الجزيرة:
2025-08-01@15:39:00 GMT

خيارات نتنياهو لو فشلت مفاوضات نووي إيران

تاريخ النشر: 2nd, May 2025 GMT

خيارات نتنياهو لو فشلت مفاوضات نووي إيران

في حين تتواصل جولات المحادثات بين إيران والولايات المتحدة -أعلن عن تأجيل الجولة الرابعة- بخصوص الملف النووي، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديداته بتدمير كل القدرات النووية لإيران، معتبرا أنها تشكل أكبر تهديد لإسرائيل.

وفي خطاباته على مدار الفترة الماضية كرر نتنياهو مخاوفه بشأن المحادثات النووية، وشدد على أن المشكلة الرئيسية هي برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وتخصيب اليورانيوم، وهي الخطوط الحمراء القديمة الجديدة التي تضعها تل أبيب لطهران.

وتناول نتنياهو في خطابه أمام مؤتمر السياسة الدولية -الذي عقد الأحد الماضي في القدس- المحادثات النووية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، وقال "أعدنا الإيرانيين 10 سنوات إلى الوراء بعد ما ظنوا أنهم اقتربوا من حيازة سلاح نووي".

وأضاف "سندمر المفاعلات النووية الإيرانية ومنشآت التخصيب لنتأكد من أنهم لن يتمكنوا من التخصيب لأي غرض، ولن نقبل إلا بتدمير كل قدرات إيران النووية لنتأكد من عدم محاولتهم إحياء برنامجهم مع إدارة أميركية أخرى".

استدعاء على عجل

رغم أن هذه المواقف ليست جديدة على نتنياهو، فإنه لا يمكن فصلها عن لقاء السابع من أبريل/نيسان حين استدعي على عجل إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي "فاجأه بإطلاق المفاوضات مع طهران في عُمان، بل إنه غادر اللقاء مرتبكًا"، وفقًا لوصف القناة 12 الإسرائيلية.

إعلان

ولم يستطع نتنياهو أن يصرح بشروطه أمام الإعلان المفاجئ لترامب عن المفاوضات، لكنه شدد بعد أيام على ضرورة تطبيق النموذج الليبي لتفكيك البرنامج النووي الإيراني.

ويعلق المحلل العسكري عاموس هرائيل في صحيفة هآرتس أن "الأمر الذي يخشاه نتنياهو على الأرجح، ولكنه بالتأكيد لا يريد التعبير عنه بصوت عالٍ، هو أن يوقع ترامب على اتفاق متوسط أو حتى سيئ، لا يزيل التهديد الإيراني عن الطاولة، لكن إسرائيل ستضطر إلى قبوله بصمت خوفًا من رد فعل أميركي قاس".

ومن جهته، قال نداف إيال في مقال نشرته يديعوت أحرونوت إن مخاوف المؤسسة الأمنية هي التوصل لاتفاق، حتى لو كان أضعف من الاتفاق النووي السابق الذي جاء به باراك أوباما.

ونقل عن مسؤول أمني كبير قوله "إن الاتفاق الجديد لا ينبغي أن يكون مجرد خدعة، وينبغي أن يكون أقل خطورة من الاتفاق النووي السابق، وإلا فإن الحرب القادمة مع إيران ستكون أكثر صعوبة".

ويرى رئيس تحرير صحيفة الوفاق الإيرانية مختار حداد في حديث للجزيرة نت "أن نتنياهو يخشى بشدة التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، في ظل الإشارات الإيجابية التي تصدر من الطرفين، وهو يسعى لتخريب أي اتفاق كما فعل في اتفاق 2015 من خلال الضغوط التي مارسها على ترامب في ولايته الأولى.

العصا والجزرة

سبق أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز في منتصف الشهر الماضي أن الرئيس ترامب منع هجوما إسرائيليا كان مخططا له على إيران، ورد ترامب بقوله "لم أمنع هجوما على إيران، ولا أقول إنني استبعدت ذلك، ولست مستعجلًا على القيام بذلك، لأنني أعتقد أن إيران لديها فرصة لأن تكون دولة عظيمة وأن تعيش بسعادة، وأود أن أرى ذلك يتحقق، هذا هو خياري الأول".

