غزة تموت جوعا وسم يتصدر منصات التواصل
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
في مشهد يهزّ الضمير الإنساني، يتصدر وسم "غزة تموت جوعا" منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتداول ناشطون عرب وأجانب صورًا ومقاطع فيديو تدمي القلوب، تُظهر أطفالا ونساء وشيوخا يتزاحمون على أبواب الجمعيات الخيرية بحثا عن بقايا طعام تسدّ رمقهم.
لليوم الـ60 على التوالي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي سياسة الحصار والتجويع الممنهجة بحق سكان قطاع غزة، بينهم أكثر من مليون طفل من مختلف الأعمار يعانون من الجوع اليومي، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية.
لم تعد هذه الجرائم مجرد أرقام أو تقارير، بل تحولت إلى مشاهد دامية ومأساوية تنقلها عدسات الهواتف، تتضمن صرخات الأطفال الجوعى التي تخترق الصمت العالمي المخزي.
مجاعة بلا رحمةوقد وصف مدير مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية أجيت سونغاي ما يجري في قطاع غزة بأنه غير مسبوق، وقال للجزيرة إن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها بموجب القانون.
وأكد للجزيرة أن وضع غزة هو الأسوأ منذ 18 شهرا حيث لا مياه نظيفة ولا أغذية يتم توزيعها، وقال "منذ 60 يوما لم تدخل حبة قمح أو أي من المساعدات الإنسانية والطبية ولوازم السكن"، مذكّرا بإعلان برنامج الغذاء العالمي أنه لم يعد لديه ما يوزعه في القطاع الفلسطيني.
إعلان الأطفال وجه المجاعةمن بين القصص التي هزّت مشاعر العالم، قصة الطفلة الرضيعة "سوار عاشور" التي لم تُكمل شهرها الخامس ووُلدت بملامح بريئة كأنها ملاك نازل من السماء، لكن الحصار والجوع وسوء التغذية سرقوا منها طفولتها خلال أيام.
سوار عاشور، رضيعة لم تُكمل شهرها الخامس، وُلدت بملامح بريئة كأنها ملاك نازل من السماء، لكن الحصار والجوع وسوء التغذية سرقوا منها طفولتها في أيام… في الصورة الأولى كانت زهرة، في الثانية أصبحت ظلًا ناحلًا لجسد يُحتضر.. صدرها النحيل بارز كقفص من العظم، وملامحها اختفت تحت وجع… pic.twitter.com/OpDqPOULOo
— أدهـم ابراهيم أبـو سلميـة (@pal00970) April 29, 2025
وقارن مغرّدون صورتين للطفلة سوار خلال فترة قصيرة؛ في الأولى -قبل تفشّي المجاعة- بدت زهرةً متفتحةً بالحياة، أما في الثانية فتحوّلت إلى ظل عظمٍ نحيف يحتضر، وصدرها بارز كقفص فارغ، وملامحها اختفت تحت وجع الجوع والمرض.
وتساءل بعض المغردين "أي ذنب اقترفته هذه الطفلة لتُعاقب بهذا الشكل؟ أنقذوا سوار، أنفاسها تتناقص أمام أعيننا، ولا يرف للإنسانية جفن".
أضاف مدونون أن أطفال غزة يصرخون بوجوهٍ هزيلة وأجسادٍ أنهكها العطش والجوع، عيونهم الصغيرة تُحدثنا عن مأساة لا تُحتمل، وألسنتهم تبحث عن لقمة تسدّ رمقهم تحت حصار لا يرحم.
الطفلة سوار عاشور، قصة تشهد على كارثة سوء التغذية في قطاع غزة! أكثر من 60 ألف طفل مهددون بالموت بسبب سوء التغذية، ولا يزال الحصار مستمرًا، ودخول الغذاء والدواء ممنوع بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
Sewar Ashour, an infant girl, who is a living testimony to the catastrophe of… pic.twitter.com/WtT6IwYAuk
— Dr.Muneer Alboursh د.منيرالبرش (@Dr_Muneer1) April 28, 2025
وقد قال المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش إن "الطفلة سوار عاشور قصة تُجسّد كارثة سوء التغذية في القطاع، وأكثر من 60 ألف طفل مهددون بالموت، في ظل استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي".
