حرب التعريفات الجمركية.. تهور أمريكي يُهدد الاقتصاد العالمي
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
تشو شيوان **
السياسات الحمائية الأمريكية تعود من جديد لتتصدر المشهد الاقتصادي العالمي، ولكن هذه المرة عبر بوابة "التعريفات الجمركية المتبادلة"، التي فرضتها الإدارة الأمريكية "إدارة الرئيس دونالد ترامب" على جميع شركائها التجاريين، في خطوة فجائية أحدثت هزة عنيفة في الأسواق المالية، وأطلقت سلسلة من ردود الأفعال الدولية، وفي مُقدمتها الصين التي ردّت بإجراءات صارمة ومُباشرة؛ مما قد يؤدي إلى تصعيد تجاري غير محسوب العواقب عالميًا، خصوصًا وأن التعريفات الجمركية الأمريكية طالت الأصدقاء والأعداء، المنافسين وغير المنافسين، والجميع يتفق وحال لسانهم يقول "لا رابح ولا كاسب من كل هذه الإجراءات ولا حتى الولايات المتحدة".
من خلال هذه السياسات يبدو أن البيت الأبيض يهدف إلى تعزيز الضغوط التفاوضية على شركائه التجاريين، إلا أن من يدفع الثمن الحقيقي هو المواطن الأمريكي وليس الطرف الآخر كما يتوهم البعض، إذ تُشير تقارير اقتصادية، مثل تلك الصادرة عن جامعة ييل أو "جولدمان ساكس"، إلى أن ارتفاع التكاليف الجمركية سيُترجم مباشرة إلى تضخم في أسعار السلع المنزلية، مما يقلص القدرة الشرائية للأسر الأمريكية. ففي سيناريو لا تتخذ فيه الدول ردود فعل مشابهة سيرتفع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 1.7%، بينما قد يخسر الناتج المحلي الإجمالي 0.6 نقطة مئوية، أما إذا ردت الدول بإجراءات مماثلة وهو ما حدث بالفعل مع الصين والاتحاد الأوروبي فستتفاقم الأزمة: ارتفاع الإنفاق إلى 2.1%، وانكماش النمو بنسبة نقطة مئوية كاملة.
هذه الأرقام تكشف مفارقة خطيرة: فبينما تزعم واشنطن أن التعريفات تهدف إلى "حماية الصناعة المحلية"، فإنها في الواقع تُثقل كاهل المواطن العادي، الذي سيدفع فاتورة هذه السياسة من خلال أسعار أعلى للسيارات والإلكترونيات والسلع اليومية، بل إن قطاعات مثل صناعة السيارات الأمريكية، التي يُفترض أن تستفيد من الحماية، قد تواجه خسائر وظائف بسبب ارتفاع تكاليف قطع الغيار المستوردة، وهو ما حذرت منه غرفة التجارة الأمريكية.
مؤسسات اقتصادية ومالية كبرى مثل "جولدمان ساكس" رفعت نسبة توقعاتها لحدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة إلى 35% خلال العام المقبل، وهو رقم لا يمكن تجاهله، خصوصًا في ظل ما تشهده ثقة المستهلك الأمريكي من تراجع مستمر. ومع تآكل القدرة الشرائية للأسر الأمريكية، يصبح تأثير هذه السياسات أكثر إيلامًا على المستوى الشعبي لا النخبوي أو السياسي، وحتى داخل الولايات المتحدة قوبلت الإجراءات بانتقادات حادة، سواء من غرفة التجارة الأميركية أو من مسؤولين سابقين وحاليين في القطاعين العام والخاص.
ردود الفعل الدولية جاءت متوقعة لكن صارمة، فالصين من جانبها لم تتأخر في الرد، وأعلنت فرض تعريفات بنسبة 34% على المنتجات الأمريكية، ورفعت دعوى قضائية لدى منظمة التجارة العالمية، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك بحظر تصدير بعض المواد الحيوية إلى كيانات أمريكية، وهذا الرد السريع والحازم يعكس تحولًا في المزاج السياسي للدول المستهدفة، التي لم تعد تقبل بأداء دور المتلقي للقرارات الأمريكية، بل باتت تدافع عن مصالحها بشكل مباشر؛ بل وأحيانًا هجومي؛ إذ ترى دول العالم أن من حقها هي الأخرى أن تراعي مصالحها ومصالح شركاتها وشعوبها.
في أوروبا واليابان، عبّر المسؤولون عن رفضهم القاطع للسياسات الأمريكية، معتبرين أنها تقوّض أسس التجارة الحرة، في حين جاءت تحذيرات المستشار الألماني أولاف شولتز واضحة من أن هذه السياسات قد تشكل تهديدًا خطيرًا للتعافي الاقتصادي العالمي، فيما أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد على أن "عدم القدرة على التنبؤ" أصبحت السمة الأبرز للسياسة التجارية الأمريكية، وهي إشارة مقلقة تعكس فوضى القرار، وتعكس كيف لهذه النظرة من تأثير في مستقبل الاقتصاد العالمي وطالما دخل الشك في الأسواق فالمشاكل الاقتصادية قادمة.