ورغم العصا الأميركية التي يلوح بها ترامب كل فترة بخصوص إيران إذا لم يتم التوصل لاتفاق فإن تصريحاته بعد الجولة الثالثة من المفاوضات تعكس أجواء متفائلة.

إعلان

ففي تصريح لافت يوم الجمعة الماضية قال ترامب لمجلة تايم بمناسبة مرور 100 يوم على توليه منصبه "لن يجرني نتنياهو إلى الحرب، وأعتقد أننا سنتوصل إلى اتفاق مع إيران".

وقد سبق ذلك الدفع بقوات أميركية كبيرة إلى المنطقة، ونقلت الولايات المتحدة بطارية من نظام ثاد للدفاع الصاروخي إلى إسرائيل، بالإضافة إلى بطاريتين من نظام باتريوت، كما نشرت أسراب مقاتلات، وقاذفات شبح وأسلحة إستراتيجية.

وتظهر بيانات الطيران أن ما لا يقل عن 140 طائرة نقل ثقيلة أميركية هبطت في عدة قواعد رئيسية في المنطقة، وذلك في إطار تعزيز القوات الأميركية بالقرب من اليمن وإيران، كما نشرت قاذفات شبح من طراز "بي-2" في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.

تضليل نتنياهو

يرى الخبير في شؤون الولايات المتحدة والباحث الكبير في مركز بيغين السادات للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان البروفيسور إيتان جلبوع أن تهديدات ترامب باستخدام القوة إذا رفضت إيران التفاوض أدت إلى تضليل نتنياهو ودفعه إلى تقييم أن واشنطن تنوي بجدية تنفيذ تهديداته ومهاجمة إيران، خصوصا مع تركيز قوات عسكرية بشكل غير مسبوق في المنطقة.

وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف الثلاثاء بأن ترامب يهاجم قواعد الحوثيين في اليمن يوميًا ليثبت لإيران أيضًا أنه لا يخاف من استخدام القوة العسكرية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها رئيس أميركي خيارًا عسكريًا موثوقًا أمام إيران، لكن ترامب أطلق التهديدات وحشد القوى لدعم الخيار العسكري، وليس لاستخدامه.

من جهته، يرى المختص في الشؤون الإسرائيلية مأمون أبو عامر أن تهديدات نتنياهو ووزراء حكومته تأتي في سياق التلويح بورقة ضرب المشروع الإيراني، وقد استخدمها نتنياهو طوال عقدين من حكمه وهي ورقة مهمة جدًا في سياسته الخارجية.

ويتابع أنه عندما اتضح لنتنياهو أن ترامب عازم على إجراء محادثات مع إيران والتوصل إلى اتفاق معها، أرسل الوزير رون ديرمر ورئيس الموساد ديدي برنياع إلى باريس للقاء ستيفن ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي والتأثير عليه لقبول موقف نتنياهو، بتفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بالكامل.

إعلان

وحسب البروفيسور جلبوع فقد وقع نتنياهو في الفخ فهو يخشى من الاتفاق الذي أصبح في طور التشكيل، لكن خلافًا للماضي، فهو صامت ويمتنع عن انتقاد ترامب أو ويتكوف، وهو يتوقع مفاوضات لا يستطيع التأثير عليها، وقد تنتهي باتفاق قد يُنظر إليه على أنه خطير على إسرائيل.

المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف (يسار) ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (الفرنسية) تخريب الاتفاق

يرى مراقبون أن تهديدات نتنياهو -رغم أنها مكررة- فإنها تحمل بين طياتها تلويحًا بعصا الهجوم العسكري لإيران من جهة، وفي المقابل لإدارة ترامب بأن إسرائيل قد تندفع لتخريب الاتفاق إذا لم يكن مناسبًا لطموحاتها الأمنية، والإستراتيجية.

كذلك فإنها تأتي في ظل حالة نشوة واندفاع وبدعم من اليمين المتطرف، ضمن تصريحاته المتواصلة بتغيير وجه الشرق الأوسط.

ويعتقد مستشار الأمن القومي مايكل والتز أن التوصل إلى اتفاق فعال، يتضمن أيضًا الإشارة إلى برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وربما علاقاتها الإقليمية بحلفائها من حركات المقاومة والحوثيين أمر ضروري.

