دق رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ناقوس الخطر، حين ذكر أن معدل المواليد في تركيا تراجع إلى 1,48 لأول مرة في تاريخ البلاد، وأن هذه النسبة أقل بكثير من الحد الأدنى الضروري لتجديد الأجيال، وهو 2,1 طفل لكل امرأة، مشيرا إلى أن معدل المواليد في تركيا كان يبلغ 2,38 عام 2001، وفقا لأرقام معهد الإحصاء الوطني.
أردوغان أعلن، في ذات الكلمة، العقد الممتد من عام 2026 إلى عام 2035 "عقد الأسرة والسكن"، مجددا مناشدته لجميع العائلات أن تنجب ثلاثة أطفال على الأقل. كما لفت إلى أن انخفاض معدل المواليد في تركيا لا يعود إلى مشاكل اقتصادية عابرة، مبديا أسفه لكون أسلوب الحياة الذي يعطي الأولوية للراحة الشخصية ينتشر بسرعة في المجتمع.
أسباب تراجع معدل المواليد في تركيا كثيرة، إلا أن كلها يمكن أن يدخل تحت عنوان "تغير النظرة إلى الزواج والحياة الأسرية"، في ظل تغير مفاهيم الراحة والرفاهية وغيرهما بسبب التطورات التكنولوجية. وهي ظاهرة منتشرة بين الشباب، بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية. ويرى كثير منهم أن الأفضل أن يهتم برعاية طفل أو طفلين، بدلا من أن يوزع اهتمامه وأمواله على أطفال كثيرة. وكان قديما يكفي للأسرة وجود هاتف ثابت في البيت، ولكن الآن يحتاج كل واحد من أفراد الأسرة إلى هاتف جوال، كما أن معظم الشباب الآن يتسابقون في شراء هواتف ذكية غالية للتباهي والتفاخر بين أقرانهم، حتى لو كان وضعهم الاقتصادي متواضعا للغاية. وكانت بالأمس الأسر الغنية ترسل أبناءها إلى المدارس الأهلية، ولكن اليوم حتى الأسر المنتمية إلى الطبقة المتوسطة تحرص على تسجيل أبنائها في تلك المدارس، بدلا من المدارس الحكومية المجانية، لتضمن مستقبل أبنائها، حسب اعتقادها.
تقديس التعليم الجامعي سبب آخر من أسباب تأخر الزواج وتراجع معدل الإنجاب. ويرى الشاب أنه يجب أن يتخرج أولا من الجامعة، ثم يتوظف، ويجمع ما يكفي من الأموال للزواج، كما ترى الشابة أنها لا بد من أن تحصل على شهادة جامعية، ثم تتساءل في نفسها: "لماذا ضيّعت كل تلك السنوات إن لم أعمل؟"، وهي ترى صديقتها لديها سيارة تقودها إلى مكان عملها وراتب شهري يشعرها باستقلالية مالية، لتأكل وتشرب وتشتري ملابس وأحذية جديدة كما تشاء، ثم تبحث هي الأخرى عن عمل. وهكذا يبقى الزواج في المراتب المتأخرة في سلم الأولويات، ويتأخر الزواج ويتراجع معدل المواليد. وإضافة إلى ذلك، تعتبر كثير من النساء اللاتي يعملن خارج البيت أن الإنجاب يعرقل نجاحهن في العمل.
الأرقام التي نشرها معهد الإحصاء التركي تشير إلى أن معدل الزواج كان 8,35 في الألف عام 2001 إلا أنه تراجع إلى 6,65 في الألف عام 2024. وفي المقابل، ارتفع معدل الطلاق من 1,41 في الألف عام 2001 إلى 2,19 في الألف عام 2024. كما ارتفع أيضا معدل سن الزواج لدى النساء من 22,7 عاما إلى 25,8 عاما، ولدى الرجال من 26 عاما إلى 28,3 عاما خلال ذات الفترة. وتشير الأرقام إلى أن 33 في المائة من حالات الطلاق تقع في السنوات الخمس الأولى للزواج. ومن المعلوم أن ارتفاع معدل سن الزواج ومعدل الطلاق يؤدي إلى تراجع معدل المواليد.
