لجريدة عمان:
2025-06-18@18:23:37 GMT

لماذا يريد الله منا أن ندعوه؟!

تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT

لماذا يريد الله منا أن ندعوه؟!

تنقدح في الذهن مجموعة من التساؤلات الإيمانية، تبدأ كإلماعة في الذهن ولكن بمجرد البحث عن إجاباتها في القرآن الكريم، تبدأ أسرارها بالتكشف والظهور، فالقرآن الكريم يضع بين ثنايا آياته مفاتيح توصلك بعد التأمل والبحث إلى معرفة المقاصد الإلهية، وهو ما يجعلك تعبد الله على بصيرة، وتتعرف على خالقك الذي خلقت لأجل عبادته، وهذا أمر يتسق مع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: "تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة" ومن هذه التساؤلات: لماذا يريد الله منا أن ندعوه، أليس هو العالم بحاجاتنا، أليس هو الأعلم بما في قلوبنا قبل أن ننطق بها.

ونحن نجد أن الله تعالى يحض عباده على الدعاء في مواضع كثيرة من كتابه العزيز فهو يقول في سورة غافر: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" ولكن نجده يربط هذا الحث على الدعاء مع إشارات نجدها في تتمة الآيات الكريمات، فهو في هذه الآية الكريمة نجده أمر بالدعاء وربطه بالاستجابة بدون فاصل، وبعد ذلك أخبرنا أن من يستكبر عن عبادته سيدخله جهنم.

فنتلمس من خلال هذه الآية أن الدعاء يربينا على التواضع، في حين أن من يستكبر عن عبادة الله ودعائه فإن له نار جهنم، فالدعاء في حقيقته ليس فقط وسيلة لنيل المطالب، بل هو أعمق من ذلك بكثير، فهو تربية للنفس، وصلة مستمرة بين العبد وربه، ومظهر من مظاهر العبودية الخالصة التي تخرج من القلب قبل اللسان، وهذا الانكسار والإلحاح في الطلب يربينا على فضيلة عظيمة بالإضافة إلى وعد الله بالاستجابه نجده يربينا على التواضع لله عز وجل، والانقطاع إليه، والتذلل بين يديه، ومن خلال هذه المعاني الإيمانية الراسخة تتبلور شخصية المسلم.

وهنالك مجموعة من المعاني التي قرنها الله مع الدعاء والتي تبينها لنا هذه الآية في سورة البقرة فالله تعالى يقول: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، فالله عز وجل قريب من عباده، يستجيب لدعائهم إذا دعوه، فأمرهم بالاستجابة له ليستجيب لهم، واستجابة العبد لله عز وجل هي التقوى، بحيث يجدهم حيثما أمرهم، في مواطن الطاعة، ويفقدهم حيثما نهاهم، في مواطن المعصية، وبهذا يكونوا من الراشدين.

فكل موضع في القرآن الكريم أمرنا الله به أن نخلص له في الدعاء يقرنه بالمراشد الإيمانية، وكل هذا يعود نفعه على الإنسان، فالله لا يحتاج لدعائنا، فهو الغني المطلق، ولكننا نحن من نحتاج إليه، وكلما رفعنا أيدينا إليه، ورمينا أنفسنا بين يديه، وخرجنا من حولنا وقوتنا إلى حول الله وقوته، ازددنا يقينًا وطمأنينة بالوعد الإلهي، كما أننا نطمئن إلى اختيار الله لنا، ولو اختار لنا ما نكره، أو منعنا ما نحب، فإننا واثقون من اختياره لنا، وأفضل من عبر عن هذا المعنى الدقيق هو ابن عطاء الله السكندري في حكمه العطائية التي قال فيها: "ابن عطاء الله السكندري: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء".

