميل جدا، يجعلك ترى نفسك جزءا من تاريخ هائل، تاريخ كوني وتاريخ جيولوجي وتاريخ بيولوجي، فأنا دائما أقول إن في داخل كل واحد منا صخورا عمرها مليارات السنين، وكل الكائنات الحية لها سلف مشترك، وبالتالي فأنت مرتبط بكل كائن حي تراه من حولك بطريقة أو بأخرى، بل إنك مندمج أيضا مع الانفجار العظيم ومع الكون بأكمله، وهذا ما تعبر عنه المقولة الشهيرة أنت الكون يتأمل نفسه، فالكون تحول إلى وعي، وهذا الوعي هو أنت أيضا، وكل إنسان محظوظ طالما أنه موجود، لأن الإنسان في النهاية مجرد ترتيب محدد لشريط الدي إن إيه، وأي تغير في أي حرف منه كان سيخلق شخصا آخر، ومن خلال ما رأيناه في الأسئلة السابقة ندرك أن الانقراض هو القاعدة والبقاء استثناء، وأنت الآن ضمن هذا الاستثناء، تتنفس وتشاهد النجوم وتأكل وتشاهد الناس، وهذا في حد ذاته امتياز كبير، لكن من الصعب جدا أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة ما لم يدرس هذه العلوم ويتأملها بعمق، ولهذا السبب أحاول دائما أن أنقل جمال هذا الشعور للآخرين.

***********************************************************************************************

تتحدث عن ثلاثة مقاييس زمنية مزلزلة (الكوني، والجيولوجي، والبيولوجي) ... كيف تعيد صياغة الزمن الإنساني في ضوء هذا التفاوت، وما الذي ينهار معرفيا حين ننقل أسئلة المعنى من مقاسنا اليومي إلى مقاس المجرات؟

الزمن الكوني والزمن الجيولوجي والزمن البيولوجي مهول جدا، وهذا في رأيي السبب الذي يجعل كثيرا من الناس، وربما بشكل أكبر في ثقافتنا العربية، يرفضون فكرة أن للأرض هذا العمر الهائل أو أن الحياة بدأت قبل 3.7 مليار سنة، هذه الأرقام تسبق وجود الإنسان بفترة طويلة جدا، فالإنسان بحسب نظرية التطور لم يظهر إلا قبل ما بين 200 إلى 250 ألف سنة، هذا الإنسان الذي ينتمي إلى نوعنا الحالي المسمى «الهومو سابيانس» أي الإنسان العاقل، لكن كانت هناك أنواع بشرية أخرى غيرنا انقرضت مثل النياندرتال، والإنسان العامل، والإنسان الماهر، وإنسان رودلف، والعديد من هذه الأسماء التي تنتمي إلى عائلة «الهومو»، كلهم انقرضوا وبقينا نحن الجنس الوحيد الذي لم ينقرض بعد، لكننا أيضا آخر من ظهر على الأرض، وعندما نتأمل هذه الأرقام ندرك الفجوة الهائلة، فالأرض عمرها 4.5 مليار سنة، وهناك كائنات مثل الديناصورات انقرضت منذ 65 مليون سنة، وهذه أرقام مخيفة وصادمة بالنسبة للعقل البشري، يصعب علينا تحملها أو استيعابها، فالإنسان بطبيعته لم يتطور لكي يفهم الكون بهذه الأزمنة المهولة، بل تطور لكي يعيش، ليحمي نفسه، ليأكل ويشرب ويتكاثر، وليس لكي يستوعب هذه المقاييس الزمنية المرعبة، فالعلم لم يبدأ بطرح هذه الأزمان الضخمة إلا خلال الأربعمائة سنة الأخيرة مع الثورة العلمية، حين بدأ الإنسان ينزع العاطفة من نظرته للطبيعة ويحتكم إلى العقل بشكل صارم، في الغالب الإنسان ينظر إلى الكون وكأنه مصمم لأجله، فيربط الظواهر بعاطفته، وهذا يقوده إلى أجوبة خاطئة، بينما عندما نجرد أنفسنا من العاطفة وننظر إلى العالم كما هو، نصل إلى الفهم العلمي الصحيح، كما قال الفيلسوف المصري فؤاد زكريا إن العلم يبدأ عندما ينظر الإنسان إلى العالم كما هو لا كما يتمنى أن يكون، وهنا تكمن الصعوبة التي نواجهها اليوم، فالناس يجدون صعوبة في تصديق هذه الأزمان، فعندما تقول مليون أو مليار، قد يهز الشخص رأسه موافقا، لكنه في الحقيقة لا يدرك حجم الرقم أو معناه، ولهذا السبب أحرص دائما على تقديم شروحات ومقالات مستمرة، على أمل أن يتمكن الشباب والباحثون من إدراك عمق هذه الهوة الزمنية، وأن يدركوا أن عمر الأرض والكون ليس مجرد رقم يُحفظ، بل تاريخ قديم جدا جدا، ينبغي أن نستوعب معناه ونتأمله بعمق.

