انتحل شخصية يهودي عراقي ليكشف أسرار سرديات الاحتلال.. من فادي قرعان؟
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
وفي حلقة جديدة من برنامج "بودكاست البلاد" على منصة الجزيرة 360، يكشف قرعان كيف تحول من فتى فلسطيني شاهد أمه تنزف تحت الرصاص الإسرائيلي في مدينة البيرة، إلى خبير في التنظيم الشعبي والتفكير الإستراتيجي وأحد المساهمين في بناء حراكات مناصرة دولية للقضية الفلسطينية.
فمنذ طفولته، نشأ فادي قرعان على واقع المجابهة مع الاحتلال، واستقرت في وعيه من مذكرات الرصاص ومشاهد الدماء قناعة أن المواجهة لا تنتهي في ميدان المعركة، بل في ساحات السرد والأفكار.
ومتسلحا بشغف مبكر للفيزياء، ومدفوعا برغبة عميقة للفهم والتغيير، وصل قرعان إلى جامعة ستانفورد المرموقة بالولايات المتحدة بمنحة تفوق في وادي السيليكون، لدراسة الفيزياء النووية، وهناك عايش بيئة يطغى عليها الهيمنة الإسرائيلية بكافة أبعادها الروايتية والفكرية.
لكن مسيرة قرعان الأكاديمية لم تكن خالية من العراقيل، فبعد عامه الأول في الجامعة، تعرض لتهديدات أمنية إسرائيلية بالمنع من العودة لفلسطين لاستكماله لدراسة الفيزياء النووية، وفي غمرة تلك المواجهة، اختار أن يمضي في تخصص ثانٍ في العلاقات الدولية والقانون الدولي.
وفي تلك المرحلة، كان قرعان قد رصد مخططات التطبيع المنظمة في الجامعات الأميركية، فقرر دخول المعركة بشكل غير مألوف، منتحلا شخصية "سامي بن عامي" اليهودي العراقي، وتغلغل في مراكز النشاط اليهودي، وتلقى تدريبا مخصصا في مقر القنصلية الإسرائيلية حول فنون "الهاسبارا" (البروباغندا الإسرائيلية).
إعلانوعلى مدى نصف عام، تقمص قرعان الشخصية المفترضة وتوغل في نفسية الجيل اليهودي الأميركي، مستكشفا عن كثب آليات تأطير الوعي وإعادة إنتاج الخوف كأداة للربط بين معاناة الهولوكوست وشرعية دولة الاحتلال.
إستراتيجيات الهاسباراويروي قرعان أن التدريبات بدأت بعرض فيلم عن المحرقة، ثم انتقلت لتأكيد أن الكيان الإسرائيلي هو الضامن الوحيد لعدم تكرارها، قبل الانتقال إلى تلقين المشاركين ردودا جاهزة لمواجهة أي نقاش ينتقد إسرائيل.
وتجلت أبرز إستراتيجيات الهاسبارا، بحسب قرعان، في العمل على تحييد الأغلبية الرمادية من الطلاب، دون محاولة كسبهم، بل دفعهم للامتناع عن تبني أي موقف، عبر بث الشكوك واتهامات معاداة السامية.
وهدف هذه الإستراتيجية هو الحفاظ على القاعدة الصلبة المؤيدة لإسرائيل، والاستفادة من تفوق مواردها وحلفائها، دون الحاجة لإقناع الأغلبية الصامتة أو المترددة، بل يكفي إبقاؤها بعيدة عن التأثير الفلسطيني.
وانتهت مهمة "سامي بن عامي" بعد 6 أشهر، لكن نتائجها ستظل علامة فارقة في فهم آليات الهيمنة السردية، فعبر هذا الانتحال، تمكن قرعان من تفكيك منظومة متكاملة من البروباغندا، ومعرفة مكامن قوتها وتناقضاتها.
بعد هذه التجربة، ومع اقتراب نهاية دراسته، بدأ فادي يفكر جديا بالعودة إلى فلسطين، متأثرا بقصص شبيهة بقصة الشاب أحمد، الذي التقى به في زيارة صيفية وكان شغوفا بالرياضيات رغم حرمانه من التعليم بسبب ظروف الاحتلال.
شعر فادي أن فلسطين بحاجة إليه، وأن هناك طاقات شبابية هائلة تُهدر بسبب الاحتلال، فعاد ودرس القانون الدولي في جامعة بيرزيت ليكون أقرب إلى الواقع ويبني شبكة علاقات تخدم العمل الوطني.
تجارب التحرر العالميةوخلال دراسته في الخارج وعودته، تعمق فادي في دراسة تجارب التحرر العالمية، مقارنا بين الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية السلمية، من تجربة غاندي في الهند إلى نضال مارتن لوثر كينغ.
