سودانايل:
2025-06-10@22:30:29 GMT

عن السودان وأزمته الممتدة

تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT

إزاء استمرار الصدام العسكري بين قوات الجيش وميليشيات الدعم السريع في السودان، الجار الجنوبي الأقرب لمصر فيما خص الأمن المائي وأمن الحدود والعلاقات الاقتصادية والتجارية والتبادل الإنساني، يواجه صناع القرار في مصر تحدي التعامل مع أزمة متعددة الأطراف ومركبة الأبعاد تهدد استقرار هذا البلد العربي والإفريقي الهام وأمن شعبه الشقيق مثلما تهدد العديد من مصالح مصر الحيوية وتزيد من ضغوط الجوار المباشر على أوضاعها.


في صدام طرفاه جيش نظامي وميليشيات مسلحة، لا تملك دولة وطنية مسؤولة سوى أن تقف إلى جانب قوات الجيش صاحبة الاختصاص الحصري لاستخدام القوة العسكرية وفقا للدستور والقانون في مواجهة ميليشيات يمثل وجودها، وبغض النظر عن خلفياته التاريخية والمجتمعية والسياسية، خروجا مبدئيا على الدستور والقانون. فالمآل الوحيد لازدواجية الجيش والميليشيات، وكما تدلل للأسف حالات عربية كارثية من لبنان والعراق إلى سوريا واليمن وليبيا، هو الحروب الأهلية الممتدة وانهيار مؤسسات الدولة وتفكك أواصر العيش المجتمعي المشترك والعنف الممنهج ضد المواطنات والمواطنين. إنهاء وجود الميليشيات والقضاء على ازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين حماية للمواطن والمجتمع والدولة هما، إذا، هدفا البداية في صدام السودان الراهن.
ارتكب نظام الرئيس السابق عمر البشير العديد من الجرائم والخطايا في حق الشعب السوداني، كان من بينها أشدها وطأة تجاهل المطالب التنموية المشروعة للأقاليم-الأطراف البعيدة عن العاصمة-المركز الخرطوم وتشجيع تكوين الميليشيات المسلحة وتوظيفها لاضطهاد وترويع وإخضاع سكان أقاليم كدارفور في الشمال الغربي وكردفان في جنوب الوسط وغيرهما. وفي دارفور، رتب ذلك نشوب حرب أهلية في 2003 بين القبائل ذات الأصول الإفريقية من سكان الإقليم التي تمردت على اضطهاد نظام البشير وبين مجموعات الجنجويد ذات الأصول العربية التي دعم البشير تحولها إلى ميليشيات وسلحها ولم يمنع تورطها سنوات الحرب الأهلية، في جرائم وانتهاكات مفزعة.
قاد ميليشيات الجنجويد في حرب دارفور الأهلية محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، الذي منحه الرئيس السابق البشير رتبة عسكرية وسمح له بالاحتفاظ باستقلالية ميليشياته ككيان شبه عسكري، واعتمد عليها في مواجهة حركات تمرد متتالية في أقاليم-أطراف مختلفة، وأعاد هيكلتها في 2013 تحت مسمى «قوات الدعم السريع» وضمن لها موارد اقتصادية ومالية مستقلة (مواقع تعدين الذهب في دارفور). تواصل صعود حميدتي وقواته التي تزايد عددها وعتادها، وشاركت بحلول 2015 في الحرب على الحوثيين في اليمن بعد انضمام نظام البشير إلى التحالف العربي بقيادة السعودية، وصارت بموجب قانون صدر في 2017 مدرجة اسميا في الجيش السوداني دون أن تدمج في أطره النظامية.

القلق الإقليمي والعالمي العام من استمرار العمليات العسكرية في السودان وما سيسفر عنه ذلك من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين ومن اتساع نطاق دمار البنى المجتمعية