***********************************************************************************************

بين الرياضيات الصارمة والحكاية الجاذبة مساحة دقيقة، ما منهجك في صياغة الاستعارة العلمية بحيث تضيء المفهوم ولا تشوهه؟ وهل لديك مقياس تشويه داخلي يحدد متى تتراجع عن تبسيط مخل؟

أنا دائما أقول: إن تبسيط العلوم ليس أمرا سهلا، بل قد يكون في بعض الأحيان أصعب من البحث العلمي نفسه، لأنك تخاطب الجمهور العام، وهذا الجمهور بطبيعته لا يعرف الرياضيات ولا يفكر بالمنهجية العلمية، لذلك فإن تبسيط العلوم يتطلب أولا أن يكون المبسط شخصا متخصصا في مجاله، يعرفه ويدرك تفاصيله، فمثلا عالم الأحياء هو الأقدر على تبسيط الأحياء، وعالم الجيولوجيا يبسط الجيولوجيا، وعالم الكيمياء يبسط الكيمياء، وكذلك عالم الفيزياء يبسط الفيزياء، لكن التبسيط ليس مجرد معرفة بالمجال، بل يحتاج أيضا إلى موهبة خاصة، هي مزيج من الأدب والعلم وفهم الآخر.

أنا شخصيا أضع نفسي دائما مكان الناس، كأنني لا أعرف شيئا، وأسأل نفسي كيف سأفهم قضية مثل الانفجار العظيم أو تمدد الكون إذا لم أكن أملك خلفية علمية، عندها ألجأ إلى الأسلوب القصصي أو إلى الاستعارة التي تقرب الفكرة، هذا الأسلوب يجذب الناس إلى العلوم، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى وعي كبير، فلا بد من الحفاظ على الخط الفاصل حتى لا يتحول التبسيط إلى إخلال بالمعنى، فهناك من يبسط لدرجة مفرطة تجعل الموضوع تافها وفاقدا لجوهره، وهذا لم يعد علما، و أستحضر هنا مقولة شهيرة لآينشتاين: اجعلها بسيطة ولكن لا تجعلها أبسط مما يجب، فالمطلوب أن يكون النص مفهوما، لكن دون أن نفرط في جوهر الفكرة العلمية، وهذه معادلة صعبة وتحد مستمر، بين أن تفهم وتتعمق ثم تقدم للناس الفكرة في صورة مبسطة لكنها لا تزال صحيحة، كثير من العلماء الأكاديميين لا يملكون الصبر أو الرغبة في نقل هذه المفاهيم للجمهور، لأن الفجوة بين البحث العلمي والجمهور العادي واسعة، لكن هناك قلة من الناس لديهم هذا الصبر، فيستطيعون أن يقدموا هذه الأمور بلغة مبسطة، وأنا أرى أن هذا يمنح شعورا جميلا، لأنك عندما تنقل للآخرين جمال الشعور الكوني وتترجمه إلى نص مبسط، فإنك تعطيهم فرصة للاقتراب من الدهشة والمعرفة العلمية.

