في خطوة هي الأولى من نوعها و"الأكبر" في تاريخ قطاع الكهرباء العراقي، أبرمت بغداد اتفاقيات عدة مع شركات أمريكية لإنتاج 27 ألف ميغاواط، في وقت تضغط فيه واشنطن لإيقاف الإعفاءات التي تمنها للعراق لاستيراد الغاز الإيراني لإنتاج الطاقة الكهربائية.

يأتي ذلك بعدما استقبلت بغداد، الأسبوع الماضي، وفدا من غرفة التجارة الأمريكية برئاسة استيف لوتس مكونا من 101 عضوا يمثل نحو 60 شركة أمريكية في قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والصحة، والتي تعد أكبر بعثة تجارية ترسلها للعراق في تاريخ الغرفة.



تجاوز للإمكانيات
وبخصوص توقيت توقيع الاتفاقيات هذه، أكد الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، قائلا: "رغم أن زيارة وفد الشركات جرى في مناخ دولي وإقليمي صعب للغاية نتيجة الإجراءات الأمريكية الخاصة بالرسوم الجمركية، لكنها تم التنسيق لها منذ أشهر، ولم يكن لها ارتباط مباشر بالقرارات التي هزت اقتصادات العالم".

وأضاف الهاشمي في حديث لـ"عربي21" أن "الاتفاقات التي تمت بين الجانب العراقي والشركات الأمريكية والتي تُقدر بعشرات المليارات تركز على قطاع الطاقة والمصارف، لم ترقِ إلى مستوى العقود الملزمة لكلا الطرفين".

وتابع: "هذه الاتفاقات أفضت فقط إلى توقيع مذكرات تفاهم مما يجعلها عرضة لعدم التنفيذ كحال العشرات التي تم توقيعها خلال السنوات الماضية ولم تر النور بسبب التجاذبات السياسية وقوة تأثير نفوذ الفساد على صناعة القرار الاقتصادي".

وفيما يتعلق بقطاع الطاقة، أوضح الهاشمي أن "مذكرات التفاهم التي تخص  إنشاء محطات إنتاج كهربائية تحتاج إلى تمويل هائل يصل إلى ٣٠ مليار دولار أمريكي، وهذه من الصعب جدا توفيرها سواء من الحكومة العراقية أو ممولين داخليين أو دوليين".

وأردف: "إضافة إلى أن تلك المحطات تحتاج لكميات ضخمة للغاية من الغاز تتجاوز ٣٠ مليار متر مكعب، وهي أعلى بمراحل من قدرة العراق على توفير الغاز لها سواء محليا أو من إيران وغيرها من مصادر مستقبلية، ناهيك عن الكلفة العالية لهذا الغاز والتي تُقدر بأكثر من ١٣ مليار دولار سنويا".

واعتبر الهاشمي "هذه الاتفاقات طموحة للغاية وتتجاوز إمكانيات العراق الحقيقية لتوفير التمويل اللازم لإنشائها وقدرتها على توفير الطاقة المطلوبة لها لتشغيلها. لذلك إنشاء مثل هذه محطات إن تمت، فهي من المحتمل أن تزيد من اعتماد بغداد على الغاز المستورد، ولاسيما الغاز الإيراني".


أبعاد سياسية
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، غالب الدعمي في حديث لـ"عربي21"، إن "قرار إبرام مثل هذه الاتفاقيات يفترض أن يحصل قبل هذه المدة، وبالتالي يتخذ العراق ما يناسب شعبه من قرارات وبعيدا عن التأثر بوجهة نظر أخرى".

وأضاف الدعمي أن "إبرام هذه الاتفاقات اليوم فسرت على أنها جاءت تأثرا بالتقارب الأمريكي الإيراني، وكأن العراق هو تبع لما يحصل في إيران، فإذا اختلفت مع أمريكا نختلف وإذا ترضى نرضى، وهذا من شأنه أن يضر في البلد وسمعته وقراره وسيادته".