إعلانوكتب الناشط يوسف أبو زريق في وصفٍ مؤلم لمعنى الجوع في غزة "ليس لأننا لا نجد ما نأكله، بل لأن أجسادنا لا تحصل على حاجتها من الطعام. الرجل يسقط من طوله، المرأة تلد دون غذاء، كبار السن يموتون لأن المعلبات لا تسد احتياجاتهم، أجسادنا تنحف، ولا شيء يوقف نزيف النحافة".
الجوع هُنا لا يعني أننا لا نجد ما نأكله، بالعكس، قد نجد خبزةً يابسة، نصف علبة فاصولياء، علبة حمص..إلخ إلخ من المُعلبات التي قتلتنا طوال عامٍ ونصفهِ..لكن الجوع الذي نتحدث عنه هو أن يسقط الرجل من طوله لأنه لم يأخذ احتياج جسده من الطعام رغم أنه أكل القليل من الأرز من تكيةٍ…
— يوسف أبوزريق #غزة???????? (@abn_gaza90) April 29, 2025
ويضيف عبر صفحته على منصة إكس "الجوع أفقد الناس القدرة على البكاء. بعضهم يدفن شهيدين وثلاثة، ثم يخرج باحثًا عن فتات طعام للناجين. الأحزان مؤجلة بسبب الخوف والجوع".
الجوع الشديد أفقد الناس القدرة على الصراخ والمناشدة والمناجاة،
الناس هائمة على وجوهها في الطرقات، وهناك من يفقد شهيدين وثلاثة وخمسة ولا يجد زمنا للبكاء ولا الرثاء، فهو مضطر أن يجد طعاما للبقية بعد مراسم الدفن، إن صح أن نسميها مراسم،
الأحزان كثيرة، وكثيرة جدا، ولكنها بسبب الخوف…
— Ali Abo Rezeg (@ARezeg) April 28, 2025
في حين يوضح الناشط علي أبو رزق أن "الجوع الشديد أفقد الناس القدرة على الصراخ والمناشدة، الناس هائمة على وجوهها، هناك من يفقد شهيدين وثلاثة وخمسة، ولا يجد وقتًا للبكاء، فهو مضطر للبحث عن طعام للبقية بعد مراسم الدفن، إن صح أن نسميها مراسم. الأحزان كثيرة، لكنها مؤجلة".
وكتب أحد المغردين "في غزة، لا يموت الأطفال من القصف وحده، بل يفتك بهم الجوع قبل أن تصلهم القذائف. بطونهم الخاوية تصرخ في (وجه) صمت العالم، وأعينهم الغائرة تبحث عن كسرة خبز بين الركام هناك، الموت له طعم الجوع، ورائحة الخبز المفقود أغلى من الأمان".
في غزة، لا يموت الأطفال من القصف وحده، بل يفتك بهم الجوع قبل أن تصلهم القذائف.
بطونهم الخاوية تصرخ في صمت العالم، وأعينهم الغائرة تبحث عن كسرة خبز بين الركام.
هناك، الموت له طعم الجوع، ورائحة الخبز المفقود أغلى من الأمان.#It_Is_Too_Late#غزة_تُباد #إسرائيل pic.twitter.com/G30CmGmdHB
— بانوی مهتاب (@fFallah68) April 29, 2025
إعلانوأضاف مدون "غزة تموت جوعًا قبل القصف. شهران دون دخول ذرة طحين أو قارورة ماء. الخضار والفواكه أصبحت من أحلامهم. اللحوم والدجاج نسي الأطفال مذاقها، أما الكبار فيتخيلون طعمها وهم يبلعون الريق المخلوط بالتراب والبارود".
وتساءل آخرون "لا ندري ما الذي ننتظره؟ بهذا الصمت، نحن ننتظر نهايتهم جميعًا. كل ما طلبوه طعام وشراب ودواء… فقط".
وأشار نشطاء إلى أن سكان قطاع غزة اضطروا وأطفالهم لأكل الخبز اليابس والتالف والمتعفن ليسدّوا جوعهم بعد أن ضاقت بهم السبل وسط مجاعة خانقة.
