31 مايو، 2025

بغداد/المسلة:

خرجت الأزمة بين بغداد وأربيل من الأروقة المغلقة إلى فضاء التهديد بالمقاطعة، بعد قرار الحكومة الاتحادية إيقاف تمويل رواتب موظفي إقليم كردستان ابتداء من مايو 2025، ما فتح الباب واسعاً أمام موجة من التصريحات الغاضبة والتحركات السياسية، وسط تخوف من تصعيد يعيد خريطة التوترات إلى ما قبل الاتفاقات الهشة بين الطرفين.

واعتبرت أربيل القرار «إجراءً سياسياً عقابياً» يضرب في جوهر العلاقة بين المركز والإقليم، فيما رأى نائب رئيس البرلمان الاتحادي، شاخوان عبد الله، أن الخطوة «استهداف متعمد لتجويع المواطنين»، مؤكداً أن خيار الانسحاب من بغداد لم يعد ورقة ضغط بل قراراً جاهزاً للتنفيذ خلال ساعة واحدة.

وتزامن التهديد الكردي مع تحرك أميركي لاحتواء التصعيد، حيث دعت واشنطن إلى احترام الالتزامات الدستورية، محذرة من أن تعطيل صرف الرواتب يقوّض الثقة بالسوق العراقية ويهدد بيئة الاستثمار، خصوصاً في ظل استمرار إغلاق خط أنابيب النفط إلى تركيا منذ أكثر من عام، ما كبّد العراق خسائر قاربت ١١ مليار دولار، بحسب أرقام وزارة النفط العراقية في مارس 2025.

وتعلّلت وزارة المالية الاتحادية بكون الإقليم تجاوز حصته المحددة في الموازنة (12.67%)، مشيرة إلى أن أربيل سلمت 598 مليار دينار فقط من أصل 19.9 تريليون دينار جنتها من الإيرادات خلال عامين، وهو ما اعتبرته إخلالاً جوهرياً بالاتفاق المالي الموقع منتصف 2023 بين الطرفين.

وشهد الملف المالي بين بغداد وأربيل سابقاً توترات مماثلة، كان أبرزها في نوفمبر 2017، عقب استفتاء الاستقلال الذي أجراه الإقليم في سبتمبر من العام ذاته، حين قررت الحكومة الاتحادية وقف تحويل الرواتب وتعليق الرحلات الجوية الدولية إلى مطاري أربيل والسليمانية، ما أدى إلى حالة شلل اقتصادي وسياسي امتدت لشهور.

وسارت الأحداث اليوم على خط الأزمة نفسه، واندلعت مظاهرات جزئية في دهوك والسليمانية، واحتج الموظفون في وزارات التربية والصحة على تأخر الرواتب، فيما أكدت حكومة الإقليم أنها ماضية في التصعيد السياسي ما لم تُحترم الالتزامات المالية، ورفضت في الوقت ذاته وصف بغداد لما يجري بأنه «مسألة إجرائية».

واستغل بعض النواب المستقلين الموقف للدعوة إلى «صياغة موازنة أكثر عدالة»، مشيرين إلى أن المركز «يمنح ويمنع» بحسب التوازنات السياسية وليس الحسابات المالية، فيما طالب آخرون بإخضاع ملف رواتب الإقليم إلى رقابة قضائية مستقلة تُنهي حالة التراشق بالاتهامات.

وتبدو الخطوة الراهنة امتداداً لصراع بنيوي يتجدد كلما اختلت المعادلة بين المركز والإقليم، وسط غياب حل دستوري حاسم يُعيد تعريف العلاقة المالية وفق معايير الشفافية والرقابة المشتركة، ويمنع تحوّل الرواتب إلى أوراق ابتزاز متبادل في زمن الانتخابات والتفاهمات المتعثرة.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

الحرب الاقتصادية الأميركية الصينية: من التعرفة الجمركية إلى معركة المعادن النادرة وانعكاساتها على الإقليم واليمن

 