وأشار إلى أن "هذه الخطوة رغم مجيئها متأخرة، لكن من الضروري أن يذهب العراق بهذا الاتجاه ويستثمر علاقاته مع الولايات المتحدة وإبرام عقود معها ومع دول أخرى غربية لأن مشاريعها وشركاتها متميزة، إضافة إلى أن دعمها للبلد متميز أيضا".

ورأى الدعمي أن "هذه الاتفاقات المبرمة بين بغداد والشركات الأمريكية المعروفة، بالإضافة إلى بعدها الاقتصادي، لكنها تحمل جوانب سياسية وأمنية، إذ أن العراق لا يريد من خلال هذه الخطوة إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية مبكرا".

ولفت إلى أنه "إذا تحسنت العلاقة الأمريكية الإيرانية، فإنها ستنعكس على العراق وبالتالي يستورد البلد الغاز بكل أريحية من إيران، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه لماذا تتعاقد الحكومة العراقية على إنشاء محطات غازية ونحن نعاني من مشكلة الغاز".

وتساءل الدعمي قائلا: "هل المطلوب  من وراء إنشاء محطات غازية أن يستمر العراق في البحث عن منافذ جديدة للغاز، أو أن يستمر في استيراد الغاز الإيراني؟ وهذه أيضا مشكلة".

وتابع: "لكن بشكل أو بآخر، فإن هذه العقود التي من المفترض أن تنتج للعراق 27 ألف ميغاواط أعتقد أنها كافية للاستهلاك المحلي لسد الحاجة في غضون السنوات المقبلة، رغم أن هذه المشاريع لن تكتمل في سنتين أو ثلاث، وإنما في مراحل طويلة".

وخلص الدعمي إلى أنه "إذا استمرت طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل إيجابي، فإني أعتقد سيكون هناك تحسن في ملف الطاقة بالعراق، أما إذا بقيت خاضعة للشد والجذب وللتأثر بالعلاقات الإيرانية الأمريكية، فإن وضع البلد سيتمر بهذه الفوضى".

وفي 9 نيسان/ أبريل الجاري، جرى في بغداد التوقيع على مذكرات اتفاقيات عدة بحضور رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وذلك خلال زيارة وفد تجاري أمريكي رفيع، بحسب بيان حكومي.

وشملت المذكرة الأولى اتفاق إطار مبادئ للتعاون مع شركة "جي إي فيرنوفا" الأمريكية، تتضمن مشاريع لإنشاء محطات إنتاج طاقة غازية مركبة بسعة إجمالية تصل إلى 24 ألف ميغاواط.

وذكر البيان العراقي أن المذكرة تأتي ضمن "خطة هي الأوسع والأحدث في تاريخ العراق"، مع إمكانية تأمين التمويل الخارجي من بنوك عالمية.

أما المذكرة الثانية، فوقّعتها وزارة الكهرباء مع شركة "يو جي تي رينيوبل" الأمريكية لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بسعة 3 آلاف ميغاواط، إلى جانب أنظمة لتخزين الطاقة بالبطاريات بقدرة تصل إلى 500 ميغاواط/ساعة، وتحديث شبكات النقل والتوزيع، وإنشاء بنية تحتية جديدة لنقل التيار المباشر عالي الجهد بطول يصل إلى ألف كيلومتر.

وكانت مذكرة التفاهم الثالثة، بين اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة التجارة الأمريكية، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين، وفقا للبيان الحكومي العراقي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية العراقي الولايات المتحدة العراق الولايات المتحدة النفط المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الاتفاقات إنشاء محطات إلى أن

إقرأ أيضاً:

ما مصير الأزمة بين بغداد والكويت بعد تدخل رئيس القضاء العراقي؟

أثار دخول رئيس القضاء الأعلى العراقي، فائق زيدان على خط الأزمة اتفاقية "خور عبد الله" بين الكويت والعراق، جدلا واسعا في البلاد، ولاسيما بعد انتقاده قرار المحكمة الاتحادية العراقية القاضي بإلغائها، ووصفها بأنها تجاوزت صلاحياتها الدستورية.