فالله يريدنا أن ندعوه، لأنه يحب أن يسمع أصواتنا، ويحب أن يرانا نعود إليه في الرخاء كما في الشدة، يريدنا أن نعبّر له عن حاجتنا، لا لأنه يجهلها، بل لأن في هذا التعبير اعترافًا منا بأنه وحده القادر، وبأننا دونه لا نملك من أمرنا شيئًا، ويريد منا أن نتصل به في كل أحوالنا من الخير والشر والرخاء والشدة، وهذا هو مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء"، فالدعاء أيضا تذكير دائم بأن الأمور ليست بأيدينا، حتى وإن ظننا غير ذلك، نحن نخطط ونسعى ونبذل، لكننا نعلم في قرارة أنفسنا أن التوفيق بيد الله، وأن ما نرجوه لا يأتي إلا بإذنه، والله في لطفه ورحمته، يريدنا أن نبقى على صلة به، لا أن ننتظر المصائب لنعود إليه.

كما أنه عالم بضعفنا وقلة حيلتنا ويحب بكرمه ومنه وعظمته وقدرته وملكه وأن يعين عباده، فهو يفرح بدعائهم لا لأجله بل لأجلهم هم، وصدق الشاعر الذي قال:

لا تسألن بني آدم حاجةً

وسلِ الذي أبوابهُ لا تحجبُ

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبني آدم حين يُسألُ يَغضبُ

ومن المعاني التأملية التي تتعلق بالدعاء هو التوسل إلى الله بالعمل الصالح، فالله يريد منك أن تقرب له قربانا من ذاتك، وهو عملك الصالح، وهذا أمر مشروع وليس بدعة في الدين، بل هو أصل ثابت في السنة النبوية المطهرة، فقد جاءت قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة فأغلقت عليهم باب الغار، وهم في عزلة لا يسمع أنينهم أحد من البشر، ولم يكن لديهم ما يدفعون به الضر سوى الدعاء، لكنهم لم يدعوا الله بكلمات عامة، بل توسل كل واحد منهم إلى الله بعمل صالح فعله خالصا لوجهه، فكان الأول بارًا بوالديه، والثاني عفيفا عن الحرام رغم قدرته عليه، والثالث أمينا في ماله مع العمال، وكان كل واحد منهم صادقًا في دعائه، فاستجاب الله لهم، وانفرجت الصخرة شيئا فشيئا، حتى خرجوا سالمين، فهذه القصة التي رواها الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، يُعلمنا من خلالها أن العمل الصالح الخالص هو من أعظم وسائل استجابة الدعاء.

وليس المقصود من التوسل بالأعمال الصالحة أن يُمنّ العبد على ربه، فالله غني عن أعمال عباده، ولكن المقصد هو الاعتراف بفضل الله في التوفيق إلى تلك الأعمال، والتوسل بها إقرار ضمني بصدق النية وصحة الاتجاه، فحين يرفع الإنسان يديه بالدعاء، مستحضرًا في قلبه صدقة خفية أخرجها لفقير، أو صلاة خاشعة في جوف الليل، أو عفوًا عن من ظلمه، أو دمعة سقطت من خشية الله، فإنه يكون أقرب إلى الإجابة، لأن الدعاء في هذه الحالة يكون محمولًا على جناحين من الإيمان والعمل.

ومن الجانب النفسي، فإن استحضار الإنسان لأفضل أعماله عند الدعاء يعزز لديه الثقة والطمأنينة، ويشعره أنه لم يأتِ إلى الله خالي الوفاض، بل جاء ومعه زادٌ من الخير، مهما كان قليلاً، لكنه صادق، وهذه الثقة ترفع من مستوى التضرع والإلحاح في الدعاء، وتجعل النفس أكثر يقينًا بكرم الله، وأوسع أملًا في رحمته.

وهذا الأمر يعيد صياغة علاقتنا بالأعمال الصالحة، فبدلاً من أن تكون مجرد طقوس تؤدى، تصبح استثمارا روحيًا ممتدا، يمكن الرجوع إليه في الأوقات العصيبة، وهذا يدفع الإنسان إلى استدامة الخير، وحسن النية في كل فعل، لأنه لا يعلم أي عمل سيكون سببًا في الفرج أو إجابة الدعاء، وهذه هي مواطن الخبيئة، هذا يدعونا لمراجعة أنفسنا باستمرار، والبحث عن تلك اللحظات التي خلونا فيها بالله وقدمنا فيها عملا خالصا، بعيدًا عن أعين الناس، فربما تكون سجدة خاشعة، أو لحظة صدق مع الله، أو موقف عظيم مر عليك دون أن يشعر به أحد، لكنه عند الله عظيم، تلك الأعمال التي نُخبّئها في صدورنا، هي التي نلوذ بها يوم تضيق السبل، وهي التي نستحضرها حين نقول في دعائنا: "اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك، ففرّج عني ما أنا فيه"،

