الحج .. رحلة الروح إلى اليوم الآخر
تاريخ النشر: 29th, May 2025 GMT
فـي كل عام يحتشد الملايين من المسلمين ملبين أذان أبينا إبراهيم عليه السلام عندما قال الله عز وجل له: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» وهم يلبسون لباسا واحدا على صعيد واحد، يؤدون مناسك الحج فـي مشهد مهيب يستحضر فـي الأذهان مشاهد يوم القيامة، فكل نسك من أعمال الحج يرسم فـي أذهاننا مشهدا مصغرا لمشاهد الآخرة، وهذه المشاهد ليست مرتبطة بالحاج فقط، وإنما يجب على المسلمين جميعا أن يجسدوها فـي ذواتهم ويحجوا بأرواحهم من خلال تأملاتهم فـي نسك الحج، وأن يربطوا تلك الأعمال بحياتهم اليومية، ليكونوا فـي نقاء وصفاء كما يعود الحاج من حجه المبرور كيوم ولدته أمه نقيا وصفحته بيضاء ناصعة.
ولو بدأنا من اللحظة التي يتهيأ فـيها الإنسان للذهاب إلى الحج من أداء ما عليه من حقوق وأمانات وديون للناس ليقبل على الله متخلصا من حقوق العباد، طالبا عفو الله وصفحه وكرمه، واختيار الحملة والرفقة الصالحة التي تبلغه غايته، ثم يقوم بتوديع أهله، وهو بمثابة وداعه الأخير الأبدي عنهم وهو مقبل على الله متخلص من علائق الدنيا.
وعندما يخلع الحاج لباسه المعتاد ويرتدي لباس الإحرام الأبيض فكأنما يخلع الدنيا بكل ملذاتها وزينتها ومناصبها ويقف مجردا أمام الله كما يبعث الناس يوم القيامة لا يتفاضلون فـي لباس أو زينة، وهذا الذي يجب أن تكون عليه نية من لم يوفقه الله للذهاب إلى الحج وهو يعيش هذه الأيام العشر، فـيجب عليه أيضا أن يلبس نية الإقبال على الله، وأن يخلع كل عادة أو عمل يحجبه عن الله، وأن يطهر قلبه من الغرور والكبر والحسد والكراهية، وأن يجعل من عباداته وصلواته لحظات إحرام يخلع فـيها كل ما سوى الله.
وإذا أتينا إلى الركن الأكبر من أركان الحج وهو الوقوف بعرفة، وهذا الركن لا يكتمل الحج إلا به، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الحج عرفة» هذا اليوم يجسد يوم الوقوف الأكبر بين يدي الله، وهو صورة مصغرة ليوم الجمع، حين يجتمع الناس فـي صعيد واحد حفاة عراة ينتظرون رحمة الله ويجأرون إلى الله بالدعاء والدموع، «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» فهو يوم يعرف فـيه الإنسان قدره، ويتذكر مصيره ويستعد للقاء ربه، ينتظر رحمة الله أن تنزل عليه، وتمحى فـيه ذنوبه، ويعفو عنه ربه، ففـي هذا اليوم يعتق فـيه الناس، ويهدم فـيه عمل الشيطان، ويمتلأ قلب الشيطان غيظا، ويصبح فـي هذا اليوم صغيرا حقيرا مدحورا وهذا ما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: «ما رُئيَ الشيطانُ يومًا هو فـيه أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ منه يومَ عرفةَ وما ذاك إلَّا لما يرَى من تنزُّلِ الرحمةِ وتجاوُزِ اللهِ عن الذنوبِ العظامِ، إلَّا ما كان من يومِ بدرٍ فقيل: وما رأَى يومَ بدرٍ ؟ قال : أما إنَّه قد رأَى جبريلَ عليه السلامُ وهو يَزَعُ الملائكةَ»، فعلى المسلم من لم ينل شرف الوقوف بعرفة، أن لا يفرط فـي ثواب هذا اليوم، فليكثر من عمل الصالحات من صيام وصدقة وإقبال على الله ومناجاته والبكاء بين يديه واستمطار رحمته ومغفرته.
وحين يبيت الحاج بمزدلفة، بعد وقوفه بعرفة فإنما يبيت فـي مرحلة انتظار بين الوقوف والجزاء، ينام بجوار الملايين من حوله، ولكن لا يشعر إلا بنفسه وربه، فـي سكينة واطمئنان، وقبل ذلك يجمع الحصى، ويجهزه، وهو ينتظر الفجر حتى يرجم الشيطان وكل ما يغضب ربه، من المعاصي والذنوب والآثام.
