سودانايل:
2025-07-29@21:04:16 GMT

عن السودان وأزمته الممتدة

تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT

إزاء استمرار الصدام العسكري بين قوات الجيش وميليشيات الدعم السريع في السودان، الجار الجنوبي الأقرب لمصر فيما خص الأمن المائي وأمن الحدود والعلاقات الاقتصادية والتجارية والتبادل الإنساني، يواجه صناع القرار في مصر تحدي التعامل مع أزمة متعددة الأطراف ومركبة الأبعاد تهدد استقرار هذا البلد العربي والإفريقي الهام وأمن شعبه الشقيق مثلما تهدد العديد من مصالح مصر الحيوية وتزيد من ضغوط الجوار المباشر على أوضاعها.


في صدام طرفاه جيش نظامي وميليشيات مسلحة، لا تملك دولة وطنية مسؤولة سوى أن تقف إلى جانب قوات الجيش صاحبة الاختصاص الحصري لاستخدام القوة العسكرية وفقا للدستور والقانون في مواجهة ميليشيات يمثل وجودها، وبغض النظر عن خلفياته التاريخية والمجتمعية والسياسية، خروجا مبدئيا على الدستور والقانون. فالمآل الوحيد لازدواجية الجيش والميليشيات، وكما تدلل للأسف حالات عربية كارثية من لبنان والعراق إلى سوريا واليمن وليبيا، هو الحروب الأهلية الممتدة وانهيار مؤسسات الدولة وتفكك أواصر العيش المجتمعي المشترك والعنف الممنهج ضد المواطنات والمواطنين. إنهاء وجود الميليشيات والقضاء على ازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين حماية للمواطن والمجتمع والدولة هما، إذا، هدفا البداية في صدام السودان الراهن.
ارتكب نظام الرئيس السابق عمر البشير العديد من الجرائم والخطايا في حق الشعب السوداني، كان من بينها أشدها وطأة تجاهل المطالب التنموية المشروعة للأقاليم-الأطراف البعيدة عن العاصمة-المركز الخرطوم وتشجيع تكوين الميليشيات المسلحة وتوظيفها لاضطهاد وترويع وإخضاع سكان أقاليم كدارفور في الشمال الغربي وكردفان في جنوب الوسط وغيرهما. وفي دارفور، رتب ذلك نشوب حرب أهلية في 2003 بين القبائل ذات الأصول الإفريقية من سكان الإقليم التي تمردت على اضطهاد نظام البشير وبين مجموعات الجنجويد ذات الأصول العربية التي دعم البشير تحولها إلى ميليشيات وسلحها ولم يمنع تورطها سنوات الحرب الأهلية، في جرائم وانتهاكات مفزعة.
قاد ميليشيات الجنجويد في حرب دارفور الأهلية محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، الذي منحه الرئيس السابق البشير رتبة عسكرية وسمح له بالاحتفاظ باستقلالية ميليشياته ككيان شبه عسكري، واعتمد عليها في مواجهة حركات تمرد متتالية في أقاليم-أطراف مختلفة، وأعاد هيكلتها في 2013 تحت مسمى «قوات الدعم السريع» وضمن لها موارد اقتصادية ومالية مستقلة (مواقع تعدين الذهب في دارفور). تواصل صعود حميدتي وقواته التي تزايد عددها وعتادها، وشاركت بحلول 2015 في الحرب على الحوثيين في اليمن بعد انضمام نظام البشير إلى التحالف العربي بقيادة السعودية، وصارت بموجب قانون صدر في 2017 مدرجة اسميا في الجيش السوداني دون أن تدمج في أطره النظامية.

القلق الإقليمي والعالمي العام من استمرار العمليات العسكرية في السودان وما سيسفر عنه ذلك من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين ومن اتساع نطاق دمار البنى المجتمعية

