شهدت القمة الثقافية أبوظبي، مناقشات مهمة حول تأثير الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات الثقافة والفن، حيث سلط عدد من الخبراء الضوء على الأدوار المتعددة التي يلعبها الذكاء الاصطناعي في إنتاج واستهلاك الثقافة. 

وقال الدكتور إياد رهوان، عالم سوري - أسترالي ومدير معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية في برلين، خلال محاضرته التي قدمها ضمن فعاليات القمة الثقافية تحت عنوان "ثقافة الآلات"، إن الذكاء الاصطناعي يساهم في تشكيل الثقافة بطرق متعددة، مشيرا إلى أن هذا المجال يتجسد من خلال دورين أساسيين يلعبهما الذكاء الاصطناعي: الأول يتمثل في تحديد الثقافة التي نستهلكها، حيث تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتصفية الأخبار والمحتوى الإعلامي الذي نتعرض له، والدور الثاني، يتمثل في مشاركة الذكاء الاصطناعي في إنتاج الثقافة نفسها، مثل الفن والموسيقى والفنون البصرية واللوحات، التي تستند إلى الثقافة البشرية ولكن تتمتع بخصائص مميزة وفريدة من نوعها.

وأشار رهوان، إلى اهتمامه بدراسة هذه الظاهرة الجديدة وفهم كيفية تأثيرها على الفن والعلم والإنتاج الثقافي، مع السعي للتحكم فيها بشكل يعود بالفائدة على البشرية مع تقليل المخاطر المرتبطة بها ، معربا عن رغبته في المشاركة في إنشاء مشاريع مشتركة تجمع بين العلوم والفن، لافتا إلى أهمية الجمع بينهما في المعارض التي تحقق أهدافًا علمية وفنية معًا. 

 

من جانبه، قال جلين لوري، مدير متحف ديفيد روكفلر للفن الحديث، إن القمة الثقافية أبوظبي، تمثل منصة عالمية تجمع المفكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم لمناقشة قضايا ثقافية معاصرة، من بينها تأثير الذكاء الاصطناعي على المتاحف.

 

أخبار ذات صلة قرقاش: تقرير مجلس الأمن النهائي يدحض مزاعم الجيش السوداني الباطلة ضد الإمارات الإمارات: التزام راسخ بتخفيف معاناة الشعب السوداني

وخلال مشاركته في جلسة ضمن فعاليات القمة، بعنوان "تخيل المتاحف في عالم ما بعد الإنسان: ملاحظات من الميدان"، إن المتاحف تعتبر مختبرات ثقافية حيوية تتيح للمبدعين اختبار واستكشاف أفكار وتقنيات جديدة، ما يعزز التفاعل الثقافي والتبادل بين الشعوب المختلفة، مشيراً إلى أن هذه البيئة تساهم في تطور الفكر الثقافي على مستوى عالمي. 

 

 وتحدث عن "المتحف الخيالي"، الذي ابتكره أندريه مالرو في أواخر الأربعينيات، معتبرًا إياه رؤية مبكرة للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي. 

 

كما تناول أعمال الفنان رفيق أناضول، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لابتكار أعمال فنية مبتكرة، من أبرزها عمله "غير خاضع للإشراف" الذي عرض في متحف الفن الحديث، حيث استخدم في هذا العمل خوارزمية لتحليل 138.000 قطعة من مجموعة المتحف وخلق أعمال جديدة تمزج بين التراث الفني والتقنيات الحديثة. 

 

 وأعرب لوري عن إعجابه الكبير بمدينة أبوظبي، واصفًا إياها بأنها واحدة من أبرز الأماكن التي زارها مؤخرًا ، مشيدا بالبيئة الثقافية المبتكرة التي توفرها أبوظبي، خاصة في جزيرة السعديات التي تمثل نقطة محورية لتطور الثقافة والفن في المنطقة، ما يعكس سعي أبوظبي المستمر لتعزيز الحوار الثقافي العالمي.