وعندما تشرق الشمس يبدأ برمي الجمرات وهو يستحضر رمي كل جمرة فـي داخلنا، فـيرجم شيطان الغفلة، والهوى، وكل ذنب أو عادة لا يرتضيها الله للمؤمنين، كما يستحضر الموقف الذي حاول فـيه إبليس اللعين أن يثني أبينا إبراهيم عن القيام بأمر الله الذي كان يمثل البلاء العظيم الذي نجح فـيه أبو الأنبياء عندما انقاد إلى أمر الله واستطاع أن يتغلب على نفسه وعلى الفطرة من أجل الاستجابة للخالق، الذي أمره أن يذبح ابنه، وبسبب هذا التسليم والطاعة والانقياد وتحقيق معنى العبودية، أثابه الله بأن استبدل ذبح ابنه بأن أنزل عليه الله كبشا من الجنة يكون أضحية لله بدلا من أن يضحي بابنه، فالاستجابة لأمر الله ورجم وساوس الشيطان يؤدي إلى النجاح ويحقق معنى العبودية الحقة لله تعالى.
وكأن الطواف بالبيت، وخاصة طواف الوداع، يشبه طواف الأرواح حول عرش الرحمن، فـي ختام الرحلة، حيث يترك الحاج الكعبة بقلب متعلق، وعين دامعة، وروح مشتاقة، وهي تعود إلى الحياة بعد تأدية هذه المناسك العظيمة، وهي موقنة بلقاء الله، وعازمة على استئناف العمل بعد أن جعل الله الحاج خاليا من الذنوب كيوم ولدته أمه، فالله تعالى يقول: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». إن لم تستطع أن تحج ببدنك، فلا أقل من أن تحج بروحك كل يوم، واجعل كل سجدة عرفة، وكل صلاة طوافا، وكل دمعة هديا، وكل يوم إحراما جديدا، وهذه المواسم التي أهدانا الله إياها هي محطات للتزود بالفضل العظيم والثواب الجزيل، للوصول إلى مرضاته، والتعلق بأستار ثوابه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الیوم على الله
إقرأ أيضاً:
في إطار فعالية ليلة المتاحف... متحف الآثار في جامعة الروح القدس – الكسليك فتح أبوابه
فتح متحف الآثار في جامعة الروح القدس – الكسليك أبوابه أمام الزوّار مساء أمس من الساعة السابعة مساء حتى الحادية عشرة ليلًا في إطار فعالية "ليلة المتاحف" في لبنان التي أعادت وزارة الثقافة إحياءها، وذلك بالتزامن مع مشاركة مجموعة من أبرز المتاحف المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية في هذه الفعالية. وقد نظم متحف الآثار، بالتعاون مع كلية الموسيقى والفنون المسرحية في الجامعة، أمسية مميّزة، شارك فيها السفير الفرنسي في لبنان هيرفيه مارغو، والسفير البلغاري في لبنان ياسين توموف، ورئيس الجامعة الأب البروفسور جوزف مكرزل، إلى جانب عدد من أعضاء مجلس الجامعة وجمهور من محبّي الآثار والفنون، الذين توافدوا من مختلف المناطق للمشاركة في هذا الحدث الثقافي الرفيع. خاض الحضور تجربة فنية غامرة، واستمتعوا خلالها بحوار إبداعي فريد جمع بين الفن التشكيلي والموسيقى. وقد قدّمت مديرة متحف الآثار في الجامعة ألسي الديك شرحًا وافيًا عن مقتنيات المتحف، مع تسليط الضوء على معرض الرسومات المخصّص للنساء الرائدات في الفن اللبناني، الذي يُبرز موهبة ورؤية ومرونة الفنانات اللبنانيات اللواتي تركن بصمة لا تُمحى في المشهد الثقافي اللبناني. ورافقت هذا الشرح عروض موسيقية حيّة قدّمها عدد من الطلاب الموهوبين، فخلقت مشهدية جميلة وأضفت على الأمسية رونقًا خاصًّا. وتجدر الإشارة إلى أن متحف الآثار في جامعة الروح القدس – الكسليك يضم مجموعة واسعة وقيّمة من القطع الأثرية، تتنوع بين اللوحات الزيتية والأيقونات المقدّسة، والألبسة والمقتنيات التاريخية التي تعود للحقبة العثمانية، التي تروي قصة غنية عن تاريخ لبنان وتعكس ثراء التراث الثقافي والديني في لبنان والمنطقة. مواضيع ذات صلة الأب البروفسور جوزف مكرزل رئيسًا جديدًا لجامعة الروح القدس- الكسليك Lebanon 24 الأب البروفسور جوزف مكرزل رئيسًا جديدًا لجامعة الروح القدس- الكسليك 30/07/2025 13:36:42 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 عودة "ليلة المتاحف": مبادرة لإحياء الحياة الثقافية Lebanon 24 عودة "ليلة