عصيان داخل العُمق “الإسرائيلي”.. حرب غزة تُفجّر تمرّدًا في الموساد والجيش
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو أكبر موجة تمرد داخلية في تاريخها الحديث، ليس فقط من الشارع أو عائلات الأسرى، بل من عمق المؤسسة الأمنية والعسكرية، عرائض موقّعة من قيادات سابقة في جهاز “الموساد” وأطباء الجيش وضباط الاحتياط باتت تعكس شرخًا وجوديًا في بنية القرار الإسرائيلي، وتشير إلى فقدان الثقة المتزايد في جدوى الحرب واستمرارها.
انقلاب ناعم على استراتيجية الحرب
منذ الخميس الماضي، توالت العرائض الرافضة لاستمرار العدوان على غزة، تحت ما بات يُعرف إعلاميًا بـ”عرائض العصيان”، بدأ الأمر بعريضة صادمة وقّعها أكثر من 250 موظفًا سابقًا في جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد)، من بينهم ثلاثة رؤساء سابقين هم داني ياتوم، وأفرايم هاليفي، وتمير باردو، هؤلاء دعوا صراحة إلى وقف الحرب على غزة، ولو كان الثمن هو التفاوض مع حركة حماس لإعادة الأسرى الإسرائيليين.
هذه الخطوة غير المسبوقة أثارت ضجة في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية، لما تمثله من “انقلاب ناعم” على استراتيجية حكومة نتنياهو القائمة على استمرار الحرب كخيار وحيد، أن تأتي الدعوة من داخل أحد أكثر الأجهزة الأمنية حساسية في “إسرائيل”، يعني أن النظام الحاكم بات أمام أزمة شرعية داخل مؤسساته.
الأطباء العسكريون يكسرون حاجز الصمت
التمرد لم يتوقف عند “الموساد”، فقد انضم نحو 200 طبيب وطبيبة من وحدات مختلفة في الجيش الإسرائيلي إلى موجة العصيان، ووقّعوا عريضة تدعو صراحة إلى إعادة الأسرى ووقف الحرب فورًا.
اعتبر الأطباء استمرار العمليات العسكرية تهديدًا مباشرًا لحياة الأسرى وجنود الجيش على حد سواء، مؤكدين أن الحرب لم تحقق أهدافها، بل باتت تخدم مصالح سياسية شخصية على رأسها بقاء نتنياهو في الحكم.
عريضة الأطباء جاءت بلغة قاسية غير معهودة من داخل المؤسستين الطبية والعسكرية، قالوا فيها: “نحن نؤمن بقدسية الحياة، لكن استمرار القتال والتخلي عن الأسرى يتعارض مع هذه القيم”، ولفتوا إلى أن نحو 40 أسيرًا إسرائيليًا قُتلوا خلال العمليات البرية، ما يجعل الرهان على الحل العسكري مخاطرة كارثية.
عائلات الأسرى تتبنّى التمرد.. الحرب لا تخدمنا
ما عزز خطورة هذه العرائض هو تبنيها من قِبل عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين يزداد غضبهم من تجاهل حكومة نتنياهو لقضية أبنائهم، دعم العائلات لهذه المواقف يمثل صفعة جديدة لرئيس الوزراء، الذي طالما استخدم ملف الأسرى كورقة سياسية، لكنه فشل في تقديم أي نتائج ملموسة منذ أكثر من ستة أشهر.
تقديرات إسرائيلية تشير إلى أن عدد الأسرى لدى حماس يبلغ 59، بينهم 24 فقط يُعتقد أنهم على قيد الحياة، في المقابل، تحتجز “إسرائيل” أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون أوضاعًا إنسانية صعبة، وسط تقارير متزايدة عن التعذيب والإهمال الطبي الممنهج.
حكومة نتنياهو تتوعد.. لكن الأزمة تتفاقم
رد حكومة نتنياهو على هذه العرائض لم يكن احتوائيًا، بل تصعيديًا، وصف الوزراء الموقّعين على هذه العرائض بـ”الخونة” واعتبروهم “يقوّون العدو في زمن الحرب”، ملوّحين بفصلهم من الخدمة أو محاكمتهم، لكن هذه التهديدات لم توقف موجة التمرد، بل كشفت مدى هشاشة الوضع الداخلي وانقسامه بين معسكرين: الأول يرى ضرورة إنهاء الحرب فورًا ولو عبر تنازلات، والثاني متمسك بخطاب الانتصار العسكري بأي ثمن، وما يزيد تعقيد الأزمة، هو أن هذه الأصوات المتمرّدة لا تأتي من يسار المجتمع فقط، بل من داخل الدولة العميقة: الموساد، الجيش، الطب العسكري، وحتى نخبة الجنرالات المتقاعدين، الذين باتوا يرون في الحرب مشروعًا سياسيًا مدمّرًا أكثر منه معركة دفاعية.
خسائر غير مسبوقة.. وأكاذيب تنهار
خلف الخطاب الصهيوني الرسمي عن “تحقيق الأهداف”، تتراكم مؤشرات الفشل، على مدى أكثر من 190 يومًا من الحرب، لم تنجح “إسرائيل” في القضاء على المقاومة أو استعادة الأسرى، بل على العكس، زادت حركة حماس من عملياتها ونقل المعركة إلى العمق الإسرائيلي، كما تعاني الجبهة الداخلية من انهيار نفسي ومعنوي غير مسبوق.
تجاوزت خسائر “إسرائيل” في الأرواح والمعدات ما يمكن احتماله في المدى الطويل، فيما تفقد تل أبيب دعمًا دوليًا متزايدًا بسبب الجرائم المرتكبة في غزة، والتي خلّفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب أكثر من 11 ألف مفقود، وكل هذا دون أن يتحقق أي من “أهداف الحرب”.
مرحلة ما بعد الحرب
التحليل الأعمق لهذه العرائض يكشف أزمة حقيقية تواجهها حكومة نتنياهو، الذي بات عاجزًا عن إقناع حتى مؤسساته بأن الحرب تخدم أمن “إسرائيل”، ومن المرجّح أن تتسع هذه الأصوات المعارضة لتشمل مزيدًا من الوحدات الأمنية والعسكرية، ما يجعل سيناريو وقف الحرب نتيجة ضغط داخلي أقرب من أي وقت مضى.
تشير التطورات إلى أن “إسرائيل” دخلت مرحلة ما بعد الحرب، حتى قبل انتهائها رسميًا، عرائض العصيان تعكس هذا التحول الاستراتيجي، وتحمل في طيّاتها بداية تفكك الإجماع العسكري والسياسي حول الحرب، وتحويل ملف الأسرى إلى عامل حسم في قرارات المرحلة المقبلة.
تكشف “عرائض العصيان” التي وقّعها كبار مسؤولي الاستخبارات والأطباء العسكريين وضباط الاحتياط، أن الكيان الصهيوني لم يعد متماسكًا كما كان يروّج لعقود، فالتمرد لم يعد محصورًا في أروقة المعارضة السياسية أو الحركات الاحتجاجية الشعبية، بل وصل إلى قلب المؤسسات الأمنية والعسكرية التي طالما اعتُبرت العمود الفقري لبقاء “إسرائيل”.
في النهاية، هذه العرائض تعبّر بوضوح عن اهتزاز قناعات النخبة الحاكمة في “إسرائيل”، ليس فقط بشأن جدوى الحرب على غزة، بل أيضًا حول الدور الذي يلعبه نتنياهو في إطالة أمد الصراع لأهداف شخصية بحتة، فاللغة التي استخدمها الموقعون، من موساد وأطباء وجنرالات، تكشف أن الرؤية الرسمية للحرب لم تعد تلقى إجماعًا، وأن هناك تيارًا داخليًا بات يفضّل الحفاظ على أرواح الأسرى، حتى لو كان الثمن وقف الحرب.
في ظل هذا الانقسام الحاد، يبدو أن حكومة الاحتلال تتجه نحو مزيد من العزلة، داخليًا وخارجيًا، فمن جهة، تتسع هوة الثقة بين الجيش وقياداته السياسية، ومن جهة أخرى، تتزايد الانتقادات الدولية لجرائم الإبادة المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة.
إن استمرار الحرب في ظل هذا الشرخ الداخلي ينذر بانفجار أكبر، قد يكون سياسيًا أو حتى ميدانيًا داخل المؤسسة العسكرية نفسها، فالمعادلة تغيّرت: لم تعد القوة وحدها كافية لضمان الهيمنة، ولا الحرب وسيلة فعالة لاستعادة الأسرى، وما يجري اليوم داخل الكيان ليس مجرد تمرّد مؤقت، بل ملامح انهيار في عقيدة الحرب الإسرائيلية، وتحول استراتيجي في الموقف من فكرة “الردع” ذاتها.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: حکومة نتنیاهو هذه العرائض أکثر من
إقرأ أيضاً:
أزمة نفسية داخل الجيش الإسرائيلي.. عقوبات صارمة على جنود رفضوا العودة إلى غزة!
تصاعدت الأزمة داخل الجيش الإسرائيلي مع اتخاذ السلطات قراراً صارماً ضد أربعة جنود من لواء “ناحال” الذين رفضوا العودة إلى القتال في قطاع غزة بسبب معاناتهم من صدمات نفسية ناتجة عن مشاركتهم في جولات قتالية متكررة.
وجاء ذلك رغم تأكيد تقارير طبية على أهليتهم البدنية والعقلية للخدمة، مما أثار جدلاً واسعاً حول الضغوط النفسية المتفاقمة على الجنود في ظل استمرار الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.