إعلانواكتشف أن الحركات التحررية الناجحة لم تبدأ باختيار التكتيك، بل بتحديد العقيدة والرؤية الإستراتيجية أولا، ثم تقييم الموارد الذاتية وموارد العدو لاختيار الأساليب الأنسب، وغالبا ما جمعت بين أشكال النضال المختلفة.
وأشار قرعان إلى أن العدو الاستعماري، خاصة الإحلالي كإسرائيل، يدرك أن قوة الشعب المحتل تكمن في وحدته، فيعمل باستمرار على ضرب هذه الوحدة وتفتيت النسيج المجتمعي والسياسي، مستغلًا أي خلاف تكتيكي أو مناطقي.
وهدف الاحتلال النهائي، حسب قرعان، هو نزع الشرعية عن أي شكل من أشكال المقاومة، سواء كانت مسلحة أو شعبية كالمقاطعة (بي دي إس)، وإشعار الفلسطيني بالعجز والاستسلام.
واستعرض قرعان تاريخ الحركات الشعبية الفلسطينية، مشيرا إلى أنه رغم الضربات المتتالية التي تعرض لها النضال الفلسطيني، كالنكبة والنكسة والخروج من بيروت عام 1982، فإن الشعب كان دائمًا يعيد تنظيم صفوفه.
فبعد الخروج من بيروت، وفي ظل ضعف الفصائل، بدأت تتشكل في الداخل الفلسطيني المحتل، بالضفة وغزة والـ48، تنظيمات شعبية قاعدية غير مركزية تعمل في مجالات الإغاثة الطبية والزراعة والتعليم لمواجهة إهمال الاحتلال ومقاطعته.
التمهيد للانتفاضة الأولىهذه البنى التحتية الشعبية هي التي مهدت لانطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، والتي قادتها في البداية لجان شعبية قبل أن تتبلور القيادة الوطنية الموحدة، محققة إنجازات هامة كإلحاق خسائر اقتصادية كبيرة بإسرائيل وتقليص الاستيطان.
ومع الانتفاضة الثانية، شهدت حركة التضامن الدولية زخما جديدا، حيث تأسست حركة التضامن العالمية (آي إس إم) التي انضمت إليها الناشطة الأميركية راشيل كوري، والتي قتلت في رفح وهي تحاول منع جرافة إسرائيلية من هدم منزل فلسطيني.
وفي عام 2005، وبعد قرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، ومع غياب أي تحرك دولي فاعل، اجتمعت أوسع قاعدة من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات الفلسطينية لإطلاق نداء مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها (بي دي إس).
إعلانواجهت إسرائيل في البداية حركة المقاطعة بالتجاهل، لكن بعد حرب غزة عام 2008 وتوسع حملات المقاطعة دوليا، أدركت خطورتها فأسست وزارة الشؤون الإستراتيجية لملاحقة الحركة وتشويهها ووصمها بـ"معاداة السامية".
ورغم التحديات والانقسام السياسي الفلسطيني، شهد العقدان الأخيران أشكالا مختلفة من الحراك الشعبي في الضفة وغزة والداخل والشتات، كرد فعل على سياسات الاحتلال وممارساته.
تجارب الحراك والمقاومةومن أبرز هذه التجارب، ذكر قرعان تجربة "باب الشمس" عام 2013، وهي محاولة لبناء قرية فلسطينية رمزية قرب القدس لمواجهة مخططات التوسع الاستيطاني، والتي قمعها الاحتلال بقوة كبيرة.
كما أشار إلى مسيرات العودة عام 2011، التي انطلقت من دول الجوار (سوريا ولبنان) ومن داخل الضفة، ونجح خلالها عشرات اللاجئين في اختراق الحدود والوصول إلى فلسطين المحتلة، في مشهد أعاد إحياء حلم العودة وكسر حاجز العجز.
ويستذكر الشاب حسن حجازي الذي عبر من الجولان إلى يافا، محققا عودة رمزية ألهمت الآلاف، مؤكدا أن لحظات الفعل النضالي تلك تكسر وهم العجز وتعيد للناس شعور الإمكان.
وتحدث أيضا عن مسيرات العودة الكبرى في غزة عام 2018، والحراك ضد مخطط برافر لتهجير أهالي النقب، والصمود في الخان الأحمر، مؤكدا أن هذه الحركات، وإن بدت متفرقة أو قصيرة الأمد، شكلت فعلا تراكميا ملهما وأثرت في الوعي والسردية.
