الجزيرة:
2025-05-27@20:35:09 GMT

درعا بعد التحرير.. أنوار العودة وحلكة المعاناة

تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT

درعا بعد التحرير.. أنوار العودة وحلكة المعاناة

درعا- عبّر اسم درعا دومًا عن بوابة سوريا على التاريخ والكرامة، وهي المدينة التي تعيش اليوم مرحلة ما بعد التحرير متأرجحة بين واقع مأزوم وآمال متعبة ترمق القادم عسى أن يكون أجمل.

منذ إعلان سقوط نظام الأسد وتحرير سوريا لم تتغير تفاصيل المعاناة اليومية كثيرا، بل ربما ازدادت تعقيدا في جوانب عديدة، وكأن الحرب غادرت برحاها الفاتكة، لكنها تركت خلفها معارك طاحنة صامتة تدخل في تفاصيل الحياة اليومية.

في شوارع درعا، تعود الحركة خجلى؛ هناك صبية يذهبون إلى المدارس بأحذية ممزقة وحقائب خالية من الدفاتر، وفي الطرف الآخر كبار يتجولون في الأسواق وأعينهم تدور في رؤوسهم من الهم على أمل العثور على سِعر مقبول أو فرصة عمل عابرة، بينما يعرض الباعة بضاعتهم المحدودة الباهظة الثمن، وفي خلفيّة المشهد لا تستطيع روائح التوابل الفواحة أن تخفي مرارة الغلاء.

انتشار قوات الأمن والجيش السوري في ريف درعا (الجزيرة) أوضاع معقدة

وفي جولة بالأسواق التي كانت يوما تعج بالحياة، لا تخطئ العين ما تشاهده من ركود اقتصادي، والسبب لا يعود فقط إلى فقر الجيوب وجفاف السيولة المالية، بل إلى تعقيد الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تلقي بظلالها على كل تفاصيل الحياة اليومية لا سيما المعيشية منها.

يقول أبو خالد وهو تاجر في حي الكاشف منذ 20 عاما، "الناس تعود إلى البلاد بعد طول اغتراب وتهجير، لكن الحياة لا تعود كما كانت أبدا؛ فالكهرباء تأتي 3 ساعات فقط، والمياه لا تصل إلا يومين في الأسبوع، من يستطيع أن يعيش في ظل هذا التهالك والقسوة؟".

على الصعيد الإنساني، فإن قصص العودة تفوق في قسوتها مشاهد النزوح والتهجير، كثيرون رجعوا ليجدوا بيوتهم مهدمة أو منهوبة أو غير صالحة للسكن، فكثير من العائلات تعيش اليوم بين الركام، تصنع من الستائر أبوابا، ومن الأحجار أرائك، ولا تدري أين تذهب.

إعلان

بحسب التقارير الأممية، فإن أكثر من 82% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، ولعل المعاين للواقع يكتشف أن النسبة أكبر من ذلك، وذلك ما تجسده درعا بوضوح.
وفي حوران -بالذات- الملقبة "أم اليتامى"، لم يكن الفقر جديدا، لكنه اليوم صار أكثر شراسة ونهشا للإنسان ووضوحا للعيان، ولا سيما أنه يترافق مع انعدام الخدمات وغلاء الأسعار وتراجع الزراعة، وشلل شبه تام في الصناعات المحلية.

تركة ثقيلة

في الوقت ذاته، يبدو أن الحكومة الجديدة لا تزال تعاني من وطأة تركة النظام السابق الثقيلة وهي غير قادرة حتى الآن على تأمين أدنى مقومات الحياة بسبب البنية التحتية التي دمرها وأنهكها النظام المخلوع، فالكهرباء لا تزور منازل السكان إلا لساعات محدودة، وأما مياه الشرب فإنها تصل عبر الصهاريج بأثمان باهظة.

وحتى الخبز الذي هو قوام حياة المواطن السوري، فإنه سلعة "بائسة" من حيث النوعية والقدرة على تحصيلها، فلا يُباع إلا بعد خوض معارك في طوابير طويلة تمتد منذ الفجر، وسط غياب مادة الطحين المدعوم وتراجع في كفاءة المخابز.

وأما عن الوضع الصحي، فإنه لا يقل بؤسا، فالمستشفيات تعمل بطواقم منهكة غير قادرة على تغطية الاحتياج، والأدوية الأساسية إما مفقودة أو باهظة الثمن، فيما تستقبل العيادات الخاصة المرضى الذين يستطيعون دفع أجور المعاينة مع هامش إنساني يتركه الأطباء في عياداتهم الخاصة للمعوزين، لكن عموم الفقراء متروكون أسرى لأوجاعهم.

وبخصوص التعليم، فالمدارس منهكة والمناهج ممزقة والكادر فيه نقص شديد، والطلاب يدرسون في غرف لا تقيهم برد الشتاء ولا حرارة الصيف، فيما أعيد ترميم بعض المدارس بجهود المغتربين بينما بقي كثير منها خارج الخدمة بسبب آثار الحرب المدمرة؛ ففي إحدى المدارس القريبة من مركز المدينة، لا يتجاوز عدد المدرسين 3، بينما الصفوف تعج بأكثر من 50 طالبا في الغرفة الواحدة وما هذا إلا نموذج لصورة كبيرة موجعة.

إعلان

عزيمة وإرادة

ومع ذلك تظل المدينة تنبض بما تبقّى من إصرار وعزيمة وإرادة، فالناشطون المحليون ينظّمون دورات تعويضية، ويشكلون فرقا تطوعية خدمية في مختلف المجالات.

وعلى الرغم من كل هذه القسوة في المعيشة، فإن المدينة لا تفقد روحها، فالناس في درعا معجونون بمعنى الانتماء لوطن ينهض بهم، وقد اعتادوا أن يبنوا من الرماد حلما جديدا. ولا تزال الأمسيات تجمع العائلات حول أحاديث الواجب والهمة والانطلاق، والريادة في العمل وضرورات البذل والعطاء.

ولا تزال المساجد في درعا مراكز انطلاق العمل والبناء والمبادرات للنهوض، كما كانت من قبل مراكز انطلاق الثورة لهدم الاستبداد؛ فدرعا بعد التحرير ليست مدينة خرجت من الحرب فحسب، بل هي تحاول أن تبني نفسها خارج ذاكرة الحرب وداخل صراع جديد عنوانه الصمود، وهي إذ تقف على عتبة المستقبل، لا تنكر وجع الحاضر، لكنها تصر على أن تكون ذات صباح قريب، فهي مدينة تستحق الحياة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

صحف عالمية: شعور بالعجز يسود العالم تجاه المعاناة اليومية لغزة

ركزت صحف عالمية في مقالات وتقارير على موضوع استخدام إسرائيل الفلسطينيين دروعا بشرية في قطاع غزة، وعلى الانتقادات اللاذعة التي تتعرض لها إسرائيل بسبب الأزمة الإنسانية في غزة، وعلى الخطة الإسرائيلية لتوزيع المساعدات بالقطاع.

وكتبت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن استخدام إسرائيل الفلسطينيين دروعا بشرية في غزة لطالما كان ممنهجا، مشيرة إلى أن الشهادات الأخيرة التي صدرت عن جنود إسرائيليين خلصت في تحقيقات سابقة إلى أن الجيش الإسرائيلي تورّط في ممارسات مماثلة خلال حرب غزة بعلم كبار الضباط.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوفيغارو: هل يجرؤ ترامب على كشف المستور حول الأجسام الطائرة المجهولة؟list 2 of 2إعلام إسرائيلي: نتنياهو يقودنا نحو خسارة فظيعة من كل النواحيend of list

كما حذرت منظمات حقوق الإنسان -وفق الصحيفة- مرارا من استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية في الضفة الغربية.

ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا يتحدث عن شعور بالعجز يسود العالم تجاه المعاناة اليومية المتزايدة لفلسطينيي غزة خصوصا بعد انتشار مظاهر الجوع وسوء التغذية في القطاع المحاصر. وجاء في المقال أن الشعور بالعجز في مواجهة هذا الظلم الفادح قد يؤدي إلى فقدان الثقة ليس فقط في الحكومات والمؤسسات، بل أيضا في النظام الأخلاقي للعالم وقدرته على حماية الأطفال.

ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية تقريرا يشير إلى أن تأجيل دخول خطة توزيع المساعدات حيز التنفيذ في غزة يأتي في وقت تتعرض فيه إسرائيل لانتقادات دولية لاذعة بسبب طريقة تعاملها مع الأزمة الإنسانية. ويذكر التقرير أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن الخطة المدعومة أميركيا ستخفف شدة الغضب العالمي تجاه إسرائيل، لكن المخاوف بشأن تجسيدها على أرض الواقع لا تزال كبيرة.

إعلان

وعن الخطة نفسها، تفيد صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية مستندة إلى وثائق سرية اطلعت عليها، بأن "مُعدي الخطة أثاروا قبل أشهر مسألة الجدل الذي سيصحب الإعلان عنها كونها محاطة بكثير من الغموض وقائمة على إبعاد المنظمات الإنسانية التي اكتسبت خبرة في العمل الميداني على أرض غزة".

وربطت الصحيفة بين تأخير تفعيل الخطة وتزايد التساؤلات بشأن شرعيتها وقابليتها للتنفيذ وأهدافها.

انتخابات

ومن جهة أخرى، أوردت صحيفة "جروزاليم بوست" أن غالبية الإسرائيليين متخوفون من إمكانية إلغاء الانتخابات المقبلة بسبب استمرار الحرب على قطاع غزة. واستندت الصحيفة إلى نتائج استطلاع للرأي العام أظهر أن 79% من ناخبي الائتلاف الحاكم يعتقدون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يدفع باتجاه صفقة أسرى لأسباب سياسية.

وأشارت الصحيفة إلى أن أحدث نتائج استطلاعات الرأي ستنعكس حتما على ثقة الجمهور في الانتخابات المقبلة.

مقالات مشابهة

  • وكيلة وزارة المعادن: الوثائق الروسيه تحتوي على قاعدة بيانات قوية لاستعادة كل الوثائق والتقارير الجيولوجية التي فقدت في الحرب
  • "12 كلمة أطفأت أنوار حلم جارناتشو في أولد ترافورد".. هل حان الرحيل؟
  • الرئيس الشرع: في هذه المدينة كانت الثورة صرخة صادقة ولدت من رحم الألم فحملها رجال صدقوا العهد وصانوا الوعد فعملوا في الخفاء ليصنعوا المجد فكان لهم خير أثر في معركة التحرير
  • الرئيس الشرع: نلتقي اليوم على ثرى حلب الشهباء هذه المدينة التي ما انحنت لريح ولا خضعت لعاصفة بل كانت القلعة وكانت الجدار وكانت الشاهد على الصمود
  • الاحتلال يسجن ضابطا قاتل 270 يوما في غزة ورفض العودة إلى الحرب
  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • الفقر والحرمان يفاقمان المعاناة في اليمن خلال سنوات الحرب
  • صحف عالمية: شعور بالعجز يسود العالم تجاه المعاناة اليومية لغزة
  • مدير إعلام الهلال الأحمر يكشف حجم المعاناة داخل قطاع غزة