المتاحف": مبادرة لإحياء الحياة الثقافية 30/07/2025 13:36:42 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 تكريم التراث اللبناني بالإبداع البصري.. حفل جوائز الأفلام القصيرة في جامعة الروح القدس – الكسليك (صور) Lebanon 24 تكريم التراث اللبناني بالإبداع البصري.. حفل جوائز الأفلام القصيرة في جامعة الروح القدس – الكسليك (صور) 30/07/2025 13:36:42 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 جامعة الروح القدس تخرّج أول دفعة من دبلوم التصلب اللويحي Lebanon 24 جامعة الروح القدس تخرّج أول دفعة من دبلوم التصلب اللويحي 30/07/2025 13:36:42 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان أفراح ومناسبات تابع قد يعجبك أيضاً المفتي قبلان: حذارِ من وضع الحكومة في وجه ناسها وشعبها Lebanon 24 المفتي قبلان: حذارِ من وضع الحكومة في وجه ناسها وشعبها 13:34 | 2025-07-30 30/07/2025 01:34:22 Lebanon 24 Lebanon 24 بحقه 16 مذكرة بجرائم مختلفة.. قوى الأمن توقف مروّج مخدّرات Lebanon 24 بحقه 16 مذكرة بجرائم مختلفة.. قوى الأمن توقف مروّج مخدّرات 13:22 | 2025-07-30 30/07/2025 01:22:29 Lebanon 24 Lebanon 24 دبور استقبل عدنان منصور مودعا Lebanon 24 دبور استقبل عدنان منصور مودعا 13:19 | 2025-07-30 30/07/2025 01:19:11 Lebanon 24 Lebanon 24 نقابة الصحافة قدّرت لمرقص تعجيل عملية تعيين إدارة جديدة لـ"تلفزيون لبنان" Lebanon 24 نقابة الصحافة قدّرت لمرقص تعجيل عملية تعيين إدارة جديدة لـ"تلفزيون لبنان" 13:15 | 2025-07-30 30/07/2025 01:15:09 Lebanon 24 Lebanon 24 إقرار مشروع قانون اخضاع المتعاقدين في وزارة الإعلام لشرعة التقاعد Lebanon 24 إقرار مشروع قانون اخضاع المتعاقدين في وزارة الإعلام لشرعة التقاعد 13:13 | 2025-07-30 30/07/2025 01:13:11 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة وضعه خطير جدّاً... نقل فنان معروف إلى العناية المركّزة بعد تدهور حالته الصحيّة Lebanon 24 وضعه خطير جدّاً... نقل فنان معروف إلى العناية المركّزة بعد تدهور حالته الصحيّة 15:10 | 2025-07-29 29/07/2025 03:10:55 Lebanon 24 Lebanon 24 غرق... فنان شهير يخسر حياته خلال السباحة Lebanon 24 غرق... فنان شهير يخسر حياته خلال السباحة 16:07 | 2025-07-29 29/07/2025 04:07:28 Lebanon 24 Lebanon 24 True story Lebanon 24 True story 16:00 | 2025-07-29 29/07/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 ما بين سطور تغريدة براك.. هل رفضت واشنطن الرد اللبناني؟ Lebanon 24 ما بين سطور تغريدة براك.. هل رفضت واشنطن الرد اللبناني؟ 17:00 | 2025-07-29 29/07/2025 05:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 في منطقة السهيلة... حادثة مروعة حصلت بسبب موقف سيارة Lebanon 24 في منطقة السهيلة... حادثة مروعة حصلت بسبب موقف سيارة 16:46 | 2025-07-29 29/07/2025 04:46:54 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 13:34 | 2025-07-30 المفتي قبلان: حذارِ من وضع الحكومة في وجه ناسها وشعبها 13:22 | 2025-07-30 بحقه 16 مذكرة بجرائم مختلفة.. قوى الأمن توقف مروّج مخدّرات 13:19 | 2025-07-30 دبور استقبل عدنان منصور مودعا 13:15 | 2025-07-30 نقابة الصحافة قدّرت لمرقص تعجيل عملية تعيين إدارة جديدة لـ"تلفزيون لبنان" 13:13 | 2025-07-30 إقرار مشروع قانون اخضاع المتعاقدين في وزارة الإعلام لشرعة التقاعد 13:03 | 2025-07-30 زخور: قانون الايجارات وقانون 11/67 مطابقين للتشريع الفرنسي فيديو انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) 08:32 | 2025-07-30 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! 19:35 | 2025-07-29 30/07/2025 13:36:42 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24