***********************************************************************************************

اشتغالك على ميكانيكا الكم والنسبية وضعك في قلب أسئلة فلسفة العلم: الاحتمال والحتمية، السببية والمحلية، الواقعية والتكميم.. أين تتموضع اليوم إزاء هذه الثنائيات؟ وأي سؤال فلسفي تراه الأكثر إلحاحا على الفيزياء المعاصرة؟

ميكانيكا الكم منذ أن وضعت في عشرينيات القرن العشرين وحتى اليوم أي بعد مرور أكثر من مئة سنة ما زالت تثير جدلا من وقت لآخر، المشكلة الجوهرية فيها ليست في المعادلات فالنظرية لديها معادلات واضحة جدا وتطبيقات عملية هائلة، كل الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وموجات التكنولوجيا الحديثة وصولا إلى الحواسيب كلها قائمة على ميكانيكا الكم ولولاها لعشنا في عالم متأخر بقرن كامل، لكن الإشكال الكبير يكمن في التفسير، فميكانيكا الكم تقول مثلا: إن الإلكترون يمكن أن يوجد في مكانين مختلفين في الوقت نفسه، وتقول أيضا إن الإلكترون ليس شيئا حقيقيا قبل أن نقوم بعملية قياس له، وتخبرنا بوجود ظواهر مثل التشابك الكمي حيث يمكن لجسمين أن يتشابكا رغم أن كل واحد منهما يوجد في زاوية مختلفة من الكون.

هذه الأسئلة تقع في المنطقة الفاصلة بين العلم والفلسفة وتنتمي إلى ما يسمى فلسفة العلم، والسؤال هو هل ميكانيكا الكم وجهت ضربة لمفاهيم مثل المنطقية البشرية أو السببية أو الحتمية التي آمن بها الفلاسفة والقدماء، البعض يجادل بأن هذا صحيح وربما تكون السببية والحتمية كما فهمها القدماء غير دقيقة وهناك من يعيد طرح هذه النقاط باستمرار، لكن في المقابل هناك فئة أخرى تتبع قاعدة فاينمان الشهيرة اصمت واحسب، بمعنى لا تنشغل بالتفسير كثيرا فالمهم أن المعادلات تعمل وأن النظرية تعطي نتائج دقيقة يمكن الاعتماد عليها، هذا المنهج البراغماتي يرى أن التفسير ليس مهما طالما أن التطبيقات العملية للنظرية موجودة وتعمل بكفاءة، أما أنا فأعتقد أن الأسئلة المتعلقة بميكانيكا الكم أسئلة جميلة وإعادة النظر فيها أيضا أمر جميل لكنها في الوقت الحالي ليست بتلك الأهمية العلمية المباشرة، ربما تكون أهميتها فلسفية لأنها تدفعنا إلى التفكير في طبيعة المعرفة البشرية وحدودها وفي نظرية المعرفة بشكل عام لكنها لا تضيف الكثير على مستوى التطورات العلمية التطبيقية، ولذلك أضعها في خانة النقاشات الفلسفية التي تثري الفكر أكثر مما تضيف إلى المختبرات.

***********************************************************************************************

ما معايير الانتقاء التي تجعل نصا بعينه جديرا بأن يطعّم الذائقة العربية؟ مثالا (مشروعك الترجمي والاختياري لنصوص آينشتاين وهوكينج وغيرهما)، وكيف تتعامل مع مأزق المصطلح؟

معايير الانتقاء بالنسبة لي تبدأ من النص نفسه، أسأل أولا هل هذا النص يستحق أن يترجم إلى العربية؟ وهل يقدم إضافة للقارئ العام أو يساهم في تبسيط العلوم؟ ثم يأتي اسم المؤلف كعامل مهم، فمثلا ستيفن هوكينج نجم عالمي ومعروف جدا، مجرد أن يرى القارئ اسمه على الغلاف أو يسمع صوته يجذبه ذلك إلى الكتاب، وهذا معيار أساسي لأننا في النهاية نريد أن نوصل العلوم إلى الناس بأوسع نطاق ممكن.