يذكر أن إسرائيل تمنع دخول الغذاء والدواء إلى قطاع غزة منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، وقد حذرت الأمم المتحدة من أن الوضع الإنساني في القطاع المدمر "تجاوز كل حدود التصور".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
فخاخ الطحين.. حيث يصطاد الاحتلال جوع الفلسطيني
لم تكن ماريا شيخ العيد، ذات الأربعين عامًا، تملك ترف الاختيار بين الموت أو الانتظار. في فجر رمادي من يونيو، شدّت حجابها على رأسها وخرجت وحدها من خيمتها المتواضعة في مواصي خان يونس، تاركة خلفها سبعة أفواه صغيرة جائعة، وعدتهم بكيس دقيق وقليل من الزيت والسكر من مركز توزيع المساعدات غرب رفح، وقالت إنها لن تعود إلا به. لم تعلم أنها ستعود فعلًا، لكن لا محمّلة بالخير، بل محمولة في كيس أبيض كُتب عليه «هنا تنتهي القصة».
دماء على كيس الطحين
ماريا، هي شهيدة المساعدات الثانية في عائلتها، بعد أن فقدت زوجها بالطريقة ذاتها قبل نحو شهرين. فكانت لصغارها الأم والأب والمعيل في وقتٍ لم يعد فيه للغزيين إلا الأمل. كانت تحتمي بضعفها كامرأة، في يومٍ خُصص لتوزيع المساعدات للنساء فقط. زحفت وسط الزحام، تواسي قلبها المتعب بصورة أطفالها ينتظرونها عند مدخل البيت. لكنها لم تصل، فطلقة واحدة من قناصٍ إسرائيلي وضعت نهاية لصراعها مع الجوع، وأسقطتها أرضًا، جثةً تنزف في صحراء «المساعدات».
تركت ماريا 7 أطفال، أكبرهم (14 عامًا)، أيتامًا تمامًا، ينتحبون بكاءً من الفقد، وتصرخ أمعاؤهم من شدة الجوع، محاصرين بين وجع اليتم والهزال على بوابات مستشفى ناصر الطبي بخان يونس.
أسبوعان من الجوع كانوا كافيين ليحفروا في قلب ماريا رغبة بالحياة، أو ما تبقى منها. خرجت لترى المساعدات، فكان في انتظارها رصاص، وبدل كيس الدقيق، كيس موتى. هكذا يعود الفلسطيني من رحلة الخبز في زمن الحصار.
مصائد للذبح
في ظلال المجاعة الخانقة التي تضرب قطاع غزة، خرجت منظمة أُطلق عليها اسم «غزة الإنسانية» إلى العلن في 25 مايو الماضي، وهي مبادرة مشتركة أمريكية إسرائيلية، قيل إنها جاءت لتوزيع المساعدات الغذائية على المدنيين. لكن الأرض تشهد بما هو خلاف ذلك، فالمراكز التي خصصت لتوزيع الطعام أصبحت شراك موت، حيث يُقتل فيها الناس وهم يحملون بطاقات الانتظار بدلًا من البنادق، ويحملون الأطفال بدلًا من الأكياس.
هذه المنظمة، رغم صيغتها الوردية، لم تكن يومًا محل ثقة لدى الفلسطينيين، ولا حتى لدى منظمات الإغاثة الدولية. جميع التقارير الأممية أكدت أن هذه المراكز تحوّلت إلى «مصائد للذبح»، وأنها وُضعت لا لتخفيف المجاعة، بل لتجميل صورة الاحتلال الغاصب، وتبرير وحشيته أمام الرأي العام الغربي.
منذ مايو وحتى الآن، استُشهد أكثر من 1066 فلسطينيا أمام هذه المراكز. الرقم لا يعكس الحجم الكامل للفاجعة، لأن بين القتلى أطفالًا ونساءً وعجزة، لم تكن أيديهم قادرة على حمل السلاح، بل فقط أكياس بلاستيكية صغيرة أمِلوا أن يملؤوها بالقليل من الغذاء.
تزامنًا مع تفاقم المجاعة وإغلاق المعابر منذ الثاني من مارس، تحولت هذه المراكز إلى نقاط تجمع مرصودة ناريًّا، حيث تنتهي حياة الناس في اللحظة التي يصلون فيها إلى بوابة النجاة. لا حديث عن شحنات أو كميات، بل عن دقة القنّاص، وزاوية الرؤية، وسرعة الرصاصة في ملاحقة الحلم.
شاهدة نجت
في منطقة الشاكوش بمدينة رفح، وفي يوم قائظ لم يرحم الوجوه المتشققة ولا الأجساد الظامئة، سقطت نجاة شاهين مغشيًا عليها. كانت قد جاءت مشيًا على الأقدام من دير البلح، في محاولة منها لانتزاع بعض الطحين لأبنائها الذين غرقوا في الجوع. خمس وخمسون عامًا من العمر لم تكن ثقيلة عليها بقدر ما أثقلها الانتظار والخذلان.