وقالت قناة “مكان” العبرية إن الجنود الأربعة أبلغوا قادتهم بعجزهم النفسي عن العودة إلى غزة، إلا أن الجيش قرر معاقبتهم بالسجن وإبعادهم عن الخدمة القتالية، في خطوة تبرز التوترات المتزايدة داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
هذه الحادثة تعكس أزمة أعمق يعاني منها الجيش تتمثل في نقص القوى البشرية بسبب الإرهاق النفسي والبدني، وظهور ظاهرة “الرفض الرمادي” التي يستخدم فيها بعض الجنود أعذاراً صحية أو عائلية لتجنب المشاركة في القتال، ما يفاقم التحديات أمام استمرار العمليات العسكرية.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه إسرائيل تصعيداً عسكرياً مكثفاً في قطاع غزة، حيث خلفت العمليات العسكرية آلاف القتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين وتدميراً واسعاً للبنية التحتية، فيما تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية متزايدة، وأثرت الظروف الصعبة بشكل بالغ على جنود الاحتياط الذين استُدعوا لخدمة طويلة ومتعبة.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، إذ في مايو 2025، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن رفض 11 جندياً من الكتيبة 50 في لواء “ناحال” العودة إلى غزة، وتم الحكم على ثلاثة منهم بالسجن مع وقف التنفيذ بعد مفاوضات مع القيادة العسكرية.
دراسة أعدتها جامعة تل أبيب في مايو الماضي أوضحت أن نحو 12% من جنود الاحتياط المشاركين في العمليات يعانون من أعراض حادة لاضطراب ما بعد الصدمة، مما يعوق قدرتهم على مواصلة الخدمة القتالية، هذه الأرقام تؤكد الأبعاد النفسية الخطيرة التي ترافق الحرب، وتزيد الضغوط على الجيش الإسرائيلي.
في الوقت نفسه، تتصاعد الضغوط الدولية من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، حيث تؤكد حركة “حماس” استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين مقابل إنهاء الحرب والانسحاب من غزة، بينما يصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على مواصلة العمليات العسكرية، مما يطيل أمد الأزمة ويزيد من معاناة الطرفين.
أزمة داخل الائتلاف الإسرائيلي: خلافات بين نتنياهو وسموتريتش تهدد بانهيار الحكومة
أفادت صحيفة معاريف العبرية بتصاعد التوتر داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، بعد قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو السماح بهدنات إنسانية في قطاع غزة، ما أثار غضب شركائه في أقصى اليمين، وعلى رأسهم وزير المالية وزعيم حزب “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش.
القرار فُسّر على أنه تنازل أمام الضغوط الدولية، ما دفع سموتريتش إلى الدعوة لمشاورات سياسية عاجلة لبحث مستقبل مشاركته في الحكومة، متحدثاً عن “أزمة ثقة” مع نتنياهو، خاصة بعد إدخال مساعدات إلى غزة دون تنسيق مسبق مع حزبه.
وفي موازاة ذلك، تشهد العلاقة بين “الصهيونية الدينية” و”عوتسما يهوديت” بزعامة إيتمار بن غفير توتراً متزايداً، إذ بدأت مشاورات حول استمرار دعمهما المشترك للائتلاف، وسط مؤشرات متنامية على تفكك الجبهة اليمينية.
مصادر سياسية أشارت إلى أن هذا الانقسام لم يأتِ مفاجئاً، بل تراكمت بوادره خلال الأسابيع الماضية، خصوصاً بعد تصاعد الخلافات مع الأحزاب الدينية الحريدية، والتي أدت إلى انسحاب “يهدوت هتوراه” وتراجع مشاركة “شاس” في الحكومة.
وبات خروج أي من حزبي بن غفير أو سموتريتش كفيلاً بإسقاط حكومة نتنياهو التي فقدت أغلبيتها الائتلافية، في ظل ضعف التماسك بين مكوناتها اليمينية والدينية.
الأزمة اشتدت أيضاً بعد تدخل المرجعيات الدينية، حيث هاجم الحاخام دوف ليور، المرجعية الدينية لبن غفير، صفقة تبادل الرهائن مع حركة حماس وانتقد إدخال المساعدات، معتبراً ذلك “تفريطاً في أمن إسرائيل”، ما زاد من حدة الضغط على نتنياهو.
وتأتي هذه التطورات بينما تلوح في الأفق نهاية محتملة للعمليات العسكرية في غزة، في ظل تصاعد الضغوط الدولية، والتلميحات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حين قال: “يجب الآن إطلاق سراح الرهائن، هناك 20 رهينة على قيد الحياة، وعلى إسرائيل اتخاذ قرار. أعرف ما كنت سأفعله، لكنني لست متأكداً إن كان ينبغي علي التصريح به”.
تصريحات ترامب أثارت وفق معاريف تكهنات حول وجود خطة أمريكية غير معلنة لإنهاء الحرب، تتضمن ملفات حساسة مثل إعادة إعمار غزة وربما إعادة توطين السكان.
في ظل هذه الخلفية المعقدة، تقف حكومة نتنياهو أمام معضلتين حرجتين: ضغوط خارجية لوقف الحرب، وتشققات داخلية تهدد بانهيار ائتلافها، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرتها على الاستمرار في السلطة خلال المرحلة المقبلة.