تبددت الآمال بعقد لقاء مرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ، بعدما وجّه ترامب انتقادات حادة لبكين عقب إعلانها فرض قيود جديدة على صادرات المعادن النادرة، في خطوة يرى مراقبون أنها أعادت إشعال فتيل المواجهة الاقتصادية بين القوتين العظميين، فالمشهد الحالي يعيد إلى الأذهان بدايات الحرب التجارية المعلنة عام 2018 حين فُرضت الرسوم الجمركية المتبادلة، لكن جذور هذا التوتر أعمق من ذلك، فهي تعود إلى صعود الصين الكاسح بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية وتحولها إلى "ورشة العالم"، ثم طموحها اللاحق في تحقيق التفوق التكنولوجي عبر استراتيجية "صنع في الصين 2025"، مما أثار مخاوف واشنطن الهيكلية من فقدان تفوقها، لقد تحولت المعركة اليوم من نزاع تجاري إلى صراع استراتيجي أعمق يمسّ صميم النفوذ الصناعي والعسكري لكلا الطرفين ومستقبل القيادة العالمية.

 

الصين التي تسيطر على أكثر من ثمانين في المئة من إنتاج وتكرير المعادن النادرة في العالم، استخدمت هذا الملف كسلاح اقتصادي بالغ الدقة، إذ تُعد تلك المعادن المكون الأساسي في الصناعات التكنولوجية الحساسة كالرقائق الإلكترونية والطائرات المقاتلة وأنظمة الاتصالات المتقدمة، وبهذه الخطوة وجّهت بكين إنذارًا مبطنًا لواشنطن بأن أي تصعيد إضافي في التعريفات أو القيود التقنية سيقابله ردّ في عمق الصناعات الأميركية، وهو ما جعل الإدارة الأميركية بقيادة ترامب تعلن فرض تعريفة جمركية جديدة بنسبة مئة بالمئة على الواردات الصينية، وتعتبر أن بكين تتعمد تهديد الأمن القومي الأميركي عبر أدوات الاقتصاد، ومن المهم الإدراك أن هذه المواجهة تجاوزت إجراءات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد استمرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في نهج مماثل وإن بأدوات مختلفة، عبر تشديد القيود على تصدير أشباه الموصلات والتكنولوجيا المتقدمة، في إطار استراتيجية ثنائية تهدف إلى احتواء الصعود الصيني.

 

هذا التصعيد يعكس تحوّل العلاقة من شراكة اقتصادية متوترة إلى صراع بنيوي على قيادة النظام الدولي، حيث تسعى الصين لترسيخ نموذجها التنموي كبديل عن التفوق الغربي، فيما تعتبر واشنطن أن صعودها يشكل خطرًا على استمرار تفوقها التكنولوجي والعسكري، ومع غياب اللقاء المرتقب بين الرئيسين تبدو بوادر مرحلة جديدة من "الحرب الباردة الثانية"، لكن بوسائل مختلفة تستخدم فيها الأسواق وسلاسل الإمداد بديلًا عن الصواريخ والطائرات، ولا يتوقف الأمر عند حدود التجارة، فالصراع يتسع لكي تتخذ واشنطن إجراءات عقابية و حرب شبه مفتوحة على شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة مثل "هواوي" و غيرها بهدف حرمانها من أسواق التكنولوجيا المتقدمة، في محاولة لإعاقة طموحات بكين في تحقيق التفوق في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات، كما تدور معركة موازية حول من يضع معايير التكنولوجيا والقواعد الاقتصادية العالمية المستقبلية، حيث تتصارع مبادرتا "الحزام والطريق" الصينية و "البنية من أجل عالم أفضل" الغربية على جذب الدول النامية وإقليمنا أحد ساحات هذا التنافس المحتدم.

 

الانعكاسات على الإقليم تبدو معقدة، فدول الخليج العربي والشرق الأوسط عمومًا تقف في موقع جغرافي واستراتيجي حساس، إذ يعتمد الطرفان المتصارعان على استقرار طرق الطاقة والممرات البحرية الممتدة من الخليج العربي حتى خليج عدن و بحر العرب وصولا الى مضيق باب المندب و البحر الأحمر، وقد يدفع التنافس بين واشنطن وبكين تلك الدول إلى سياسات موازنة دقيقة للحفاظ على مصالحها مع الطرفين، فالولايات المتحدة لا تزال الحليف الأمني والعسكري الأول، بينما تعد الصين الشريك التجاري الأكبر والمستثمر الأوسع في مشروعات البنية التحتية والطاقة، وهذا البعد التكنولوجي يضع حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة، خاصة في مجال الأمن السيبراني والاتصالات، أمام خيارات صعبة بين التعاون مع الحليف الأمني الأميركي والاستفادة من العروض الصينية الشبه تنافسية في مجال البنية التحتية الرقمية بتكاليف أقل، كما أن دور إسرائيل التكنولوجي والعسكري كحليف استراتيجي لأمريكا يضيف بعدًا آخر لمعادلات المنطقة، إلى جانب صعود لاعبين إقليميين آخرين كتركيا والإمارات اللتين تتعزز أدوارهما في القرن الأفريقي عبر الاستثمار في الموانئ والتواجد العسكري وبناء تحالفات متعددة، مما يزيد من تعقيد المشهد.

 

تكتسب منطقة البحر الأحمر وخليج عدن أهمية متزايدة في ظل التحولات الجارية، إذ تشكل اليوم أحد الممرات الحيوية في خريطة سلاسل الإمداد العالمية، ومع تصاعد الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين، قد تتجه القوى الكبرى إلى تعزيز حضورها في هذا الممر بوصفه البديل الأكثر أمانًا في حال تعرض طرق التجارة في شرق آسيا لأي اضطراب، ومن هنا تتضاعف القيمة الجيوسياسية للموانئ اليمنية الممتدة على الساحل الغربي للبحر الأحمر و خليج عدن و بحر العرب، لأنها تمثل حلقة وصل بين المحيط الهندي وقناة السويس، كما أن أي توتر أو اختلال أمني في هذه المنطقة ينعكس مباشرة على حركة التجارة بين القارتين، الأمر الذي يجعل البحر الأحمر ساحة تنافس صامتة بين الاستراتيجية الأميركية الرامية إلى تأمين الممرات الدولية، والاستراتيجية الصينية التي تسعى إلى ترسيخ وجودها البحري ضمن مبادرة الحزام والطريق، وهذا ما يعيد اليمن ومحيطه إلى قلب التفاعلات الدولية من جديد.

 

في المدى القريب قد يؤدي تصاعد الصراع إلى تقلّب أسعار النفط والمعادن نتيجة التوتر في الأسواق العالمية، وهو ما سيؤثر مباشرة على اقتصادات دول الخليج التي تعتمد على الاستقرار المالي والتجاري مع كلا القوتين، كما أن إعادة تموضع الشركات الأميركية وتوجهها لنقل سلاسل التوريد إلى دول أخرى في آسيا قد تفتح أمام بعض دول الإقليم فرصًا استثمارية جديدة، لكنها في الوقت ذاته تفرض عليها تحديات في التوازن السياسي، لأن الانحياز الواضح لأي طرف قد يجرّ عواقب اقتصادية أو أمنية غير مرغوبة، ولكن من ناحية أخرى يمكن أن تتخذ أمريكا إجراءات أكثر صرامة لمنع وصول النفط الإيراني إلى الصين وبقدرة أقل على وصول النفط الروسي إلى الصين أيضًا، مما يتيح للصين الاعتماد أكثر على النفط من دول الخليج العربي، وهو ما يعزز من قدرة هذه الدول على ممارسة دبلوماسية اقتصادية مرنة.

 

أما بالنسبة لليمن، فإن انعكاسات هذا الصراع الدولي تتصل بعدة مستويات، فالصراع الاقتصادي بين واشنطن وبكين ينعكس على حركة الموانئ وسلاسل الإمداد في البحر الأحمر وخليج عدن، كما يرفع من أهمية المواقع الجيوسياسية اليمنية في باب المندب، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى، ومن المحتمل أن يزداد اهتمام الصين بتأمين خطوط تجارتها البحرية عبر دعم موانئ القرن الإفريقي وتعزيز وجودها في الموانئ اليمنية الاستراتيجية التي كانت محط اهتمام مستثمرين قبل الحرب، كا موانئ المخا وعدن و المكلا والعديد من الموانئ الأخرى على بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، في حين ستسعى واشنطن إلى تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة لمواجهة التمدد الصيني والإيراني معًا، الأمر الذي يجعل اليمن جزءًا من لوحة الصراع الجيو-اقتصادي العالمي، وإن بصورة غير مباشرة، وقد تدفع الديناميكية الجديدة الأطراف اليمنية المختلفة إلى محاولة توظيف هذا التنافس الدولي لصالحها، عبر الاقتراب الانتقائي من أحد الأطراف لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية في مرحلة إعادة الإعمار المستقبلية، مع ما يحمله ذلك من مخاطر استقطاب داخلي إضافي وتأثير على معيشة المواطن اليمني الذي يعاني من عشرية سوداء اوصلت اكثر من ثمانين بالمائة تحت خط الفقر حسب تقارير منظمات أممية و دولية.