حين اقترب منها بعض الشبان، رأوا في وجهها علامات جفاف لم يسبق لهم أن شاهدوها من قبل، قدموا لها شربة ماء في كيس بلاستيكي، فقد نفدت الأكواب، وتحوّلت الصحراء إلى مساحة لا مكان فيها لراحة ولا كرامة. ارتشفت الماء كله، ثم سكبته على وجهها المحترق من الشمس. لم تستطع الحديث، واكتفت بالبكاء، بينما غطت وجهها بحجابها وهمست: «رموا علينا قنابل.. رموا علينا رصاص».
أرادت فقط أن تطعم أبناءها، لكنها وجدت نفسها بين القنابل والدخان. قالت لهم إنهم كذبوا عليهم، إنهم وعدوهم بمساعدات فإذا بالجحيم ينتظر عند كل مفترق. مشهد نجاة لم يكن الوحيد، لكن دموعها كانت كافية لتلخص قهر أمهات غزة، اللواتي يتنقلن بين الجوع والقصف بحثًا عن شقفة خبز وجرعة ماء.
ساحة حرب
هناك في محيط مراكز توزيع المساعدات، لا شيء يشبه المساعدات ولا ما يحيط بها يشبه الحياة. في مشهد أشبه بساحة حرب، تتراكض الأجساد الهزيلة وتتعثر، بينما يصفر الرصاص فوق الرؤوس كأنّه يتعمّد إصابة الجائع في قلبه. العشرات يركضون حفاة، يتدافعون بعشوائية، ثمّ فجأة يسقط البعض أرضًا، فيما يصرخ آخرون: «هربنا.. هربنا»، كأنهم نفضوا أيديهم من كل شيء عدا الغريزة.
يعلو صراخ النساء، يركض الأطفال وهم يصرخون بلا اتجاه، يلتفون حول شاحنة ظنّوها تحمل الخلاص، فإذا بها تصير فخًا مكشوفًا، ونيشانًا ثابتًا لجنود الاحتلال المختبئين خلف أكوام الرمل. عندها لا يسع الناس سوى الارتماء على الأرض، والاحتماء ببعضهم، بأجسادهم، بأكياس الطحين الممزقة على الرمال.
الوجوه شاحبة، والأعين مذهولة، كأنهم يفيقون كل مرة على حقيقة أنهم مستهدفون حتى في لحظة بحثهم عن كسرة خبز. تلك اللحظة التي يفترض أن تكون استثناءً من الموت، تحوّلت هي ذاتها إلى مرمى نيران، إلى كمين حي، إلى لغم إنساني.
في هذا المشهد، لا ترى أعلامًا بيضاء، ولا ممرات آمنة، بل مجرد بشر يتسابقون مع الموت على رغيف. كل شيء يوحي بأنّ هناك من أراد للمساعدات أن تُلقى كطُعم، وأن يُختبر الفلسطينيون بين جوعهم وخوفهم. وللأسف، لا يخيّبون الظنّ: فهم يأتون رغم كل شيء، يتقاطرون من كل حي، حاملين أملًا ممزوجًا بالدم.
رصاص زكيم
في أقصى شمال القطاع، وتحديدًا في المنطقة المعروفة باسم زكيم، التي تحولت إلى ساحة موت شبه يومية، يخرج المواطنون من منازلهم التي استهلكها القصف والجوع على حد سواء، لا يحملون سوى قلوبهم، وأملًا بأن تأتي شاحنات المساعدات متأخرة، لكن غير مرصودة.
أحد هؤلاء، سعيد حمدان، في الأربعين من عمره، كان يركض وقد حمل على ظهره كيس دقيق ثقيل، لكنه بدا عليه وكأنه يحمل طفله الرضيع. كان يلهث، ويتلفت يمينًا ويسارًا، وعيناه تترقبان الموت في أي لحظة. صرخ: «كنت سأموت! كنت سأدفع روحي ثمنًا لكيس الطحين هذا!».
لم يكن يبالغ. القنابل كانت تتساقط على رؤوس الناس، بينما كانت شاحنات المساعدات تفرغ حمولتها بعيدًا، تحت حراسة الاحتلال. وُضعت الحواجز، ثم أطلقت الرصاصات، وراح الضحايا يتساقطون واحدًا تلو الآخر، كما لو أن كل كيس طحين كان يحتاج إلى تضحية إنسانية.
