ميكي 17.. خيال علمي وسخرية سياسية أقرب إلى الواقع
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
جاء المخرج الكوري الجنوبي "بونغ جون هو" الفائز بالأوسكار عن فيلم "الطفيلي" (Parasite) إلى هوليود محملا بكم هائل من السخرية والكاريكاتير، ومسلحا بخيال جامح لم تستطع شركة وارنر براذرز الأميركية الحد منه بعد أن منحته اعتمادا مفتوحا لتقديم فيلم هوليودي إثر فوزه بالأوسكار عام 2019، فبلغت تكلفة فيلمه الجديد "ميكي 17" (Micky 17) أكثر من 118 مليون دولار.
ترجم المخرج "بونغ" العملية التقليدية التي يتبعها النظام الرأسمالي لاستبدال العمال الذين يعجزون عن الاستمرار لأي سبب إلى عملية خيالية تتسم بالجنون، حيث يتم طباعة جسد الشخص بعد موته باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، ليعود إلى العمل مجددًا في كل مرة يموت فيها ويُعاد إحياؤه.
تدور أحداث العمل في المستقبل، وتحديدًا في عام 2054، مع التركيز على شخصية ميكي بارنز، الذي يلعب دوره الممثل روبرت باتينسون. ميكي هو عامل "قابل للاستبدال" في مهمة لاستعمار كوكب "نيفلهايم" الجليدي. يتطلب دوره أداء مهام خطرة غالبًا ما تؤدي إلى موته، ليُعاد إحياؤه بفضل تقنية استنساخ متطورة. تعكس هذه الدورة من الموت والبعث الجوانب اللاإنسانية للعمل في ظل الرأسمالية
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد 3 سنوات من الواقعة.. "رهائن في متجر آبل" يجسد لحظات رعب في أمستردامlist 2 of 2بيرك أتان في حالة حرجة بعد حادث سير أثناء توجهه لتصوير "جبل القلب"end of list إعلانالرأسمالي الجشع لا يطمح إلا إلى عملية مثل هذه، حيث يتم استبدال العامل بسهولة دون الحاجة للتكاليف المرتبطة بالتأمين والمعاشات. في المقابل، يتيح الطب الاستعماري التجريبي فرصًا لا حصر لها من خلال تعريض "ميكي" لأخطر المخاطر والسموم، وعندما يموت نتيجة لذلك، يتم طباعة جسده مرة أخرى بعد دراسة أسباب موته وصنع اللقاحات اللازمة لتجنبها. يموت ميكي 16 مرة قبل أن يتم طباعة النسخة السابعة عشرة التي تدور حولها أحداث الفيلم.
في إحدى المهام، يعود ميكي من مهمة كان من المتوقع أن يموت فيها، ليكتشف أنه أُعيد طبعه عن طريق الخطأ باسم "ميكي 18". هذا الخطأ يضعه في موقف قانوني حرج يهدد بإعدام النسختين. يتعين على "كينيث مارشال"، رجل الأعمال وقائد الرحلة الذي يلعب دوره الممثل مارك رافالو، تنفيذ هذا الشرط ضمن موافقة المجلس الحاكم للأرض على الرحلة الاستعمارية إلى كوكب جليدي في الفضاء.
جمع المخرج بونغ جون هو، في العمل المقتبس عن رواية إدوارد أشتون (ميكي 17) بين الخيال العلمي والأكشن والكوميديا، مع لمسة رومانسية في فيلم يبرز تعقيد السرد وذكاء الطرح، مما يعكس توقيع مخرجه. يبدو أن تأخر تنفيذ الفيلم بسبب اضطرابات هوليود في عام 2023، والتي سبقتها جائحة كورونا والإغلاق العام، كان بمثابة فرصة لصناعة عمل مميز. إلا أن الفيلم يواجه معارضة من بعض خصومه من أصحاب الياقات البيضاء ومؤيدي ترامب.
سرد مفاجئيبدأ الفيلم بمشهد بائس للبطل ميكي 17 وقد سقط في حفرة ثلجية عميقة، وبدلا من أن ينقذه زميله، يسخر منه ويسأله عن شعور الموت للمرة السابعة عشرة تاركا إياه تحت رحمة البرد، مؤكدا أنه سينتظر النسخة الثامنة عشرة منه، لكن حيوانا غير معروف سابقا يظهر بشكل مفاجئ وبدلا من التهامه يقوم بإنقاذه والدفع به إلى أعلى حتى يعود إلى سفينته الفضائية مرة أخرى.
إعلانيعود السارد (بصوت البطل) إلى بداية القصة، حيث يستدعي المخرج الكوري الجنوبي نقطة الانطلاق الدرامية لمسلسل "لعبة الحبار 1". كما دفعت الديون مجموعة المقامرين الأولى إلى الرهان بالموت كبديل للذل والبؤس، ينطلق البطل ميكي بارنز في رحلة مجهولة للهروب من ديونه إلى كوكب آخر، ليقبل بوظيفة غريبة كـ"قابل للاستبدال"، كما لو كان منديلا ورقيًا أو طبقًا يُستخدم في رحلات التخييم لمرة واحدة ثم يُلقى في أقرب سلة مهملات.
يتعرض ميكي بارنز لسؤال متكرر من المحيطين به عن "شعور الموت"، وفي كل مرة يهرب من الإجابة، باستثناء المرة الأخيرة حين يعلن أنه يكره هذا الشعور بشدة، رغم يقينه بأنه سيعود بعد 20 دقيقة فقط. يعكس هذا السؤال الهوس الدرامي الكوري الجنوبي بالموت وما بعده في العديد من الأعمال الدرامية، لكنه يعرضه من زاوية مختلفة، تتعلق بمحاولة الانتصار على الشيخوخة وهزيمة الموت من خلال الطب في عالم الإمبريالية.
من خلال سرده للأحداث، يثبت بونغ جون هو، استحالة التطابق التام بين كائن وآخر حتى لو كان الاستنساخ هو الحل. يقدم شخصيتي ميكي 17 وميكي 18 ككائنين مختلفين تمامًا في ردود الأفعال والرغبات والطموحات، مما يضطره في النهاية إلى التضحية بأحدهما فداءً لركاب سفينته الفضائية.
مارك رافالو وترامب
أثار أداء مارك رافالو لشخصية "كينيث مارشال" ردود فعل واسعة، تبرز خياراته الجريئة والطابع الاستقطابي للشخصية التي يجسدها، فهو يقدم شخصية سياسي فاشل تحول إلى قائد مصاب بجنون العظمة لمهمة استعمار فضائية لكوكب نيفلهايم الجليدي. وتميز أداؤه بمبالغة وسخرية، تعكس صورة كاريكاتيرية لشخصيات سياسية في العالم الحقيقي، وأبرزها دونالد ترامب رغم تصريح يونغ بأن الفيلم مستوحى من مزيج أوسع من السياسيين.
إعلانمارشال الذي قدمه رافالو هو طاغية رقيق البشرة ذو سلوكيات مبالغ فيها، لديه أسنان اصطناعية، وشعر مصفف للخلف، وميل إلى الخطب المتضخمة التي يلقيها على أتباعه الذين يرتدون القبعات الحمراء، وقد أضفى رافالو بأدائه طاقة كوميدية جبارة على العمل، وأكد على تنوع أدائه بين شخصية الصحفي المنضبط الثوري التلقائي في "نقطة الضوء" 2015 (Spotlight) وبين "ميكي 17" 2025.
جسد مارك رافالو في الفيلم شخصية الشرير الكاريكاتيرية، وقدّم مزيجًا كوميديًا مع زوجته "إيلفا" التي لعبت دورها الممثلة توني كوليت، حيث أظهر سخافة ولُزوجة الزوجين بطريقة مضحكة ومقززة في الوقت ذاته.
أما بطل العمل، روبرت باتينسون، فقد كان في موقف صعب، إذ كان عليه تجسيد شخصية واحدة ومتعددة في آنٍ واحد، مما يتطلب تغييرات طفيفة في أدائه لكنها مؤثرة، بالإضافة إلى مقاومة هادئة وفعّالة، وكوميديا تجمع بين القوة النفسية والهشاشة في الوقت نفسه.
كان من الضروري أن تحتفظ كل نسخة من ميكي بالذكريات والشكوك والمشاعر، ونجح باتينسون بمهارة في تقديم كل نسخة من خلال التحولات الدقيقة في السلوك، والتغييرات الطفيفة في حركات الجسد، ونبرة الصوت، وحركة العين، ليُحوّله في نسخته الأخيرة إلى رجل يشكك في أهدافه وحياته، بل وفي وجوده نفسه في عالم يختصره إلى مجرد وظيفة.
طرح بونغ جون هو، أسئلته الخاصة من خلال فيلم هوليودي ضخم الإنتاج حقق نجاحًا كبيرًا حتى الآن على المستويين النقدي والجماهيري، مسجلًا اسمه في عاصمة السينما العالمية. وقد استطاعت هوليود أن تختطفه بعد عقود من التجريب السينمائي الكوري الجنوبي، لتحتفظ به ضمن قائمة المبدعين العالميين الذين جاؤوا من خارج الولايات المتحدة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سينما الکوری الجنوبی مارک رافالو من خلال میکی 17
إقرأ أيضاً:
اختراق علمي في علاج الزهايمر: علاج نانوي يُصلح الحاجز الدموي الدماغي ويعيد وظائف الدماغ
وفق دراسة أُجريت في 2024، يُقدّر أن أكثر من 7 ملايين أمريكي تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر يعانون حاليًّا من الزهايمر، وقد يرتفع هذا العدد إلى نحو 14 مليونًا بحلول عام 2060. اعلان
توصّل فريق بحثي دولي إلى تقدّم واعد في مكافحة مرض الزهايمر، بعد أن طوّر علاجًا نانويًا نجح في استعادة وظائف الدماغ لدى فئران مصابة بنموذج مرضي يشبه الزهايمر، من خلال إصلاح الحاجز الدموي الدماغي وإزالة تراكمات بروتين بيتا أميلويد السام.
وجاء هذا الإنجاز في دراسة نُشرت حديثًا في مجلة «نقل الإشارة والعلاج المستهدف» (Signal Transduction and Targeted Therapy)، بقيادة مشتركة بين معهد الهندسة الحيوية في كاتالونيا (IBEC) في إسبانيا ومستشفى غرب الصين التابع لجامعة سيتشوان.
ويركّز العلاج الجديد على أدوية فوق جزيئية نشطة بيولوجيًا صُمّمت لاستعادة سلامة الحاجز الدموي الدماغي، وهو بنية حيوية تحمي الدماغ من المواد الضارة ومسببات الأمراض. وقد أظهرت الأبحاث أن تدهور هذا الحاجز يُعدّ من العوامل المبكرة والمحورية في تطوّر مرض الزهايمر، إذ يسمح بمرور السموم إلى الدماغ ويُعطّل نظام التصفية الطبيعي.
وأوضح الباحث الرئيسي، الأستاذ جوزيبي باتاليا من معهد IBEC: "تم تصميم العديد من العلاجات لإزالة بيتا أميلويد، وهو البروتين اللزج الذي يتراكم في أدمغة مرضى الزهايمر. يمكن لبعض هذه الأدوية إزالة اللويحات، ولكن هذا وحده لم يوقف فقدان الذاكرة أو يبطئ المرض بدرجة كافية".
وأضاف: "يقترح عملنا نهجًا مختلفًا: فبدلاً من التركيز فقط على إزالة الأخطاء التي حدثت بالفعل داخل الدماغ، نهدف إلى إصلاح النظام الذي يحافظ على صحة الدماغ في المقام الأول — الأوعية الدموية والحاجز الوقائي".