وحسب نداف إيال في يديعوت أحرونوت فإن الإصرار على هذه النقاط سيؤدي -حسب تقييم مصادر استخباراتية إسرائيلية- إلى انهيار المحادثات مع إيران.

ولا يستبعد أن تقوم إسرائيل بتخريب الاتفاق عبر ضربة منفردة لإيران ومهاجمة جزء من منشآتها النووية رغم ضعف تأثيرها، إذ من الممكن أن يسعى نتنياهو لتوريط إدارة ترامب عسكريا لإجبارها على الاصطفاف بجانبه أمام أي هجوم انتقامي إيراني، وفقًا للمختص في الشؤون الإسرائيلية أبو عامر.

وعندما سُئل ترامب الجمعة عمّا إذا كانت بلاده ستبقى خارج المعركة إذا ما بدأت إسرائيل حربًا مع إيران؟ فأجاب: "لا، لم أقل ذلك. قلتُ إننا لن ننجرّ، لكنني قد أدخل الحرب برغبة كبيرة إذا لم ننجح في التوصل إلى اتفاق، إذا لم يُتوصل إلى اتفاق مع إيران، فسأقود المعركة".

إعلان السيناريوهات المتوقعة

ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست عن مسؤول إسرائيلي بأن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أن المفاوضات بين واشنطن وطهران يرجح أن تنتهي باتفاق، مضيفًا: لا نعلم هل سيضمن الاتفاق تفكيك منشآت التخصيب كليًا أم سيشبه الاتفاق السابق".

ولكن رغم الأجواء الإيجابية التي تعكسها جولات المفاوضات الثلاث بين إيران وإدارة ترامب فإن السيناريوهات المطروحة متباينة جدًا.

ولم يستبعد أبو عامر أن يتم التوصل لاتفاق يشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، كما أن إدارة ترامب يمكن أن تصل لاتفاق مع إيران عبر اتفاق اقتصادي يستفيد منه كلا الطرفين يشمل الاستفادة من المخزونات من المعادن النادرة التي يحتويها باطن الأرض في إيران، مما يساعد ترامب على التخلص من السيطرة الصينية على توريد المعادن النادرة المهمة جدًا للصناعات العسكرية والتكنولوجية.

ورغم إمكانية الوصول لاتفاق أشار أبو عامر إلى 3 سيناريوهات متوقعة:

الأول: تعثر المفاوضات، وعليه، ستذهب أميركا لضربة محدودة ضد إيران، لإثبات جديتها بخصوص الخيار العسكري، وإخضاعها للموافقة على الشروط الأميركية، وقد يكون دور لإسرائيل في هذا السيناريو هو رأس الحربة للهجوم، وتبادل للأدوار مع الأميركان الذين سيشاركون بالدعم اللوجستي والدفاعي. الثاني: تعثر المفاوضات وتدهور الأوضاع لمنحدر مواجهة عسكرية خطيرة، وهذا قد يكون من ضمن رؤية ترامب "السلام بالقوة"، عبر إخضاع المنطقة بالقوة، وما يحدث في غزة، وسوريا ولبنان، واليمن، قد ينتهي في إيران، من أجل إخضاع المنطقة وابتزازها ونهب الأموال وهذه الطريقة التي يفكر فيها ترامب. الثالث: ولم يستبعد أن يكون الحديث عن تقدم المفاوضات والحديث عن أجواء إيجابية مخادعًا لإلقاء اللوم على إيران بفشل المفاوضات، كمبرر للعدوان، وهذا السيناريو، يوجد له مؤشرات واضحة في ظل الحشود العسكرية الضخمة الأميركية، في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي. إعلان تفاؤل بشأن المفاوضات

لكن، في المقابل، فإن التصريحات تشير إلى ارتياح الأطراف من سير المحادثات، كما كان من المقرر أن تجري طهران محادثات في العاصمة الإيطالية روما -اليوم الجمعة- مع دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بهدف تحسين العلاقات قبل جولة المفاوضات الرابعة مع الولايات المتحدة مطلع الأسبوع المقبل، لكن أعلن عن تأجيل الجولتين.

