إن اللحظات التاريخية الفارقة تضع الأمم والشعوب أمام اختبار حقيقي لقيمها ومبادئها. وفي خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها منطقتنا، وتحديدًا في ظل العدوان الغاشم على أهلنا في فلسطين، يبرز سؤال وجودي يفرض نفسه بقوة: ما هو الثمن الحقيقي الذي سندفعه جراء صمتنا وتخاذلنا؟
إن القول بأن تبعات التقاعس عن نصرة المظلومين ستكون باهظة هو قول موجز لحقيقة دامغة ، فالأمر لا يتعلق بخسائر مادية أو تداعيات سياسية عابرة، بل يمتد ليشمل جوهر وجودنا الإنساني والأخلاقي، ويترتب عليه مصيرنا في الدنيا والآخرة.
إن اليمن، رغم ما يعانيه من أوجاع وتحديات، يقدم اليوم نموذجًا فريدًا في التضحية ونصرة الحق. إنه يدرك تمام الإدراك أن الدفاع عن المستضعفين في فلسطين ليس مجرد واجب ديني أو قومي، بل هو صمام أمان لقيم العدل والإنسانية التي بدونها تفقد الحياة معناها. إن الضريبة التي يدفعها اليمنيون اليوم، من تضحيات في الأرواح والموارد، هي ثمن غالٍ لكنه يبقى أقل وطأة وأكثر شرفًا من الخزي والعار الذي سيلاحقنا إن اخترنا طريق التخاذل.
لنتخيل للحظة حجم العار الذي سيلحق بأجيالنا القادمة حين تتذكر كيف وقفنا صامتين أمام صور القتل والدمار، وكيف آثرنا مصالحنا الضيقة على نصرة إخواننا الذين يستغيثون. إن وصمة التخاذل ستلتصق بنا كظل لا يزول، تحرمنا من أي مكانة أخلاقية أو احترام دولي. سنصبح في نظر التاريخ مجرد أرقام هامشية، أمة فقدت بوصلتها وضيعت فرصتها في الوقوف بجانب الحق.
أما على الصعيد الديني والأخروي، فإن الأمر أشد وأخطر. لقد حذرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم من مغبة التولي عن نصرة الحق والمظلومين. قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]. إن هذا النداء القرآني الصريح يحمل في طياته مسؤولية عظيمة تقع على عاتق كل مسلم قادر على نصرة الحق.
إن التخاذل ليس مجرد تقاعس عن الفعل، بل هو تواطؤ ضمني مع الظالم، وهو اختيار للراحة والسلامة الشخصية على حساب أرواح ودماء الأبرياء. وهذا الاختيار يحمل في طياته بذور الهوان والذل في الدنيا، ويستحق أشد العذاب في الآخرة. فكيف لنا أن نلقى الله ونحن نشهد على الظلم الصارخ ولم نحرك ساكنًا؟ كيف لنا أن نتوقع رحمته ونحن لم نرحم إخواننا المستضعفين؟
إن اليمن اليوم، بوقوفه الشجاع والمبدئي، يذكرنا بواجبنا ويحثنا على مراجعة حساباتنا، إنه يجسد المعنى الحقيقي للتضحية والفداء، ويثبت أن هناك من لا يزال يؤمن بقوة الحق وضرورة نصرته مهما كانت التحديات. إن تضحياتهم ليست مجرد أرقام في سجل الأحداث، بل هي مشاعل نور تضيء لنا الطريق نحو العزة والكرامة في الدنيا، والنجاة والفوز في الآخرة.
فلنتعظ من التاريخ، ولنستلهم من مواقف الشرف، ولنتذكر دائمًا أن ثمن التخاذل والخنوع سيكون دائمًا أضعافًا مضاعفة من ثمن التضحية والوقوف مع الحق. إنها دعوة إلى صحوة الضمير، وإلى تحمل المسؤولية، وإلى اختيار الطريق الذي يقودنا إلى العزة في الدنيا ورضا الله في الآخرة. فالخيار لنا، والتاريخ سيسجل مواقفنا.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
سابقة تاريخية.. هيئة مفوضي الدولة توصي بالسماح لزوجة السجين بإجراء «حقن مجهري»
أصدرت هيئة مفوضي الدولة بمحكمة القضاء الإداري في الدعوى التي حملت رقم 41283 لسنة 79 قضائية، تقريرا أوصت فيه بأحقية زوجة سجين في إجراء عملية «حقن مجهري» باستخدام عينة من زوجها المحكوم عليه بالسجن المشدد لمدة 15 عامًا والمودّع بمركز الإصلاح والتأهيل بالمنيا، وذلك على نفقتها الخاصة.
وركز تقرير المفوضين، على عدد من المبادئ الدستورية والقانونية والدولية، والتي تؤكد على الحق في تكوين أسرة، وحق السجناء في الحصول على الرعاية الصحية المتكافئة، وعدم فقدان حقوقهم الإنسانية بسبب وضعهم القانوني.
الحق في تكوين أسرةوأوضحت الهيئة، في تقريرها، أن الدستور المصري ينص على أن الأسرة هي أساس المجتمع، وأن الدولة تلتزم برعايتها والحفاظ على استقرارها، وأن الحرية الشخصية وحق الزواج وتكوين أسرة من أبرز الحقوق الطبيعية المكفولة بالدستور.
وتطرق التقرير، إلى أن قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المعدل بالقانون رقم 14 لسنة 2022، يضمن للسجناء الحق في الرعاية الصحية، ويمكّنهم من إجراء التحاليل والعلاج اللازم خارج مقار الاحتجاز إذا تطلب الأمر.
اقرأ أيضاًضبط 3 أشخاص لإدارتهم صفحات تنشر فيديوهات ووقائع قديمة
«وضعت غطاء رأسها على وجهه».. «الداخلية» تكشف حقيقة خطف فتاة لطفل في الدقهلية
إصابة 12 شخصا في حادث انقلاب ميكروباص أعلى الطريق الأوسطي