جحيم النابلسي
وفي محور «نتساريم» وسط القطاع، بدا المشهد أكثر قسوةً ودهشة. ليس فقط لأن عدد الضحايا كان أكبر، بل لأن الطرق المؤدية إلى شاحنات المساعدات كانت مفروشة بالجثث، والدماء تغسل الإسفلت. خرج الناس جائعين، وعادوا محمولين على الأكتاف، فالخبز هنا لا يأتي إلا مع الرصاص.
أحمد الأخرس، شاب ثلاثيني، كان يقود دراجته بسرعة خيالية. يحمل حقيبة صغيرة على ظهره، وقد علا وجهه البؤس والهلع، قال: «منذ أسبوع وأنا أذهب إلى مراكز توزيع المساعدات في النابلسي، وأرى الموت بعيني. أتعرض للذل كي أحصل على لقمة الطحين لإخوتي وللصغار من أهلي».
كل يوم يغامر بحياته، ولا يضمن العودة. أضاف خلال حديثه لـ«عُمان» أن المساعدات لا تصل إلى المستحقين، وأن من يموتون هناك لا يُعرفون بأسمائهم، بل يُحسبون أرقامًا. لا شفقة، لا إنقاذ، فقط قنابل ودموع، وجرعة ألم تُضاف إلى أرشيف لا ينتهي من المآسي.
رفح المحاصرة
أما مدينة رفح، التي باتت رمزًا للموت الصامت، فالقصة فيها تتكرر بصورة أكثر ظلمة. هناك، يقف الناس في طوابير طويلة، لا يطمحون بشيء أكثر من كرتونة طعام صغيرة، فيها القليل من الزيت وأرز وربما السكر إن حالفهم الحظ.
محمد الأشقر، رجل في الأربعينات، كان يحمل كرتونة خفيفة فوق كتفه كمن يحمل كنزًا. قال لـ«عُمان»: «قالوا إن هناك مساعدات، وذهبنا لجلبها، الحمد لله ربنا وفقنا في الحصول على هذه الكرتونة. لا نجد اللقمة. نحصل عليها بالموت والشقاء والتعب. من فم الحصار هذا».
كان جسده نحيفًا كجذع شجرة ضربتها النار، لكن عينيه تلمعان بوميض النصر الصغير، كمن انتصر على الجوع ولو مؤقتًا. لم يكن يعرف هل سيعود اليوم التالي حيًا أم لا، لكنه كان سعيدًا بتلك الوجبة التي سيشاركها مع أسرته المنهكة.
حرب بالتجويع
زاهر الوحيدي، رئيس وحدة المعلومات بوزارة الصحة في قطاع غزة، تحدث لـ«عُمان» قائلًا: «استُشهد أكثر من 1066 شخصًا من طالبي ومنتظري المساعدات أمام مراكز التوزيع التي تديرها ما يسمى منظمة غزة الإنسانية، والتي بدأت عملها في مايو الماضي». وأضاف أن قصة الجوع الشديد بدأت بعد الثاني من مارس 2025، حين أُغلقت المعابر وتوقفت التهدئة.
وأوضح الوحيدي، أن وزارة الصحة بدأت ترصد ارتفاعًا مروعًا في أعداد الوفيات الناتجة عن المجاعة وسوء التغذية، فبعد أن كانت الوفيات مقتصرة على الأطفال دون سن الخامسة، بدأت الأرقام تشمل كبار السن، ومرضى السرطان، وضغط الدم، والسكري، وهي فئات لم تعد تملك مقاومة الحرب بالتجويع.
وأكد أن هذه ليست مجاعة عادية، بل هي حرب معلنة من قبل الاحتلال عبر أدوات التجويع، بعدما فشل في كسر إرادة الشعب الفلسطيني بالقصف والصواريخ، فلجأ إلى أسوأ وسيلة عرفتها البشرية: الجوع.
واختتم الوحيدي تصريحه بالقول: «حتى الأمس، سجلنا 122 حالة وفاة نتيجة المجاعة، من بينهم 83 طفلًا. هذه الأرقام تتزايد بشكل يومي، وإن لم يتم فتح المعابر بشكل فوري، فإن الكارثة الإنسانية ستتفاقم إلى مستوى لم يشهده العالم من قبل».