الاحتراف الديبلوماسي
هنالك علاقة غير متوازنة بين الجزائر وفرنسا، تصب لمصلحة لهذه الأخيرة كما كانت دائما. من الواجب ألا تكون الأنفة الجزائرية شعورا لا مفاعيل له على طاولة المفاوضات، أو أن تكون سحابة صيف تنجلي بلباقة فرنسية يلين أمامها الساسة الجزائريون. التفاوض الحقيقي هو أن تضع مقابلا لكل ما تأتي أو تدع، وهو ما لا تحسنه الدبلوماسية الجزائرية خلافا لنظيرتها الفرنسية.
ليست قضية الصحراء أولوية الأمة الإسلامية اليوم ولن تكون في المستقبل القريب. الحل الوحيد لهذه المسألة يكون في إطار الوحدة بين الأقطار المغاربية. المعاملة بالمثل تقتضي منع دبلوماسيين فرنسيين من دخول الأراضي الجزائرية، لا منع الدبلوماسيين الجزائريين الممنوع كثير منهم أصلا دخول الأراضي الفرنسية! لكن الاتصال بين بعض الممنوعين الجزائريين وبين أصدقائهم الفرنسيين ممكن عبر وسائل التواصل، كما فعل المحكوم عليه بوعلام صنصال!
هذا المرء نموذج لرجال فرنسا في الجزائر، ظهر أمره للعلن على خلفية التقارب الفرنسي المغربي حول الصحراء، من حق العدالة أن تأخذ مجراها، ولكن كم بقي في دواليب الحكم الجزائري أمثال هذا "الموظف السامي"، المعين بمرسوم رئاسي؟!
لا تشتكي قارة بحجم الجزائر من شعبها حصافة الرأي ولا قلة ذات اليد، ولا أراضيها الخصبة التي تغذي العالم بأسره. ولكنها تشتكي قيادة فاشلة تعتاش بمال الشعب كسمسار بين البائع والمشتري؛ وإلا فقل لي بربك، لماذا لا تطلع وزارة التجارة شعبها على أسماء المستوردين الذين يحتكرون التجارة الخارجية والداخلية في المواد الأساسية، أليسوا يعملون في الشرعية؟ إذن دع الناس تتعرف إليهم، وتطلع على حجم أصولهم المالية، وصفقاتهم العمومية، وتحويلاتهم النقدية.احتضان قضية أي إنسان متهم وتسويقها على أنه كاتب، يسهم في التعمية على الحقيقة. ليست الكتابة فنا بريئا يلبسه المرء ليحترمه الناس ويتقي به شر فعاله. الكتابة فعل يتحمل الأوصاف الشرعية والقانونية كافة.
ناهيكم أن الجنسية المزدوجة لرعايا الدول المسلمة، إذا ما كانوا يحملون جنسية الدول الكافرة المستكبرة، ستكون حصان طروادة تتخذ للتدخل في القضايا الداخلية لتلك الدول. هذا ما لوحظ في قضية هذا المشبوه الجزائري الحامل للجنسية الفرنسية، الذي ما فتئ رئيسه "ماكرون" وإعلامه يطالب بإلغاء القرار القضائي الجزائري الذي أدانه.
من ها هنا ندرك خطورة أن تفتح كثير من الدول الغربية أبوابها على مصاريعها لهجرة الناس البسطاء إليها، ما يجعل البلدان الأصلية أمام مستقبل محفوف بمخاطر تتهدد وجودها، حينما يعود هؤلاء المهاجرون وذووهم إليها محملين بالجنسية الأجنبية، إنهم ربيئة أجنبية تستغل كورقة للتدخل في قضاياها السيادية.
السلطة عندنا بنت انقلاب ١٩٩٢م، وهي مدينة للناتو في تعزيز حكمها حينما كاد الإسلاميون أن يستلموا الحكم عبر الانتخابات. ليست في الجزائر عدالة حقيقية تستطيع تكييف الجرائم كما يجب، وليست هناك سياسة تعرف من أين يؤكل لحم الكتف. ما نراه مباراة ودية على إيقاع اللاعب الفرنسي. وهكذا تمضي الأمور منذ التاسع عشر من مارس عام 1962م، نخلص للقول بأن القوتين الأوروبية والإفريقية لا تطيقان صبرا على البعاد، فليس مستغربا أن تتلون السياسة الفرنسية كالحرباء من أجل مصالحها، المهم ألا نتلون نحن إرضاء لها.
