سودانايل:
2025-12-14@04:56:54 GMT

هل يستفيق الطاغية؟

تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT

دكتور الوليد آدم مادبو

“السودان بلدٌ شاسعٌ يسع الجميع، ولكنهم أرادوه حقلًا لحروبهم وصراعاتهم الصغيرة.”
— عبد الكريم ميرغني

لم يعد الشعب السوداني بحاجة إلى من يشرح له الكارثة، فالألم يفيض من كل بيت، والخذلان صار لغة يومية. عبد الفتاح البرهان لا يقود البلاد، بل يدفعها في انحدارٍ جنوني، مستندًا إلى وهم انتصار عسكري، وتدعمه عصبة من الكيزان الذين لفظهم الوجدان السوداني السليم والنظام العالمي العقيم، فلا يجدون الآن سوى التملق لنظم ديكتاتورية تمتص ما تبقى من سيادة الوطن وكرامة شعبه.



الكيزان، أولئك الذين نهبوا هذا الوطن حتى جفّت عروقه، عادوا اليوم يتاجرون بدمه. في بورتسودان، لا تُمارس السياسة، بل تُدار الدسائس، ويُحتكر القرار بين لصوص المرحلة ومجرمي الأمس، يتسابقون إلى حضن القاهرة وأسمرا، يبيعون السيادة قطعة قطعة مقابل وهم البقاء، ويعرضون الكرامة الوطنية في مزاد العار.

أيّ نصر هذا الذي يُمنّي به البرهان نفسه؟ بينما تنهار المدن واحدة تلو الأخرى، من الفاشر إلى الأبيض، ومن النهود إلى الدّبة، وتُضرب مراكز الجيش الحيوية ومناطقه الاستراتيجية مثل المهندسين ووادي سيدنا بطائرات مسيّرة تُعري هشاشة ما تبقى من بنيته. يواصل البرهان دعوته للحسم العسكري، ويمني نفسه حكما بلا أفق، في مشهد عبثي لا يُنتج سوى المزيد من الدم والموت والجوع.

يتوسّل البرهان إلى هذا الشعب الجريح بالصبر، يدعوه إلى انتظار نصرٍ عسكريٍ لا يجيء، بينما تتوالى الهزائم كالمطر الأسود، تتساقط على رأسه، وتُسحق تحتها معنويات جنوده. أما الفساد، فقد صار لسان حال سلطته، والفضائح تتناثر كالشظايا، من الإمارات إلى بورتسودان، ومن شحنات الذخيرة المتخفّية في عبوات الدواء، إلى صفقات الخيانة التي يُراهن فيها على شرف الأمة واستقلالها.

البرهان، ذاك الطاغية المثقل بجنون العظمة، يتعامى عن الواقع: لا كثافة سكانية تسند قواته، لا تحالفات إقليمية تضمن له النصر، ولا شرعية أخلاقية تحفظ له ماء وجهه. ففي استمرار الحرب مهانة وفي إيقافها تبدأ أولى خطوات السلامة والعودة إلى العقل، وتُفتح بوابات التسوية الشاملة التي تُنهي فصول العسكرة والتطرف، وتعيد للسودان ملامحه المدنية الغائبة. فخلاص السودان لن يولد من فوهة البندقية، ولا من انتصار طرفٍ على آخر، بل من مشروع وطني مدني يستوعب الجميع ويلبي طموحاتهم.

الحرب لم تعد مواجهةً بين جيشٍ ودعمٍ سريع، بل غدت صراعًا جغرافيًا وتاريخيًا بين ضفتي النيل (شرقه وغربه): بين دولةٍ تحتضر وأخرى تولد من رحم المعاناة، بين نخبةٍ نيلية أرهقها الفشل لكنها تأبى أن ترى غيرها يحكم، وشعوبٍ قررت أن لا تُقاد إلى الذبح من جديد. لقد انكشفت النوايا، وسقطت الأقنعة، وسُمِع الصوت الذي طالما كتموه: لن يُبنى السودان من الخرطوم وحدها، ولن يُختصر تاريخه في نخبةٍ لم تغادر بعد عقليتها الريعية الإستعمارية، بل تكابر وتثرثر وتشاجر.

حتى متى وهؤلاء يتلبسون بفرية الكيزان، أولئك الذين برعوا في تعذيب الشعب وقتله وتفننوا يوما بتسديد المسمار في رأسه، حتى متى وهؤلاء يظلون ضحايا لأكاذيب الكيزان، أولئك المرضى الذين دأبوا على اغتصاب الشعب حسياً ومعنوياً وتعمّدوا ذات ليلة حشر حديدة في دُبره؟ أعجب عندما استمع إلى أحد أبواقهم الأعلامية وهو يتكلم عن سفك الدماء وهتك الأعراض وسرقة المقتنيات. هذه هي الثقافة التي اعتمدتموها وظللتم تعملون على تكريسها في جغرافيا الوطن وسفوح الريف الممتدة غرباً وشرقاً وجنوباً. وما زلتم!

