هل يوجد هدف قومي للأمة؟
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
إسماعيل بن شهاب بن حمد البلوشي
في هذه المرحلة من الزمان، حيث تزدحم الصور وتضطرب الأصوات وتتشوش البوصلات، يحق لنا أن نتوقف قليلًا ونتساءل: هل يوجد هدف قومي حقيقي للأمة العربية؟ وهل لا نزال نتحرك نحو غاية جامعة تُوحِّد الفكر قبل الجغرافيا؟ أم أننا أصبحنا مجرد جزر منفصلة تتقاذفها المصالح والتنازعات الداخلية، في عالم لا يعترف بالضعفاء ولا يرحم المتفرّقين؟
إن ما نشهده من واقع عربي مشتّت، يعكس غياب رؤية موحّدة.
ولنا أن نتساءل أيضا: هل لا تزال إسرائيل العدو الذي يعيق تقدم الأمة كما اعتاد الخطاب القومي أن يردد لسنوات؟ أم أننا أمام معضلة أعمق تتمثل في غياب الهدف وانشغال العقول بسطحيات الإعلام والضجيج الافتراضي، بينما تبقى العقول الجادة في الظل صامتة ومهمشة، أو ربما اختارت الانكفاء لأنها لم تجد منصة تُصغي أو عقلًا يحتضن الرأي المختلف؟
تتنازع الدول العربية فيما بينها أكثر مما تتنازع مع خصومها الحقيقيين، وكأنها فقدت الشعور بالانتماء الجماعي وبالمصير المشترك. لا يخفى على أحد أن الانقسامات لم تعد فقط بين الدول، بل داخل المجتمعات ذاتها، وحتى داخل الأسرة الواحدة في بعض الأحيان. صراع أيديولوجي، طائفي، يغذيه الإعلام السطحي لإقصاء الفكر العميق واستبعاد العقلاء.
لكن هل الأمر قدر محتوم؟ وهل انتهى الأمل في صحوة فكرية تُعيد ترتيب الأولويات؟ الحقيقة أن التاريخ يُعلمنا بأن الأمم لا تموت إذا بقي فيها من يؤمن بأن الإنسان يستطيع أن يُعيد رسم مساره متى شاء، شريطة أن يتحرك من منطلق الوعي لا من باب الغوغائية، ومن منبر التفكير لا مجرد التلقين.
ما تحتاجه الأمة ليس شعارًا جديدًا، ولا تكتلًا آخر، بل "هدفًا جامعًا" يعيد للإنسان العربي ثقته بذاته وبأمته. هدفٌ يتجاوز حدود السياسة، ويخترق أعماق الثقافة والتعليم والقيم، ويضع الإنسان العربي في موقع الفاعل لا المفعول به.
ربما حان الوقت لنفكر بطريقة أخرى. أن نُدرك أن التقدم لا يعني بالضرورة تقاطعًا مع العالم، بل تفاعلًا معه. وأن العداء المطلق ليس مشروعًا، بل فهم الذات في سياقها الحضاري هو الذي يصنع التوازن. الأمة التي تؤمن بأنها جزء مكمل من العالم تستطيع أن تأخذ مكانتها، لا بتكرار الصراخ، بل بإنتاج الفكرة وصناعة الإنسان.
إن السؤال الجوهري الذي يجب أن يُطرح الآن ليس "من عدو الأمة؟"، بل: "ما هدف الأمة؟". فبدون هدف واضح، تبقى كل الطرق مباحة، وكل الاتجاهات مشوشة، وكل الأصوات مجرد حديث مستهلك لا مكان ولا فعل له.
ولذلك، أتمنى أن يخرج الفكر العربي من منصة الماضي التي تستدعي أمجاد كل طرف ومن كان له الأفضلية، والتركيز على هدف موحّد يرفع من شأن الأمة.
وأخيرا، ألتمس من عقلاء الأمة المشاركة وبقوة في زخم الإثراء الفكري بطريقة البناء وليس بفكر الغوغاء.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الدبيبة ينعى المفكر نجيب الحصادي: فقدت ليبيا علماً من أعلام الفكر والفلسفة
نعى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، ببالغ الحزن والأسى، المفكر والفيلسوف الليبي البارز الأستاذ الدكتور نجيب الحصادي، الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة بالعطاء العلمي والفكري، ترك خلالها بصمات عميقة في المشهد الثقافي والأكاديمي الليبي والعربي.
وفي بيان رسمي، قال الدبيبة: “بقلوب يملؤها الأسى ويعتصرها الحزن، نودّع اليوم أحد أعلام الفكر والفلسفة، الأستاذ الدكتور نجيب الحصادي، ابن مدينة درنة الزاهرة، الذي أنار بعقله وقلمه دروب العلم، فكان منارة لبث الوعي الأخلاقي والعطاء العلمي بقيمه النبيلة ومُثله السامية”.
وأضاف رئيس الحكومة أن الراحل “أثرى بمؤلفاته وترجماته البديعة المكتبة الليبية، ونشر هويتها الثقافية بكل فخر بين كتاباته الأصيلة، كما شهدت له الجامعات ومجمع اللغة ببعد النظر، وصدق الكلمة، وأثره العميق في المشهد الأدبي والنقدي”.
وتقدم الدبيبة بأصدق مشاعر العزاء والمواساة إلى أسرة الفقيد، وتلاميذه، ومحبيه، وإلى الوسط الثقافي الليبي، الذي اعتبره “فقد ركنًا رشيدًا من أركانه”.
وختم البيان بالدعاء للراحل بالرحمة والمغفرة، قائلاً: “سائلين المولى عزّ وجل أن يتغمّده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون.”
ويُعد الدكتور نجيب الحصادي من أبرز الأسماء الفكرية في ليبيا والعالم العربي، وله مساهمات متميزة في مجالات الفلسفة، الأخلاق، مناهج البحث، والترجمة العلمية، وتخرّج على يديه آلاف الطلبة، وشارك في تطوير المشهد الأكاديمي من خلال مؤلفاته ومحاضراته، وعضويته في هيئات علمية ولغوية مرموقة.