وعقب الجولة الثالثة من المفاوضات التي احتضنتها العاصمة العُمانية مسقط، أكد مسؤولون أميركيون أن المحادثات تسير كما هو متوقع، كما صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي بأن المحادثات مع طهران "تسير بشكل جيد للغاية".

كما سبق أن أعرب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن ارتياحه للمحادثات، وقال "أنا راضٍ عن سير المفاوضات مع الولايات المتحدة ووتيرة سيرها، وهناك جدية وإصرار من الجانبين على التوصل إلى اتفاق".

واتهم عراقجي رئيس نتنياهو بـ"إملاء" إرادته على السياسة الأميركية في المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة التوصل إلى اتفاق التوصل لاتفاق من الاتفاق اتفاق مع أبو عامر مع إیران إذا لم

إقرأ أيضاً:

المفاوضات السورية-الإسرائيلية: تاريخ من الأخطاء والدروس

لطالما كانت المفاوضات السورية الإسرائيلية فصلا غامضا. تارة يُنفى وجودها، وتارة يُسرب منها ما يكفي لإثارة الجدل العام. اليوم، يبدو أن إسرائيل تسعى لنقل ملف الجولان إلى منطقة تفاوضية أخرى عبر استغلال ملف الدروز حاليا و"قسَد" لاحقا، بهدف جعل المنطقة الجنوبية السورية برمتها خالية من السلاح، وهو ما يمثل تحديا جديدا ومعقدا للدولة السورية الناشئة.

من الضروري أن نتوقف اليوم، بوعي نقدي وتحليل عميق، أمام دروس الماضي التفاوضي الطويل لنفهم بوضوح: هل كانت السلطات السورية حقا تفاوض من أجل الوطن وسيادته، أم كانت تناور فقط من أجل بقائها؟

وقد بدأت قصة التفاوض السوري الإسرائيلي فعليا مع احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان 1967، ليصبح هذا الاحتلال نقطة الارتكاز لأي حديث عن السلام أو الصراع.

جدلية الأرض والسلطةمحطات ما قبل المفاوضات ما بين 1967 و1973:

بين عامي 1967 و1973، وقبل أن تندلع حرب أكتوبر/ تشرين الأول، هل شهدت العلاقة السورية الإسرائيلية أي مفاوضات؟ الجواب الصريح: لم تحدث مفاوضات مباشرة، لكن جرت محاولات دبلوماسية متعددة، فشلت جميعها في تحقيق أي اختراق.

قرار أممي ضاع أدراج الرياح: القرار 242 (نوفمبر/تشرين الثاني 1967)

بعد احتلال الجولان وسيناء والضفة الغربية في حرب 1967، صدر قرار مجلس الأمن 242. هذا القرار دعا إلى مبدأين أساسيين: انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، والاعتراف بحق كل دولة في العيش بسلام داخل حدود آمنة.

كان موقف سوريا حاسما ورافضا للقرار، خاصة أنه يحكمها حزب قومي أيديولوجي [البعث] تسلم السلطة بحجة أن الحكم قبل 1963 كان انفصاليا، والقرار الصادر لم يُشر صراحة إلى "الانسحاب الكامل"، واعتبرته مساويا بين الجلاد والضحية.

أما إسرائيل، فقد قبلت القرار نظريا لكنها رفضت الانسحاب الكامل، وخاصة من القدس والجولان. وهكذا، وُلد القرار كبذرة أمل للحل في المنطقة، لكنه سرعان ما ضاع أدراج الرياح بين تباين التفسيرات ورغبة إسرائيل في السيطرة على القدس ومرتفعات الجولان الإستراتيجية.

إعلان جهود أممية بلا ثمار: مهمة غونار يارنغ (1967-1971)

كُلف غونار يارنغ بمتابعة تنفيذ القرار 242، وقام بجولات مكوكية بين دمشق وتل أبيب، محاولا جس نبض الطرفين.

أبدت إسرائيل استعدادا للنقاش دون الالتزام بالانسحاب الكامل، فقد كانت راغبة في تسويق نفسها كدولة عقلانية قابلة للتفاوض. في المقابل، أصرت سوريا على مبدأ عدم التفاوض مع إسرائيل قبل الانسحاب الكامل من الجولان، لأسباب بنيوية في النظام.