وهناك أيضا شخصيات أعتبرها ضرورية مثل ألبرت آينشتاين، ليس فقط لأنه عالم فيزياء بل لأنه كتب أيضا مقالات مهمة في الفلسفة والسياسة والدين، آينشتاين لم يكن مجرد عالم بل كان فيلسوفا أيضا، لذلك اعتبرت أن من الضروري أن تكون نصوصه متاحة باللغة العربية، لكن هنا نواجه مأزق الترجمة، فمقالات آينشتاين مثلا لم تجمع في كتاب واحد من تأليفه، بل جُمعت لاحقا وترجمت من الألمانية إلى الإنجليزية، ثم عندما وصلت إليها لأترجمها إلى العربية صارت نقلة ثالثة، وكل نقلة من لغة إلى لغة تفقد النص بعضا من معناه، وهنا يأتي دور المترجم في إعادة البناء، فعندما أجد جملة بالإنجليزية إذا ترجمتها كما هي إلى العربية ستصبح جافة أو بلا معنى، ألغيها وأعيد صياغتها بجملة أخرى تجعل المعنى أوضح مع الحفاظ على روح النص الأصلي، لست أؤلف من عندي لكنني أحاول أن أنقل للقارئ العربي ما كان المؤلف يريد قوله فعلا، وهذه النقطة في غاية الأهمية لأن الهدف أن يفهم القارئ العربي الفكرة كما قصدها صاحبها حتى لو اضطررت لتعديل الأسلوب، أحاول قدر الإمكان أن أقلل من الإخلال لكن بعض التدخل ضروري، وهذا ما جعل بعض ترجماتي تصل للناس بشكل أوسع، مثال ذلك ترجمتي لكتاب «نظرية كل شيء: أصل ومصير الكون» لستيفن هوكينج، هذه الترجمة لاقت استحسانا واسعا جدا في العالم العربي وكانت من أكثر الكتب العلمية مبيعا وبفضلها حصلت على جائزة الكويت التشجيعية في مجال الترجمة العلمية.  

***********************************************************************************************

من خلال تجربتك ورؤيتك للواقع العربي ...ما الخطوات العملية التي تراها ضرورية لتحويل العلم إلى مكون ثقافي حي كما تدعو دائما؟ وهل البداية تكون من إصلاح المناهج الدراسية أم من تفعيل الإعلام العلمي؟

عندما نتحدث عن إصلاح التعليم أو نشر العلم بشكل حقيقي فإن الأمر يرتبط بالمسؤولية العامة وهي بالدرجة الأولى مسؤولية الدولة، وأول خطوة يجب أن تبدأ بها هي إصلاح المناهج فلا بد من إعادة النظر فيها لتواكب الاكتشافات الحديثة، فلا يعقل أن نستمر في تدريس أشياء قديمة جدا عفا عليها الزمن بينما العالم يتغير بسرعة، يجب أن تدخل الأدوات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والصور التفاعلية والرسوم المتحركة لأن تحريك عقل الطالب وتحفيزه بهذه الوسائل أمر مهم جدا، والمؤسسات العلمية أيضا تتحمل مسؤولية كبيرة سواء كانت جامعة الدولة أو معهد الأبحاث أو أي مؤسسة رسمية، هذه المؤسسات تملك ميزانيات ضخمة بملايين الدولارات ومع ذلك نجد إعلامها ضعيفا وميتا في حين أن المفترض أن يكون لها حضور قوي يشرح للناس ما الذي يجري في مختبراتها وما هي نتائج أبحاثها لا أن تكتفي بأخبار بروتوكولية من نوع التقاء وزير أو توقيع عقد مع وكالة ما، مثل هذه الأخبار لا تعني الجمهور، المطلوب أن تشرح للناس مثلا أن بحثا جديدا أنجز وتبسطه لهم أو أن تنتج مادة مرئية مثل أنيميشن أو كرتون يوضح هذا البحث، هذا هو النوع من الجهد الإعلامي الذي يخلق ثقافة علمية حقيقية.

وإلى جانب ذلك هناك صناع محتوى على منصات مثل يوتيوب وتيك توك بعضهم لديهم جماهيرية كبيرة ويقدمون محتوى علميا مبسطا يجذب الشباب، من الحكمة أن نستفيد من هؤلاء وندعمهم ونوفر لهم المصادر الموثوقة لأن تأثيرهم على الناس أكبر مما تفعله المؤسسات الرسمية، وبالتالي إذا أردنا خارطة طريق عملية لخمس سنوات فهي يجب أن تقوم على ثلاثة محاور: إصلاح المناهج لتواكب العصر، تقوية الإعلام العلمي داخل المؤسسات، ودعم المبسطين وصناع المحتوى، هذه اللبنات إذا وضعت في مكانها يمكن أن تغير المشهد بشكل فعلي. 