وكان الرئيس السابق بكل ذلك يؤسس لبقاء طويل المدى للميليشيات ولازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين التي خرجت عن السيطرة بعد عزله من السلطة في 2019 وعرقلت كافة محاولات التوافق الوطني حول صيغة حكم مستقرة تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للسودانيات والسودانيين الذين أرادوا التخلص من الإرث المرير للبشير.
غير أن إنهاء وجود الميليشيات والقضاء على ازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين كهدفي البداية في الصدام الراهن لا يعنيان دفع الجيش السوداني إلى مواصلة العمليات العسكرية إلى أن يتم إنزال الهزيمة بقوات الدعم السريع. فالكلفة البشرية والمادية لاستمرار القتال مرتفعة بفداحة، وفرص النصر الكاسح هنا والهزيمة الساحقة هناك محدودة للغاية. الأقل ضررا مجتمعيا وسياسيا والأكثر واقعية عسكريا هو تشجيع الجيش، وبعد أن تمكن من منع الميليشيات من تحقيق انتصارات نوعية في الخرطوم وخارجها، على قبول (وتمديد) اتفاقات وقف إطلاق النار وتجديد التفاوض مع قوات الدعم السريع على مسار توافقي وضمانات مقبولة لدمجها مقاتلين وأسلحة في الأطر النظامية.
وليس للتفاوض في هذا الصدد سوى أن يتم برعاية أطراف إقليمية تقف إلى جانب الجيش السوداني كمصر، وبتشجيع من أطراف إقليمية أخرى تربطها بالميليشيات ولأسباب مختلفة علاقات تأييد ودعم وأتمنى أن تكون قد أدركت اليوم استحالة الحسم العسكري في الصدام الراهن وكارثية عدم إنهاء وجود الميليشيات التي تقوض مؤسسات الدولة الوطنية وتقضي على العيش المشترك في المجتمع وتنتهك بخروجها على الدستور والقانون حقوق المواطن.
وفي هذا الصدد يستطيع صناع القرار في مصر توظيف البيئة الدولية المؤيدة للتفاوض بين أطراف الصدام، وموقف الأمم المتحدة المطالب بدمج الميليشيات في الجيش النظامي، والقلق الإقليمي والعالمي العام من استمرار العمليات العسكرية في السودان وما سيسفر عنه ذلك من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين ومن اتساع نطاق دمار البنى المجتمعية والسكانية ومن تواصل عمليات النزوح واللجوء لمئات الآلاف ثم ملايين السودانيات والسودانيين الذين حتما سيضغطون اقتصاديا واجتماعيا على دول الجوار ومصر من بينها وحتما أيضا سيستدعون تقديم المساعدات المالية والإنسانية من عموم الإقليم والقوى العالمية.
والشاهد أن أطراف الصدام في السودان لم تقتنع تماما بعد بأولوية التفاوض على القتال، وأن أطرافا إقليمية ودولية ما لبثت تفتش عن سبل إطالة أمد العمليات العسكرية تحقيقا لما تراه مصالحها الاستراتيجية والأمنية، وأن قوى دولية قد ترحب بإلهاء الرأي العام العالمي عن حروبها هي بحرب أهلية دموية في بلد عربي وإفريقي كبير (مساحة وسكانا) يقع في منطقتين جغرافيتين حيويتين (شمال إفريقيا والقرن الإفريقي). لذلك تظل احتمالات الذهاب إلى جلسات تفاوضية جادة تظل محدودة ومحفوفة بالمخاطر، شأنها شأن فرص إقرار مسار توافقي قابل للتطبيق وفقا لجدول زمني واضح واعتماد ضمانات حقيقية ملزمة لدمج ميليشيات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن ثم إنهاء وجودها كميليشيات.
غير أن مسؤولية مصر تجاه الجار الأقرب ومقتضيات حماية شعبه وعيشه المشترك ومؤسسات دولته والحيلولة دون المزيد من الدماء والدمار والنزوح تلزم بالمحاولة، مثلما تحتمها مصالحنا الحيوية أمنا مائيا، وأمنا على امتداد حدودنا الطويلة مع السودان، وعلاقات اقتصادية وتجارية، وتنسيقا استراتيجيا مع حكومة سودانية مستقرة تتبنى فيما خص ملف سد النهضة وتجاه إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي اختيارات وسياسات لا تتناقض مع الاختيارات والسياسات المصرية. وقد تخفق المساعي المصرية للتشجيع على وفق إطلاق النار والتفاوض بين الجيش والدعم السريع، وقد تفشل مساعي قوى إقليمية ودولية أخرى. قد يطول أمد الصدام الراهن في السودان، وتستمر العمليات العسكرية، وترتفع كلفتها البشرية والمادية الباهظة بالفعل.
قد تحقق أطراف داخلية وإقليمية ودولية لا تمانع في إغراق جارنا الجنوبي في حرب أهلية طويلة المدى أهدافها، وقد يسبب ذلك المزيد من ضغوط الجوار المباشر لمصر على أوضاعها الداخلية، وهي ضغوط حاضرة بقوة وفي قائمة طويلة قادمة من الشرق (فلسطين) والغرب (ليبيا) والجنوب (إثيوبيا) وقطعا لا تنقصها اليوم أن تضاف إليها ضغوط انفلات ممتد للأوضاع في السودان.

كاتب من مصر

نقلا عن القدس العربي

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العملیات العسکریة الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية

اتهم الجيش السوداني قوات تابعة لخليفة بمهاجمة مواقع حدودية سودانية ومساندة الدعم السريع اليوم الثلاثاء.

وقال الجيش في بيان "هاجمت اليوم مليشيا آل دقلو الإرهابية مسنودة بقوات خليفة حفتر الليبية ( كتيبة السلفية) نقاطنا الحدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بغرض الاستيلاء على المنطقة"، والتي تقع إلى الشمال من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إحدى أهم خطوط المواجهة في الحرب.

وأضاف الجيش السوداني في بيانه "سندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها بالمنطقة".

وتعد هذه المرة الأولى التي يتهم فيها الجيش السوداني قوات اللواء خليفة حفتر بالضلوع المباشر في الحرب الدائرة منذ عامين بينه وبين قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ومطلع العام الجاري، قال ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد قائد الجيش السوداني، إن 25 بالمئة من قوات الدعم السريع هم من ليبياتحت قيادة خليفة حفتر، والمرتزقة من التشاد، وبعض الإثيوبيين، وأفراد من كولومبيا وأفريقيا الوسطى، وبقايا فاغنر، ومقاتلين من سوريا، بينما 65 بالمئة من القوة المتبقية من أبناء جنوب السودان، للأسف، في حين أن 5% فقط هم من الجنجويد الأصليين كقادة لبعض المجموعات.

وأشار العطا من مدينة بوط بولاية النيل الأزرق إلى أنهم تحدثوا مع المسؤولين في جنوب السودان خلال سنتين من الحرب حول هذا الموضوع، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء، حتى على مستوى الإعلام، لتجريم مثل هذه الأفعال.

وأضاف أنه كان بالإمكان القول في الإعلام إن جنوب السودان يشن حربا ضدهم.



وفي وقت سابق، أكد رئيس جيش تحرير السودان، مني اركومناوي، أن الدعم الأجنبي يتواصل عبر محور ليبيا، ويدخل تعزيزات جديدة بقوة قوامها 400 آلية عسكرية متنوعة عن طريق ليبيا إلى دارفور الآن، حسب قوله.

وسبق أن تحدثت تقارير أن  كتيبة طارق بن زياد التابعة لصدام حفتر قد توجهت مؤخراً نحو “معطن السارة”؛ لتأمين المنطقة، وحماية الطرق المؤدية إلى السودان، بما في ذلك إمدادات الأسلحة والوقود التي تنطلق من ميناء طبرق وتصل إلى السودان.

وشهدت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي اتهمها الجيش أيضا بالضلوع في الهجوم، تدخل العديد من الدول بينما لم تنجح المحاولات الدولية بعد في إحلال السلام.

وفي بداية الحرب اتهم السودان حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدها بالأسلحة، واتهم الإمارات، حليفة قائد قوات شرق ليبيا، بدعمها أيضا، عبر وسائل منها غارات جوية مباشرة بطائرات مسيرة الشهر الماضي. وتنفي الإمارات تلك المزاعم.

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية
  • الجيش السوداني يتهم قوات حفتر بدعم هجوم للدعم السريع على موقع حدودي
  • القوات المسلحة: الدعم السريع وقوات حفتر يهاجمون المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا
  • رسميا.. الجيش السوداني يتهم حفتر بالهجوم على نقاطه الحدودية
  • الجيش السوداني يتهم حفتر بمساندة مباشرة للدعم السريع
  • شبكة أطباء السودان: 179 قتيلاً جراء قصف الدعم السريع على الفاشر في مايو
  • د. حسن محمد صالح: من حول الدعم السريع الي المشروع الغربي العلماني؟
  • حرب المسيّرات تغيّر قواعد اللعبة في السودان… «الدعم السريع» يوسّع سيطرته من الجو
  • تصاعد المعارك بين الجيش و الدعم السريع في دارفور وكردفان
  • السودان بين سيطرة الجيش وتصعيد الدعم السريع.. قصف إغاثي وحصار مستمر