كتب يارنغ في تقريره أن إسرائيل ترفض الانسحاب الكامل، وسوريا ترفض الاعتراف أو التفاوض مع الاحتلال. كانت الجهود الدولية عبثية بين إرادتين متناقضتين.

التركيز على جبهات أخرى: وساطات أميركية (نيكسون وكيسنجر)

في تلك الفترة، لم يركز الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر على المسار السوري بشكل جاد، كان تركيزهما ينصب على مصر والأردن، بينما ظلت سوريا متشددة في خطابها ورفضها التفاوض دون انسحاب إسرائيلي مسبق.

لم تكن دمشق مستعدة للتنازل عن أوراقها قبل أن تفرض واقعا جديدا على الأرض.

مسار المفاوضات بين سوريا وإسرائيلاتفاق فض الاشتباك (1974): تهدئة الجبهة وترتيب البيت الداخلي

كان هذا الاتفاق، الذي توسط فيه وزير الخارجية الأميركي الأشهر هنري كيسنجر، نقطة البداية العلنية للمفاوضات بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول.

يومها، لم يكن هدف النظام السوري تهدئة الجبهة بهدف استعادة الجولان فورا، بل كان هدف حافظ الأسد الأساسي إعادة ترتيب بيته الداخلي الذي لم يستقر بعد، وتعزيز شرعيته الإقليمية والدولية بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول التي أحدثت تحولا في المشهد الإقليمي.

أما هدف إسرائيل من الاتفاق، فكان باعتباره خطوة نحو تحييد الجبهة السورية جزئيا، وضمان أمن حدودها بعد قضمها أراضي واسعة من دول الجوار والتفرغ لملف مصر والأردن.

مؤتمر مدريد (1991): مناورة لكسب الوقت وتجنب العزلة

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتغير موازين القوى العالمية، جاء مؤتمر مدريد كمحاولة أميركية طموحة لجمع الأطراف العربية والإسرائيلية. دخلت دمشق المفاوضات بخطاب قومي حاد، لكنها في الواقع التزمت بقواعد اللعبة الدولية.

كان واضحا أن حافظ الأسد يفاوض ليكسب الوقت ويتفادى العزلة السياسية، ويستوعب المتغيرات الدولية وحرب الخليج، لا ليكسب الأرض. أما الهدف الإسرائيلي، فكان يكمن في كسر العزلة الإقليمية دون تقديم تنازلات جوهرية.

مفاوضات جنيف (1999-2000)

في عهد حافظ الأسد، وتحت رعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، بلغت هذه المفاوضات السرية ذروتها. كادت دمشق أن توقع اتفاقا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، لكن في لحظة درامية عُرفت لاحقا، رفض الأسد الأب التوقيع على الخريطة بعد اكتشافه أنها لا تعيده إلى خط الرابع من يونيو/ حزيران 1967 بالكامل.

وتكرست بعدها مقولة: "لا مفاوضات دون سيادة كاملة". لكن السؤال الجوهري الذي طرحه السوريون: هل كنا نفاوض حقا من أجل السيادة الوطنية الكاملة، أم من أجل تعزيز صورة "الزعيم" وشعار الممانعة؟ خاصة أن حافظ الأسد كان مريضا ويريد تخليد ذكراه كزعيم عروبي.

مفاوضات غير مباشرة عبر تركيا (2008): بحث عن شرعية دولية لا اختراق حقيقي

في عهد الرئيس بشار الأسد، بدأت وساطة تركية مباشرة من الرئيس رجب طيب أردوغان لعقد اتفاق سوري إسرائيلي. حينها، قدمت دمشق وثيقة غير مسبوقة تضمنت تنازلات أمنية، وحتى ترتيبات مشتركة محتملة في الجولان المحتل.

إعلان

كان الهدف الرئيسي لبشار كسر العزلة السياسية بعد مشاركته في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لكن فجأة انهارت المحادثات بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية العام، ليتحول الخطاب الرسمي إلى شعار "الممانعة".