ورأى زيدان عبر مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" الأسبوع الماضي، أن الاتفاقية دخلت حيّز التنفيذ وأصبحت ملزمة بموجب مبدأ "احترام المعاهدات"، وأن إلغاءها سيُبطل أكثر من 400 اتفاقية دولية أُبرمت سابقًا بأغلبية بسيطة، وهو ما يُهدد بإسقاط المنظومة التعاقدية للدولة.

وتسببت تصريحات زيدان، بخروج مظاهرات احتجاجية في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق، رفضا لما أسمته تدخلا في شؤون المحكمة الاتحادية العليا، واصفين مطالبته بالعودة إلى العمل بها بأنه "تأييد لبيع أرض عراقية"، نفذها مسؤولون عراقيون عام 2013.

"مجرّد رأي"
وعما إذا كان رأي "زيدان" يمهد لتراجع المحكمة الاتحادية عن قرارها، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، النائب عامر الفايز، إن "المحكمة الاتحادية هي السلطة القضائية العليا في البلاد، ولا توجد سلطة عليها توجهها".

وأضاف الفايز في حديث لـ"عربي21" أن "قرارات المحكمة الاتحادية باتة ونافذة، لكن الجدل الحاصل في الوقت الحالي هو في عدم وضوح الرؤية بشأن اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق والكويت في خور عبد الله".

وأوضح النائب العراقي أن "أعضاء البرلمان لديهم عدم وضوع في موضوع الاتفاقية، لأنه مرة نرى أنها تصب في صالح العراق لأن البعض يفسرها كذلك، ومرة أخرى نراها ضد البلاد عندما يشرحها لنا آخرون بشكل مختلف عن الرأي الأول".

وأكد الفايز أن "الموضوع بحاجة إلى إيضاح شامل، لذلك من الضروري استضافة خبراء مختصون في شؤون البحار وترسيم الحدود، حتى يوضحون الصورة بشكل قطعي حتى نفهم جيدا هل أن اتفاقية خور عبد الله هي لصالح العراق أم ضده؟".

من جهته، قال الخبير القانوني ومحافظ البصرة السابق، القاضي وائل عبد اللطيف، إن قرار المحكمة إلغاء قانون اتفاقية "خور عبد الله"، الذي صوت عليه البرلمان العراقي، جاء بسبب عدم توفر أغلبية الثلثين من النواب، بالتالي الأمر غير قابل للتراجع".


وأفاد عبد اللطيف لـ"عربي21" بأن "تصويت البرلمان على قانون اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، كان بحضور النصف زائد واحد من النواب، وهذا يخالف المادة 94 من الدستور التي تنص على أغلبية الثلثين، بالتالي المحكمة ألغت القانون، وبذلك تصبح الاتفاقية باطلة".

ولفت إلى أن "رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، شرح وجهة نظره القانونية فحسب، لأنه لا يجوز لأي شخصية أن تملي أو تهيئ للمحكمة الاتحادية القرارات التي تتخذها، وعلى هذا الأساس فإن الأخيرة غير ملزمة في الأخذ بما يطرح عليها، لأن قرارها مستقل".

ونوه عبد اللطيف إلى أن "المحكمة الاتحادية العليا حولت ملف الاتفاقية إلى البرلمان، وطلبت منه إعادة التصويت عليها"، كاشفا أن "العدد الرافض لها حتى الآن- حسب المعلومات التي وردت لنا من النائب عامر عبد الجبار- وصل إلى 194 نائبا.

