علي بن سهيل المعشني أبو زايد
asa228222@gmail.com
في قلب جبال ظفار الخلابة، حيث الضباب يغطي قمم الجبال، وتختلط روائح اللبان بنسمات الكوس الجنوبية القادمة من بحر العرب والمحيط الهندي، عاش رجلٌ كسر كل القواعد المعروفة عن الذكاء البشري. إنه الفلكي الشيخ عيسى بن مسعود بن علي جعبوب، الملقب بـ"أوحور"- رحمه الله، الذي أصبح أيقونةً للعبقرية الفطرية في جبال محافظة ظفار.
النشأة: طفل الجبال الذي اكتشف موهبته مبكرًا
وُلد (أوحور) حوالي عام 1904م شمال منطقة السان بالجبل الأوسط بولاية صلالة. نشأ في بيئة ريفية تُنمّي الذكاء والفطرة السليمة، ومنذ صغره لفت الأنظار بقدرته على إجراء عمليات حسابية معقدة في ذهنه دون استخدام أي أدوات. إذ كان يستطيع حساب عدد أيام السنة ودقائقها وثوانيها، وكذلك دخول المواسم والفصول وخروجها، مثل الخريف والصرب والشتاء والغيض.
كما كان يعرف النجوم لكل فصل (سبعة نجوم)، أي ما يقارب اثنين وخمسين نجمًا في العام، منها أربعة نجوم مناصفة بين الفصول، حيث يدوم كل نجم ثلاثة عشر يومًا. أما النجم الأول والأخير من كل فصل فيُسمى "المناصف"، خاصة مع دخول الخريف الذي يبدأ بستة أيام ونصف من نجم "الشول" وينتهي بستة أيام ونصف من نجم "آليت"، وكذلك الحال في باقي فصول العام الأربعة.
العبقرية الحسابية ومعجزة الذاكرة الرقمية.
تمتع (أوحور) بموهبة نادرة جعلته أشبه بآلة حاسبة بشرية:
- كان يحفظ عدد دقائق وثواني السنة دون أي خطأ.
- كانت لديه القدرة على تقدير أعداد كبيرة من الناس بنظرة واحدة، حتى لو تجاوز عددهم الآلاف.
فمثلا في المناسبات الاجتماعية كالأعراس وغيرها، حيث كان الناس يتجمعون، وجرت العادة قديمًا تقسيم الحضور إلى مجموعات متساوية (مثلاً خمسة أشخاص لكل مجموعة، يوضع لهم قسم من اللحم والتمر)، كان الشيخ عيسى (أوحور) بمجرد أن يلقي نظرة سريعة على الحضور، يعرف عددهم ويشير إلى عمال الوليمة أن عدد الأقسام كذا وكذا، وكذلك يطلب من الحضور أن يتحلقوا كل خمسة معًا (عَرفَت).
ومن القصص التي تُروى عنه -رحمه الله- أنه في أحد الأيام نزل من الجبل إلى مدينة صلالة، والتقى هناك بفلكي مشهور كان يمتلك مكتبةً ضخمةً من الكتب عن النجوم والحسابات الفلكية. وعند الحديث عن حساب النجوم بينهما، اختلف الرجلان في تحديد موعد ظهور نجم مُعين (أو موسم)، وكان الفارق بينهما يومًا واحدًا فقط.
بينما استند الفلكي إلى كتبه القديمة، اعتمد (أوحور) على حسابه الذهني فقط. وعندما اشتد الجدال بينهما، قال (أوحور) بثقة: "اذهب وراجع كتبك، ثم نلتقي غدًا". وفي اليوم التالي، بعد مُراجعة دقيقة، اكتشف الفلكي المتعلم أنَّ حسابات (أوحور) كانت صحيحة، مما أثار دهشة الجميع.
أسرار عبقريته: بين الفطرة والملاحظة الدقيقة
رغم أن (أوحور) كان أميًا، إلا أن حياته في جبال ظفار منحته مهارات فريدة:
-الاعتماد على الطبيعة، كان يربط بين حركة النجوم وتغير الفصول، مما ساعده في الحسابات الفلكية.
-الذاكرة السمعية، حيث كان يحفظ التواريخ والأرقام من خلال الاستماع والحفظ منذ عمر مبكر.
-الملاحظة الدقيقة، فقد طور عينًا مدربة لتقدير الكميات والأعداد بسرعة.
حياته الشخصية وإرثه الثقافي
عاش (أوحور) -رحمه الله- حياةً بسيطةً على قمم جبال ظفار، ولم يسعَ للشهرة أو الثروة، وكان شهمًا كريمًا متواضعًا. كما كان مستشارًا حكيمًا، في تحديد مواسم الزراعة ودخول الفصول وخروجها، وكذلك الأشهر والنجوم.
