قراءة في الغياب العربي بين جولة ترامب وقمة بغداد
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
شهد الأسبوع الماضي مشهدين متوازيين في خارطة الأحداث الشرق أوسطية. الأول تمثّل في جولة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ثلاث دول خليجية، خرج منها باتفاقيات استثمارية وصناعية وعسكرية وُصفت بأنها «تاريخية»، تتجاوز قيمتها تريليونات الدولارات. والثاني في قمة عربية عقدت ببغداد، أعادت تكرار المواقف المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، من دون أن تُحرّك هذا المبدأ في اتجاه أي أثر عملي، أو مقاربة ملموسة لما يحدث في غزة.
وبين هذين الحدثين، كانت المجازر في قطاع غزة تتواصل على نحو يصعب حتى على داعمي إسرائيل في الغرب الدفاع عنه، أو إيجاد تبرير له، في ظل انعدام كامل لأي مكسب سياسي يمكن أن يكون غطاء لهذه الإبادة الوحشية. ومع هذه الدموية، لم تكن غزة، بكل موتها وتجويعها ودمارها، حاضرة في جدول الصفقات المليارية، ولا حتى على هامشها، ولو على مستوى الإدانات الرمزية التي تقتضيها المجاملة السياسية. وتلك المفارقة وحدها تكشف بجلاء حجم التراجع الذي باتت تشهده مكانة القضية الفلسطينية، حتى في أكثر المحافل ارتباطا بالمنطقة وأمنها واستقرارها.
استراتيجية «الصفقات أولا» ليست جديدة على السياسة الأمريكية، لكنها باتت أكثر تجليا وحدّة في عهد ترامب، الذي يربط بين السياسة والمال بوضوح لا يقبل التأويل. وما أن دُشّنت جولته الخارجية بزيارات لثلاث عواصم خليجية، حتى أُعلن عن سلسلة من العقود الاستثمارية الضخمة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والدفاع، بما يعيد رسم صورة العلاقة التقليدية بين الولايات المتحدة والمنطقة على أسس «رأسمالية سياسية» واضحة.
من منظور العلاقات الدولية، هذه العلاقات تعيد إنتاج معادلة «الأمن مقابل الرأسمال»، إذ تُمنح واشنطن مساحة واسعة لتعزيز نفوذها الاقتصادي والتكنولوجي، مقابل استمرار التزاماتها الأمنية تجاه حلفائها. لكن مثل هذه المعادلة، برغم استقرارها الظاهري، تُخفي في جوهرها اختلالا في موازين التأثير، إذ يبقى هامش القرار السياسي الإقليمي مرتهنا برضا المظلة الأمنية، ولو كان الثمن هو السكوت عن مأساة إنسانية من طراز ما يحدث في غزة.
أما القمة العربية التي عقدت في بغداد، فقد جاءت بوصفها اختبارا لمفهوم «التضامن العربي» في لحظة لا تحتمل الترف اللغوي الذي يشتهر به العرب خاصة في مثل هذه المناسبات الخطابية. لكن البيان الختامي الصادر عنها لم يختلف كثيرا عمّا سبقها من بيانات: لغة خطابية مألوفة، ومطالب موجهة إلى المجتمع الدولي، دون أن يتضمن البيان آليات واضحة للتحرك، أو التزامات مالية أو سياسية قابلة للقياس. وبذلك فشلت القمة في تقديم الحد الأدنى من الرد العملي على حجم الكارثة المتواصلة في غزة، والتي تجاوزت بمراحل حدود الحرب، إلى ما يصفه الحقوقيون وبعض مؤسسات المجتمع الدولي «بالإبادة الممنهجة».
المعضلة هنا تتجاوز فقر البيان السياسي الصادر عن القمة، إلى خلل أعمق في قدرة النظام العربي الرسمي على تحويل الشعارات إلى أدوات فعل: فالانقسامات البينية، والتباينات في الأولويات، ومحدودية الإرادة المشتركة، كلّها جعلت من القمم محطات رمزية أكثر منها منصات فاعلة. في حين أن الواقع على الأرض يتطلب أدوات ضاغطة تتجاوز الشكل إلى جوهر الفعل.
في موازاة هذه الصور الرسمية، كان المشهد في غزة يتفاقم. القصف لا يهدأ، المجاعة تتسع، والماء والدواء مفقودان، فيما يتراكم في سجلات الأمم المتحدة رقم تلو رقم في عدّاد القتلى والجرحى والمفقودين. وحتى اللحظة، لا يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أي هدف سياسي واضح من هذه الحرب. بل يبدو أن القتل أصبح هدفا بحد ذاته، مبررا فقط بمنطق أمن استيطاني يرى في كل الفلسطينيين تهديدا، حتى الأطفال منهم.
المثير للقلق أن هذا القتل لا يجد من يوقفه أو حتى ينتقده بشكل محرج لإسرائيل. فالمجتمع الدولي منشغل، والمنظمات الحقوقية غير قادرة على تفعيل أدوات ردع مؤسسية، والمحكمة الجنائية الدولية عاجزة أمام استخدام «الفيتو» المتكرر. الأسوأ من ذلك أن القيم التي بُنيت عليها الديمقراطيات الغربية ـ حرية الإنسان، وكرامته، وحقه في الحياة ـتُختبر أمام أعين الجميع، وتسقط حين يتعلق الأمر بفلسطينيّ محاصر، أو طفل تحت الركام، أو حتى حين يرى العالم آباءً يُودّعون أشلاء أطفالهم بأيد خاوية، في مشهد مؤلم يختزل فشل السياسة وانهيار الإنسانية.
وما لم يُطرح السؤال الكبير حول جدوى كل هذه القمم والصفقات إذا كانت لا تتسع حتى لذكر غزة، فإن الفجوة بين الشعوب العربية وحكوماتهم ستتسع كثيرا، ويتهدد الخطاب السياسي العربي بفقدان آخر ما تبقى له من مصداقية. إذ كيف يمكن الحديث عن «الالتزام بقيم العدالة» بينما تغيب هذه القيم تماما عن أولويات العلاقات الدولية؟ وكيف يمكن إقناع الرأي العام العربي بأن هناك فعلا «قضية مركزية»، بينما لا تستخدم هذه الدول قوة صفقاتها ورساميلها الضخمة في الضغط من أجل وقف الإبادة في غزة أو على أقل تقدير إدخال قطرة ماء وكسرة خبز لأطفال يموتونا جوعا!!
إن ترك القضية الفلسطينية لمصيرها ليس فقط تخليا أخلاقيا، ولكنه خطأ استراتيجي. فكل تراجع في الحضور السياسي للقضية سيُملأ مع الوقت بخطابات أكثر حدة، وربما بأدوات ميدانية لا تُبقي ولا تذر. وكل صفقة تُوقَّع دون شرط سياسي واضح، تُشكل رصيدا إضافيا في بنك الإبادة الصامتة، وتؤسس لواقع أخطر مما يبدو على الشاشات.
لقد كشفت أحداث الأسبوع الماضي أن المنطقة تعيد تعريف أولوياتها على نحو لا يتسق مع ميثاقها الأخلاقي. فبينما تُضخ المليارات في عقود الصناعة والدفاع، لا تملك القمم سوى لغة البيانات. وبينما تُوقع التفاهمات على «شراكات المستقبل»، يُترك أطفال غزة ليدفنوا جوعا تحت ركام المستشفيات.
وإذا كان من درس يجب أن يُفهم من هذه اللحظة التاريخية، فهو أن استقرار المنطقة لا يمكن أن يُبنى على موت أهلها، ولا يمكن لازدهار حقيقي أن يزدهر فوق ركام الدم.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة «عمان»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
إيران تؤكد: برنامجنا النووي مستمر ولا يمكن القضاء عليه بالضربات العسكرية
أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن تكنولوجيا وعلم تخصيب اليورانيوم لا يمكن القضاء عليهما بالهجمات العسكرية، مشيراً إلى أن البرنامج النووي السلمي الإيراني أصبح “مصدر فخر واعتزاز” للشعب الإيراني.
وفي تصريحات لوكالة “إرنا”، رد عراقجي على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول احتمال استئناف المفاوضات مع إيران، قائلاً: “لا أعتقد أن المفاوضات ستستأنف بهذه السرعة”.
وأضاف أن طهران بحاجة إلى ضمانات واضحة بعدم شن هجمات عسكرية خلال المفاوضات، معتبراً أن إيران تحتاج إلى مزيد من الوقت لدراسة الخيارات المتاحة، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “أبواب الدبلوماسية لن تغلق أبداً”.
وردًا على مزاعم أمريكية حول تدمير المنشآت النووية الإيرانية، أوضح عراقجي أن إيران ستتمكن من تعويض أي خسائر بسرعة، إذا توفرت الإرادة لمواصلة التقدم في الصناعة النووية.
واعتبر أن تخصيب اليورانيوم هو “قضية مجد وطني” وأن الشعب الإيراني لن يتنازل عنها.
وأشار إلى قدرة إيران على الدفاع عن نفسها خلال 12 يوماً من الحرب التي فرضتها إسرائيل والولايات المتحدة، مؤكداً الاستعداد لمواجهة أي عدوان مستقبلي.
في المقابل، نفى ترامب تقديم أي عروض لإيران أو إجراء محادثات منذ الضربات على المنشآت النووية، واعتبر أن الاتفاق النووي السابق بقيادة أوباما كان “طريقاً غبياً”، مؤكدًا أنه لم يمنح إيران أي تنازلات.
وفي سياق التصعيد، أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي، النصر على إسرائيل بعد 12 يوماً من المواجهات، بينما أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي اعتراض أكثر من 99% من الطائرات الإيرانية بدون طيار و86% من الصواريخ الباليستية التي أطلقت خلال الصراع.
يذكر أن الضربات الجوية الإسرائيلية على منشآت نووية إيرانية خلال يونيو الماضي، وأسفرت عن مقتل مسؤولين بارزين من الحرس الثوري، دفعت إيران للرد عبر عمليات عسكرية وصاروخية استهدفت قواعد إسرائيلية وأميركية في المنطقة.
الشرطة الإسرائيلية تعتقل زوجين من رعنانا بتهمة التجسس لصالح إيران
أعلنت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الشاباك (الأمن العام) في إسرائيل، اليوم الثلاثاء، عن اعتقال زوجين في مدينة رعنانا وسط البلاد، بتهمة التجسس لصالح إيران.
ووفقًا لبيان أمني مشترك نشره موقع “واينت” العبري، تم توقيف الزوجين اللذين يبلغان من العمر حوالي الثلاثين، للاشتباه في قيامهما بأنشطة تجسسية ضد إسرائيل لصالح طهران.
وخلال عملية التفتيش التي أشرفت عليها الشرطة وجهاز الشاباك، تم ضبط عدة هواتف وأجهزة كمبيوتر وأدوات تكنولوجية أخرى، بالإضافة إلى مراسلات يُشتبه في أنها بين الزوجين والمشغل الإيراني، وسيتم عرض الزوجين على جلسة استماع لتمديد فترة احتجازهما، فيما لم يتم الكشف عن هويتهما حتى الآن.
قراصنة مرتبطون بإيران يهددون بنشر أو بيع رسائل إلكترونية لمقربين من ترامب
هدد قراصنة إلكترونيون قال تقرير لوكالة “رويترز” إنهم مرتبطون بإيران، بالكشف عن مئات الرسائل الإلكترونية التي سرقوها من حسابات لمساعدين مقربين من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وأوضحت الوكالة أن القراصنة نشروا سابقًا دفعة من الرسائل قبل الانتخابات الأمريكية الماضية، ويقولون إن بحوزتهم ما يقرب من 100 غيغابايت من الرسائل الإلكترونية التي تعود إلى حسابات بارزة داخل دائرة ترامب، منها حسابات سوزي وايلز، ومحامية ترامب ليندسي هاليجان، ومستشاره روجر ستون، بالإضافة إلى رسائل تخص نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز التي تحولت إلى ناقدة لترامب.
وأشار القراصنة خلال دردشة مع “رويترز” إلى احتمال بيع هذه المواد، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حول خططهم أو محتوى الرسائل.
وتأتي هذه التهديدات في ظل استمرار الجدل السياسي حول علاقة ترامب مع شخصيات مختلفة وتأثير ذلك على الساحة الأمريكية.
الحكومة الإيرانية تؤكد تضرر مواقعها النووية بشدة جراء الضربات الأمريكية وترد على مزاعم ترامب
أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني عن تعرض المواقع النووية في البلاد لأضرار كبيرة نتيجة الضربات التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدة صحة هذه الأضرار ومؤيدة تصريحات العديد من المسؤولين الإيرانيين بهذا الشأن.
ورداً على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ادعى فيها أن إيران طلبت إجراء مفاوضات وأن المواقع النووية تعرضت للتدمير الكامل، أوضحت مهاجراني أن الحكومة الإيرانية لم تحدد موعداً للمفاوضات، وأن مثل هذا القرار قد لا يكون قريباً، مشددة على أن خصوم إيران لا يفهمون عمق حضارة الشعب الإيراني التي تمتد لآلاف السنين، والتي تشكل سداً منيعا يحول دون السماح بأي انتهاك أو ضرر للقائد الأعلى للثورة أو للبلاد.
وأضافت أن الهجوم الذي تعرضت له البلاد خلف خسائر بشرية كبيرة، حيث أعلنت وزارة الصحة الإيرانية مقتل 935 شخصاً وإصابة 5646 آخرين، بينهم 140 امرأة وطفلاً، في إشارة إلى حجم التحدي الذي تواجهه البلاد جراء العدوان.
وعلى صعيد الرد القانوني والدبلوماسي، كشفت مهاجراني أن إيران بدأت منذ اللحظات الأولى للعدوان الإسرائيلي بإجراءات رسمية مع مجلس الأمن الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان، مؤكدة أن العدوان يعتبر جريمة جنائية ودولية، وأن هناك لجنة قانونية خاصة تعمل على توثيق هذه الجرائم بالتفصيل داخل رئاسة الجمهورية.
تعكس هذه التصريحات موقف إيران الحازم في مواجهة الضغوط الدولية، وأهمية التصدي لأي محاولة لزعزعة أمنها الوطني أو التعدي على سيادتها، كما توضح استمرار التوترات المتصاعدة في المنطقة وتأثيرها على المشهد الدولي.