وبيّن الخبير العراقي أن "النواب الـ 194 وقعوا على مطالعة قدمها النائب عامر عبد الجبار في البرلمان، لإبطال اتفاقية خور عبد الله بين العراق والكويت، لكن النائب الأول لرئيس البرلمان، محسن المندلاي، لم يعرضها للتصويت لأنه أكد أن قرار المحكمة الاتحادية بات وملزم على السلطات كافة".

مصير الطعون
وبخصوص الطعون التي قدمها رئيسي الجمهورية والحكومة في العراق ضد قرار المحكمة الاتحادية إلغاء الاتفاقية، قال الفاير: "لا استبعد أن تكون في القضية تحمل نوعا من المجاملات السياسية تجاه الكويت سواء من مسؤولين أو شخصيات أخرى".

وأضاف النائب العراقي أن "كل جهة في العراق تنظر إلى الاتفاقية من منظار معين، لكن لا أتوقع أنه ثمة أحد أو جهة سياسية تستطيع مجاملة الآخرين على حساب أراضي الوطن".

وفي السياق ذاته، قال عبد اللطيف إن "رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والقضاة كلهم عندما يتسلمون مناصبهم يقسمون - طبقا للدستور- بالحفاظ على العراق أرضا وماءً وسماءً، بالتالي وجب عليه المحافظة على حدود العراق وليس الطعن فيها".

وبحسب الخبير العراقي، فإنه "جرى مؤخرا سحب طعني رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ضد اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، وحتى لو تركت في المحكمة الاتحادية العليا، فإنها لا شك ستلغيها من الأساس".



كان مقررا في 22 نيسان/ أبريل الماضي، أن تبت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بالطعون التي قدمها رشيد والسوداني  ضد قرار إلغاء اتفاقية خور عبد الله، قبل أن تعلن تأجيلها لأكثر من مرة، كان آخرها إلى 25 يونيو 2025، والتي لم يصدر عنها أي تأجيل آخر بعدها.

وكان الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قدما في 15 نيسان/أبريل الماضي طعنين منفصلين بقرار المحكمة الاتحادية القاضي بإلغاء اتفاقية خور عبد الله، وطالبا بإعادة التقدير للاتفاقية المبرمة بين البلدين في 2013.

قرار المحكمة الاتحادية إلغاء قانون اتفاقية خور عبد الله في عام 2023، أحدث انقساما حادا داخل "الإطار التنسيقي" الشيعي الحاكم؛ لأن من وقع على الاتفاقية، وفد يقوده نوري المالكي رئيس الحكومة عام 2013، وبرفقته وزراء النقل هادي العامري، والتجارة آنذاك محمد شياع السوداني.

في المقابل، فإن أطرفا أخرى ضمن "الإطار التنسيقي" هي من رفعت دعوى ضد الاتفاقية أمام المحكمة الاتحادية وكسبها عام 2023، وهي كتلتي "حقوق" التابعة لـ"كتائب حزب الله"، و"صادقون" التابعة لـ"عصائب أهل الحق"، إضافة إلى عدد من النواب الشيعة المستقلين.

مقالات مشابهة

  • ملف تهريب النفط العراقي يعود إلى الواجهة.. وتحذيرات من عقوبات أمريكية مرتقبة
  • بدء ضخ الغاز من أذربيجان نحو سوريا بتمويل قطري
  • بدء أول تدفق للغاز الطبيعي من تركيا إلى سوريا
  • عودة أيمن حسين إلى الدوري العراقي
  • افتتاح خط النقل الإقليمي للغاز بين سوريا وتركيا
  • افتتاح خط أنابيب الغاز الطبيعي بين تركيا وسوريا
  • ما مصير الأزمة بين بغداد والكويت بعد تدخل رئيس القضاء العراقي؟
  • قلق في أوروبا بسبب مبادرة ترامب للسلام
  • السوداني يوجه بإزالة جميع المعوقات التي تعترض مشاريع الطاقة
  • الأكبر منذ 2018.. عقوبات أمريكية تطال 115 فرداً وكياناً وسفينة مرتبطة بإيران