 

وإذا استمرت المواجهة بالتصعيد المتبادل، فإن العالم سيتجه نحو نظام اقتصادي متعدد المراكز تفقد فيه المؤسسات الدولية كمنظمة التجارة العالمية فاعليتها، ما يترك الدول الهشة مثل اليمن أمام واقع أكثر صعوبة في الاندماج الاقتصادي وإعادة الإعمار، لأن الصراعات الكبرى تخلق دائمًا فراغات في الدول الطرفية، وتحوّلها إلى ساحات تنافس نفوذ بدلًا من أن تكون مناطق تنمية واستقرار، وفي مواجهة هذا المشهد، تبرز ضرورة أن تعي النخب اليمنية وبخاصة مليشيات الحوثي الإرهابية قيمة موقعهم الجيواستراتيجي الفريد ويحولوه من ورقة في صراع الآخرين إلى رافعة للتفاوض من أجل بناء الدولة واستقطاب الاستثمارات في مرحلة ما بعد الحرب، كما أن على دول الإقليم انتهاج سياسة "الحياد الإيجابي" الذكية، والاستثمار في علاقات متوازنة مع كلا القوتين، والاستفادة من التنافس كفرصة للاستثمار في تحولاتها الاقتصادية بدلاً من أن تكون ساحة للصراع، وذلك عبر انتهاج سياسات مرنة كالقبول بمشاريع صينية للبنية التحتية مع الحفاظ على التعاون الأمني مع واشنطن.

 

في النهاية يبدو أن الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين لن تتوقف عند حدّ التعريفات أو المعادن النادرة، بل ستتمدّد إلى مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتحالفات العسكرية، مما يجعل الشرق الأوسط واليمن خصوصًا جزءًا من خارطة التوازنات الجديدة التي تُرسم على وقع صراع العقول والتقنيات لا المدافع والدبابات، وتبقى احتمالات المستقبل مفتوحة بين سيناريو التصعيد الأكثر قتامة، الذي يقسم العالم إلى كتل اقتصادية متصارعة، وسيناريو التعايش التنافسي الذي تفرضه الاعتماديات المتبادلة، حيث قد تلعب أطراف ثالثة كدول الخليج دورًا في عبور هوة الخلاف، فالمواجهة هذه المرة اقتصادية الطابع لكنها تحمل كل سمات الحروب الكبرى التي تعيد تشكيل العالم من جديد.

  

مقالات مشابهة

  • تسوركوف: تجربتي المأساوية في العراق لم تغير شعوري تجاه الشعب العراقي
  • نائبة: قمة شرم الشيخ تكتب فصلا جديدا من السلام.. ومصر الضامن لأمن المنطقة
  • اقتصاد على الحافة: هل تنجو الرواتب من تداعيات انهيار النفط؟
  • بارزاني: عدم تطبيق الدستور وراء الأزمات مع بغداد
  • أمين بغداد يعلن استحداث مركز بلدي جديد ضمن قاطع بلدية الشعلة
  • بارزاني: القانون الانتخابي غير عادل ويجب تغييره والمحكمة الاتحادية ليست دستورية
  • الحرب الاقتصادية الأميركية الصينية: من التعرفة الجمركية إلى معركة المعادن النادرة وانعكاساتها على الإقليم واليمن
  • محافظ المنيا يواجه «أزمة الكثافة».. 33 فصلاً جديداً بمدرسة «نزلة البرشا» تدخل الخدمة العام القادم
  • هل تعود الأجواء الحارة فيما تبقى من أكتوبر ؟
  • سقوط ورقة التوت الغزاوية: الحوثي يبحث عن صراع جديد لـ تأميم غضب الرواتب والمجاعة