الواقع أن مفاوضات بشار الأسد، شأنها شأن مفاوضات والده، لم تكن أبدا تدور حول الأرض بمعناها الكامل، بل كانت تدور في جوهرها حول السلطة والبقاء.

كان التفاوض مجرد تكتيك لرفع العقوبات الدولية، وكسب الاعتراف الإقليمي، وشراء الوقت، باعتبارهم عائلة عروبية مقاومة ممانعة للتطبيع.

تجارب مفاوضات إقليمية: دروس يجب أن نتعلمها

مقارنة بتجربتنا، مضى الرئيس المصري أنور السادات إلى كامب ديفيد بجرأة غير مسبوقة، فاستعاد سيناء بالكامل مقابل السلام المنفرد، ودفع ثمنا سياسيا باهظا على الصعيد العربي بتفكيك المنظومة.

أما الفلسطينيون فقد دخلوا أوسلو مضطرين، في لحظة انهيار إقليمي وعربي، لكنهم أخطؤُوا حين تنازلوا عن جوهر قضيتهم مقابل وعود مستقبلية لم تتحقق. أما الأردن في وادي عربة، فقد فاوض بهدوء وواقعية باعتباره دولة ضعيفة الموارد تحيطه دول إقليمية كبرى، وحافظ على حدوده، وربح استقرارا هشا في ظروف إقليمية معقدة.

تُظهر هذه التجارب الإقليمية بوضوح أن النية الصادقة بالتفاوض، ومعرفة سقف المطالب الواقعي، وفهم طبيعة الخصم ونقاط قوته وضعفه، كلها شروط حاسمة لأي نجاح تفاوضي مستقبلي.

أخطاء المفاوض السوري: بوصلة للمستقبل

من كل هذه التجارب، يبرز الخطأ الأكبر في أداء المفاوض السوري تاريخيا، وهو خطأ مركب ومتجذر في بنية النظام وطريقة تعاطيه مع قضايا الوطن المصيرية:

الخطأ الأول: المفاوضة بلا خريطة طريق واضحة، وبلا سند شعبي حقيقي يُضفي الشرعية على قراراته. هذا الغياب للرؤية الإستراتيجية والشرعية الشعبية جعل المفاوض السوري يدخل الطاولة وهو يخشى من كشف نواياه الحقيقية، أو ربما لا يمتلك نوايا واضحة من الأساس. في المقابل، يبدو الخصم أكثر وضوحا منه في تحديد الأهداف والمطالب، مما يمنحه اليد العليا في أي جولة.

التفاوض من موقع ضعف داخلي، أو من خلف ظهر الشعب، هو وصفة مضمونة للفشل، لأنه يفقد المفاوض أهم أوراقه: الإرادة الوطنية الجامعة.

الخطأ الثاني: أن التفاوض كان لذاته، لا من أجل تحقيق نتيجة ملموسة. لم يكن الهدف هو الوصول إلى حل شامل وعادل، بل كان الهدف هو "الجلوس على الطاولة" بحد ذاته.

جلس الأسد الأب أكثر من عقد من الزمان في مفاوضات لا يريد منها حلا شاملا، بل تسكينا مؤقتا للأوضاع، أو استخدامها كواجهة دبلوماسية لتخفيف الضغوط الدولية. والابن استخدم التفاوض كورقة في لعبة الأمم المعقدة، لرفع العقوبات أو كسب اعتراف إقليمي، لا كورقة في مشروع وطني للتحرير واستعادة الحقوق.

هذا التكتيك، وإن منح النظام بعض الأنفاس المؤقتة، إلا أنه أضاع فرصا تاريخية لاستعادة الأرض.

الخطأ الثالث: غياب الابتكار في الطرح التفاوضي. فمعظم ما قُدم من جانب عائلة الأسد كان تقليديا، يعتمد على استرجاع المبادرة العربية للسلام، أو الالتفاف حول خطاب "السلام مقابل الأرض"، دون تفاصيل عملية أو رؤى خلاقة. لم يحاولوا طرح مبادرات حقيقية تضعنا في موقع الفاعل الذي يقترح الحلول، لا المتلقي الذي ينتظر التنازلات.

