جدل الكيماوي وسرديات العهد المباد

خالد فضل

عشية صدور قرار مجلس الأمن الدولي بإحالة تقرير لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الإيطالي كاسيوس حول الجرائم التي ارتكبت في حرب دارفور خلال عامي2003__2004م، استضافني الزميل الإعلامي في إذاعة ولاية الخرطوم محمد الأمين عبر الهاتف و على الهواء مباشرة في تعليق على صدور ذلك القرار رفقة الدكتور عبدالملك النعيم .

كنت أعلم أنّ اللقاء مباشر لذلك لا يمكن سنسرته ومونتاجه، هذه واحدة،  الثانية كنت على يقين بأنّ قرارا أمنيا سيصدر بحجب أي تعليق أو مقال رأي في الصحف أو أي نوع من القوالب الصحفية التي تتناول القرار ولا تتفق مع سردية النظام المهيمن . وقد صدق توقعي بالفعل . مما أذكره في تعليقي أنني أبديت موقفي العاطفي،  وشعوري الوطني الذي لا يريد أن يحاكم رئيس بلادي أو أي مواطن من بلدي في محكمة دولية . بيد أنّ طلب الإنصاف والعدالة ومراعاة شعور الضحايا الذين هم من أبناء وطني كذلك، تبقى أقوى من مشاعري الخاصة . كما أنّ هذا القرار جاء بعد تقصي دقيق وتحقيق دولي حقوقي مرموق،  كنت مطلعا على بعض إجراءاته من خلال أصدقاء حقوقيين وإعلاميين على صلة وثيقة بمجرياته، فلا سبيل للتعامل معه إلا بذات المستوى من الجدية .

مع الأسف وكما هي طبيعة من يعرف الحقائق ويريد طمسها ؛ يستخدم كل الوسائل التي تبعد عن الحقيقة . وبدأت حملات التعبئة الخطابية من زميلي على الطرف الآخر بسردية الوطنية والكرامة مقابل الإستعمار والمؤامرة … إلخ . ثمّ تبع ذلك إشاعة جو من التخويف والإرهاب الفكري والمعنوي بغرض لجم أي صوت عاقل يدعو للتعامل بحكمة مع تداعيات القرار ، سارت المناهضة على خطى دعائية محضة، وصلت درجة استجداء الحماية من الرئيس الروسي بوتين على أواخرعهد المخلوع البشير الذي ما يزال يحمل صفة المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية رفقة أحمد هرون رئيس حزبه المحلول، وعبدالرحيم محمد حسين وزير دفاعه ؛ كنتيجة موضوعية لعمل حقوقي باذخ نزيه ومهني   فيما لم تصمد سرديات التضليل والأكاذيب التي بثها النظام المباد، وما تزال عناصره تمارسها وتجد لها سوقا رائجة في أتون هذه الحرب الكريهة .

اليوم تعود وزارة الخارجية الأمريكية لإصدار قرار عقوبات على سلطة الجيش السوداني بإتهامات استخدام السلاح الكيماوي في الحرب الراهنة، كالعادة الموروثة من العهد المباد بدأت ردود الفعل . فقد وصفه الناطق باسم سلطة الجيش بالإبتزاز السياسي، ووصفها ناطق الجيش بالخطيرة ومضى لإنكارها . وسار كبار الإعلاميين التابعين لهم على الدرب . ولكن هل يجدي استخدام نفس المنهج كل مرّة ؟ وهل ستكون النتائج على ممارسة الهروب للأمام ذات فائدة في كل الأحوال ؟ أم لابد من افتراع طريق مغاير للتعامل مع هذه الإتهامات .

الفهلوة الخطابية وإثارة الغبار الكثيف ذات مردود مؤقت، سيتولى الحاج حماد السرديات الجديدة القديمة بعد عودته من الأراضي المقدسة ويسجلها لتنتشر عبر الوسائط كتريند، بينما فعالية العقوبات تقصم ظهره وأمثاله من غمار المواطنين . تلك هي الحقيقة التي ستواجه الشعب بينما عناصر العهد المباد يقودونه كالسائمة وهم يستعيدون سيطرتهم على السلطة والثروة بغطاء حرب الكرامة .