تكاليف الزواج المرتفعة وحالات الطلاق تخوِّف الشباب غير المتزوجين وتجعلهم يترددون في الإقبال على الزواج. وتدمر المشاكل الزوجية وحالات الطلاق التي تقع بعد عدة أشهر أو سنة أو سنتين من الزواج، وبعد كل تلك التكاليف، نفسيات المطلقين والمطلقات، تبعدهم عن تكرار تجربة الزواج إلى حد كبير. كما أن نسبة كبيرة من المتزوجين غير مؤهلين لتحمل أعباء الزواج وصعوباته، الأمر الذي يؤدي إلى العنف الأسري والطلاق لأسباب تافهة. وفي آخر مثال لذلك، قتل قبل أيام في مدينة قونيا رجل يبلغ من العمر 42 عاما؛ زوجته طعنا بالسكين إثر نقاش حاد نشب بينهما بسبب "طلب الزوجة تجديد الكنب"، حسب إفادة الزوج، وترك وراءه ثلاثة أطفال؛ أبوهم في السجن وأمهم في المقبرة.
الحكومة التركية تعد الشباب غير المتزوجين بتسهيل الزواج وإزالة العوائق أمامه، إلا أن ما تحتاج إليه تركيا بالدرجة الأولى لحماية الأسرة ورفع معدل المواليد هو تغيير عقلية الشباب الملوثة بالثقافة الغربية وتصحيح نظرتهم إلى الزواج والحياة الأسرية. من المؤكد أن المساعدات المادية مفيدة في تخفيف الأعباء المالية لتجهيز عش الزوجية، ولكن الأهم من ذلك هو تنظيم دورات تثقيف وتوعية من أجل حماية ذاك العش، وتدريب الشباب على تحمل مسؤولية الزواج، والتحلي بالصبر والخلق الحسن، وتبادل الاحترام، وحل المشاكل الزوجية بالحوار وتحكيم العقلاء من الأصدقاء والأسر دون اللجوء إلى العنف والطلاق. كما أن الشباب يجب أن يتعلموا أن الدراسة الجامعية ليست ضرورية، وأن هناك مهنا عديدة لا تتطلب تلك الشهادة، وأن أصحاب تلك المهن يحصلون على دخل شهري يفوق رواتب خريجي الجامعات، وأن تفرغ المرأة لرعاية أطفالها والعناية ببيتها ليس نقصا يقلل حقها من الاحترام.
x.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه تركيا الأسرة أطفال الزواج الإنجاب زواج تركيا أطفال إنجاب أسرة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الألف عام تراجع معدل إلى أن
إقرأ أيضاً:
بعد إشادة ترامب بانخفاض معدل الجريمة.. إحصائيات تؤكد: مصر واحة الأمان
أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمستوى الأمن في مصر، خلال كلمته التي ألقاها أثناء زيارته لشرم الشيخ، للمشاركة في القمة الخاصة بإنهاء الحرب في غزة.
وقال ترامب: "معدل الجريمة هنا في مصر منخفض للغاية، إنه شيء رائع جداً".
وتدعم تصريحات ترامب تقارير إعلامية تؤكد تراجع معدلات الجريمة في مصر خلال السنوات الأخيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى انخفاض ملحوظ في الجرائم التقليدية، بفضل كفاءة وزارة الداخلية، وجهودها في العمل الوقائي والانتشار الشرطي، والتحديث المستمر في أدوات وأساليب المواجهة الأمنية.
وتعود أسباب هذا التراجع، بحسب خبراء أمنيين، إلى الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها وزارة الداخلية، والتي تقوم على مزيج من العمل الميداني المكثف، والاستخدام الذكي للتكنولوجيا، وتطبيق الخطط الاستباقية لرصد أي تهديد محتمل.