نتائج سريعة ومستدامة في نماذج حيوانيةفي سلسلة تجارب على فئران معدلة وراثيًا لتنتج كميات كبيرة من بروتين بيتا أميلويد — ما يُقلّد الأعراض الإدراكية لمرض الزهايمر — أظهر العلاج فعالية ملحوظة.
فبعد ساعة واحدة فقط من الحقن، سجّل الباحثون انخفاضًا بنسبة تتراوح بين 50 إلى 60 بالمئة في مستويات بيتا أميلويد داخل الدماغ، وفق ما أفاد باحث من مستشفى غرب الصين التابع لجامعة سيتشوان.
وبحسب تقارير صحفية، فإن الفئران التي تلقّت العلاج واستُخدمت كنموذج يعادل إنسانًا يبلغ من العمر 90 عامًا استعادت "سلوك فأر سليم" بعد ستة أشهر من العلاج.
وعلّق باتاليا على هذه النتيجة قائلًا:"التأثير طويل المدى يأتي من استعادة الأوعية الدموية في الدماغ. نعتقد أن الأمر يعمل مثل سلسلة من الأحداث: عندما تتراكم الأنواع السامة مثل بيتا أميلويد، يتطور المرض. ولكن بمجرد أن تصبح الأوعية الدموية قادرة على العمل مرة أخرى، فإنها تبدأ في إزالة Aβ والجزيئات الضارة الأخرى، مما يسمح للنظام بأكمله باستعادة توازنه".
آلية عمل ذكية تحاكي العمليات الطبيعيةتعمل الجسيمات النانوية فوق الجزيئية على إعادة تنشيط مسارات إزالة النفايات الطبيعية في الدماغ التي يُعطّلها مرض الزهايمر. وبدلًا من مجرد توصيل دواء إلى الدماغ، فإن هذه الجسيمات تحاكي العمليات الطبيعية التي تسمح بتمرير بيتا أميلويد عبر الحاجز الدموي الدماغي إلى مجرى الدم، حيث يُطرح خارج الجسم.
ويشير الباحثون إلى أن هذه الجسيمات لا تكتفي بإزالة البروتين الضار، بل تحافظ أيضًا على سلامة الأوعية الدموية في الدماغ، ما يحسّن تدفق الدم، ويقلّل الالتهاب، ويعيد التوازن الوظيفي للجهاز العصبي.
وقال باتاليا لوكالة يونايتد برس إنترناشونال (UPI):"استعادة هذا الحاجز يحسّن تدفق الدم، ويقلل الالتهاب، ويساعد الدماغ على استعادة توازنه، وقد يؤدي هذا النهج إلى إبطاء تقدم مرض الزهايمر بشكل أكثر فعالية من خلال علاج أحد أقدم أسبابه وأكثرها إهمالًا، وهو انهيار نظام الدفاع في الدماغ نفسه."
طريق طويل قبل الوصول إلى البشررغم النتائج المشجّعة، يشدّد الخبراء على أن الطريق لا يزال طويلًا قبل أن يُطبّق هذا العلاج على البشر.
وقالت كورتني كلوسكي، المديرة المشاركة للشؤون العلمية في جمعية الزهايمر، في تصريح لـ UPI:"هناك العديد من الجهود الجارية في النماذج الحيوانية لإيجاد طرق مبتكرة لعبور الحاجز الدموي الدماغي لتحسين الكفاءة والدقة في توصيل الأدوية، لكننا لا نزال بعيدين عن إثبات هذه التقنيات آمنة وفعالة لدى البشر."
ووفق دراسة أُجريت في عام 2024، يُقدّر أن أكثر من 7 ملايين أميركي تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر يعانون حاليًا من الزهايمر، وقد يرتفع هذا العدد إلى نحو 14 مليونًا بحلول عام 2060.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة