سودانايل:
2025-12-13@07:51:24 GMT

عن السودان وأزمته الممتدة

تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT

إزاء استمرار الصدام العسكري بين قوات الجيش وميليشيات الدعم السريع في السودان، الجار الجنوبي الأقرب لمصر فيما خص الأمن المائي وأمن الحدود والعلاقات الاقتصادية والتجارية والتبادل الإنساني، يواجه صناع القرار في مصر تحدي التعامل مع أزمة متعددة الأطراف ومركبة الأبعاد تهدد استقرار هذا البلد العربي والإفريقي الهام وأمن شعبه الشقيق مثلما تهدد العديد من مصالح مصر الحيوية وتزيد من ضغوط الجوار المباشر على أوضاعها.


في صدام طرفاه جيش نظامي وميليشيات مسلحة، لا تملك دولة وطنية مسؤولة سوى أن تقف إلى جانب قوات الجيش صاحبة الاختصاص الحصري لاستخدام القوة العسكرية وفقا للدستور والقانون في مواجهة ميليشيات يمثل وجودها، وبغض النظر عن خلفياته التاريخية والمجتمعية والسياسية، خروجا مبدئيا على الدستور والقانون. فالمآل الوحيد لازدواجية الجيش والميليشيات، وكما تدلل للأسف حالات عربية كارثية من لبنان والعراق إلى سوريا واليمن وليبيا، هو الحروب الأهلية الممتدة وانهيار مؤسسات الدولة وتفكك أواصر العيش المجتمعي المشترك والعنف الممنهج ضد المواطنات والمواطنين. إنهاء وجود الميليشيات والقضاء على ازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين حماية للمواطن والمجتمع والدولة هما، إذا، هدفا البداية في صدام السودان الراهن.
ارتكب نظام الرئيس السابق عمر البشير العديد من الجرائم والخطايا في حق الشعب السوداني، كان من بينها أشدها وطأة تجاهل المطالب التنموية المشروعة للأقاليم-الأطراف البعيدة عن العاصمة-المركز الخرطوم وتشجيع تكوين الميليشيات المسلحة وتوظيفها لاضطهاد وترويع وإخضاع سكان أقاليم كدارفور في الشمال الغربي وكردفان في جنوب الوسط وغيرهما. وفي دارفور، رتب ذلك نشوب حرب أهلية في 2003 بين القبائل ذات الأصول الإفريقية من سكان الإقليم التي تمردت على اضطهاد نظام البشير وبين مجموعات الجنجويد ذات الأصول العربية التي دعم البشير تحولها إلى ميليشيات وسلحها ولم يمنع تورطها سنوات الحرب الأهلية، في جرائم وانتهاكات مفزعة.
قاد ميليشيات الجنجويد في حرب دارفور الأهلية محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، الذي منحه الرئيس السابق البشير رتبة عسكرية وسمح له بالاحتفاظ باستقلالية ميليشياته ككيان شبه عسكري، واعتمد عليها في مواجهة حركات تمرد متتالية في أقاليم-أطراف مختلفة، وأعاد هيكلتها في 2013 تحت مسمى «قوات الدعم السريع» وضمن لها موارد اقتصادية ومالية مستقلة (مواقع تعدين الذهب في دارفور). تواصل صعود حميدتي وقواته التي تزايد عددها وعتادها، وشاركت بحلول 2015 في الحرب على الحوثيين في اليمن بعد انضمام نظام البشير إلى التحالف العربي بقيادة السعودية، وصارت بموجب قانون صدر في 2017 مدرجة اسميا في الجيش السوداني دون أن تدمج في أطره النظامية.

القلق الإقليمي والعالمي العام من استمرار العمليات العسكرية في السودان وما سيسفر عنه ذلك من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين ومن اتساع نطاق دمار البنى المجتمعية

وكان الرئيس السابق بكل ذلك يؤسس لبقاء طويل المدى للميليشيات ولازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين التي خرجت عن السيطرة بعد عزله من السلطة في 2019 وعرقلت كافة محاولات التوافق الوطني حول صيغة حكم مستقرة تضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للسودانيات والسودانيين الذين أرادوا التخلص من الإرث المرير للبشير.
غير أن إنهاء وجود الميليشيات والقضاء على ازدواجية حاملي السلاح النظاميين وغير النظاميين كهدفي البداية في الصدام الراهن لا يعنيان دفع الجيش السوداني إلى مواصلة العمليات العسكرية إلى أن يتم إنزال الهزيمة بقوات الدعم السريع. فالكلفة البشرية والمادية لاستمرار القتال مرتفعة بفداحة، وفرص النصر الكاسح هنا والهزيمة الساحقة هناك محدودة للغاية. الأقل ضررا مجتمعيا وسياسيا والأكثر واقعية عسكريا هو تشجيع الجيش، وبعد أن تمكن من منع الميليشيات من تحقيق انتصارات نوعية في الخرطوم وخارجها، على قبول (وتمديد) اتفاقات وقف إطلاق النار وتجديد التفاوض مع قوات الدعم السريع على مسار توافقي وضمانات مقبولة لدمجها مقاتلين وأسلحة في الأطر النظامية.
وليس للتفاوض في هذا الصدد سوى أن يتم برعاية أطراف إقليمية تقف إلى جانب الجيش السوداني كمصر، وبتشجيع من أطراف إقليمية أخرى تربطها بالميليشيات ولأسباب مختلفة علاقات تأييد ودعم وأتمنى أن تكون قد أدركت اليوم استحالة الحسم العسكري في الصدام الراهن وكارثية عدم إنهاء وجود الميليشيات التي تقوض مؤسسات الدولة الوطنية وتقضي على العيش المشترك في المجتمع وتنتهك بخروجها على الدستور والقانون حقوق المواطن.
وفي هذا الصدد يستطيع صناع القرار في مصر توظيف البيئة الدولية المؤيدة للتفاوض بين أطراف الصدام، وموقف الأمم المتحدة المطالب بدمج الميليشيات في الجيش النظامي، والقلق الإقليمي والعالمي العام من استمرار العمليات العسكرية في السودان وما سيسفر عنه ذلك من ارتفاع أعداد القتلى والمصابين ومن اتساع نطاق دمار البنى المجتمعية والسكانية ومن تواصل عمليات النزوح واللجوء لمئات الآلاف ثم ملايين السودانيات والسودانيين الذين حتما سيضغطون اقتصاديا واجتماعيا على دول الجوار ومصر من بينها وحتما أيضا سيستدعون تقديم المساعدات المالية والإنسانية من عموم الإقليم والقوى العالمية.
والشاهد أن أطراف الصدام في السودان لم تقتنع تماما بعد بأولوية التفاوض على القتال، وأن أطرافا إقليمية ودولية ما لبثت تفتش عن سبل إطالة أمد العمليات العسكرية تحقيقا لما تراه مصالحها الاستراتيجية والأمنية، وأن قوى دولية قد ترحب بإلهاء الرأي العام العالمي عن حروبها هي بحرب أهلية دموية في بلد عربي وإفريقي كبير (مساحة وسكانا) يقع في منطقتين جغرافيتين حيويتين (شمال إفريقيا والقرن الإفريقي). لذلك تظل احتمالات الذهاب إلى جلسات تفاوضية جادة تظل محدودة ومحفوفة بالمخاطر، شأنها شأن فرص إقرار مسار توافقي قابل للتطبيق وفقا لجدول زمني واضح واعتماد ضمانات حقيقية ملزمة لدمج ميليشيات الدعم السريع في الجيش السوداني ومن ثم إنهاء وجودها كميليشيات.
غير أن مسؤولية مصر تجاه الجار الأقرب ومقتضيات حماية شعبه وعيشه المشترك ومؤسسات دولته والحيلولة دون المزيد من الدماء والدمار والنزوح تلزم بالمحاولة، مثلما تحتمها مصالحنا الحيوية أمنا مائيا، وأمنا على امتداد حدودنا الطويلة مع السودان، وعلاقات اقتصادية وتجارية، وتنسيقا استراتيجيا مع حكومة سودانية مستقرة تتبنى فيما خص ملف سد النهضة وتجاه إثيوبيا ومنطقة القرن الإفريقي اختيارات وسياسات لا تتناقض مع الاختيارات والسياسات المصرية. وقد تخفق المساعي المصرية للتشجيع على وفق إطلاق النار والتفاوض بين الجيش والدعم السريع، وقد تفشل مساعي قوى إقليمية ودولية أخرى. قد يطول أمد الصدام الراهن في السودان، وتستمر العمليات العسكرية، وترتفع كلفتها البشرية والمادية الباهظة بالفعل.
قد تحقق أطراف داخلية وإقليمية ودولية لا تمانع في إغراق جارنا الجنوبي في حرب أهلية طويلة المدى أهدافها، وقد يسبب ذلك المزيد من ضغوط الجوار المباشر لمصر على أوضاعها الداخلية، وهي ضغوط حاضرة بقوة وفي قائمة طويلة قادمة من الشرق (فلسطين) والغرب (ليبيا) والجنوب (إثيوبيا) وقطعا لا تنقصها اليوم أن تضاف إليها ضغوط انفلات ممتد للأوضاع في السودان.

كاتب من مصر

نقلا عن القدس العربي

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: العملیات العسکریة الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع

فرضت بريطانيا عقوبات على كبار قادة قوات الدعم السريع السودانية، متهمة إياهم بالتورط في عمليات قتل جماعي وعنف جنسي بشكل ممنهج وهجمات متعمدة على المدنيين في السودان، وطالت العقوبات "نائب قائد قوات الدعم عبد الرحيم دقلو، قائد قطاع شمال دارفور اللواء جدو حمدان، القائد تيجاني إبراهيم موسى، والفاتح عبدالله إدريس المعروف بـ(أبو لولو)".

Britain sanctioned senior commanders of Sudan's paramilitary Rapid Support Forces on Friday, over what it said were their links to mass killings, systematic sexual violence and deliberate attacks on civilians in the African country. https://t.co/qLl1LxAIYV — Reuters Africa (@ReutersAfrica) December 12, 2025
وقالت الحكومة البريطانية إن هؤلاء القاعدة يُشتبه في تورطهم بهذه الجرائم، باتوا يواجهون تجميد أصول وحظر سفر، وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر في بيان "الفظائع المرتكبة في السودان مروعة إلى حد أنها تترك ندبة في ضمير العالم... والعقوبات التي نعلنها اليوم ضد قادة قوات الدعم السريع تشكل ضربة مباشرة لأولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء".

وتأتي هذه العقوبات بعد أن اقترحت الولايات المتحدة والإمارات ومصر والسعودية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي خطة لهدنة لمدة ثلاثة أشهر تليها محادثات سلام، وردت قوات الدعم السريع بقبول الخطة، لكنها سرعان ما شنت غارات جوية مكثفة بطائرات مسيرة على مناطق تابعة للجيش.

معاقبة شبكة تجند مقاتلين من كولومبيا
وفرضت الولايات المتحدة، الثلاثاء عقوبات على شبكة عابرة للحدود تُجند عسكريين كولومبيين سابقين وتدرب جنودًا بينهم أطفال للقتال في صفوف قوات الدعم السريع، وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان، أنها فرضت عقوبات على 4 أفراد و 4 كيانات ضمن الشبكة، التي قالت إنها تتألف في معظمها من مواطنين وشركات كولومبية.

BREAKING: The US government has imposed sanctions on a network that is fueling the conflict by recruiting former Colombian military personnel to train soldiers—including children—to fight for the Rapid Support Forces, a Sudanese paramilitary group.

"The Rapid Support Forces have… — Harun Maruf (@HarunMaruf) December 9, 2025
وأفادت بأن العقوبات على الشبكة تُعطل مصدرًا مهمًا للدعم الخارجي لقوات الدعم، ما يُضعف قدرتها على استخدام مقاتلين كولومبيين مهرة ضد المدنيين. واتُهمت قوات الدعم السريع باستهداف المدنيين وقتل الرجال وحتى الرضع، كما استهدفت النساء والفتيات عمدًا ومارست بحقهن الاغتصاب. وأكدت الوزارة في بيانها أنها ستعمل بالتنسيق مع دول المنطقة لإنهاء هذه الفظائع وتحقيق الاستقرار في السودان.

دعوة لقبول الهدنة
من جانبه، أكد مبعوث الرئيس الأمريكي إلى أفريقيا مسعد بولس، أن واشنطن تحاسب مرتكبي الفظائع بالسودان، داعياً الأطراف السودانية إلى قبول الهدنة لوقف العنف في البلاد، وكتب عبر حسابه على منصة "إكس": " تُحمّل الولايات المتحدة المسؤولية لأولئك الذين يرتكبون الفظائع في السودان".

Today, the United States is holding accountable those who commit atrocities in Sudan. The parties must accept a humanitarian truce to halt the violence and end external military support from transnational networks of murderers like the Colombians we sanctioned today. These… — U.S. Senior Advisor for Arab and African Affairs (@US_SrAdvisorAF) December 9, 2025
وأضاف "يجب على الأطراف القبول بهدنة إنسانية لوقف العنف وإنهاء الدعم العسكري الخارجي من الشبكات العابرة للحدود التي تضم قتلة، مثل الكولومبيين الذين فُرضت عليهم العقوبات"، مضيفًا "تعكس هذه الإجراءات التزامنا بدعم السلام ومساندة الشعب السوداني".

الملايين يواجهون انعدام الغذاء
من جانبه، أعلن مدير العمليات في منظمة أطباء بلا حدود كينيث لافيل، انهيار كل الأنظمة التي تحفظ الحياة في السودان، محذرًا من أن نحو 9 ملايين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في السودان، يأتي هذا في وقت أكد فيه وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبر اهيم، أن السودان يسجل أكثر من 3 ملايين إصابة سنويًا بالملاريا مع معدلات وفيات عالية، وفقًا للإحصاءات الرسمية المسجلة في المستشفيات.

الأمم المتحدة تحذر من أن المدنيين في منطقتي #دارفور و #كردفان لا يزالون يواجهون عنفا متصاعدا وعشوائيا،

وتجدد الدعوة لكافة أطراف النزاع في #السودان إلى وقف الهجمات على المدنيين فورا، والالتزام بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.https://t.co/B8ikEvX8gk — أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) December 11, 2025
وأفاد شهود عيان بأن ولاية شمال كردفان باتت تحتضن العدد الأكبر من النازحين، وتؤوي حاليًا نحو 864 ألف شخص، ووفق مفوضية العون الإنساني في الولاية فإن قرابة 82 ألف نازح يقيمون داخل مراكز الإيواء، بينما تتوزع البقية بين مجتمعات مضيفة والأقارب.

مقالات مشابهة

  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • سفير السودان: القرار البريطاني ضد الدعم السريع خطوة سياسية مهمة
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قيادات قوات «الدعم السريع» في السودان
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
  • بريطانيا: عقوبات على 4 من قادة الدعم السريع بينهم عبد الرحيم دقلو
  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على قيادات من "الدعم السريع" بالسودان
  • جنوب السودان يتولى أمن حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السريع
  • هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
  • جوتيريش: سنلتقي ممثلين عن الجيش السوداني والدعم السريع في جنيف
  • شبكة أطباء السودان: 19 ألف محتجز بسجون الدعم السريع بجنوب دارفور