إن هذا النوع من الدعاء يربّي في النفس معاني عظيمة، كالإخلاص والرجاء وحسن الظن بالله، ويجعل من الدعاء نفسه رحلة إيمانية، لا مجرد طلب، بل تذكير بالفضل ومحاسبة للذات وربط مباشر بين الأرض والسماء، ومن الجميل أن نُعلّم أبناءنا ومن حولنا على هذه المفاهيم الإيمانية ، ليشبوا على أن أعمالهم الصالحة ليست فقط طريقًا إلى الجنة، بل سلاحًا في الدنيا، وعونًا في الحياة، وجسرا إلى رحمة الله، فيصبح إيمانهم نابعا من قناعة وتأمل عميق، وتعرف على مقاصد العبادات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدعاء فی إلى الله

إقرأ أيضاً:

لماذا دور رعاية فاقدي السند (دور الأيتام)؟!

في البدء، أرى التنبيه بأن اتفاق الفقهاء على عدم اندراج الطفل اللقيط ومجهول الأب تحت مسمى اليتيم؛ لايعني أنه لاتنطبق عليه الكثير من الأحكام والتوصيات الخاصة به، بل أجمعوا بكونهم أشد حاجة للعناية والرعاية من (الأيتام) معروفي النسب، إذ لا أبوين، ولاقريب يلجؤون إليه عند الحوجة، لذلك أجمعوا دون خلاف بأن الذي يكفل طفلا لقيطا أو مجهول نسب يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، لكنهم أبانوا بأن مَن كفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه؛ لما يترتب على ذلك من ضياع للنسب والحقوق، وللنأي عن ارتكاب ما حرَّم الله، وأن يعرف من يكفلهم أنهم بعد أن يبلغوا سن الرشد فإنهم أجانب منه كبقية الناس، لا يحل الخلوة بهم أو نظر المرأة للرجل أو الرجل للمرأة منهم، إلا إن وجد رضاع محرم للمكفول فإنه يكون محرماً لمن أرضعته ولبناتها وأخواتها ونحو ذلك مما يحرم بالنسب.
هذا هو الراجح عند فقهاء المسلمين، ولا اعتداد ببعض الرؤى الفقهية التي تصل حد تجريم من لاذنب لهم من هؤلاء الأطفال الضعاف المساكين.

وللأسف فإن جل دول العالم العربي والاسلامي -إن لم يكن كلها- تنشئ دورا لرعاية هؤلاء اللقطاء وفاقدي الأبوين، تجمعهم فيها لتهيأهم للانخراط في الحياة العامة بعد بلوغهم العمر المتعارف عليه قانونا، وخلال ذلك لعلنا نعلم الكثير مما يحدث لهم من استغلال جنسي وتجاري والقصص في ذلك عديدة. دعك عن قصص الحروب القديمة والحديثة التي تتحدث عن وحشية لبعض الجنود تتعدى حدود المتخيل من وحشية البشر!، وقد تبين بأن أساسها جنود تم جلبهم من ملاجيء للأطفال، والتأريخ يذكر اسماء حضارات ودول ورؤساء علم عنهم أنهم جمعوا هؤلاء الأطفال في دور خاصة وسعوا إلى تربيتهم على الحقد والسادية، ثم تم تدريبهم عسكريا واستخدموهم في حروب ومذابح كان آخرها مذبحة سيربرنيتسا الفظيعة في البوسنة والهرسك، وفي دراسة عن المجرمين في بعض السجون الاوربية، ذكر بأن نسبة الذين نشأوا في دور للأيتام من السجناء يعد النسبة العظمى منهم، وهناك تفصيل بأن طبيعة الجرائم التي يسجنون بسببها تكون دموية وقاسية!…