في عالم التفاوض المعاصر، الابتكار في الأفكار، وتقديم حلول غير تقليدية للمشاكل المعقدة، يمكن أن يغيرا ديناميكية الجلسات ويخلقا مساحات جديدة للاتفاق، وهو ما افتقدناه بشدة.

هل نتعلم من الماضي لنصنع مستقبلا أفضل؟

إذا كنا نحلم بمفاوضات مستقبلية واعدة، فإن علينا أن ندرك هذه الدروس بعمق، وأن نعمل على:

بناء موقف وطني موحد وشرعية شعبية حقيقية: التفاوض دون سند شعبي وشرعية وطنية هو مغامرة خاسرة حتما. يجب أن يكون الشعب هو صاحب القرار والداعم الأكبر للمفاوض، وأن يكون الموقف التفاوضي نابعا من إجماع وطني حقيقي. امتلاك جرأة الطرح وابتكار الحلول: يجب ألا نخجل من طرح تصورات جديدة ومبتكرة تحفظ الحقوق الوطنية وتدير الواقع بذكاء، بدلا من التمسك بالخطاب التقليدي الذي لم يعد يفضي إلى شيء. يجب أن نكون السباقين في تقديم المبادرات التي تعكس رؤيتنا لمستقبل المنطقة، لا مجرد ردود أفعال على مبادرات الآخرين. فهم الخصم كما هو، لا كما نتخيله: إسرائيل دولة لا تهادن إلا من موقع القوة، ولا تقدم التنازلات إلا عندما تشعر أن البديل الإستراتيجي سيكون أكثر كلفة عليها. يجب فهم هذه العقلية بعمق، ودراسة نقاط قوتها وضعفها، وكيفية استغلالها لصالح الموقف التفاوضي السوري. التفاوض ليس صراعا عاطفيا، بل هو عملية عقلانية تتطلب فهما دقيقا للطرف الآخر. إدراك أننا لا نفاوض من أجل السلام فقط، بل من أجل الكرامة والسيادة: السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا من موقع القوة والندية.

المفاوضات في هذا السياق، إذا ما تمت، يجب أن تكون ذات إستراتيجية واضحة المعالم:

إعلان هدفها الأول والأخير هو استعادة السيادة الوطنية على الأراضي المحتلة بطريقة أو بأخرى. ترسية أمن واستقرار حقيقيين في المنطقة الجنوبية، لا عبر التنازل عن السيادة أو جعلها منطقة خالية من السلاح على حساب الأمن القومي، بل عبر اتفاقيات عادلة تضمن حقوق الجميع وتنمية المنطقة. بناء دولة قوية ومستقرة داخليا، قادرة على حماية حدودها ومصالح شعبها.

إن سجل المفاوضات السورية الإسرائيلية يمثل كنزا من الدروس والتجارب المريرة، ليس لاستيعاب هذه الدروس لعدم تكرارها لاحقا، بل لتشكيل بوصلة للمستقبل، تضمن تحقيق سيادة سوريا ومصالحها الوطنية العليا في أي مسار تفاوضي قادم.

المستقبل الحقيقي لسوريا يكمن في قوتها الداخلية، في وحدتها، وفي قدرتها على التفاوض من موقع المبادئ والكرامة، لا من موقع الضعف أو الحاجة للبقاء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • ترامب: على إيران تغيير نبرة تصريحاتها بشأن المفاوضات مع الولايات المتحدة
  • تايلاند تحقق اختراقاً في مفاوضات الرسوم مع أميركا
  • المفاوضات السورية-الإسرائيلية: تاريخ من الأخطاء والدروس
  • إيران تطالب ترامب بتعويضات عن خسائر حرب الـ 12 يوما قبل استئناف مفاوضات النووي
  • فورين أفيرز: كيف يفسد نتنياهو فرصة ترامب للسلام؟
  • عراقجي: إيران لن تقبل بأن تمضي الأمور كما كانت عليه قبل حرب الـ12 يوم مع “إسرائيل”
  • ترامب يعلن اتفاق تجاري شامل مع كوريا الجنوبية وفرض رسوم جمركية 15%
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • إيران تتحدث عن إنجاز نووي: دواء يكشف مرض الزهايمر قبل 20 عاماً
  • نتنياهو يحمل حماس مسؤولية إفشال المفاوضات