أحقا قوة ضاربة؟
للسلطة الجزائرية وسائل دفع فعالة للضغوطات الدولية لو أنها استخدمتها، فما تستفيده الولايات المتحدة من الجزائر أكثر مما تتلقاه الجزائر منها. كما أن زيادة الوعي الديني يحصن المجتمع، وأعني بالوعي الديني أن تصلح السلطة شأنها فترعى حق الله في بلاده وعباده. تلكم هي أسلحتنا الفتاكة الحقيقية، لا طائرات "السوخوي" الروسية.
العسكرية لا تعرف الخطأ في التقدير، وليس إسقاط الطائرة داخل الحدود الجنوبية للجزائر ردا كافيا يردع. إنها ليست مزحة خشنة وأنت تؤخذ من خاصرتك الرخوة على حين غرة، كهذا تبدأ النزاعات والحروب من مستصغر الشرر. إن لأطراف كثيرة مصلحة مشتركة في جر الجزائر إلى حرب استنزاف، ليس الكيان الصهيوني إلا واحدا منها. تحصين الصف الداخلي بالوحدة والتسليم بحق الله في بلاده وعباده كفيل بالمنعة والانتصار.
لا فرق بين من يثبت عمالته شاهدا على نفسه بها أمام الملأ، وبين من يحول دون وحدة المغاربة في كيان يجمعهم على كلمة التوحيد. سوف تتداعى كل هذه الأصنام بإذن الله! وإن للشعوب قوة حين تصدح في التجمعات والمسيرات بقضية الأمة فلسطين وحين تصدح بالوحدة كذلك، لأنها أقصر طريق نحو التحرير.
الجزائر وداؤها الباطني
ألفت النظر بأن تاريخ الثورة الإيجابي والسلبي منه لا يزال الوقت مبكرا لإعادة قراءة حوادثه ووضعه في منظور الحقيقة الموضوعية بلا تهوين ولا تضخيم، كما أن ملف العشرية الحمراء امتداد لذلك التاريخ ونتاج له، فرنسا لاعبة ظاهرة وخفية في الفترتين. وتحقيق ذلك منوط بتغيير النظام السياسي كله، تغييرا يعيد إليه الشرعية الشعبية والمشروعية الأخلاقية.
السلطة تحاول اللعب بكل الأوراق لتنال رضا الجميع، الأوراق التي تعود ملكيتها للشعب الجزائري وحده بطبيعة الحال، ولكن إلى متى ستظل الجرة سالمة في كل مرة؟صيام رمضان وتحديد أول شوال لا يثبتان بحكم حاكم، بل بالرؤية، وقد استفاض خبر الرؤية ليلة الأحد في بلاد كثيرة. هلال واحد لمن اشترك ليله ونهاره. وللمفارقة، فإن الجزائر اعتادت بالتسليم لمراصد السعودية واتباع ما تسفر عنه ولو بادعاء الاستقلالية، لكنها هذه السنة خالفت! لا ننس موقف الجزائر من استبعادها في التحضير للقمة العربية الأخيرة من قبل مصر والسعودية وغيرهما ومشاركتها فيها على استحياء. هذا عندما تكون الرؤية بناء على المنظار السياسي، وعندما تكون طاعة ولي الأمر تودي بك إلى صيام يوم العيد!! إنه القدر الساخر بنا حقا.
سنوار ثان وجدت جثته بعد ثلاثة وستين عاما من استقلال الجزائر، في كهف زحف إليه وهو ينزف من جراحه، ثم قضى وبين يديه البندقية وأوراق وحاجات ذكورية، لم يعش هذا البطل المجهول فرنسيا ولم يهجر بلده المحتل، مات في سرداب ضيق كالقبر، تاركا وصية عابرة للأجيال.
لا تشتكي قارة بحجم الجزائر من شعبها حصافة الرأي ولا قلة ذات اليد، ولا أراضيها الخصبة التي تغذي العالم بأسره. ولكنها تشتكي قيادة فاشلة تعتاش بمال الشعب كسمسار بين البائع والمشتري؛ وإلا فقل لي بربك، لماذا لا تطلع وزارة التجارة شعبها على أسماء المستوردين الذين يحتكرون التجارة الخارجية والداخلية في المواد الأساسية، أليسوا يعملون في الشرعية؟ إذن دع الناس تتعرف إليهم، وتطلع على حجم أصولهم المالية، وصفقاتهم العمومية، وتحويلاتهم النقدية.