أخيرا ...إذا طُلب منك أن تختزل مشروعك المقبل في سؤال بحث شخصي واحد، فماذا سيكون؟

إذا كان هناك سؤال فسوف يكون كيف أتى الكون؟ وهذا هو الموضوع الذي أعمل عليه الآن، وسأطرح كتابا فيه قريبا.  

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکائنات الحیة میکانیکا الکم تبسیط العلوم عمر الأرض أن یکون من خلال بین أن

إقرأ أيضاً:

بعد تتويجها بلقب ملكة جمال الكون 2025.. من هي الإماراتية مريم محمد؟

تصدر اسم الإماراتية مريم محمد جوجل تريند خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك بعد اختيارها لتمثيل دولة الإمارات في مسابقة ملكة جمال الكون المقرر إقامتها في 21 نوفمبر 2025 في مدينة باك كريت التايلاندية، بمشاركة متسابقات من أكثر من 130 دولة، أمام جمهور عالمي.

وحول هذا الأمر تستعرض «الأسبوع» لمتابعيها وزوارها، أبرز المعلومات عن الإماراتية مريم محمد، بعد تتويجها بلقب ملكة جمال الكون 2025.

من هي الإماراتية مريم محمد؟

ولدت مريم محمد عام 1999.

- وتبلغ من العمر 26 عاما.

- حاصلة على بكالوريوس اقتصاد، من جامعة سيدني.

- تعيش في دبي وتدرس تصميم الأزياء في معهد ESMOD بدبي.

- مهتمة بمجالات الموضة.

- فازت مؤخرًا بلقب ملكة جمال الكون الإماراتية 2025.

- أول إماراتية تُتوّج بلقب ملكة جمال الكون الإماراتية.

-كما شاركت في مسابقات جمال إقليمية.

- حصلت على عدة ألقاب وتكريمات.

- تسعى أن تُثبت من خلال منصبها أن الجمال لا يقتصر على المظهر الخارجي فقط.

- تُعرف بحبها للثقافة الإماراتية.

- كما أنها من تعشق رياضة الصقور وركوب الجمال.

- من هواياتها السفر، والتعرف على الثقافات المختلفة.

- تهتم بنشر صورها وأحدث أخبارها على مواقع التواصل الاجتماعي.

- يتابعها على صفحتها بموقع "إنستجرام" أكثر من 1500 ألف متابع.

- تتبنى العديد من القضايا الهامة من أبرزها مكافحة الفقر، وتمكين المرأة، وتعزيز مجتمعات المحبة والسلام.

- سبق وأن شاركت في مبادرات خيرية مثل رمضان أمان ومبادرة الأسرة المعطاءة، ومثلت دولة الإمارات العربية المتحدة في برامج دولية لريادة الأعمال النسائية.

اقرأ أيضاًبعد تصدرها الترند.. معلومات عن كارين فهمي ملكة جمال مصر

ملكة جمال الكون 2024.. فيكتوريا كير ثيلفيغ أول دنماركية تحصل على اللقب

مقالات مشابهة

  • د. عادل القليعي يكتب: قولنا في نشأة التفكير الفلسفي.!
  • مجدي نزيه: الأبحاث العلمية بينتّ حكمة الأجداد والأبناء.. والأقدم هو الأفضل والأصلح
  • الجامعة الإسلامية تعتمد 42 برنامجًا أكاديميًا من مختلف الدرجات العلمية
  • أمين البحوث الإسلاميَّة: الإيمان والعِلم طريقان متكاملان والدِّين لا يتعارض مع حقائق الكون والعقل
  • أوقفوا حربنا أيضا.. زيلينسكي يهنئ ترامب على وقف إطلاق النار في غزة
  • حدث كبير يمثل نهاية الزمان .. ماذا سيفعل الانفجار العكسي في الكون ؟
  • عاجل ياغي في أول تصريح بالزي الوطني: أشكر ولي العهد على دعم مسيرتي العلمية
  • الإنسان: مخيَّر أم مسيَّر؟ (2 – 2)
  • بعد تتويجها بلقب ملكة جمال الكون 2025.. من هي الإماراتية مريم محمد؟