وكان الرئيس السابق بكل ذلك يؤسس لبقاء طويل المدى للميليشيات ولازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين التي خرجت عن السيطرة بعد عزله من السلطة في 2019 وعرقلت كافة محاولات التوافق الوطني حول صيغة حكم مستقرة تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للسودانيات والسودانيين الذين أرادوا التخلص من الإرث المرير للبشير.
غير أن إنهاء وجود الميليشيات والقضاء على ازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين كهدفي البداية في الصدام الراهن لا يعنيان دفع الجيش السوداني إلى مواصلة العمليات العسكرية إلى أن يتم إنزال الهزيمة بقوات الدعم السريع. فالكلفة البشرية والمادية لاستمرار القتال مرتفعة بفداحة، وفرص النصر الكاسح هنا والهزيمة الساحقة هناك محدودة للغاية. الأقل ضررا مجتمعيا وسياسيا والأكثر واقعية عسكريا هو تشجيع الجيش، وبعد أن تمكن من منع الميليشيات من تحقيق انتصارات نوعية في الخرطوم وخارجها، على قبول (وتمديد) اتفاقات وقف إطلاق النار وتجديد التفاوض مع قوات الدعم السريع على مسار توافقي وضمانات مقبولة لدمجها مقاتلين وأسلحة في الأطر النظامية.
وليس للتفاوض في هذا الصدد سوى أن يتم برعاية أطراف إقليمية تقف إلى جانب الجيش السوداني كمصر، وبتشجيع من أطراف إقليمية أخرى تربطها بالميليشيات ولأسباب مختلفة علاقات تأييد ودعم وأتمنى أن تكون قد أدركت اليوم استحالة الحسم العسكري في الصدام الراهن وكارثية عدم إنهاء وجود الميليشيات التي تقوض مؤسسات الدولة الوطنية وتقضي على العيش المشترك في المجتمع وتنتهك بخروجها على الدستور والقانون حقوق المواطن.
وفي هذا الصدد يستطيع صناع القرار في مصر توظيف البيئة الدولية المؤيدة للتفاوض بين أطراف الصدام، وموقف الأمم المتحدة المطالب بدمج الميليشيات في الجيش النظامي، والقلق الإقليمي والعالمي العام من استمرار العمليات العسكرية في السودان وما سيسفر عنه ذلك من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين ومن اتساع نطاق دمار البنى المجتمعية والسكانية ومن تواصل عمليات النزوح واللجوء لمئات الآلاف ثم ملايين السودانيات والسودانيين الذين حتما سيضغطون اقتصاديا واجتماعيا على دول الجوار ومصر من بينها وحتما أيضا سيستدعون تقديم المساعدات المالية والإنسانية من عموم الإقليم والقوى العالمية.
والشاهد أن أطراف الصدام في السودان لم تقتنع تماما بعد بأولوية التفاوض على القتال، وأن أطرافا إقليمية ودولية ما لبثت تفتش عن سبل إطالة أمد العمليات العسكرية تحقيقا لما تراه مصالحها الاستراتيجية والأمنية، وأن قوى دولية قد ترحب بإلهاء الرأي العام العالمي عن حروبها هي بحرب أهلية دموية في بلد عربي وإفريقي كبير (مساحة وسكانا) يقع في منطقتين جغرافيتين حيويتين (شمال إفريقيا والقرن الإفريقي). لذلك تظل احتمالات الذهاب إلى جلسات تفاوضية جادة تظل محدودة ومحفوفة بالمخاطر، شأنها شأن فرص إقرار مسار توافقي قابل للتطبيق وفقا لجدول زمني واضح واعتماد ضمانات حقيقية ملزمة لدمج ميليشيات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن ثم إنهاء وجودها كميليشيات.
غير أن مسؤولية مصر تجاه الجار الأقرب ومقتضيات حماية شعبه وعيشه المشترك ومؤسسات دولته والحيلولة دون المزيد من الدماء والدمار والنزوح تلزم بالمحاولة، مثلما تحتمها مصالحنا الحيوية أمنا مائيا، وأمنا على امتداد حدودنا الطويلة مع السودان، وعلاقات اقتصادية وتجارية، وتنسيقا استراتيجيا مع حكومة سودانية مستقرة تتبنى فيما خص ملف سد النهضة وتجاه إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي اختيارات وسياسات لا تتناقض مع الاختيارات والسياسات المصرية. وقد تخفق المساعي المصرية للتشجيع على وفق إطلاق النار والتفاوض بين الجيش والدعم السريع، وقد تفشل مساعي قوى إقليمية ودولية أخرى. قد يطول أمد الصدام الراهن في السودان، وتستمر العمليات العسكرية، وترتفع كلفتها البشرية والمادية الباهظة بالفعل.
قد تحقق أطراف داخلية وإقليمية ودولية لا تمانع في إغراق جارنا الجنوبي في حرب أهلية طويلة المدى أهدافها، وقد يسبب ذلك المزيد من ضغوط الجوار المباشر لمصر على أوضاعها الداخلية، وهي ضغوط حاضرة بقوة وفي قائمة طويلة قادمة من الشرق (فلسطين) والغرب (ليبيا) والجنوب (إثيوبيا) وقطعا لا تنقصها اليوم أن تضاف إليها ضغوط انفلات ممتد للأوضاع في السودان.

كاتب من مصر

نقلا عن القدس العربي

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العملیات العسکریة الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

عاجل. الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومصادر رويترز: حزب الله يرفض تسليم سلاحه

أكد الجيش الإسرائيلي أن الجيش السوري الجديد يقوم بمهاجمة القوافل التي تحاول تهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله، مما يضع مزيدًا من العقبات أمام الحزب في تجديد مخزونه العسكري. اعلان

أصدر الجيش الإسرائيلي تقريرًا مفصلًا عن أنشطته العسكرية ضد حزب الله في لبنان خلال فترة وقف إطلاق النار الممتدة 243 يومًا، في وقت تكثف فيه واشنطن ضغوطها على بيروت للإسراع بإصدار قرار رسمي من مجلس الوزراء اللبناني يلزم الحكومة بنزع سلاح الحزب، بحسب ما ذكرت مصادر لوكالة "رويترز"

تنفيذ مئات الغارات وتدمير آلاف الصواريخ

أشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه نفذ حوالي 500 غارة جوية في لبنان خلال فترة 243 يومًا من وقف إطلاق النار. وذكر أنه قضى على أكثر من 230 عنصرًا من حزب الله ودمر قرابة 3 آلاف صاروخ تابعة للحزب خلال نفس الفترة. كما أشار إلى أن العديد من الصواريخ التي تم تدميرها هي صواريخ قصيرة المدى.