فاليتيم/اللقيط طفل صغير يعد (عجينة) يمكن تشكيلها كيفما يريدها الراغب.
وللعلم فإن تعداد هذه الشريحة ليس بالهين في كل دول العالم، ولعل الحروب الأخيرة زادت ومافتئت تزيد من اعدادهم، يضاف إلى ذلك الكوارث كالزلازل والبراكين والتصحر والجفاف ثم التطهير العرقي والامراض الفتاكة، إضافة إلى الفقر والعوز.
فلماذا تقام دور لهم في بلاد المسلمين تفصلهم عن (مخالطة) المجتمع والعهد بسلبيات ذلك أكثر من ايجابه؟!
قد يندهش المرء إن علم بأن العديد من ولايات امريكا منعت إقامة دور للأيتام!
لقد استبدلوا دور الرعاية هذه ب(منازل الرعاية البديلة)، والتي تتضمن تبني أسرة أمريكية لطفل يتيم…

وخلال إحدى زياراتي لمدينة إكستون في ولاية بنسلفانيا التقيت بأحد المسؤلين من أصل عربي وهو استاذ جامعي في علم النفس، التقيته في المركز الثقافي السعودي في المدينة، فسألته عن السبب في انتفاء دور للايتام في أمريكا، فقال لي بأنه سأل الداعية الاسلامي الأمريكي يوسف أستس الذي كان مبشرا وواعظا في الكنيسة قبل اسلامه، فقال بأن أمريكا استمدت ذلك من الاسلام من آية البقرة رقم 220 :
{…قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…}
ياترى، لماذا لم ينتبه المسلمون لذلك؟!
ولنتوقف لحظة بين يدي آية سورة البقرة المذكورة أعلاه:
{…وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 220
لننتبه إلى السياق: {إصلاح لهم خير، وان تخالطوهم فاخوانكم}…

إن الله تعالى يطلب منا- بالاضافة إلى التصرف العادل في المال- أن نعوض اليتيم بالتكافل المجتمعي، والتلاقي الإيماني، والتربية التشاركية، عن مشاعر الأبوة التي فقدها بفقد والده، وذلك ينأى به عن (الحقد) على رصفائه من الأطفال الأحياء آباؤهم، ثم الحقد على المجتمع من بعد…
فالأمر ليس قاصرا على إدارة مال ليتيم أو خشية من أكل ماله، أو خلط للمال مع مال الكافل، إنما أجده -والله أعلم- أكبر من ذلك بكثير طالما الآية الكريمة تدعو الى (إصلاح) وحث على ال (اختلاط) معهم وتقريبهم ووصلهم بحراك الناس.
وللعلم فإن أمريكا قد استمدت كذلك قانون (هيئة المحلفين) في محاكمها من الاسلام، وتعود أصل فكرة “هيئة المحلفين” Jury المنتشرة في المحاكم الأمريكية إلى الإمارة الإسلامية في صقلية (٢٥٠هـ – ٤٥٠هـ) وأصلها “اللفيف” في الفقه المالكي، وهي عبارة عن هيئة مكونة من اثني عشر عضوا يشهدون أمام القاضي حول الأمور التي رأوها أو سمعوها بأنفسهم.
حري بعلماء الاسلام ومفكريه التوقف مليا بين يدي حرص الاسلام الشديد باليتيم، فالنصوص الواردة في كتاب الله تعالى كثيرة، وفيها الملفت والمدهش حقا، فقد ورد النهي عن أذيته في (عشرين آية وموضع) في كتاب الله!، وهناك عدد غير قليل من الاحاديث النبوية الشريفة عنيت باليتيم، فما الداعي إلى كل هذا الاهتمام والعناية باليتيم وكلنا نعلم بأن اليتيم قد لا يدخل في دائرة المحتاجين؟!