إن الحرب، في وجهٍ من وجوهها، كانت عدالةً إلهية ضد ظلمٍ استمر لعقود، لكن إيقافها اليوم يستدعي حكمةً بشرية وإنصافًا تاريخيًا. لقد تحررت الشعوب من خرافة الطغيان، ولم يعد بمقدور أحدٍ إخضاعها باسم الدين أو الجيش أو الجغرافيا. آن أوان العقل. آن للمدنية أن تسود، للسلام أن يُبنى، وللسودان أن يُستعاد من تحت أنقاض الأوهام والعسكرة والأدلجة.

ختاماً، إنّ ما يجري في السودان اليوم ليس صراعًا على السلطة فحسب، بل هو معركة وجودٍ بين وطنٍ يُراد له أن يُولد من جديد، ونظامٍ مريض يصرّ على جرّه إلى الحضيض. البرهان وفلوله لا يقاتلون لأجل السودان، بل يتشبثون ببقايا عرش يتهاوى. ومن يحارب خوفًا من السقوط، لا رغبةً في العلو، لا يرتقي وطنه، بل يسقط معه في قاع الخراب.

إيقاف الحرب لم يعد ترفًا ولا خيارًا سياسيًا، بل واجبًا أخلاقيًا وتاريخيًا. لا خلاص للسودان إلا بمشروع وطني مدني يستوعب كل القوى، ويُقصي من أحرقوا البلاد تحت رايات الأدلجة والعسكرة.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

حوار مع صديقي المصري عاشق السودان

ليس كلُّ مصري يعرف أىَّ شئ عن السودان، واِنْ كان معظمهم يزعمون ذلك خاصةً سائقي سيارات الأُجرة!! ولعل مردّ ذلك ناتج من كثرة مخالطتهم (لاخواتهم) السودانيين ولكثافة وجود أبناء السودان منذ زمن بعيد في مصر، لكن صديقي المصري عاشق السودان يعرف بلادنا عن قرب ومعايشة لصيقة بأهله، ذلكم هو الدكتور عبدالعاطي المناعي الطبيب الانسان رائد السياحة العلاجية، ومن المفارقات أنه لم يدخل السودان أولَ مرةٍ بصفته طبيباً- إنَّما زاره بصفته مديراً لأعمال المحسن الكبير الشيخ الحاج سعيد لوتاه، لينفذ مشروعاً له في ولاية الجزيرة حيث توطدت صلته بالأستاذ عبد المنعم الدمياطي، والبروفسير الزبير بشير طه، والفريق أول عبد الرحمن سرالختم، والأستاذ عبد الباسط عبد الماجد، وغيرهم كثير، ومن ثم انداحت علاقاته مع أهل السودان، الذي زاره لأكثر من خمسين مرة، وأقام فيه السنوات ذوات العدد وأسس فرعاً لمركز ترافيكير، وشهد لحظة اندلاع الحرب، وعاش في قلب المعارك بالخرطوم لمدة تزيد عن شهرين متتاليين وانتقل لمدني ثم بورتسودان قبل أن يغادر إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، وكتب كتاباً- تحت الطبع- وثَّق فيه بعضاً من شهادته على الحرب!!

د.المناعي قال لي وهو في حالٍ من الدهشة عن ما يجري من بعض ضيوف مصر من أهل السودان الذين وصلوا بعد الحرب إذ لم يجد فيهم مثل من عرفهم من قبل!!
قال: شهدت مصر لجوء كثيرٍ من العرب من دول مختلفة، ولكنها لا تعتبر السودانيين لاجئين، فأهل مصر يعتبرون أهل السودان أشقاء بحق وحقيقة، هذه هي القاعدة، وإن كان لكل قاعدة شواذ!!
لكن ما تُظهره بعض فئات السودانيين من سلوكيات غير مناسِبة لأناسٍ وطنهم فى حالة حرب وجودية يكون بعدها أو لا يكون .. شئ يجعل الحكيم حيران!!

حفلات ساهرة ورقص خليع، نحن لم نَرَ مثل ذلك من جنسيات أخرى سبق وصولها لمصر وصول السودانيين بعد الحرب!!