وتُوفي رحمه الله- عام 1994م عن عمر يناهز 90 عامًا، لكن عبقرية هذا الفلكي ستظل تُحكى في المجالس الظفارية ما بقي الدهر.
دروس من حياة الفلكي العبقري الأُمِّيّ
ترك (أوحور) إرثًا ثقافيًا وعلميًا مهمًا في ظفار، يُذكرنا بأن:
1. العلم ليس حكرًا على المتعلمين، فالذكاء الفطري والفراسة قد تنتج عبقريات نادرة.
2. التراث الشفهي قد يحفظ علومًا دقيقة، تتفوق أحيانًا على السجلات المكتوبة.
3. الطبيعة أعظم معلم لمن يتعلم قراءة أسرارها.
اليوم، يُعد (أوحور) جزءًا من الهوية الثقافية لظفار، وشاهدًا على قدرة العقل البشري الذي لا يعرف حدودًا. ربما لو تعلّم (أوحور) في الجامعات، لكان عالم رياضيات أو فلكيًا مرموقًا، لكنه كان فلكي الجبال، الذي تحدى المنطق بأدواته الفريدة: عين ثاقبة، وبصيرة نافذة، وذهن متقد، وقلب متعلق بجبال ظفار.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
السبت.. أول أيام الصيف وموسم خريف ظفار في سلطنة عُمان
مسقط - العُمانية
تبدأ السبت المقبل في سلطنة عُمان ظاهرة الانقلاب الصيفي لهذا العام، وذلك بتعامد أشعة الشمس على مدار السرطان، ويكون ذلك اليوم أول أيام فصل الصيف فلكيًّا في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وسيكون طول فصل الصيف حوالي 93 يومًا و15 ساعة و 37 دقيقة.
وقال المختار بن سيف السعيدي عضو الجمعية العُمانية للفلك والفضاء: تشير الحسابات الفلكية إلى أنَّ ظاهرة الانقلاب الصيفي لهذا العام ستحدُث يوم السبت الموافق 21 يونيو عند الساعة 6:42 صباحاً بتوقيت سلطنة عُمان؛ حيث تُشرق الشمس في محافظة مسقط عند الساعة 5:21 صباحًا، وتتوسط السماء عند الساعة 12:09 ظهرًا، وتغرب عند الساعة 06:57 مساءً، حيث إن النهار سيستمر في محافظة مسقط 13 ساعة و35 دقيقة و35 ثانية، وبذلك يكون أطول أيام السنة نهاراً وأقصرها ليلاً في أغلب مناطق نصفها الشمالي الذي يضم أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية والقطب الشمالي.
وأشار إلى أن الانقلاب الصيفي يعد أول أيام فصل الصيف لسكان النصف الشمالي للكرة الأرضية، وهو أيضًا اليوم الأول من فصل الشتاء أو بما يسمى الانقلاب الشتوي لسكان النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. كما أنَّ للأرض حركتين؛ الأولى: حركتها حول محورها من الغرب إلى الشرق مرة كل 24 ساعة تقريبًا وينتج عنها تعاقب الليل والنهار، والثانية أي حركتها في مدارها حول الشمس مرة كل 365.25 يوم تقريبًا، وينتج عنها تعاقب الفصول الأربعة، وأن سبب حدوث الانقلابين والاعتدالين يعود لميلان محور دوران الأرض حول الشمس بمقدار 23.5 درجة.
وأشار إلى أن هذه الانقلابات والاعتدالات لا تعني بالضرورة حدوث ارتباط وتغيّر مباشر في درجات الحرارة، إذ إن درجات الحرارة على سطح الأرض تتأثر بعوامل مناخية وجوية مثل: التيارات الهوائية، والموجات الحارة، وحركة الرياح، وهذه كلها تُعد من التغيرات المرتبطة بالطقس، وليس بالفصول الفلكية.
ووضح أن هذا الحدث الفلكي يترافق مع ظواهر عديدة نشهدها على الأرض منها: يبدأ موسم خريف ظفار فلكياً الذي تتأثر به الولايات الساحلية لمحافظة ظفار تحديدًا من ولاية ضلكوت غربًا إلى ولاية مرباط شرقًا نتيجة لهبوب الرياح الموسمية وتدفّق السحب القادمة من بحر العرب والمحيط الهندي، و انعدام ظل الظهيرة في المناطق الواقعة على مدار السرطان (العامرات، فنجاء، وادي المعاول، الرستاق، عبري) وفي هذا اليوم تُشرق الشمس من أقصى نقطة من جهة الشمال الشرقي وتغرب في أقصى نقطة في جهة الشمال الغربي، وتقصر عدد ساعات الليل، ويطول وقت ساعات النهار، ثم تبدأ ساعات النهار في النقص حتى تتساوى ساعات الليل والنهار وهو ما يسمى بالاعتدال الخريفي الذي سيكون بتاريخ 22 سبتمبر القادم .