الاحتلال يواصل فرض هيمنته البصرية على القدس في ذكرى استقلاله المزعوم
تاريخ النشر: 30th, April 2025 GMT
قالت دانا أبو شمسية، مراسلة القاهرة الإخبارية من القدس المحتلة، إنه في مشهد يتكرر كل عام، تغرق شوارع القدس المحتلة بالأعلام الإسرائيلية التي ترفرف من كل زاوية ومبنى، في محاولة من سلطات الاحتلال لتثبيت رموز السيادة على مدينة ما زالت عصيّة على التهويد، يأتي هذا في إطار ما يُعرف إسرائيليًا بذكرى "الاستقلال"، وهي المناسبة التي تتزامن مع ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، التي ما تزال تداعياتها مستمرة حتى اليوم في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
وأضافت خلال رسالة على الهواء مع بسنت أكرم، أن إسرائيل تسعى وفق ما يرصده سكان المدينة، إلى تطبيق نوع جديد من السيطرة يُعرف بـ"الاحتلال البصري"، عبر تكتيكات تهدف إلى اختراق الوعي والحواس، لا بمجرد القوة العسكرية، بل باستخدام أدوات ناعمة كالإشارات البصرية والرموز. وتتمثل هذه الممارسات في رفع الأعلام، وتثبيت لافتات عبرية بأسماء تهويدية، ومحاولة طمس أي مظهر يدل على الهوية الفلسطينية.
وتابعت أنه تشير الوقائع الميدانية إلى اعتماد الاحتلال على استراتيجيتين بصريتين متوازيتين: "الإغراق والتغييب"، حيث يغرق المدينة بعلامات الاحتلال ورموزه، ويغيب في المقابل كل ما يمتّ بصلة للوجود الفلسطيني، حتى إن إنزال العلم الفلسطيني في ذكرى النكبة أصبح طقسًا قسريًا مفروضًا من قبل الاحتلال، موضحة أن هذا المشهد، بحسب ناشطين ومراقبين، لا يُعد مجرد إجراء رمزي، بل هو جزء من سياسة استعمارية ممنهجة تستهدف ترسيخ الوجود الإسرائيلي في وعي الفلسطينيين وأبصارهم، وإعادة تشكيل صورة المدينة في الذاكرة الجماعية بما يخدم الرواية الصهيونية.
واستطردت أنه في مدينة تعاني من تهويد يومي على المستويات كافة، تظل القدس شاهدة على معركة مستمرة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضًا بالرموز والصور. معركة تسعى إسرائيل لحسمها على جبهات الذاكرة والهوية، إلا أن المدينة تقاوم حتى في صمتها البصري.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القدس المحتلة شوارع القدس القدس قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
بيت حنينا.. هوية مقسّمة بين جدارين وذاكرة فلسطينية لا تنكسر
أكبر مدينة بالقدس من حيث المساحة، قسمها جدار الفصل الإسرائيلي إلى قسمين: "بيت حنينا الجديدة" داخل القدس، و"بيت حنينا القديمة" التي أخرجها الجدار عن المدينة، ويعود تاريخ القرية إلى أكثر من 4 آلاف عام، ويعود تاريخها إلى الحقبة الكنعانية.
تقع بلدة بيت حنينا بين بلدتي شعفاط والرام شمال مدينة القدس وتبعد عنها 8 كيلومترات، وتحيط بها قرى وبلدات: الرام، بير نبالا، النبي صوئيل، بيت اكسا، شعفاط، عناتا، وحزما.
ويبلغ أجمالي عدد سكان البلدة بنحو 27 ألف نسمة، غالبيتهم الساحقة داخل القدس، ونحو 10 آلاف في الجزء المعزول خارج المدينة. فيما كانت مساحة القرية تقدر بأكثر من 16 ألف دونما لكن مساحتها اليوم لا تتجاوز 2700 دونما بفعل الاستيطان والجدار.
بيت حنينا الجديدة ومن خلفها بيت حنينا البلد.
ووفقا لروايات عدة فإن اسم القرية مستوحى من بيت لشخص يسمى حنينا، ويقول بعض العلماء أن حنينا مشتق من الآشورية "هان نينا" وهو ما يعني "الذي يستحق الحنان والشفقة". وهناك من قال إن التسمية هي من "حانينا" السريانية بمعنى "الذي يستحق الحنان"، أو من "حنا" بمعنى عسكر، فيكون معنى التسمية "بيت المعسكرين والمخيمين".
وقيل إن الاسم نسبة إلى سيدة مشهورة بالكرم كانت تدعى "حنينا" سكنت القرية، وبعد ذلك تناقلت الأجيال اسمها وسميت البلدة "بيت حنينا".
يعد مؤسس البنك العربي عبد الحميد شومان من السكان الأصليين لبيت حنينا، وأيضا الشهيدة شيرين أبو عاقلة التي اغتالها الاحتلال في عام 2022 وكانت تسكن في منعطف يعرف مقدسيا بـ "دخلة جنة عدن".
اشتهرت بيت حنينا بزراعة الزيتون واللوزيات، وأهم ما يميزها زراعة المشمش، ويقول العارفون بسيرة الأرض والشجر إن القرية شهدت طفرة في زراعة اللوزيات، والمشمش المستكاوي والبرقوق في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين.
وتوزعت زراعة المشمش على كل بساتين وأراضي القرية، حتى صارت رمزا لها ولمنازلها، وكانت ثمار مشمش بيت حنينا تباع يوميا في أسواق القدس.
ويعيش أهل القرية أيضا على الأنشطة التجارية، كما أن فيها مساحات من الأراضي الخالية، مما جعلها أرضا خصبة للمستثمرين في المشاريع الضخمة.
يعود تاريخ بلدة بيت حنينا إلى الفترة الكنعانية، وانضمت إلى أراضي الخلافة الإسلامية عام 636 ميلادية في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، وذلك بعد انتصار المسلمين على البيزنطيين في معركة اليرموك، وفي القرون الأولى من الحكم الإسلامي لفلسطين هاجر عدد من العرب إلى بيت حنينا، وكان اقتصادها يقوم بالأساس على الزراعة وتحديدا زراعة الزيتون والتين والشعير والبرغل.
شارع عبد الحميد شومان ومحيطه.
استولت الجيوش الصليبية عام 1099 على أراضي القدس ومن ضمنها بيت حنينا، وقتلت عددا من السكان واضطر البعض إلى مغادرة البلدة، إلا أنهم عادوا فيما بعد لزراعة بساتينهم وحقولهم، وتم طرد الصليبين واستعادة البلدة على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، ولضمان الأغلبية المسلمة وكذلك لحمايتها من الغزو الصليبي المتجدد، جلب صلاح الدين قبائل بدوية قوية من صحراء النقب والحجاز الشمالية للاستقرار في البلدة.
أصبحت بيت حنينا وكل أراضي فلسطين جزءا من الإمبراطورية العثمانية عام 1517، وفي عام 1596 ظهرت قرية بيت حنينا في سجلات الضرائب العثمانية على أنها تتبع للواء القدس.
في عام 1883 وصف صندوق استكشاف فلسطين البريطاني في الضفة الغربية أن بيت حنينا قرية متوسطة الحجم مكونة من منازل حجرية قائمة على ارض صخرية جدا، تقع أعلى قمة الجبل بين الوديان، وأن القرية محاطة بشجر الزيتون، وتحتوي ينابيع على بعد مسافات قريبة من القرية إلى الغرب، كما ويوجد أيضا كروم العنب بالقرب من القرية.
وبعد نكبة عام 1948 أصبحت بيت حنينا والضفة الغربية جزءا من الأردن حتى عام 1967، وأثناء الحكم الأردني تم بناء طرق ومدارس جديدة. واستثمر العديد من سكانها في تطوير ضاحية حديثة عرفت باسم راس الطريق وتقع إلى الشرق على طول طريق القدس ـ رام الله.
صادرت سلطات الاحتلال معظم أراضيها بعد عام 1967 وأقامت عليها مستعمرة "عطروت" عام 1970من الناحية الشمالية، ومستعمرة "نفي يعقوب" عام 1973 من الناحية الشرقية، وأيضا مستعمرة "راموت" عام 1973 من الناحية الجنوبية الغربية.
بعد اتفاقيات عام 1995 التي انبثقت عن "اتفاقية أوسلو" تم تصنيف 12.2% من أراضي القرية كمنطقة (ب)، بينما تم تصنيف 87.8% المتبقية كمنطقة (ج).
قسم الاحتلال الإسرائيلي بلدة بيت حنينا عبر الشوارع الالتفافية والمستوطنات إلى بلدتين منفصلتين، هما بيت حنينا القديمة وتتبع الضفة الغربية، وعند مجيء السلطة الفلسطينية ألحق هذا القسم الأخير بوزارات السلطة ومؤسساتها الخدماتية، مع أنه لا يزال يصنف بموجب الاتفاقات كمنطقة (ج) حيث الصلاحيات الأمنية هي من مسؤولية الجانب الإسرائيلي حصرا. وبيت حنينا الجديدة وتتبع أراضي القدس المحتلة.
ويعتبر حي الخربة، أو ما يطلق عليه الاحتلال "سديروت موشيه ديان"، آخر الأحياء المتبقية من الأراضي التي صادرها الاحتلال لبناء مستوطنة "بسغات زئيف"، وهو يقع داخل المستوطنة، وكان يضم معالم وقبورا تاريخية وآثارا إسلامية قام الاحتلال بإزالتها.
وتسبب جدار الفصل العنصري في العديد من الأضرار على البلدة، فقد تسبب في فصل العائلات الفلسطينية ومنع أي تواصل بينها، ومنع السكان من زيارات أقاربهم و مشاركتهم أفراحهم و أتراحهم.
كما صادر ما يزيد عن 5 آلاف دونما لأغراض الجدار الفاصل بين بيت حنينا البلد و بيت حنينا الجديدة. وحرمان الأهالي من ممارسة حياتهم الطبيعية حيث الاقتحامات المتكررة للجيش الإسرائيلي. بالإضافة إلى حرمان القرية من المساعدات و تعطيل المشاريع وتراكم الديون على المجلس البلدي، وشح الإمكانيات لدى المجلس وعدم توفير الدعم اللازم والكافي له.
الجزء الشمالي من بيت حنينا.
ولا زالت البلدة ومعها القدس الشرقية تعاني من شح المصادر المائية مقارنة بالأجزاء الأخرى من القدس وفلسطين، وفي بعض الأحيان يتم تزويد المنازل بالمياه فقط كل يومين بالأسبوع، ويؤثر هذا النقص سلبا على الحياة الاقتصادية والأنشطة اليومية لكثير من السكان، ويتوقع أن تزداد المشكلة مستقبلا في ظل تزايد عدد السكان وشح مصادر المياه.
ورد ذكر بيت حنينا عام 2014 في وسائل الإعلام التي ذكرت أن وزير الخارجية الأمريكية جون كيري عرض في أحد خطاباته مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يجعل بلدة بيت حنينا عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية، وطالب كيري من عباس الاعتراف الرسمي بـ"إسرائيل كدولة يهودية". وعرض عليه أيضا أن يتم اعتماد الحي الموجود في بيت حنينا كعاصمة فلسطينية بدلا من منطقة القدس الشرقية كاملة.
ويلاحظ المتجول في أزقة القرية العتيقة عراقة مبانيها، لكن حالة من السكون غير معتادة في أجواء الريف الفلسطيني تلف البلدة، مع موسم المشمش واللوزيات والزيتون.
المصادر:
ـ "بيت حنينا قرية مقدسية تعود إلى 20 قرنا قبل الميلاد"، الجزيرة نت، 6/10/2024.
ـ "بيت حنينا..تعرف عليها: قرية مقدسية هاجر معظم سكانها"، الجزيرة نت، 6/6/2024.
ـ خالد الفقيه، "بيت حنينا والجدار العنصري"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية،2011.
ـ موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ موقع فلسطين في الذاكرة.