 

المصدر: وام

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الإمارات القمة الثقافية أبوظبي الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی القمة الثقافیة

إقرأ أيضاً:

موسوعة تاريخ الفن بين السمع والبصر!

(1)

ضمن إنجازات عديدة وكبيرة وضخمة، توارى الجهد المذهل الذي قدمه مؤرخ الفن والباحث والمثقف الموسوعي وصاحب الرؤى المستنيرة رفيعة المقام في الثقافة العربية؛ الدكتور ثروت عكاشة (1921-2012) وزير ثقافة الحقبة الناصرية لثماني سنوات ازدهرت خلالها الحركة الثقافية والإبداعية والنشاط الثقافي والفكري ليس فقط في عموم مصر وأرجائها إنما امتدت آثارها البعيدة إلى العالم العربي كله.

ثروت عكاشة يعد فعليًا أحد قادة التنوير العظام في الثقافة العربية الحديثة، وأحد واضعي أسس النهضة الثقافية في القرن العشرين، بل يزيد عليهم في أنه كان صاحب مشروع (قومي) طموح خاص به، تولى قيادته والإشراف عليه عندما كان وزيرًا للثقافة لمرتين خلال الفترة من 1958 إلى 1962 ثم تركها وعاد إليها عام 1966 ليخرج للمرة الثانية 1970 أي أنه قضى في منصبه الرسمي كوزير للثقافة المصرية إبان حكم جمال عبد الناصر قرابة الأعوام الثمانية، دشن فيها عكاشة البنية التحتية الحقيقية للثقافة المصرية التي ما زلنا نتوكأ عليها، ونقتات منها رغم ما أصابها، لكنها ما زالت باقية تحمل عبقا لا يزول من تاريخ مصر الثقافي الزاهر.

(2)

لم يكن سهلا ولا ميسورا أن يعتزل الدكتور ثروت عكاشة العالم ويتفرغ لمشروعه الكبير، عقب انتهاء مسؤولياته كوزير للثقافة بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 1970، بكل ما يستلزمه ذلك من تخطيط وتنظيم وسفر وتجوال وأموال؛ فضلا على إنفاق الجهد والسنين..

يفسر الفنان التشكيلي والرسام المبدع والناقد الفني الكبير حسين بيكار ذلك النزوع الشغوف بالتحدي وإنجاز المهام الكبار بقوله:

"إنها إحدى سمات العالم الكبير ثروت عكاشة فارس المفاجآت الذي يعدو بلا توقف‏،‏ ويهرول دون إبطاء وراء الكمال الذي يسدله على جميع إنجازاته التي هي في رأي الجميع كان ينبغي أن تكون نتاج مؤسسة ضخمة وليست من عمل فرد واحد‏.‏ فقد قرر الرجل العظيم عندما ترك وراءه وزارة الثقافة أن يكون بمفرده وزارة الرجل الواحد بكل ما يتبع ذلك من أعباء ومسئوليات لا حد لها‏.‏ وأن يمسك قيثارته بكلتا يديه يعزف عليها منفردا تارة‏،‏ وتارة أخري يمسك بعصا القيادة يدير بها المقاطع اللحنية بين العازفين ببراعة منقطعة النظير"‏.‏

إن هذا المشروع الموسوعي الذي بدأه المايسترو الكبير في ظروف نعلم مدى قصورها عن تحقيق مثل هذا الحلم الثقافي العملاق قد يصيب بالإحباط أي مغامر يفكر في أن يلقي بنفسه في دوامته‏،‏ وذلك لبعد واقعنا عن مصادر المعرفة الوثائقية‏،‏ مكتبية كانت أو متحفية‏،‏ وخلو الساحة من الناشر الفدائي الذي يتحمل مصاعبه‏،‏ وقلة الإمكانيات المادية والتقنية التي تنجز مثل هذا المشروع الضخم في مستواه الرفيع‏..‏