ولأن هنالك شيئا ما يعيق الجزائري عن صناعة خبزه اليومي بيده، منذ أن يلقيه حبا في الأرض حتى يستوي طعاما رئيسيا على مائدته ـ تتعثر مشاريع الكهرباء الفلاحية في القرى والأرياف، التي يعول عليها في مد مدننا الكبرى بالرغيف، وتمضي خيطانها نحو الانتشار كمضي السلحفاة، بلا داع وجيه لهذا التواني والتأخير، رغم أن مردود فواتيرها على الخزينة العمومية أضعاف مضاعفة. في حين نرى مشاريع اللهو والترفيه تمضي سراعا وتهدر فيها أموال طائلة بلا رقيب ولا حسيب.
"جوّع كلبك يتبعك" فلتة لسان صدرت من رجل دولة حكم مع العصابة لكنها لم تكن زلة لسان بقدر ما كانت سياسة منتهجة. قانون المالية يجعل المواطن يلاحق المعيشة طوال عمره، السلطة تلعب على كل الخيوط لتبقى سالمة، والشعب يتلهف على نصرة غزة ويجمع لهم الأموال على الدوام. حركة مجتمع السلم غردت طويلا خارج السرب، تحتاج اليوم إلى الشعب الجزائري ليساندها في وقفتها الاحتجاجية، ربما يفعل وربما لا. من الحكمة في هذه المحطات التنسيق مع الجهات الموثوقة والتي لها كلمة مسموعة في البلاد، طبعا هي موجودة خارج السلطة وبين صفوف الشعب. السلطة تحاول اللعب بكل الأوراق لتنال رضا الجميع، الأوراق التي تعود ملكيتها للشعب الجزائري وحده بطبيعة الحال، ولكن إلى متى ستظل الجرة سالمة في كل مرة؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الجزائر سياسة الرأي الجزائر تحديات سياسة رأي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجزائر من
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية والهجرة يستضيف اجتماعا للآلية الثلاثية لدول الجوار حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي
استضاف د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة يوم السبت ٣١ مايو اجتماعا للآلية الثلاثية مع السيد "أحمد عطاف" وزير الشئون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج في الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية، والسيد "محمد علي النفطي" وزير خارجية الجمهورية التونسية، وذلك لبحث التطورات فى ليبيا والتنسيق المشترك حول مستجدات الأوضاع فى طل هشاشة الموقف فى غرب ليبيا والرغبة المشتركة لتبادل الرؤى والتقييمات بما يسهم فى دعم ليبيا فى هذا التوقيت الدقيق.
تجدر الاشارة إلى ان الآلية الثلاثية بين مصر والجزائر وتونس قد تم تدشينها عام ٢٠١٧ وتوقفت عام ٢٠١٩، ويأتى الاجتماع بالقاهرة اليوم فى إطار إعادة تفعيل هذه الآلية المشتركة، انطلاقا من حرص الدول الثلاث على دعم الأمن والاستقرار فى ليبيا الشقيقة.
أكد الوزير عبد العاطي على خصوصية العلاقة التى تجمع مصر والجزائر وتونس بدولة ليبيا الشقيقة وعمق الروابط التاريخية والصلات الإنسانية والمصالح المتشابكة بين البلاد الثلاث مع ليبيا، مشيرا إلى الأولوية التي يمثلها الملف الليبي بالنسبة للأمن القومي لمصر والجزائر وتونس كدول جوار مباشر لليبيا، مؤكدًا ضرورة تقديم الدعم للجهود الرامية لإطلاق عملية سياسية لتسوية الأزمة فى ليبيا.
واستعرض وزير الخارجية محددات الموقف المصرى من التطورات فى ليبيا الداعم لمسار الحل الليبي-الليبي دون إملاءات أو تدخلات خارجية أو تجاوز لدور المؤسسات الوطنية الليبية، وصولًا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن. وأكد على أهمية احترام وحدة وسلامة الاراضى الليبية والنأي بها عن التدخلات الخارجية، ودعم جهود الامم المتحدة فى التواصل مع كافة أطياف الشعب الليبى، وضرورة تضافر الجهود الدولية من أجل إنفاذ المقررات الأممية ذات الصلة بخروج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، بما يسهم في استعادة الأمن والاستقرار.
وفيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس، فقد توافق الوزراء الثلاثة على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في كافة الأراضي الليبية، وصون مقدرات الدولة ومؤسساتها الوطنية، واحترام وحدة وسلامة ليبيا الشقيقة، داعين إلى الحفاظ على السلمية ونبذ العنف وإعلاء المصلحة الوطنية الليبية فوق كل اعتبار. وأكدوا على الاستمرار العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون وكافة أوجه الدعم لليبيا والعمل على ضمان أمن وسلامة شعبها الشقيق.
وقد صدر بيان مشترك عن اجتماع الآلية الثلاثية لدول الجوار حول ليبيا.