صحيح من حق السودانيين المطالبة بإجراء تحقيق دولي موثوق بوساطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، هذا مطلب عادل ومشروع  بالمثل يترتب على ذلك المطلب مشروعية المطالبة بإجراء تحقيقات دولية موثوقة في كثير من الإنتهاكات التي مورست في هذه الحرب مثل القتل والتصفيات خارج نطاق القانون، وتدمير المرافق المدنية بما في ذلك الإتهامات بتسميم مصادر المياه في منطقة صالحة بأم درمان، الإغتصاب ، الإبادات الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية  وكذلك التحقيق الأساسي حول مسؤولية إشعال الحرب أساسا، وقبلا التحقيق الدولي حول مجزرة فض الإعتصام، وجرائم قتل المتظاهرين السلميين أثناء الثورة وبعد ها وعقب إنقلاب 25أكتوبر2021م  فكل هذه الجرائم المشهودة بوقائعها المريرة لم يتم التحقيق الشفاف حولها ولم تنشر نتائجها ولم تتخذ أي إجراءات ضد المشتبه في تورطهم فيها ؛ مما يستوجب المناداة بالتحقيق الدولي حولها إسوة بمطلب الدعوة للتحقيق حول مزاعم وزارة الخارجية الأمريكية ضد الجيش السوداني . كذلك الإتهامات بالفساد وتهريب الموارد واستغلال النفوذ وغيرها من شبهات تعكّر الفضاء السوداني .

إنّ خطاب الكراهية والتحريض على العنف بما في ذلك الدعوات المتبادلة لتدمير واستئصال قبائل ومجموعات بعينها، وملاحقة وتصفية المدنيين، والعزل من المقاتلين والمحتجزين التي تفوح روائحها النتنة من خلال الوسائط الإعلامية المختلفة، وتوثقها الفيديوهات المنتشرة ،  مع التعنت ورفض التفاوض السلمي لوقف الحرب وغيرها من الممارسات الفظيعة . بإختصار الحالة السودانية الراهنة تستوجب الدعوة الصريحة لوضعها تحت الإشراف الدولي المباشر،  فما من مجال من مجالات الحياة إلا تعتوره الشبهات، تلك هي الحقيقة التي يتحاشاها خطاب التضليل السائد، قوة ومع انهيار مشروعية الحكومة منذ إنقلاب أكتويبر 2021م  وهيمنة عناصر المليشيات الإرهابية تبقى فرضية استخدام الاسلحة المحرمة دوليا قائمة ما لم يتم دحضها بتحقيقات دولية أخرى .فما العمل يا ترى !!.

 

 

 

الوسومالمحكمة الجنائية النظام البائد جدل الكيماوي خالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: المحكمة الجنائية النظام البائد خالد فضل

إقرأ أيضاً:

سرايا القدس في مرور عامين على معركة طوفان الأقصى: نتوجه بالتحية إلى يمن النخوة والعزة الذين لا زالوا على العهد

الثورة نت /..

وجهت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، اليوم الثلاثاء، التحية إلى “يمن النخوة والعزة” الذين لا زالوا على العهد يواصلون ضرب الكيان الصهيوني منذ عامين بالصواريخ والمسيرات والزوارق المفخخة نصرة لغزة وأهلها.

وقالت السرايا، في بيان عسكري بمناسبة مرور عامين على معركة طوفان الأقصى: “نُبرق بالتحية إلى إخواننا في يمن النخوة والعزة ونخص منهم إخواننا في حركة أنصار الله نعم العون والنصير الذين لا زالوا على العهد يواصلون ضرب الكيان الصهيوني منذ عامان بالصواريخ والمسيرات والزوارق المفخخة نصرة لغزة وأهلها”.

وخاطبت جماهير الشعب الفلسطيني “الصابر المحتسب” قائلة: “تمر علينا اليوم الذكرى الثانية لمعركة طوفان الأقصى البطولية والتي تتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة والثلاثين لانطلاقتنا الجهادية المباركة، التي شكلت مرحلةً مفصليةً في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني”.

وذكرت السرايا أن هذه المرحلة “كتبت فيها المقاومة الفلسطينية واحدةً من أعظم المعارك ضد النازية والظلم الصهيوني لشعبنا على مدار عقود من الزمن، مارس فيها العدو كافة أشكال القتل والتدمير والتهجير ضد أبناء شعبنا في كل مكان في القدس المباركة وفي الضفة المحتلة وفي قطاع غزة، فقصف وحاصر وجوع، ليُسجل أسوأ محرقة ومأساة على مر العصور وعلى مرأى من العالم المتفرج بصمت”.

وأضافت: “لقد نفذت المقاومة الفلسطينية قبل عامين، عمليةً مباركةً ضد مواقع جيش العدو على طول السلك الزائل شرق قطاع غزة، سطر فيها مجاهدونا الأبطال مشاهد عظيمة من البطولة والإقدام والفداء، وقد ظفروا بعدد كبير من الأسرى الجنود والضباط، وخاضوا الاشتباكات المباشرة من نقطة الصفر تمكن خلالها مجاهدونا من قتل المئات من جنود العدو وأسروا العشرات، وقدمت خلالها مقاومتنا قوافل من خيرة مقاتليها شهداء وجرحى وأسرى”.

وتابعت: “ومنذ هذا التاريخ تواصل مقاومتنا التصدي لهذا العدو المجرم القاتل، الذي أعلن حرباً مجنونة وفتاكة بالقتل الجماعي لعشرات آلاف المواطنين العزل في غزة غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ ولكنه لم يجد سبيلًا للنيل من عزيمة شعبنا الثابت المتجذر والمتمسك بأرضه ووطنه”.

وأكدت سرايا القدس أن المقاومة حرصت على مدار عامين من القتال على وقف هذه الحرب وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني وقدمت كل المرونة اللازمة لإبرام اتفاق شرطه الوحيد ضمان وقف الحرب ورفع الحصار عن الشعب، إلا أن حكومة مجرم الحرب المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية نتنياهو، واصلت الحرب لتحقيق أهداف ائتلافه المتطرف”.

وأردفت: “عامان على معركة طوفان الأقصى، وما زلنا نواصل مواجهة فرق جيش العدو وألويته وكتائبه، التي تُدمر بيوت وشوارع ومباني غزة، ونتصدى لقواته ونوقع فيها الخسائر في أطول معركة مع هذا العدو منذ تأسيس كيانه المؤقت، قدمنا خلالها مئات المقاتلين والقادة شهداء الذين كانوا في طليعة عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني خلال عامين من القتال الشرس والصمود منقطع النظير بأقل الامكانات على طريق القدس والتحرير، هذه المعركة التي شهدت ثباتاً كبيراً لمقاومتنا منعت العدو من تحقيق أهدافه التي أعلنها”.

وأكدت سرايا القدس مع مرور العام الثاني لمعركة طوفان الأقصى المباركة، أن “مقاومة شعبنا وفي مقدمتها سرايا القدس وكتائب القسام مُستمرة ما دام الاحتلال قائم، ولن تدخر جُهداً في قتاله فلقد أعددنا أنفسنا لحرب استنزاف طويلة لن تتوقف ولن تتراجع إلا بزواله”.

وأشارت إلى أن مصير عملية ما يسمى بعربات “جدعون 2” الصهيونية التي تتخذ التدمير الممنهج والقتل الجماعي والإرهاب النفسي لأبناء الشعب الفلسطيني لن تكون إلا مزيداً من الخيبة والهزيمة والانكسار.

كما أكدت السرايا أنها وكافة فصائل المقاومة الفلسطينية لن ندخر جُهداً لإيجاد الوسيلة لإنهاء هذه الحرب والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مشيرةً إلى أنه حرصت لتحقيق ذلك منذ شهور طويلة.

شددت على أن أسرى العدو لن يروا النور إلا بصفقة تبادل مشرفة يلتزم فيها الكيان الصهيوني بإنهاء الحرب، وأن أي طريقة أخرى لن تُعيدهم، مجددة التأكيد على أن سلاح المقاومة هو سلاح وجد لتحرير الأرض ولقتال العدو لن يُغمد إلا بتحقيق هذين الهدفين.

ووجهت سرايا القدس “التحية إلى كتائبنا المباركة في الضفة المحتلة، التي كانت جزءاً أصيلاً من هذه المعركة، فالتحية لكتائب جنين ونابلس وطولكرم وطوباس وكل المقاومين وندعوهم لتصعيد المواجهة ومواصلة ضرب هذا العدو بكل قوة واقتدرا”.

كما وجهت التحية لأرواح فدائيي الأردن وأبطال أساطيل وقوارب كسر الحصار، والأحرار من شعوب العالم الداعمة والمناصرة للقضية الفلسطينية أمام الغطرسة والإجرام الأمريكي الصهيوني.

واستطردت: “نوجه التحية لأسرانا الأبطال في سجون التعذيب والاضطهاد الصهيونية، ونشد على أيديهم ونعلم أن سياسة العدو قاسية بحقهم، ولكننا نعدهم بأن الحرية باتت قريبة، وأن الفرج قادم لا محالة”.

ومضت قائلة: “نُبرق بالتحية الكبيرة لإخوان السلاح والدم في حزب الله، الذين شكلوا لنا سنداً مهماً وكبيراً وقدموا خيرة قادتهم ومجاهديهم في هذه المعركة المباركة، وفي مقدمتهم سماحة السيد حسن نصر الله”.

وأكملت سرايا القدس: “نوجه التحية إلى الإخوة في الجمهورية الإسلامية الايرانية الذين كانوا شركاء في هذه المعركة بشكل مباشر في ثلاث مواجهات مباشرة مع العدو وقدموا خلالها ثُلة عظيمة من الشهداء العلماء والقادة الكبار نستذكر منهم شهيد فلسطين الحاج رمضان الذي كان جزءاً أصيلاً في كل إعدادات مقاومتنا لمواجهة هذا الكيان الغاصب”.

وأكدت في ختام بيانها العسكري قائلة: “جهادنا مستمر وقتالنا ماضٍ حتى القدس إن شاء الله”.

مقالات مشابهة

  • بوتين يكشف المساحة التي يسيطر عليها الجيش الروسي في أوكرانيا
  • سرايا القدس في مرور عامين على معركة طوفان الأقصى: نتوجه بالتحية إلى يمن النخوة والعزة الذين لا زالوا على العهد
  • “اليد التي حركت العالم من أجل غزة.. كيف أعاد اليمن كتابة قواعد الحرب البحرية بعد الطوفان؟”
  • برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يرحب بمقترح ترامب لإنهاء الحرب على غزة
  • عاجل: برئاسة ولي العهد.. مجلس الوزراء يرحب بمقترح ترامب لإنهاء الحرب على غزة
  • بالتزامن مع تجديد البعثة الأممية في السودان .. اتهامات لمصر بدعم الجيش و الإسلاميين
  • صدمة الإبادة التي تغيّر العالم.. إذا صَمَت الناس فلن يبقى أحد في أمان
  • "الإعلامي الحكومي": قرار الصليب الأحمر تعليق عمله في غزة خطير وغير إنساني ويخالف القانون الدولي
  • العدوان يكتب .. القرار السياسي الخاطئ في وقت الحرب . . !
  • مطرقة أممية وسندان رباعية.. البرهان في زاوية حرجة