والمحتاج منهم عادة يكون صغير السن ويكفيه القليل من المال والمتاع لسد حاجاته؟!
انه حرص يصل بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بأن يساوي بينه- وهو خير خلق الله- وبين كافل اليتيم، وفي الجنة!!!
وتترى الدهشة عندما يخبرنا الله تعالى عن (من هو المكذب بالدين)؟!
هل تدرون من هو المكذب بالدين؟!
إنه ليس القاتل، ولا تارك الصلاة، ولا السارق!
إن الله تعالى يخبرنا بأن المكذب بالدين هو الذي {يَدُعُّ الْيَتِيمَ}!!!
قال لنا الله تعالى ذلك في سورة الماعون، وال(دعُّ) هو الدفع بعنف وجفوة وليس الترك، أي يقهر اليتيم ويدفعه بشدة ويظلمه.
وبذلك فإن آية سورة الماعون لاتتحدث عن حاجة مالية او متاع، انما تتحدث عن مشاعر وأحاسيس وسلوك وانتفاء لل(أنسنة) في التعامل مع اليتيم، ف(الدع)/الدفع لليتيم بعنف والتعامل معه بقسوة وشدة وجلافة واهدار حقوقه يرسخ في وجدانه ليتحول إلى عقد نفسية ومشاعر كره ونقمة على الفاعل والمجتمع بأسره عندما يكبر، والطفل الفاقد للأب بالذات يحتاج بشدة إلى الاتكاء على من يحميه ويتربى في كنفه ليتشكل وجدانه ايجابا، بخلاف آية سورة البقرة التي تتحدث في سياقها العام عن اسلوب تعامل مالي.

ولكي أختم مقالي لنقف مليا عند ختام آية سورة البقرة:
{…وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ…}
والإعنات هو أن تدفع بسواك إلى أمر فيه مشقة، ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه: قد أعنته.
(غريب القرآن لابن قتيبة).
والمعانتة كالمعاندة، لكن المعانتة أبلغ؛ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عنت فلان: إذا وقع في أمر يخاف منه التلف.
ياترى ماهو الإعنات المقصود هنا؟!
اقول والله أعلم بأن العنت هنا يشير الى ال(مآلات) التي يمكن ان تحدث ويتسبب فيها اليتيم لمجتمعه ان لم يلتزم مجتمعه بالتوجيه الرباني في آية سورة البقرة:
{…قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…}.
إذ ينشأ هذا اليتيم الذي تم التفريط فيه حاقدا على مجتمعه، مما يكون فيه خوف وهلاك، ولايتوقع مثل ذلك من أي شريحة اخرى في المجتمع سوى الأيتام والله أعلم.

الخلاصة:
الذي أراه أن تغلق دور رعاية الايتام أو فاقدي السند -(أيا ما كان اسمها) في السودان وفي العالم العربي والاسلامي، وأن يقتصر الأمر على (مراكز مؤقتة) لجمع واستقبال الاطفال الأيتام وتسجيلهم -مهما كان سبب اليتم- ولايتعدى مدة الحضانة للطفل فيها أشهر قليلة، تحرر خلالها شهادات ميلاد للطفل باسم أبيه -ان علم- وبإسم تقديري ان لم يعلم، ثم يسعى المركز وبدعم من الدولة وبمساعدة الجمعيات ومنظمات المجتمع ذات الصلة إلى حث ودفع الأسر إلى كفالة الطفل باستصحاب الشروط والموجهات الاسلامية الشرعية المعروفة للكفالة،
والله ولي التوفيق.

عادل عسوم

adilassoom@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • لا تنسوا الدعاء فهو عبادة يحيها الله
  • دعاء عدم تكرار الذنب.. داوم عليه كل يوم
  • كيف أدعو الله بعد قيام الليل؟.. 8 كنوز تحقق الدعاء المستجاب لا تفوتها
  • لماذا دور رعاية فاقدي السند (دور الأيتام)؟!
  • لماذا قلصت إيران عدد الصواريخ التي تطلقها على إسرائيل؟
  • دعاء الثناء على الله قبل الطلب.. اعرف آداب التضرع إلى خالقك
  • الحجار: لا أحد يريد إقحام لبنان بالحرب
  • وقفات مع الحج
  • كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته
  • أسامة الجندي: مواسم الطاعات نعم إلهية لإعادة شحن الإيمان وتنشيط النفس