السؤال الذي يجب أن يُطرح هنا: هل تعي الولايات المتحدة أنها لم تعد الطرف الوحيد القادر على فرض إرادته الاقتصادية؟ فالعالم يشهد بالفعل تحولات عميقة نحو التعددية الاقتصادية وتكامل سلاسل التوريد العالمية، وأي إخلال بهذا التوازن سيضر الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة.
هنا يجب القول إن الحقيقة التي لا يمكن دحضها هي أن لا أحد يربح في حرب التعريفات الجمركية، وقد أثبت التاريخ القريب أن السياسات الحمائية لا تؤدي سوى إلى نتائج عكسية، تبدأ بانكماش الأسواق وتنتهي بفقدان الوظائف وتآكل الثقة بالاقتصاد، وأجد أنه آن الأوان لأن تدرك واشنطن أن العالم لم يعد يقبل منطق "التنمر التجاري"، وأن التعاون وليس الصدام هو الطريق الوحيد لاستقرار الأسواق وبناء مستقبل اقتصادي مشترك. ومن وجهة نظري أن الرسالة التي يجب أن تصل إلى البيت الأبيض واضحة: لا يمكن بناء ازدهار أمريكا على أنقاض شركائها.
وأخيرًا.. العولمة خلقت اقتصادات متشابكة، وأي محاولة لفك هذا التشابك بالقوة ستُسبب صدمات عنيفة للجميع، صَدمات وصِدامات ستجعل الجميع خاسرا في وقت الخسارة هي أبعد ما تريده دول وشعوب العالم.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية - العربية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد يرفع توقعاته للنمو العالمي إلى 3% عام 2025
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي -اليوم الثلاثاء- في وقت أدت الجهود الرامية لتجنّب رسوم (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب الجمركية إلى زيادة في التجارة تجاوزت التوقعات، بينما تراجع الأخير عن بعض من أكثر تهديداته تشددا.
لكن صندوق النقد ما زال يتوقع تباطؤ النمو هذا العام، وإن كان قد رفعها للعام الحالي إلى 3% مقارنة مع 2.8% في أبريل/ نيسان الماضي، وذلك في آخر تقرير عن "آفاق الاقتصاد العالمي".
وخلال عام 2024، بلغت نسبة النمو عالميا نسبة 3.3%.
نمو الاقتصاد العالمي عام 2026ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يسجّل الاقتصاد العالمي نموا نسبته 3.1% العام المقبل، في تحسّن عن نسبة 3% التي توقعها سابقا.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد بيير-أوليفييه غورانشا قوله إنه رغم رفع التوقعات "يجب توخي الحذر".
وأضاف "كانت الشركات التجارية تحاول وضع إستراتيجيات مسبقة والتحرّك قبل فرض الرسوم، وهذا ما دعم النشاط الاقتصادي.. سيكون هناك انعكاس لذلك. إذا ملأت الرفوف الآن، فلن تحتاج لتخزين المواد لاحقا خلال العام الحالي أو المقبل".
ويعني ذلك أن النشاط التجاري سيتراجع على الأرجح في النصف الثاني من هذا العام، ومع دخول العام 2026.
وأفاد تقرير صندوق النقد بأن "الاقتصاد العالمي بقي ثابتا لكن مكوّنات النشاط تشير إلى اضطرابات ناجمة عن الرسوم الجمركية، لا إلى متانة كامنة".
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، فرض ترامب رسوما جمركية نسبتها 10% على جميع شركاء بلاده التجاريين تقريبا وزاد الرسوم على السيارات والصلب والألومنيوم.
لكنه أرجأ فرض رسوم أعلى -على عشرات الاقتصادات- مهلة حتى الأول من أغسطس/آب المقبل في تأخر كبير عن أبريل/ نيسان الماضي عندما كُشف عنها للمرة الأولى.
إعلانواتفقت واشنطن وبكين على خفض الرسوم المتبادلة التي زادت على 100% والتي كان البلدان ينويان فرضها على واردات بعضهما البعض في قرار تنقضي مهلته يوم 12 أغسطس/آب، رغم أن المفاوضات التي قد تؤدي لتمديد خطوة ما زالت جارية.
وقال صندوق النقد إن تحرّكات ترامب رفعت حتى الآن معدل الرسوم الجمركية الفعلي بـالولايات المتحدة إلى 17.3%، وهي أعلى بكثير من تلك المعتمدة في بقية أنحاء العالم (3.5%).
أبرز التوقعاتوهذه أبرز توقعات الصندوق الدولي لنمو أبرز الاقتصادات:
توقع الصندوق نمو اقتصاد السعودية 3.6% العام الحالي من 3% كانت متوقعة في أبريل/نيسان الماضي. رفع الصندوق توقعاته لنمو اقتصاد منطقة اليورو إلى 1% من 0.8% كانت متوقعة من قبل. زاد صندوق النقد توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي إلى 1.9% عام 2025 من 1.8% كانت متوقعة في أبريل/نيسان. توقع الصندوق نمو الاقتصاد الألماني 0.1% مقارنة بصفر 0% كانت متوقعة من قبل. زاد الصندوق من توقعه لنمو اقتصاد الصين إلى 4.8% من 4% كانت متوقعة في أبريل/نيسان.