شكسبير واليوم العالمي للإنجليزية
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
(1)
يحتفي البريطانيون، وأبناء الثقافة الإنجليزية القحة، والناطقون بها في جميع أنحاء العالم بيوم اللغة الإنجليزية الذي يتزامن مع تاريخ ميلاد أبي الدراما الإنجليزية، وكاتبها الأعظم والأشهر وليام شكسبير (1564-1616) أشهر مؤلف درامي مسرحي عرفه التاريخ؛ صاحب التراجيديات والكوميديات والمسرحيات التاريخية الخالدة.
مات شكسبير منذ قرون طويلة، وما زالت أعماله وروائعه المسرحية (التراجيدية والكوميدية) تملأ الدنيا وتمتع الملايين! تقريبًا لا تُوجد لغة حية واحدة من اللغات الحية والمتداولة لم تُترجم إليها أعمال شكسبير، تتحدى الزمن وتدافع عن مبدعها حتى وقتنا هذا، ولمن يأتي بعدنا بقرون أخرى طويلة! تلك الآثار البارزة في المسرح الكوميدي والتراجيدي التي جسّد من خلالها أبرز دقائق النفس البشرية في بناء درامي، محكم، متساوٍ، أقرب ما يوصف به أنه "سيمفونية شعرية" لا مثيل لها في الدقة والانسجام والتآلف والجمال.
ومنذ سنوات الصبا، ومنذ بدأت أطالع كتب الجيب، وروائع الأدب العالمي للناشئين، والمختصرات المنشورة للقصص والمسرحيات الكلاسيكية العالمية، أصبحت من عشاق "الدراما الشكسبيرية" بكل أشكالها وتنويعاتها؛ قراءة ومشاهدة، وكنت على قناعة بأن "شكسبير" هو أحد أعظم كتّاب التراث الإنساني على الإطلاق؛ هكذا أتصور حينما تحاول أن تضع قائمة مختصرة لأكبر وألمع وأشهر المبدعين الذين مروا على تاريخ البشرية منذ وعى الإنسان ذاته وحضوره على هذه الأرض؛ قائمة لا يمكن أن تخلو فيما أظن من هوميروس، مثلا، وفيرجيل، وسوفوكليس، أريستوفانيس، وشكسبير، ثم ضع ما شئت من أسماء بعد ذلك!
وظللت على قناعتي تلك بل إنها ترسخت بمقولة الناقد القدير والمبدع المثقف الموسوعي محمود عبد الشكور "إن أفضل معلم للكتابة الدرامية هو مشاهدة وتحليل أعمال شكسبير". كما زادت رسوخا وثباتا بما قرأته لدى العقاد الذي كتب رسالته الشهيرة في «التعريف بشكسبير» (صدرت عن دار المعارف في أواسط القرن العشرين) من أنه: "ارتفع -بموازين النقد جميعًا- في فن الرواية المسرحية: فن الخلق والإبداع في تصوير النفوس وتصوير العلاقات بينها على السواء.
وإذا استثنينا الرسل والأنبياء من أصحاب الأديان الكبرى، فليس في أصحاب الأقلام منذ كتب الإنسان بالقلم عشرة يُعَدُّون معه في الصف الأول الذي تقدم إليه بين الصفوف العباقرة العالميون"..
(2)
ثم زادت تلك القناعة رسوخًا وثباتًا بعد أن طالعت الكتاب الرائع الذي ألفه ثلاثة من كبار الكتاب والمؤلفين بالعربية عن شكسبير، وصدر عن سلسلة (اقرأ) العريقة في أربعينيات القرن الماضي. في هذا الكتاب الممتع الذي يقدمه ثلاثة من كبار مثقفينا في القرن العشرين (زكي نجيب محمود، ومحمد فريد أبو حديد، وأحمد خاكي) تعريف واف بشكسبير عبقري المسرح الإنجليزي في القرون الوسطى، وبحث في عظمة وعبقرية صاحب المسرحيات الرائعة التي ما زلنا نقرأها، ونستمتع بها رغم رحيل مبدعها منذ قرون. قارئ هذا الكتاب سيتعرف على جوانب العظمة الشكسبيرية المتخطية للزمن، خاصة في اكتشافه أن الإنسان كائن معقد، وأن الدراما أعظم وسيلة للكشف عن جوهر هذا التعقيد.
وقد كانت هذه الفكرة التي تعرفت عليها في هذا الكتاب المكثف هي مدخلي لإعادة قراءة شكسبير كاملا وفق خطة ارتضيتها لنفسي، وتحديد الترجمات التي سأبدأ بها وأطالعها ثم أعرج عليها رجوعا مرة أخرى، متخذا من العبارة التي صاغها شكسبير على لسان عطيل أحد أشهر أبطال مسرحياته التراجيدية؛ مفتاحا للبحث عن سيرة شكسبير، وقراءة أعماله، وتحليل عناصر الدراما التي وصل فيها إلى الذروة، تلك العبارة التي يقول فيها:
"أرغب إليكم حينما تقصون قصتي في رسائلكم أن تذكروني بحقيقتي، لا بمزيد ولا بنقصان، وألا تدخلوا فيها شيئًا من المكر السيئ" (من مسرحية عطيل لشكسبير)
(3)
تذكرت هذه الجملة التي وردت على لسان "عطيل" في المسرحية الشهيرة التي كتبها شكسبير، وأنا أسأل السؤال الذي سأله غيري وقبلي وبعدي بما لا يعد ولا يحصى: السؤال المتكرر دائما وأبدا من عشاق الفن ومتذوقي الجمال ومتابعي الدراما:
هل هناك كاتب واحد فقط لو قرأنا أعماله كاملة، ودرسنا مسرحياته بتنويعاتها التراجيدية والكوميدية، وتأملناها تحت مجهر الفحص والتحليل.. هل لو فعلنا ذلك فهل يمكننا النفاذ إلى روح الدراما وإدراك سرها وسر التمكن منها بما يمكن أو يصح القول معه "إدراك صنعة الكتابة الدرامية" أو ماهية كتابة الدراما جملة وتفصيلا؟
سيرة شكسبير العظيمة وأعماله تمنحنا الإجابة الكاملة الدقيقة دون ذرة تردد ولا شك واحدة: نعم يمكن؛ لأن هناك كاتبا عبقريا وعظيما اسمه وليم شكسبير، ظهر في الأمة الإنجليزية، وكتب باللغة الإنجليزية، وقدم للتراث الإنساني واحدا من أعظم نصوصه المسرحية والدرامية،
وليم شكسبير هو أستاذ صنعة الدراما، أقولها بكل ثقة ويقين!
وبالمناسبة؛ فليس من الضروري أن تقرأ كل ما كتبه شكسبير للتأكد من أنه أستاذ صنعة الدراما بلا منازع؛ يكفي أن تقرأ بتأمل وبصيرة واستيعاب أعماله الكبرى سواء في التراجيديا أو الكوميديا؛ في التراجيديا لديك مثلا «هاملت»، أو «ماكبث»، «الملك لير»، «عطيل»، «يوليوس قيصر»، أو «روميو وجولييت».. وفي الكوميديا؛ خذ عندك على سبيل المثال وليس الحصر: «حلم ليلة صيف»، «تاجر البندقية»، «العبرة بالخواتيم»، و«ترويض الشرسة» وهي النموذج الكامل فيما أرى للكتابة الكوميدية!
(4)
من يقرأ هذه الأعمال جيدًا ويتأمل دقة بنائها وقدرة مؤلفها على سبر غور أعماق شخصياته ووضع يده باقتدار على نوازعها ومحركاتها الدافعية والشخصية، واضطرابها واندفاعها.. إلخ من خصال وطوابع بشرية تتلاقى أو تتقاطع أو تصطدم بغيرها من الشخوص، في المحيط التاريخي أو الاجتماعي أو أيا ما كان السياق الجامع لها، أقول من يقرأ هذه الأعمال ويتملاها سيدرك أن قوة وعظمة شكسبير وسر عبقريته لم تكن أبدًا في محض نسج حكاياته وحواديته التي بنى عليها مسرحياته (سواء كانت مأخوذة من التاريخ أو من الأساطير أو من القصص والحكايات المشهورة) بل كانت وبالدرجة الأولى في قدرته الفذة على صنع دراما مكتملة كاملة الأركان من هذه الحكايات والحواديت؛ يستخرج منها أو بالأحرى يستولد منها أسئلة كبرى حول الوجود والإنسان في اضطرابه وقلقه وتناقضاته ودوافعه وغرائزه.. إلخ، كما تتجلى أيضا في قدرته المذهلة والمدهشة على بناء مسرحياته ورسم شخصياته، وبناء المواقف وإحكامها والانتقال في الزمان والمكان وخلق الصراع بين الشخوص، وإدارته ببراعة منقطع النظير وصولا بهذا الصراع إلى ذروته ونهايته الحتمية والمنطقية.. ثم يزيد على هذا كله، كأنها العبقرية فوق العبقرية، تقديم زوايا متعددة ومختلفة للرؤية وهي كلها في النهاية أهم عناصر صناعة الدراما المحورية..
إن عظمة شكسبير وعبقريته المتفردة، تتجسد فيما يرى الناقد الكبير محمود عبد الشكور "في اكتشافه أن الإنسان كائن معقد وأن الدراما أعظم وسيلة للكشف عن جوهر هذا التعقيد، بالإضافة بالطبع إلى قوة التعبير البلاغي، والصور الشعرية، عن هذه المواقف الدرامية".