ولكن الإرادة تصنع المعجزات‏،‏ وقد صدرت الأجزاء العشرة الأولى من الموسوعة في سبعينيات القرن الماضي رغم كل ذلك لترصع المكتبة العربية بأرفع الأوسمة في فن الكتاب شكلًا ومضمونًا، وإخراجًا فنيا وطباعيا (وقد نحتاج لحلقة كاملة من "مرفأ قراءة" لبيان روعة وإبداع إخراج الكتب وتهيئتها للطباعة بمثل ما ظهرت به وخرجت عليه ووضعتها في مصاف أرقى الكتب الفنية في العالم أجمع).

(3)

أما (موسوعة تاريخ الفن: العين تسمع والأذن ترى) فليس لها مثيل في الثقافة العربية كلها، منذ صدور أول أجزائها وحتى رحيل صاحبها وقد صدر منها 28 مجلدا ضخما (يبلغ متوسط المجلد الواحد 600 صفحة من القطع الكبير جدا) فضلا عما اشتمل عليه كل مجلد من روائع الصور والنماذج الفنية المنحوتة والمرسومة وآثار العمارة والقطع الفنية المختلفة..

كثيرون ممن كتبوا عن هذه الموسوعة الضخمة؛ غفلوا عن تيار عام في الثقافة المصرية والعربية؛ حاول أن يصل ثقافتنا العربية المعاصرة بروافد الثقافة الإنسانية منذ أقدم العصور، ووصلها بثقافة عصور النهضة والأنوار والعقل خاصة.. راد هذا التيار طه حسين، والنهضويون من جيله (توفيق الحكيم وحسين فوزي على سبيل المثال)، ثم من الرعيل الأول والثاني من تلاميذه، وعلى رأسهم سهير القلماوي ومحمد مندور ولويس عوض.. إلخ.

وكان ثروت عكاشة الضابط الأرستقراطي الذي تخرج في الكلية الحربية، ثم التحق بسلاح الفرسان، بعيدا عن مجرى هذا التيار الثقافي العام، بل كان من أشد المتأثرين به والمتشربين لأفكاره وآرائه وتصوراته، ما انعكس على تكوينه الثقافي العميق وتعدد روافد هذا التكوين، وإجادته لعديد اللغات والجمع بين الثقافة التراثية الأصيلة والثقافة الحداثية بكل أشكالها أنواعها، من هنا لم يكن غريبا ولا مفارقا للسياق العام أن ينتج ثروت عكاشة موسوعته تلك التي تكونت وتشكلت على مدى أربعين سنة تقريبا!

(4)

منذ شبابه الباكر؛ ومن انشغالاته الأصيلة ومراميه البعيدة، تأسيس وترسيخ ثقافة موسوعية للفنون البصرية تقوم على قاعدة معرفية عريضة بتاريخها وأصولها كالسينما، والفن التشكيلي، والتصوير والنحت والعمارة، وهو ما ساهم فيه بجهد جبار من خلال موسوعته الفنية الضخمة «العين تسمع والأذن ترى» التي تقع في 29 جزءًا، تتتبع من خلالها تاريخ الفن منذ أقدم عصوره وحتى العصر الحديث، وهو عمل موسوعي ضخم جدًا، فوق طاقة مؤسسات بكاملها، أنجزها مفردًا ثروت عكاشة على مدى أربعين سنة.

وكل جزء من أجزاء هذه الموسوعة اختص بحقبة تاريخية أو فن من الفنون [الفن المصري القديم/ الفن العراقي القديم (سومر وبابل وآشور)/ الفن الفارسي القديم/ الفن اليوناني (الإغريقي)/ الفن الروماني/ الفن البيزنطي/ فنون العصور الوسطى/ فنون عصر النهضة/ الفن الصيني/ الفن الهندي/ التصوير الإسلامي المغولي/ جماليات التصوير الإسلامي/ موسوعة التصوير الإسلامي/ ..... إلخ أجزاء الموسوعة التي تصل إلى تخوم العصر الحديث]

وكان منهجه الذى اتبعه بطول أجزاء الموسوعة هو التناول العلمي القائم على التحليل والكشف عن جماليات الصور واللوحات والأشكال المعروضة، بلغة أدبية رائعة ورائقة ورفيعة الجمال، فأسلوبه يكاد يدنو بل يصل في غالب الأحيان إلى "شعرية الأدب" مع مراعاته للدقة المتناهية، والحفاظ على جميع المعايير العلمية التي يتطلبها البحث الفني الذى يقوم به، وكذلك القدرة الاستقصائية النادرة في الوصول إلى المصادر والمراجع الكبرى اللازمة لمؤلفاته.

(5)

يقول الفنان الكبير الراحل حسين بيكار في مغزى هذا العمل وجماليته:

"وليس الصرح الثقافي الشامخ الذي أقامه فارس الكلمة، الدكتور ثروت عكاشة، وأطلق عليه موسوعة تاريخ الفن: «العين تسمع والأذن ترى» إلا صدى لومضة داخلية خاطفة التقطها بكل ذكاء وهو يستمع إلى إحدى سيمفونيات بيتهوفن‏،‏ أو وهو يقرأ قصيدة لجبران‏،‏ أو وهو يتأمل بانبهار شديد إحدى روائع مايكل أنجلو التي تطل عليه من سقف مُصلى كنيسة سيستينا‏ التاريخية العريقة!!‏

إنها منحة السماء التي أودعت في تلك الخفقة الربانية القدرة على النمو والتكيف والتواصل والتشامخ‏،‏ ومكنتها من صنع ذلك النسيج المعجز الذي لم يكن عند مولده سوى خيط نحيل عرف كيف يسلك طريقه فوق خريطة الفكر‏،‏ وكيف يتناسج مع نظرائه من الوشائج والخيوط القريبة منه أو البعيدة‏.‏ وفوق كل ذلك عرف كيف يتخاطب مع وجدان الإنسان في كل مكان وزمان‏"..

هذه الأسطر مجرد شاهد واحد من عشرات بل مئات الشواهد المسجلة والموثقة، تحتفي بهذا العمل غير المسبوق في تاريخ الثقافة العربية، وبعضها يحاول أن يفسر ويحلل طبيعة هذا البناء الضخم، بذرته ونواته وعمليات نمائه وتفرعه وتوسعه وصولا إلى تغطية هذه المساحة الهائلة من تاريخ الإنسانية (زمنيا منذ أقدم العصور وحتى العصر الحديث، ومكانيا من أقصى بقعة في العالم شرقا حتى أقصاها غربا ومن شمالها المتاخم للقطبي إلى جنوبها في أقصى نقطة في القارة السمراء).. (وللحديث بقية).

مقالات مشابهة

  • المفتي: ثورة الذكاء الاصطناعي من أكبر التحديات التي عرفها العصر الحدي
  • قطاع الذكاء الاصطناعي في أبوظبي يسجل نموا سنويا بنسبة 61%
  • متحف اللوفر.. أيقونة الفن والتاريخ| تفاصيل
  • عبد الله الثقافي البلنوري يمثّل الهند في مؤتمر الإفتاء
  • أبوظبي تكتب قصة نجاح في الذكاء الاصطناعي
  • قطاع الذكاء الاصطناعي في أبوظبي يسجل نمواً سنوياً بنسبة 61%
  • وزارة الثقافة تناقش أثر «الذكاء الاصطناعي» على جودة العمل القضائي
  • انطلاق الفعاليات الثقافية والفنية بالغربية للاحتفال بعيد وفاء النيل..صور
  • العياصرة يفتتح مهرجان القيصر للشعر الفصيح في بيت عرار الثقافي
  • موسوعة تاريخ الفن بين السمع والبصر!