جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-22@17:19:19 GMT

إسطبلات أوجياس

تاريخ النشر: 5th, May 2025 GMT

إسطبلات أوجياس

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

يُقال إن أوجياس، ملك إلِيديا، كانت إسطبلاته مليئة بالخيول والمواشي، وقد ظلت لسنوات طويلة تنفث روائحها الكريهة في المدينة؛ مما تسبب في انتشار الأمراض والأوبئة.

وارتفعت أصوات السكان احتجاجًا على هذا الوضع، ولما كان من الصعب عليه حل المشكلة بما يتناسب مع حجم الاستياء الذي عمَّ المدينة، عرض على أحد معاونيه مهمة تنظيفها مقابل جزء من تلك المواشي والخيول.

وقد قام بتنظيفها في يوم واحد، وذلك بتحويل مجرى النهر إليها، كما تقول الرواية.

تُعد هذه الأسطورة القديمة نموذجًا ما زال مستمرًا في العصور اللاحقة، وقد كتب عنها الكثير تحت العنوان ذاته، وتمت مقاربتها من زوايا مختلفة. وعادةً ما يُستدعى بُعدها الرمزي لإسقاطه على وقائع الحياة الجديدة، لما تحمله من مضامين وأبعاد تستحق التأمل في عمق مدلولاتها. ومن هذه الدلالات: أن الملك قد استجاب للإرادة الشعبية، غير أنه لم يستطع تلبيتها دون أن يُضحِّي بجزء من ثروته الحيوانية. ومنها أيضًا أن من أُوكلت إليه المهمة لجأ إلى حلول سريعة وغير متوقعة، وبلغة عصرنا "ثورية".

ومنذ تلك اللحظة، استقر في أذهان العامة أن الملك يمتلك قدرات خارقة، وأنه يستطيع- حين يمتلك الإرادة- أن يجد السبل المناسبة لمعالجة معضلات الواقع، وأن إمكانات التغيير ليست مُستعصية. ومن يومها، يُستخدم هذا المصطلح كناية عن تراكم الأوساخ، أو عن الحد الأقصى من الإهمال والفوضى. ويرى البعض أن تأويل هذه الواقعة في ضوء الواقع الجديد يعكس- من أحد جوانبها- مدى الحاجة إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية. وقد كان القدماء- كما تقول الكتابات القديمة- على قدر كبير من الإرادة والحكمة، وكان استشفافهم للنفسية الاجتماعية حادًا؛ إذ لم يُقيِّدوا أنفسهم بوسيلة محددة في عمليات الإصلاح. وكان لكل منهم رؤيته الخاصة لتنظيف إسطبلاته، ورفع شأنه، وتحسين صورته أمام مواطني مملكته. وقد اعتبروا- آنذاك- من النواقص تكرار تجارب الآخرين؛ باعتبار أن ذلك- من وجهة نظرهم- ينمّ عن قصر النظر وفقدان الحيلة.

لذلك، لم يكن مُستغربًا أن يُسمِّي ملوك الإغريق الشهور بأسمائهم الخاصة، وأن يضيف كلٌّ منهم يومًا إلى عدد أيام الشهر الذي سبقه، ربما لرغبةٍ في التمايز والاختلاف، وهي فطرة مغروسة في الإنسان، لكنها أيضًا وسيلة سياسية وقائية ذكية، تتعاظم لدى الحكام الذين تكون أفعالهم مرئية للعامة، والذين يحرصون على ترك بصمتهم في التاريخ. ويُقال أيضًا إن ميكافيلي، بعد أن خبر أسرار الحكم وكواليسه الضيقة، وضع كتابه الشهير في علم السياسة، الذي قدّم فيه نصيحته لإنقاذ الحكام من مساوئ "إسطبلاتهم" وترسيخ حكمهم. وعندما وضع المبدأ المعروف "الغاية تُبرِّر الوسيلة"، لم يكن يقصد سوى ضرب تلك القُدسية التي تُحاط بها البطانة، والتي يسجلها التاريخ في صفحاته على أنها غير مُنزَّهة عن الأهواء والرغبات والأحقاد. ويُعزى انهيار معظم الممالك وحتى الإمبراطوريات الكبرى- بحسب من درسوا التجارب البشرية- إلى تلك الحواشي التي- لدواعٍ ذاتية- تتستر على النواقص، حتى تتآكل هياكل الإمبراطوريات وتتفكك من الداخل.