(5)
سيظل وليم شكسبير، وأمثاله من عباقرة الكتابة الإبداعية والأدب والمسرح والرواية، في تاريخ الإنسانية؛ شاهدًا حيًّا وخالدًا على ما يسميه عميد الأدب العربي بـ"الأدب الحي"؛ ذلك الأدب الذي يصنعه الأدباء الأحرار؛ وهؤلاء "الأدباء الأحرار" هم الذين يرون أن الأدب حي دائمًا، وأن الجمال في النصوص الأدبية الجديرة بهذا الاسم لا يخضع لسلطان الزمان، وإنما هو باقٍ على تتابع العصور، وتعاقب الأجيال، وهو من أجل ذلك جدير أن يشغلنا؛ لأن الحياة القوية التي تشيع فيه لا تلبث أن تتجاوزه إلى عقولنا وقلوبنا وأذواقنا..
(وللحديث بقية)
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
هيئة الكتاب تعيد إصدار الخرز الملون لمحمد سلماوي
كتب- محمد شاكر:
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبعة جديدة من رواية «الخرز الملون» للكاتب الكبير محمد سلماوي، ضمن مشروعها لإصدار الأعمال السردية الكاملة للمبدع الذي يُعد أحد أبرز الأصوات الأدبية في العالم العربي، ويأتي هذا الإصدار كخطوة لإعادة إحياء الأعمال الروائية التي شكّلت وجدان أجيال وأرّخت لمراحل تاريخية مفصلية في الوعي العربي.
وتُعد «الخرز الملون» واحدة من أهم أعمال سلماوي، وقد ترسخت مكانتها عبر السنوات كواحدة من كلاسيكيات الرواية العربية المعاصرة، فالرواية – كما يصفها نقاد الأدب – تتجاوز حدود مضمونها السياسي والعاطفي المتفجر، لتقدم قالبًا فنيًا ناضجًا يمزج بين رواية السيرة والرواية التسجيلية، في بناء سردي يتميز بالعمق والثراء. ويجمع سلماوي في هذا العمل بين المأساة الفردية لبطلتها الفلسطينية المصرية «نسرين حوري» وبين محنة الوطن العربي الكبرى، منذ ما قبل النكبة وحتى ما بعد النكسة وما تبعها من تحولات جسيمة.
ورغم صدور الرواية للمرة الأولى عام 1991، فإنها تبدو اليوم وكأنها تُكتب من جديد، في ظل ما يشهده العالم من مشاهد تتكرر فيها المأساة الفلسطينية، بصورة تجعل العمل أكثر راهنية وتأثيرًا، ويشير متابعون إلى أن الرواية تكاد تعكس ما نعيشه اليوم من أحداث دامية في غزة، إذ تتقاطع مشاعر بطلتها وآلامها مع ما تمر به المنطقة من صراعات متجددة.
وتدور أحداث الرواية حول خمسة أيام فقط في حياة «نسرين حوري»، جعل سلماوي من كل يوم فصلًا كاملًا يرصد فيه تفاصيل التحولات النفسية والإنسانية التي مرت بها البطلة، في سرد يتميز بالمشهدية والتكثيف، ويعيد توثيق المأساة الفلسطينية برؤية أدبية تستند إلى وقائع حقيقية، وقد استلهم الكاتب شخصية «نسرين» من امرأة فلسطينية حقيقية عملت معه في مؤسسة الأهرام، وهو ما يمنح السرد صدقية إضافية ويضفي على العمل بعدًا توثيقيًا واضحًا.
ومن خلال هذه اليوميات الخمس، يرصد سلماوي أبرز المحطات السياسية التي شكلت تاريخ المنطقة، بدءًا من حرب فلسطين عام 1948، مرورًا بما عرفته الشعوب العربية من هزائم وانكسارات، وصولًا إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. ويستعرض العمل مشاهد إنسانية مكثفة تعكس حجم الألم والفقد والتشرد الذي عاشته آلاف الأسر الفلسطينية.
وتطرح هيئة الكتاب الطبعة الجديدة ضمن سلسلة من الإصدارات التي تعيد تقديم منجز سلماوي السردي للأجيال الجديدة، في محاولة للحفاظ على ذاكرة الأدب العربي وعلى الأعمال التي أثبتت قدرتها على تجاوز الزمن، لتبقى وثيقة فنية شاهدة على تاريخٍ لا يزال يكرر نفسه حتى اليوم.
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الهيئة المصرية العامة للكتاب رواية الخرز الملون إصدار الخرز الملون لمحمد سلماوي الكاتب محمد سلماوي أخبار ذات صلةفيديو قد يعجبك
محتوى مدفوع
أحدث الموضوعاتإعلان
أخبار
المزيدإعلان
هيئة الكتاب تعيد إصدار "الخرز الملون" لمحمد سلماوي
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
من نحن اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
26 18 الرطوبة: 17% الرياح: جنوب غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي من نحن إتصل بنا إحجز إعلانك سياسة الخصوصية