لا تزال أمريكا التي أحببتها موجودة برغم ترامب
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
يبدو الأمر محتوما بقدر حتمية الفوضى الاقتصادية التي أطلق دونالد ترامب عقالها بسيل تعريفاته الجمركية الجنوني: انخفاض حاد في عدد السياح الزائرين للولايات المتحدة، ومن المتوقع الآن أن يزداد ذلك سوءا عما كان متوقعا في البداية. ففي فبراير، انخفض السفر إلى الولايات المتحدة بنسبة 5% مقارنة بالعام السابق، والآن، يتوقع خبراء توقعات ذوو مصداقية انخفاضا يقارب ضعف هذا الحجم.
ولقد تشكل فهم كثير منا للعالم، في نهاية المطاف، على يد ما يسميه البعض بالقوة الناعمة الأمريكية. فلقد بدأ إحساسي الأول بجاذبية الولايات المتحدة الأمريكية عندما كنت في الرابعة من عمري وأنا أشاهد برنامج «شارع سمسم» التعليمي الرائع، إذ افتتنت بفريق عمله متعدد الأعراق، وتقديمه لرؤية مثيرة للحروف والأرقام ـ والحياة ـ تفوق إثارة البرامج التقليدية التي كنا نشاهدها على قناتي بي بي سي وآي تي في. ثم حدث بعد ذلك بقليل أن كان بعض أصدقاء الطفولة المحظوظين يرجعون من إجازات في أمريكا ـ هي في فلوريدا عادة ـ وهم يحملون معهم قصصا مصورة وحلوى زادت من إحساسي بالولايات المتحدة بوصفها أرض الأحلام الساحرة. ثم جاءت اللحظة الحاسمة: جبل ضخم من الموسيقى، لا يزال يشكل جوهر فهمي لماهية الولايات المتحدة، وكيف إنها قد تكون قادرة على تجاوز أزمتها الحالية.
وليس أفضل الموسيقى الأمريكية بشيء ما افتقر إلى الصدق: فهي، بالنسبة لي، بمثابة تصحيح لأي أفكار وردية كانت لدي عن الولايات المتحدة، كما أنها جعلتني، في الوقت نفسه، أكثر افتتانا. وينطبق هذا تماما على سلسلة من التسجيلات التي صدرت بين أواخر الستينيات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي، وما زلت أعود إليها مرارا وتكرارا: من قبيل موسيقى صاحب الرأي الاجتماعي البارع كورتيس مايفيلد، أو المزيج من الآراء السياسية البسيطة والتحقيق المبهج للذات الذي يتخلل ذروة أعمال ستيفي وندر، من ألبوم «موسيقى عقلي» (1972) إلى ألبوم «أغاني على إيقاع الحياة» (1976). فعن طريق الاستماع إلى ذلك الشيء شديد الاختلاف، عندما انغمست في الموسيقى الريفية للمرة الأولى، استمعت إلى نوع آخر من الحقيقة الأمريكية في صوت رجال يبحثون عن مساحة للجرح والانكسار والضعف، فذلك يبدو ـ بأثر رجعي ـ النقيض الصارخ للرجولة الهشة التي استولى عليها ترامب.
ثم ذهبت في نهاية المطاف إلى هناك: فزرت أولا المدن الكبرى المعتادة، ثم مناطق غالبا ما يغفلها السائحون. فقبل نحو عشرين عاما، رحلت مرارا إلى أقصى الجنوب، أي الميسيسيبي، وألاباما، ولويزيانا، وجورجيا، فوجدت نفسي في الوقت نفسه أسير تيارين من الأفكار المتناقضة تماما. أحدهما يتعلق بالتقاطع المروع بين العنصرية ـ الممأسسة واليومية ـ والفقر، وحقيقة صارخة تقول: إن أغنى دولة في العالم قد تركت الكثير من الناس للغرق. والتيار الآخر هو الشعور بأن بعض هذه الأماكن على الأقل يحرز تقدما متقطعا ومترددا إلى ما هو أفضل. وقد جاء في أحد أدلتي السياحية حديث عن منطقة تمر بما يشبه الرحلة التي خاضتها جنوب إفريقيا بعد نهاية نظام الأبارتيد: وفي يوم جميل، كان من الممكن تصديق ذلك.
من أكثر ذكرياتي وضوحا ذكرى ليلة خانقة في بلدة كلاركسديل في دلتا المسيسيبي، ولا تزال هذه البلدة تعد رمزا لزراعة القطن والعبودية، وإرثهما الطويل والمروع. في حانة مملوكة للممثل مورجان فريمان، شاهدت مراهقة من الشرق الأوسط - تنتمي إلى أسرة من اللاجئين ـ وهي ذات موهوبة مذهلة، تعلمت بفضل برنامج تعليمي يديره متحف البلوز في المدينة عزف الجيتار الرئيسي بأسلوب آسر على طريقة نجوم مثل بادي جاي وألبرت كينج. وكانت تؤدي عروضها أمام حشد مختلط، لم يصبهم الذهول وحسب، بل بدا أنهم يشاركوننا فكرة أن ما نشاهده يمثل رمزا صغيرا لتحسن الأوضاع.
ولم يمض وقت طويل حتى بدا أن وصول باراك أوباما إلى الرئاسة قد جسد بشكل مذهل بعضا من الشعور نفسه بالأمل وبذلك القول الأمريكي المقتبس من ديباجة الدستور حول التقدم إلى اتحاد أكثر كمالا. ومهما يكن معنى ذلك ـ وبرغم كل الكراهية والنفاق والمجازر والقسوة الداخلة في نسيج التاريخ الأمريكي ـ فإنني لا أزال أشعر بقوته.
لكن من الواضح أن ترامب يريد أن يأخذ بلده في الاتجاه المعاكس، وذلك جزئيا من خلال محاولة إعادة تشكيل ثقافة البلد والصورة التي يقدمها للعالم. ومن بين عشرات الإجراءات الأخرى يعني هذا إزالة الأمريكيين السود من المواد التعليمية التي تنتجها مقبرة أرلينجتون الوطنية، وهجماته على «الأيديولوجية غير اللائقة أو المثيرة للانقسام أو المعادية لأمريكا» داخل شبكة متاحف سميثسونيان، وتنصيبه نفسه رئيسا لمركز جون إف كينيدي للفنون الأدائية في واشنطن العاصمة. بل إن بعض المشرعين الجمهوريين، مثل عضوة الكونجرس مارجوري تايلور جرين، صاحبة الغباء السريالي، يريدون سحب التمويل من برنامج «شارع سمسم». وفي خضم كل تلك السياسات الاقتصادية غير المنضبطة والهجمات على العلوم والأوساط الأكاديمية، قد يكون هناك خطر بألا ينتبه الناس إلى هذه التحركات، برغم أنها لا تقل أهمية.
تبلغ ابنتي من العمر خمسة عشر عاما، وهي مهتمة بالولايات المتحدة بقدر ما كنت مهتما بها وأنا في مثل سنها، وهو أمر يعززه أن الولايات المتحدة في ما بين عامي 1789 و1900 جزء من منهجها الدراسي للتاريخ في شهادة الثانوية العامة. وهي ترغب في زيارة متحف الحقوق المدنية في ممفيس بولاية تينيسي، واستوديوهات صن التي انطلقت موسيقى الروك أند رول منها للمرة الأولى. وعندما تصل في النهاية إلى نيويورك، ستشمل أولى محطاتها متحف الفن الحديث وما تبقى من قرية جرينتش القديمة.
ولكنني أتساءل الآن: هل يجدر بنا أن نذهب؟ وبرغم هذا أعتقد أننا سوف نذهب، لسبب شديد الوجاهة: ففي النهاية، كل ما تمثله هذه الأماكن والمؤسسات سيثبت أنه سبب هلاك ترامب. بعبارة أخرى، ترامب ليس أمريكا. وبالنسبة لنا نحن الذين ما زلنا مفتونين بالولايات المتحدة، فإن أفضل رد على سوء حكمه ليس الانصراف عن الولايات المتحدة، بل الحفاظ على الثقة بالأمريكيين الذين يدركون ذلك، لا بوصفنا غرباء منبهرين، بل بوصفنا بشرا يعتمد مستقبلهم على ما هو أفضل.
جون هاريس من كتاب الرأي في صحيفة ذي جارديان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
ماذا نعرف عن هاتف ترامب؟ ولماذا سُحبت منه إشارة "صُنع في أمريكا"؟
تساءل بعض الخبراء عن مدى واقعية العرض بالنظر لخصائصه الجيدة وثمنه المغري لدرجة يصعب تصديقها. حيث أن الجهاز الذي يبلغ سعره 499 دولارًا (426 يورو) رخيص جدًا أمام المواصفات التي يقدمها ناهيك عن أن بعض أجزاء الهاتف ليست مصنوعة في الولايات المتحدة. اعلان
أفادت تقارير بأن هاتف الرئيس دونالد ترامب الذكي الذهبي لم يعد يحمل إشارة تفيد بأنه مصنوع في أمريكا. فماذا الذي نعرفه عن هذا الهاتف؟
في وقت سابق من هذا الشهر، أطلق الرئيس الأمريكي ما سماه "هاتف ترامب موبايل" وهو جهاز لاسلكي وهاتف T1 8002 الذي روّجت له منظمة ترامب في البداية على أنه "صُنع في الولايات المتحدة الأمريكية".