وتطرق إلى النقاش الدائر حول زيارة الفلسطينيين اللاجئين أو العرب لفلسطين، مؤكدا على ضرورة التمييز بين العودة ذات الهدف النضالي أو استعادة الارتباط بالوطن، وبين الزيارات التي تندرج في إطار التطبيع وتعترف بسيادة الاحتلال.
وشدد قرعان على أن الفلسطينيين والعرب، في هذه اللحظة التاريخية، مدعوون لإعادة تموضعهم حول فلسطين لا كمكان بل كقضية، وأن أدوات النضال الجديدة تحتاج إلى شجاعة فكرية وتنظيم إستراتيجي يعيد الصراع إلى جذوره.
إعلان 15/4/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
لماذا تسهّل إسرائيل سرقة المساعدات في غزة؟
اتهم الدفاع المدني في قطاع غزة جهات وصفها بأنها "تعمل بتنسيق واضح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي" بالاستيلاء على شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، ثم بيعها للمواطنين بأسعار خيالية، مما فاقم معاناة السكان المحاصرين ومنع وصول الغذاء إلى من هم بأمسّ الحاجة إليه.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل إن عمليات سرقة المساعدات تتم تحت حماية مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، مضيفا أن المناطق الشمالية للقطاع لم يدخلها أي نوع من المساعدات منذ 18 مارس/آذار الماضي، وحتى الكميات المحدودة التي تصل جنوب القطاع لا تكفي لسد حاجة السكان.
وأشار بصل إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بعمليات تأمين واضحة لمجموعات على الأرض، وينسق معها من أجل سرقة المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تدخل القطاع والاستيلاء عليها تماما، ثم تقوم هذه الفرق لاحقا ببيع هذه المساعدات بأسعار فلكية.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قال إن الجيش الإسرائيلي قتل وأصاب أكثر من 600 فلسطيني من المجوّعين قرب 3 نقاط توزيع مساعدات أقامها في مناطق سيطرته المطلقة بقطاع غزة خلال أسبوع واحد فقط، مؤكدا أن ذلك يعد دليلا على ما تشكّله نقاط توزيع المساعدات هذه من مصائد لاستهداف المدنيين وإعدامهم ميدانيا.
وهذا ما أشار إليه المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة قائلا إن الاحتلال يتّبع "سياسة قتل المواطنين بالجوع"، مشيرا إلى أن أعدادا كبيرة من السكان عاجزون الآن عن الحصول على الغذاء أو الشراب أو حتى امتلاك المال لشراء المواد الغذائية، التي تُعرَض للبيع بأسعار خيالية نتيجة سرقة شاحنات المساعدات الإنسانية.
وأكد بصل أن ما يجري هو "منهجية واضحة" تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي للضغط على المواطنين، واصفا ذلك بأنه "قتل للمواطن وإبادته مقابل لقمة العيش"، لافتا إلى أن "إهانة المواطن أصبحت واقعا ملموسا في تلك المناطق".
إعلانوكشف بصل عن أن الوضع في شمال القطاع هو الأسوأ منذ 18 مارس/آذار الماضي، حيث لم تدخله أي شاحنة مساعدات، حتى تلك الخاصة بالتجار.
وأضاف أن جنوب غزة لم تصله سوى أعداد قليلة جدا من الشاحنات التي لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات، مشيرا إلى أن سياسة الاحتلال الحالية لا تقتصر على القتل بالقصف، بل باتت منهجية "قتل بالجوع" تهدف إلى إبادة المواطن وفرض واقع من الإذلال الجماعي".
وختم المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة تصريحاته بأن الحصار والتجويع باتا أداة إضافية يستخدمها الاحتلال للضغط على السكان ودفعهم إلى حافة الكارثة الإنسانية، مؤكدا أن ما يجري "ليس مجرد أزمة إغاثية، بل سياسة ممنهجة لإبادة شعب مقابل لقمة العيش".
ويأتي ذلك في وقت تزداد فيه التحذيرات المحلية والدولية من تصاعد خطر المجاعة في قطاع غزة، فقد أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في غزة يتعرضون لمجاعة حقيقية، وسط صور وتقارير عن ضحايا أطفال قضوا نتيجة نقص الغذاء.
ويستمر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ نحو 20 شهرا، وراح ضحيته أكثر من 54 ألف شهيد وأُصيب نحو 125 ألفا، فضلا عن أعداد غير معلومة من المفقودين تحت ركام منازلهم، أو من الذين لا تستطيع فرق الدفاع المدني أو الإسعاف الوصول إليهم بفعل القصف الإسرائيلي المكثف، حسب وزارة الصحة في غزة.