صحيح أن معظم السودانيين فى حالة ذهول وحزن شديدين، ويتحرَّقون شوقاً للعودة لبلادهم، لكن تفشي ظاهرة هذه السهرات طغىٰ على ما سواه من ما يعانيه أهل السودان في مصر من آلام مع قسوة الحياة خارج أرضهم وديارهم !!

والناشطون من السودانيين على وسائل التواصل الإجتماعي، وهو الإعلام الأكثر تأثيراً والأسرع وصولاً للمتلقي، مشغول بسفاسف الأمور ومحاربة طواحين الهواء أما الإعلام الرسمي فمحصلته صفر كبير مع شديد الأسف.

وعلى ذكر الإعلام يقول د.المَنَّاعى لماذا لا نلحظ اهتماماً من إعلام سائر الدول العربية تجاه ما يدور فى السودان، ومصر ليست أستثناءً ؟؟
فى الوقت الذي نجد فيه إعلاماً سالباً تنشط فيه دولة الإمارات مع دورها المعروف في هذه الحرب، لدى كل دول العالم !!

ويختم د.المناعى هذه التساؤلات الحيرىٰ بتأكيده أن السياسة ليست من اهتمامته، لكن الوضع الماثل قد اضْطَره لطرح هذا الموضوع على كل سوداني يلتقي به، فهو عاشق للسودان ولكل ماهو سوداني!!!

وهكذا لم يَدَعْ صديقي المصري عاشق السودان، لِىَ ما أقول!! فالحقُّ أًنطَقه وأخْرَسَني، وبدا الحوار وكأنه من طرفٍ واحد.

والحقيقة أن ماتنضح به مجالس السودانيين في مصر أو بالأحرىٰ في القاهرة عن مثل هذه الممارسات الشائنة شئ لا يمكن الدفاع عنه، بل هى أشياءَ لا يمكن السكوت عليها، ولكن ما باليد حيلة، اللهم أهدِ قومي فإنهم لا يشعرون، ولا أقول لا يعلمون، فالأمر لا يحتاج إلى علمٍ أو كثير بيان، ومع كون أن التعميم ظالم، فهنا في مصر الكثير جداً من الأسر الكريمة المتعففة التي تعانى من شظف العيش في بلد ليس له فيها مصدر رزق ولا قريب قادر على التخفيف من وطأة الحياة اليومية فهم فى بلد [مافيهاش يامَّه أرحمينى] !!

ولربما وجد بعضاً من المطربين والمطربات وفِرَقَهم العذر في أن ما يفعلونه هو لجني المال لأنهم في بلد القول المأثور فيها [معاك قرش تساوي قرش، ما معاكش ما تسواش] !! لعن الله الفقر فإنه يذل أعناق الرجال، ولربما امتثلوا للمقولة الشعبية السودانية [بلداً ما بلدك أمشي فيها عريان] !!
لكن تلك المقولة -على عوارها- كانت مبلوعة قبل أن يصبح العالم كقرية واحدة يُرى فيها العريان أين ما كان !!

عفواً صديقي الفاضل فإن ما تراه هو من عقابيل الحرب التي لم تكن في الحسبان، أو على الأقل ليست بمثل هذه الصورة البشعة، عسىٰ أن تكون خيراً لنا،قال تعالى:-
﴿كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾

جزىٰ اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ عرفت بها عدوِّى من صديقى ، ياصديقى.

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/11 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة نسمع ضجيجاً ولا نرى2025/12/11 إبراهيم شقلاوي يكتب: العودة للخرطوم ورسائل مفضل2025/12/11 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يا أيها القبر… كم أنت حلو)2025/12/11 هذه المقالة حِصراً لغير المتزوجين2025/12/10 قصة السرير !!2025/12/10 الجيش والمليشيات: لكن الدعم السريع وحش آخر2025/12/10شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات آلهة “تقدم” تعاقبنا بحمل صخرة الكيزان صعوداً وهبوطاً إلى قيام الساعة 2025/12/10

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • والي غرب دارفور: الاستجابه لنداء دعم الجيش تؤكد وقوف الشعب موحدا لحفظ وطنه
  • بعد مسيرات داعمة للجيش.. البرهان «يشكر» السودانيين ويطلق تعهدات
  • عاجل .. البرهان يعلق على تظاهرت الشعب السوداني لدعم القوات المسلحة
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذين ما زالوا في غزة
  • كلمة مني أركو مناوي في يوم وقفة الشعب 13/ ديسمبر 2025
  • معاناة بلا نهاية.. الشعب السوداني يعيش أعمق أزمة إنسانية
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • صدام علني بين الحلفاء.. الإخوان يكشفون دورهم في حرب السودان
  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • صورة من بورتسودان..!