وبعد التطورات العاصفة في البيئات الاجتماعية، والصراعات التي خيضت عبر الأزمنة للاستفراد بمفاتيح خزائن المال وامتلاك وسائل الغايات، وما نتج عنها من مآسٍ وكوارث اجتماعية واقتصادية على مرّ العصور، لم تعد المهمة بتلك البساطة. ولو أُنيط بمن قام بتنظيف إسطبلات أوجياس قديمًا أن يؤدي ذات المهمة في العصر الراهن، لتعذر عليه إنجاز ما أنجزه حينها، وربما يستنكف عن تأدية تلك المهمة المعقدة.

غير أنه- نظرًا لما يتمتع به من فطنة- لن يعدم الوسيلة، وقد يضطر للاستعانة بمن عصرتهم تجارب الحياة القاسية على مدى عقود طويلة، واكتسبوا خبرات من واقع حياتهم وبؤسهم، وهم القادرون على صنع المعجزات، كما صنعوا بسواعدهم وأدمغتهم حدائق بابل وأهرامات الجيزة، ويصنعون اليوم علوم التكنولوجيا والثورة الرقمية الجديدة، والذكاء الاصطناعي الذي يكشف أسرار النفس، ومسارات التفكير، وبواعثها الخفية. ناهيك عن مواقع الإسطبلات التي كانت، في الماضي، محصورة المعرفة بسكان مملكة إلِيديا الصغيرة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشوبكي يتساءل: من أين مصدر الغاز الذي ستعمل عليه سيارات الأردنيين؟

#سواليف

أطلق الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة، #عامر_الشوبكي، تساؤلًا بارزًا حول مصدر #الغاز الذي يُفترض أن تبدأ #السيارات_الأردنية بالعمل عليه قريبًا، في ظل #خطة_حكومية للتوسع باستخدام الغاز كوقود بديل للديزل والبنزين.

وقال الشوبكي إن الأردن لا ينتج حاليًا سوى ما يغطي 5% فقط من احتياجاته من الغاز الطبيعي، مضيفًا أن كل ما يُطرح من وعود حول التوسع في الإنتاج المحلي ما يزال ضمن التصريحات، دون وجود إنتاج فعلي على الأرض أو كميات تجارية مستدامة.

وأكد الشوبكي أن التحول نحو الغاز في قطاع النقل يجب أن يُبنى على أسس واضحة، تبدأ بالكشف عن مصدر هذا الغاز على المدى الطويل، وتحديد الجهة الموردة له. واعتبر أن غياب هذه التفاصيل يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية تتعلق بالأمن الطاقي والسيادة الاقتصادية وحتى الأمن المجتمعي.

مقالات ذات صلة مساعدات غزة الإنسانية.. الأكفان بدلا من الطعام؟ 2025/05/20

وأضاف الشوبكي أن الدول التي تعتمد الغاز كوقود للمركبات تكون غالبًا من الدول المنتجة، في حين يسير #الأردن في هذا الاتجاه دون توفر بنية إنتاجية محلية تضمن استدامة القرار.

وفي جانب السلامة العامة، حذّر الشوبكي من مخاطر التحول العشوائي إلى الغاز دون وجود جهات فنية مؤهلة، مشددًا على ضرورة الاعتماد على منظومات موثوقة وجهات مختصة تقوم مقام الصانع. ولفت إلى أن أي تهاون في هذا الجانب قد يؤدي إلى حوادث خطيرة تهدد الأرواح.

واعتبر الشوبكي أن التخبط في سياسات الطاقة يبدو جليًا، إذ فرضت الحكومة ضرائب مرتفعة على البنزين والديزل جعلت أسعارهما من الأعلى عربيًا، ما دفع المواطنين نحو السيارات الكهربائية، إلا أن الأخيرة واجهت أيضًا ضرائب وجمارك مشددة أبطأت من انتشارها، رغم أنها البديل الأكثر نظافة واعتمادًا عالميًا.

وختم الشوبكي تصريحه بالقول:
“السيارات في طريقها إلى العمل على الغاز… لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم وغداً: من أين مصدر هذا الغاز؟”

مقالات مشابهة

  • الوحدة التي يخافونها..!!
  • لجنة البحوث الفقهية تعقد اجتماعها الشهري وتناقش مجموعة من القضايا المهمة
  • حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه
  • الشي الوحيد الذي أصاب ترامب فيه
  • عدد الأصدقاء أم نوعيتهم؟.. ما الذي يحقق لنا السعادة في التواصل الاجتماعي؟
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • الشطر: الموظف الذي يفقد ذاكرتين كل يوم
  • الشوبكي يتساءل: من أين مصدر الغاز الذي ستعمل عليه سيارات الأردنيين؟
  • نائب:البرلمان الحالي لافائدة منه وضد الشعب
  • من الذي التهم صنم العجوة ؟