كما أن التدريب المستمر للعناصر الشرطية ساهم في رفع كفاءتها، وتحسين قدرتها على التعامل مع كافة السيناريوهات.
وشهدت الشوارع خلال السنوات الأخيرة تعزيزاً في التواجد الأمني، حيث تُنَفّذ خطط تأمين تشمل جميع المحافظات، مع التركيز على المناطق الحيوية والمراكز السياحية، التي تُعد محركاً رئيسياً للاقتصاد الوطني.
هذا الانتشار الأمني المكثف على مدار الساعة خلق حالة من الطمأنينة العامة، وأسهم في ترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن مصر لدى الزائرين من مختلف دول العالم.
كما أن الاستقرار الأمني انعكس بشكل مباشر على حياة المواطن اليومية، إذ بات بإمكانه التنقل بحرية تامة، دون الخوف من التعرض لأي تهديد أو خطر.
ويُعتبر ذلك إنجازاً في بلد كان يواجه تحديات أمنية كبيرة في مراحل سابقة، واستطاع أن يتحول في فترة زمنية قصيرة إلى دولة آمنة، ينعم فيها المواطنون والزائرون على حد سواء بالاستقرار والسكينة.
ويرى خبراء أن إشادة ترامب بالحالة الأمنية في مصر لم تأتِ من فراغ، بل تعكس إدراكاً دولياً بأن البلاد قطعت شوطاً كبيراً في استعادة هيبتها الأمنية، واستقرار مؤسساتها، وهو ما جعلها قادرة على استضافة قمة إقليمية بهذا الحجم، وسط أجواء من النظام والانضباط.
كما أن هذه الإشادة تُعد بمثابة شهادة دولية تُضاف إلى سلسلة من التصريحات التي صدرت عن مسؤولين دوليين خلال السنوات الماضية، والتي عبّرت جميعها عن تقدير واضح للجهد المصري في ملف الأمن الداخلي.
وتشير المعلومات إلى أن مصر باتت تسجل معدلات جريمة تُعد من بين الأدنى في المنطقة، وأن معظم الحوادث التي تُسجل تُصنّف كجرائم فردية أو استثنائية، وليست ظواهر عامة.
ويرى الخبراء أن هذا مؤشر على نجاح المنظومة الأمنية في تطويق التهديدات، وتحقيق بيئة مستقرة وآمنة.
ويؤكد خبراء أن مصر اليوم تُرسل رسالة أمن قوية إلى العالم، مفادها أن البلاد تسير بخطى واثقة نحو الاستقرار والتنمية، وأن الأمن لم يعد عائقاً أمام الحركة اليومية أو النشاط الاقتصادي، بل أصبح محفزاً للاستثمار والسياحة، ومؤشراً على نضج الدولة وقدرتها على تجاوز التحديات.
ويعتبر بعض الخبراء أن التجربة الأمنية في مصر تستحق الدراسة، كونها نجحت في تحقيق معادلة صعبة، تقوم على الجمع بين الحسم في مواجهة الجريمة، والاعتماد على أدوات حديثة، دون الإخلال بجودة الحياة اليومية للمواطنين.
كما أن قدرة الدولة على ضبط الأمن دون فرض قيود استثنائية على الحركة أو الحياة العامة، تُعد أحد أبرز إنجازاتها في السنوات الأخيرة.
ولعل شهادة الرئيس الأمريكي، التي جاءت خلال فعالية دولية مهمة، تعزز من صورة مصر الإيجابية في الخارج، وتُظهر بوضوح أن الأمن لم يعد مجرد شعار، بل واقع يلمسه كل من يزور البلاد. فقد أصبحت مصر أكثر هدوءاً، وأكثر أمناً، وأكثر استعداداً لاستقبال العالم، ليس فقط كوجهة سياحية أو سياسية، بل كنموذج يُحتذى به في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعد سنوات من التحديات.