وأكد الجيش الإسرائيلي أن حزب الله يواجه حاليًا صعوبات كبيرة في ملء المناصب القيادية، وهو غير قادر على تنفيذ توغلات داخل الأراضي الإسرائيلية أو الدخول في مواجهة طويلة الأمد مع الجيش الإسرائيلي. ويعود ذلك إلى الضغوط المستمرة التي يتعرض لها الحزب من عمليات الاستهداف والمراقبة.

Related "الكلمات لن تكون كافية"... باراك ينبه لبنان وحزب الله من استمرار الجمود في ملف السلاحالأمين العام لحزب الله يُحذّر من "ثلاثة مخاطر" ويؤكد: جاهزون للمواجهةشحنات الأسلحة مستمرة إلى اليمن ولبنان.. إيران تعزز قوة الحوثيين وترمم ترسانة حزب الله؟ تمركز الأسلحة ومحاولات إنتاج المسيّرات

وأوضح الجيش الإسرائيلي أن حزب الله نقل معظم أسلحته إلى شمال الليطاني، ولا يزال بحوزته آلاف الصواريخ، معظمها قصيرة المدى. لكن الجيش لفت إلى وجود نقص في منصات إطلاق الصواريخ، حيث أن مئات من هذه الصواريخ قادرة فقط على الوصول إلى وسط إسرائيل، ما يحد من قدرة الحزب على التصعيد.

كما نفى وجود شبكة أنفاق متصلة تابعة لحزب الله، موضحًا أن الأنفاق الموجودة هي محلية وغير متصلة بشكل واسع. وأشار إلى أنه رصد مؤخرًا محاولات لاستئناف إنتاج الطائرات المسيّرة (الدرونز) في ضاحية بيروت الجنوبية، مما يشكل تحديًا جديدًا في مراقبة القدرات العسكرية للحزب.

تعطيل تهريب الأسلحة

أكد الجيش الإسرائيلي أن الجيش السوري الجديد يقوم بمهاجمة القوافل التي تحاول تهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله، مما يضع مزيدًا من العقبات أمام الحزب في تجديد مخزونه العسكري.

هذه المعطيات تعكس استمرار التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية رغم اتفاق وقف إطلاق النار، وتوضح التحديات التي تواجه حزب الله في ظل الضغوط العسكرية المتواصلة من قبل الجيش الإسرائيلي.

الضغوط الأميركية متواصلة وحزب الله يرفض تسليم سلاحه

في سياق متصل، كشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز عن تكثيف واشنطن لضغوطها على الحكومة اللبنانية من أجل الإسراع بإصدار قرار رسمي من مجلس الوزراء يلزمها بنزع سلاح حزب الله. وأوضحت المصادر أن المبعوث الأميركي توماس بارّاك لن يتوجه إلى بيروت ما لم تقدّم الحكومة التزامًا علنيًا تجاه هذا الملف.

وأكدت المصادر أن حزب الله رفض علنًا تسليم ترسانته بالكامل، لكنه يدرس سرًا تقليصها، في حين طلب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي من واشنطن ضمان وقف إسرائيل ضرباتها كخطوة أولى نحو التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار.

في المقابل، أفادت رويترز بأن إسرائيل رفضت قبل أيام اقتراح برّي بوقف ضرباتها تمهيدًا لتطبيق وقف إطلاق النار في لبنان، مما يبرز تعقيدات ملف الهدنة على الأرض.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • عاجل. الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومصادر رويترز: حزب الله يرفض تسليم سلاحه
  • شبكات الكبتاغون تنتقل من سوريا إلى السودان.. مصنع ضخم داخل حقل ألغام للدعم السريع
  • الجيش السوداني يقصف وقوة من “الدعم السريع” تغادر مدينة مهمة في كردفان
  • حكومة موازية في نيالا.. ماذا تعرف عن خريطة نفوذ الدعم السريع في دارفور؟
  • عند اطراف دير سريان.. هذا ما طلبه الجيش من اليونيفل
  • السودان يدين إعلان الدعم السريع حكومة موازية
  • الجيش الليبي يفتح باب القبول للدراسة العسكرية في الخارج
  • الجيش الإسرائيلي يعلق العمليات العسكرية في 3 مناطق بقطاع غزة
  • الجيش الإسرائيلي يعلن تعليق الأعمال العسكرية بمناطق محددة في غزة
  • الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان