شواطئ.. الخطاب الروائي في أدب جمال الغيطاني (2)
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تتابع الباحثة عتاب عادل فى كتاب "الخطاب الروائي في دفتر التدوين لجمال الغيطانى" والصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بقولها: ليست المرأة فقط هي التي استعملها الكاتب في إلهاب أمرة، بل ما ألهبة أكثر، شعوره، بدنو الأجل، الذي كثيرًا ما تحدث عنه، يقول: "أيقنت أن ما تبقى سينقضي كندف الغمام إذ تذروها الرياح، لهذا شرعت، خطوة المرء قوامها ساقان، واحدة إلى الوراء، والأخرى إلى الأمام، الأولى انقضت، أم يمت إلى ذلك الحال المهيمن منذ أمد بدنوى من تمام وقتي ؟ ما أثقل الشعور بالنهايات، ما أشقة على الروح، على البيوت، على الأماكن التي اعتدناها، ثمة تغيير مع التقدم فى العمر والوعي بدنو المراحل الأخيرة".
ومن الاسترجاعات التكرارية الشديدة الوقع في نفس الغيطانى حادثة القتل التي تمت في مركز سمالوط بمحافظة المنيا، التي أقام بها عامًا بعد نقلة القسرى من العمل "ما أصغيت إليه طارئ، غامض، قمت حذرًا متجهًا إلى النافذة ثلاثة أو أربعة، يصعب التحديد، كانوا يحملون لفافة ضخمة موثقة بحبال، مع التدقيق أيقنت أن الملفوف آدمي.. في النهاية تحركوا، خطوات قليلة باتجاه الترعة، جهد هائل لإخراس الحياة المجهولة.. ثم عاد ليذكر نفس الحدث في "نوافذ النوافذ" الدفتر الرابع، يقول "أربعة هكذا بدا في اللحظات الأولى، اثنان طويلا القامة، آخران قصيران مدكوكا البنية لا.. إنهم خمسة، الخامس محمول، يمسك به أحدهم من جهة واثنان من الناحية الأخرى، لا أتمكن من الملامح.. فواقعة توديع والدة له في أول مرة يسافر بمفردة، وكذلك واقعة القتل وكذلك واقعة اعقتالة وغيرها كثير من الوقائع الشديدة الوقع على نفس الغيطانى.
إحدى صور المكان النفسي في "دفاتر التدوين" إنها صورة فوتوغرافية أو لوحة معلقة على جدار الدفاتر، منها وصف الغيطانى لهذه المحطة " حقول على الجانبين، أعمدة التلغراف المحاذية، سماء زرقاء صافية، هذا الأزرق الصافي الحلمى، رصيف يتسع لوقوف سريع مفتخر، لكن البناء صغير، مجرد مكتب داخل غرفة وحيدة جدرانها من طوب أحمر معتق نوافذها مستطيلة من خشب أخضر، مغلقة باستمرار، لا يعلم أحد آخر مرة فتحت، لافتة رمادية، حروف سوداء متآكلة باهتة..
هي صورة التقطت لمحطة قديمة توقف العمل بها، وهذا ما يثير شجن الكاتب على تلك المحطات التي لم تشيد إلا للحاجة إليها، وكثيرًا ما توقفت بها قطارات، ولكنها تمر بها الآن وهى مكتملة الطاقة، إن الصورة الفوتوغرافية ليست بجديدة على الكتابات الإبداعية، ولكن الجديد في صورة الغيطانى هو القدرة على التقاط جوهر اللحظة المعيشة، وهنا تتشعب هذه اللحظة إلى: إن هذه المحطة كم عبرها ركاب، بائعون كثيرون، جائلون أو مقيمون، حتى الشحاذون، هي كانت يوما عامرة مثل بقية المحطات، ولكنها اليوم منسية، حزينة، وحتى ما ظهر في اللوحة من هذا الأزرق الصافي الحلمى هي بمثابة ضغطة من الريشة المحملة باللون الأزرق الصافي ليظهر صفوة مما يضيء سماء المحطة ليثير حزن الراوي أكثر عليها، وكذلك قولة " لا يعلم أحد أخر مرة فتحت " هو كناية بوضح كم الأتربة العالقة على نوافذها مما يدل على عدم فتحها منذ أمد، وكذلك عدم الاعتناء بهذه المحطة فهي تحوى " لافتة رمادية " حروف سوداء متآكلة باهتة " .
لا يقتصر البعد السياسي على العلاقة التي تربط بين السلطة والشعب فقط، بل " يتداخل الاجتماعي والسياسي بطبيعة الحال، حيث تبدأ من " الأب " و" العمدة " أو رئيس المدينة، انتهاء بالسلطة السياسية العامة والمباشرة وهى التي نتحدث عنها الآن فغالبا ما تكون على غير ما يرام، نرصد ذلك من خلال هذا المثال " ركبناه ظهرًا من طهطا، طالت وقفته عند محطة ملوي، ثم تحرك ولكن إلى جهة لم تعهدها من قبل، إلى خط حديدي فرعى لا رصيف له، نرى من خلال النوافذ أرصفة الذهاب والإياب ولنبلغها، قال والدي بعد أن تأكد من صحة الخبر.. " الملك سمير ".. ياة.. الملك مرة واحدة ؟
يمر راكبا القطار الملكي فوق خط السكة الحديد عينة، لكن من أجله يجب التنحي تماما، الخروج عن الخط بالكلية، وإحاطة العربات بالحراس الذين تبدو عليهم شراسة مغايرة، صماء.. بدأ التراخي يسرى إلى وقفة الحراس الأشداء، استند أحدهم إلى بندقيته، واقترب آخر من صاحبة، ثم افترشوا الأرض بعد أن بسطوا ملاءات أو فرشا رمادية تحمل زخارف حمراء.
يَهِنُ ضوء النهار.. حوالي العاشرة ليلًا جاء أحدهم بكلوب، علقة في منتصف العربة.. وبدأ الزحام أمام دورة المياه، وبكى طفل بإصرار.. استيقظت على زغرودة طويلة، قال جارنا إن أحدهم تبادل الحوار مع راكب يجلس إلى جواره.. طلب الثاني يد أوسطهن، وافق الآخر، قرأ الفاتحة. وأشهدا الشيخ المعمم، وحق للعربة أن تفرح.. حوالي الخامسة بعد الفجر، دوى أزيز مكتوم، أول من أصغى إلية الممتدون فوق الأرضية المنبسطة.. تعلق النوافذ في لحظة واحدة.. مجرد ُلَحيظة، سرعان ما يختفي أثرة...
إن أماكن الدفاتر حقيقية ومسماة بأسمائها، إذ أن الدفاتر تنتمي إلى الكتابة الذاتية، وهى التي تروى أحداثا واقعية، وبالتالي فلابد أن تكون الأماكن كذلك، وهنا نرصد مفارقة عجيبة ن فعلى الرغم من هذه الواقعية التي تتسم بها أماكن الدفاتر، فإنها غير حقيقية ! ونعنى بالحقيقة هنا، تحقق المكان داخل النص، أي بوجوده الفعلي وتحرك الشخصيات فيه وتبادل التأثير فيما بينهما، ولكن جميع أماكن الدفاتر مستحضرة عبر ذاكرة الكاتب، وهو ما يؤطر الدفاتر بإطار زمني واحد هو الماضي من خلال عملية " الاسترجاع " وفى هذا الصدد يقول محمود نسيم عن المكان:" يتشكل المكان المسرحي في رأس المملوك جابر " من مستويين، واقعي، وهو المقهى الذي تجلس علية مجموعة من الزبائن أو المتفرجين داخل النص، وخيالي وهو مكان الحكاية المستحضرة.
لا تخلوا أعمال الغيطانى جميعها من البعد الصوفي من هذا الحس الصوفي الناتج عن نشأة الغيطانى بحي الحسين وتردد والدة به على أضرحة أولياء الله الصالحين، حتى أن الباحثة فاطمة محمود عبرت عن ذلك في رسالة بعنوان " الرؤية الصوفية عند الغيطانى " هذا العنوان تدخل تحت ظلة دفاتر التدوين " أيضا لما احتوت علية من مثل هذه الفقرات " ألوذ بأماكن معينة، متقنة، قائمة منذ زمن طويل، أتدثر بظلالها وأصدائها، وإني لمغرم بالقباب، بقدر ما تحويني، وتطلعني على استدارة الكون بقدر ما تفك أسرى، وتعتق ما تبقى من وثاق أويت إلى قبلة الإمام الشافعي المصوغة من خشب عطر الرائحة، قبة قايتباى، قبة برقوق، قبة مولانا وسيدنا الإمام الحسين، ولزمت قبة سيدي عمر بن الفارض المتقشفة، الزاهدة، في إستانبول، سمقت بى قبة الجامع الأزرق، وتحت قبة صغيرة مضمومة، مؤثرة في جامع القرويين بفاس، امتثلت وأصغيت، داخل قبة قلاوون، ركني المتين في القاهرة العتيقة.. وكذلك " كنت مشوفا لرؤية مقام سيدي الجزولى، والد سيدي حبيب خادم وإمام المصلين به، باب دارة يفضى إلى المسجد مباشرة، كذلك مقام وضريح سيدي أبى العباس السبتى".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: شواطيء محمد صلاح غازي
إقرأ أيضاً:
10 جنيهات فقط .. شواطئ الإسكندرية ترحب بزوارها بأقل الأسعار
قال أحمد بسيوني، مراسل قناة "صدى البلد" من مدينة الإسكندرية، إن شواطئ عروس البحر المتوسط تشهد إقبالًا كثيفًا من المصطافين، خاصة بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة، مؤكدًا أن المدينة تُعد من أرخص المصايف على مستوى الجمهورية.
وأضاف خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد دياب، في برنامج "صباح البلد" المذاع على قناة "صدى البلد" أن أسعار الشواطئ الخاصة تبدأ من 10 جنيهات وتصل إلى 25 جنيهًا للفرد، فيما توجد شواطئ عامة بسعر 5 جنيهات، إلى جانب شواطئ مجانية مثل شاطئ الأنفوشي التابع للإدارة المركزية للسياحة والمصايف.
وأكد أن نسبة الإقبال هذا العام ارتفعت مقارنة بالسنوات الماضية، حيث تصل في بعض الأيام العادية إلى 90% وأحيانًا 100%، مع تزايد رحلات اليوم الواحد.
وشدد بسيوني على أن النزول إلى البحر مسموح فقط من الساعة 8 صباحًا حتى 8 مساءً، وهي فترة تواجد المنقذين، محذرًا من خطورة النزول في الليل، بسبب ضعف الرؤية وغياب فرق الإنقاذ، وهو ما دفع محافظ الإسكندرية الفريق أحمد خالد لتغليظ العقوبات على مستأجري الشواطئ في حال المخالفة، حيث تم توقيع غرامات تجاوزت 62 مليون جنيه خلال الشهر الأخير.
وأشار إلى أن الشواطئ تظل مفتوحة ليلاً للتنزه فقط وليس للنزول، وقد تم عقد اجتماعات دورية بين المحافظة والمستأجرين لمتابعة تطبيق القرارات حفاظًا على أرواح المصطافين.