لكن الموقع الإلكتروني يقول الآن إن الهاتف الذكي الذي يبلغ سعره 499 دولارًا (426 يورو) يتميز بـ "تصميم أمريكي فخور" مع "أيد أمريكية وراء كل جهاز".
ماذا نعرف عن الهاتف؟أفاد موقع The Verge أيضًا أن مواصفات الهاتف قد تغيرت، من شاشة AMOLED بحجم 6.78 بوصة إلى شاشة أصغر حجمًا بحجم 6.25 بوصة. من المفترض أن يحتوي الهاتف الآن على سعة تخزين 256 جيجابايت، في حين أن الإعلان القديم كان يحتوي على 12 غيغابايت من ذاكرة الوصول العشوائي (RAM).
سيحتوي الهاتف أيضًا على مستشعر بصمة الإصبع في الشاشة ومستشعر فتح الوجه الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، وثلاث كاميرات خلفية بدقة تصل إلى 50 ميغابكسل وكاميرا أمامية واحدة.
الجهاز متاح للطلب المسبق بإيداع 100 دولار (85.37 يورو) وسيكون متصلاً بشبكة ترامب موبايل. وقال الموقع إنه كان من المفترض أن يكون الهاتف متاحاً بحلول سبتمبر ولكن الموقع يقول الآن إنه سيكون جاهزاً "في وقت لاحق من هذا العام".
Relatedروّج له باستخدام صورة لزوجة بايدن.. ترامب يطرح عطرًا جديدًا في خطوة مثيرة للجدل!آخر شطحات ترامب: نريد أن نصنع الدبابات لا القمصان والأحذية الرياضيةبطاقة ترامب الذهبية: إقامة في أمريكا مقابل 5 ملايين دولار فمن يشتري؟ترامب يطرح "البطاقة الذهبية" مقابل 5 ملايين دولار.. ما مميزاتها ومن يستحقها؟وكان نجلا ترامب إريك ودون جونيور قد أعلنا في وقت سابق من هذا الشهر أنهما سيقدمان باقات هواتف محمولة مقابل 47.45 دولار (40.51 يورو) شهرياً في إطار شبكة الهاتف المحمول، وهي إشارة إلى أن والدهما هو الرئيس الخامس والأربعون والسابع الأربعون. وقالا إن مركز الاتصال سيكون في الولايات المتحدة أيضاً.
بدوره، قال متحدث باسم ترامب لشبكة CNBC إن الهواتف ستظل تُصنع في الولايات المتحدة وأن أي تكهنات بخلاف ذلك غير دقيقة.
كما تواصلت يورونيوز نكست مع فريق ترامب ولكنها لم تتلق رداً فورياً.
ومع ذلك، فقد تساءل بعض الخبراء عن مدى واقعية العرض بالنظر لخصائصه الجيدة وثمنه لدرجة يصعب تصديقها. حيث أن الهاتف الذي يبلغ سعره 499 دولارًا (426 يورو) رخيص جدًا أمام المواصفات التي يقدمها ناهيك عن أن بعض أجزاء الهاتف ليست مصنوعة في الولايات المتحدة.
Related"صنع في أمريكا" حلم يُراود ترامب.. لماذا تبدو عودة iPhone إلى خطوط الإنتاج المحلية مستحيلة؟الهاتف الذكي هو نتاج شبكة "ترامب موبايل" للهاتف المحمول التي تأسست حديثاً، والتي تديرها منظمة ترامب.
وقد سبق لعائلة الرئيس الملياردير أن منحت صفة صُنع في أمريكا لمنتجات تحمل علامة ترامب التجارية رغم الشكوك حول المنشأ، ومن تلك المنتجات الأناجيل التي تحمل شعار "ليبارك الله الولايات المتحدة الأمريكية"، والتي أظهر تحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس العام الماضي أنها طُبعت في الصين.
وكان الرئيس ترامب في مايو/ أيارالماضي قد هدد شركة آبل وغيرها من الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها بفرض رسوم جمركية ضخمة بنسبة 25 في المائة على الهواتف الذكية إذا صنعت هواتفها في أي مكان خارج أمريكا.
وردًا على ذلك، أفادت تقارير أن شركة Apple تقوم بتوسيع سلسلة توريد هواتف iPhone الخاصة بها من خلال استثمار 1.5 مليار دولار (1.28 مليار يورو) في مصنع للمكونات خارج تشيناي بالهند.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة