الحرية السورية المنقوصة نقصا خطيرا
تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
احتفل السوريون في شتى أنحاء بلدهم بسقوط نظام الأسد في ديسمبر، ورأوا في ذلك لحظة بهجة وحرية. ثم اتخذ الرئيس ترامب بعد ذلك قرارا محمودا بتعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدنا، في خطوة سوف تساعد على تخفيف معاناة سنين. لكن بالنسبة لأعراق سوريا المتنوعة ـ ومنها أكراد الشمال الشرقي الذين أنتمي إليهم ـ يظل الوقت الراهن وقت مخاطرة وقلق.
ففي الوقت الذي تتشكل فيه سوريا جديدة لا بد أن نتساءل: أي نوع من الدول نريد؟ دولة ديمقراطية أم استبدادية؟ دولة تحترم الحقوق أم دولة قمعية؟ وأعتقد أن الإجابات تكمن في منطقتي، حيث أنشأنا ما نعده نموذجا لديمقراطية مباشرة متعددة الأعراق.
لا يعكس دستور سوريا الجديد المؤقت هذا التنوع. فهو لا يوفر حماية كاملة لحقوق أقليات سوريا أو نسائها، وينص على أن القانون الإسلامي هو مصدر القانون الوطني كله في دولة شديدة المركزية. وهذا تطور خطير. فتاريخ سوريا مع الاستبداد والقمع وانفراد طائفة واحدة بالحكم دون بقية الطوائف تاريخ من الفشل. ونحن بحاجة إلى عملية دستورية لإنتاج وثيقة تضمن اقتسام السلطة وتأمين الحرية السياسية والقضاء على مركزية الحكم والسماح بمشاركة ديمقراطية كاملة، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجندر.
ولقد ولد هذا النموذج الديمقراطي في أولى أيام الثورة السورية، حينما حققت منطقتي ـ التي كنا نطلق عليها رسميا اسم (الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا) ـ الاستقلال الذاتي سنة 2012. لا تشكل المنطقة المعروفة أيضا باسمها الكردي «روج آفا» ـ إلا ثلث سوريا ويقيم فيها قرابة مليوني كردي، لكنها شأن بقية سوريا موطن لعرب وعلويين وأرمن ودروز وشيشان ومجموعات عرقية أخرى. وهي تحتوي أديانا كثيرة، من المسلمين الشيعة والسنة، واليزيديين، وطائفة متنوعة من الآشوريين والسريانيين والكلدانيين وغير ذلك من التراثات المسيحية القديمة، فضلا عن العلمانيين.
في ظل إدارتنا، كانت للجماعات العرقية حماية قانونية، وحصلت النساء على دور قيادي في السياسة والمجتمع. وفي جزء من العالم ذي تاريخ استبدادي قمعي، نؤمن أن نظامنا قادر على أن يكون نموذجا لا لسوريا فقط ولكن للشرق الأوسط كله.
فللطوائف المختلفة قول في حكمنا من خلال ترتيب اقتسام السلطة الذي يجعل كل منصب إداري ـ من رؤساء البلديات المحلية إلى المجلس التنفيذي للمنطقة بأكملها ـ شراكة بين رجل وامرأة مختلفي العرق. ويلتقي المواطنون في مجالس لحكم أحيائهم وقراهم ومدنهم ويرسلون وفودا إلى المجالس الإقليمية. وتساعد اللجان المحلية في صياغة سياسات الصحة والتعليم والدفاع والرياضة وحقوق المرأة وغيرها.
يضمن دستورنا الإقليمي ـ الذي نطلق عليه العقد الاجتماعي ـ حقوقا متساوية للجميع. وليس النظام بمثالي. فبرغم جهودنا في توزيع الأرض التي كانت مملوكة من قبل لنظام الأسد الحاكم، لا يزال هناك الكثير للغاية من التفاوت الاقتصادي. ولا نزال نعاني من البنية الأساسية العتيقة، ومن مشاكل بيئية، ومن ندرة في الاستثمار الاقتصادي، وقد تفاقم كل ذلك بعد أكثر من اثني عشر عاما من الحرب. ولا بد أن نزداد جدا في العمل لإشراك مزيد من الناس في المستوى المحلي وتنفيذ التزامنا بالوعي البيئي. لكن الديمقراطية أمر يستوجب ممارسة.
ولقد استمددنا من التزامنا بالديمقراطية وحقوق المرأة قوة في محاربة تنظيم داعش فهزمناه بدعم عسكري أمريكي وبفضل أربعة عشر ألفا من شبابنا وشاباتنا وهبوا أرواحهم للمعركة.
فما الذي يمكن أن تتعلمه بلاد أخرى من نظامنا؟ كانت اللغة العربية ذات يوم اللغة الرسمية الوحيدة في سوريا، ولكننا نعلِّم التلاميذ بثلاث لغات رسمية هي العربية والكردية والسريانية. ولدينا إعلام قوي وحر ومستقل يحميه عقدنا الاجتماعي. ولدينا نظام عدالة إصلاحي يشمل الـ(ملا جين) (أي دور النساء) حيث يمكن أن تحل الأسر مشاكلها الأسرية باستشارة ومساعدة من نساء كبيرات في السن. ونشجع التعبير الكامل عن الثقافة العرقية والدين والزي. ولا نطالب النساء بارتداء الثياب بطريقة معينة. وتحتل النساء نصف المقاعد التشريعية والوظائف الحكومية ولهن مواقع قيادية في جميع المؤسسات، العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ففي تجربتنا دروس مهمة لمستقبل سوريا السياسي. فالسيطرة المركزية الموروثة عن السلطات الفرنسية التي كانت تسيطر ذات يوم على سوريا كانت وبالا علينا، مثلما كانت وبالا على الكثير من بلاد الشرق الأوسط ذات الشعوب المتنوعة. وقد فشل إرث ما بعد الاستعمار في الشرق الأوسط مرارا وتكرارا. والمنطق يستوجب السماح للمناطق بحكم نفسها وفقا لاحتياجاتها وتقاليدها ضمن أمة متحدة.
لقد وقعنا مع دمشق اتفاقية في مارس تؤكد اعتزامنا دمج مؤسساتنا وقواتنا المسلحة في الإدارة الجديدة، ووافق الرئيس المؤقت أحمد الشرع في المقابل على الحق في تمثيل جميع السوريين في الحكومة الجديدة، وعلى وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية، ووعد بأن يتمكن جميع السوريين النازحين من العودة إلى مدنهم وقراهم. وهذه التزامات نقابلها بالترحاب ونثق أنها سوف تسهم في استقرار البلد.
لكن الدستور المؤقت، الذي وقعه الرئيس الشرع في مارس، على أن تقام انتخابات في غضون خمس سنوات، يهدد بتقويض هذه النوايا الطيبة. فبصياغة هذا الدستور إلى حد كبير على أيدي جماعة تحرير الشام الثورية السابقة التابعة للرئيس أحمد الشرع، فإنه يتيح تقييد الحقوق المدنية، ومنها الحقوق الدينية، إذا ما اعتبرت منتهكة للنظام العام. وثمة اختلال في نظام مراقبة السلطة التنفيذية الحاصلة على سلطة عليا في تعيين القضاة وثلث أعضاء السلطة التشريعية.
وإن قلقا عظيما ينتابني من هذه السياسات. ذلك أن في البلد صدوعا بدأت في الظهور بالفعل منذ سقوط الأسد. والعنف الرهيب في ساحل سوريا في مارس، والذي أسفر عن قتل أكثر من ألف وستمائة من المدنيين أغلبهم علويون، والعدوان بعد ذلك على الدروز في جنوب دمشق يؤكدان الحاجة إلى عملية دستورية ديمقراطية جديدة.
لا بد لسوريا الجديدة، منذ البداية، أن تحتوي الجميع. ولإدارة ترامب والكونجرس الأمريكي فرصة تاريخية لمساعدتنا في إقامة مثل هذا الحكم في سوريا. ولن يساعد هذا السوريين وحدهم لكنه سيوفر مخططا للشرق الأوسط كله.
إلهام أحمد رئيسة قسم العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا. وهي الرئيسة المشاركة السابقة للجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية.
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
برلماني: مصر كانت و لا زالت في طليعة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية
أكد الدكتور جمال أبو الفتوح، عضو مجلس الشيوخ، أن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تبذل جهودًا مضنية على كافة الأصعدة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتقديم الدعم الكامل للشعب الفلسطيني الشقيق، موضحًا بأن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جاءت لتكشف أمام العالم أجمع حجم تلك الجهود ومدى وانعكاساتها على القضية الفلسطينية وإقرار حقوق الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن الخارجية المصرية قادت معركة دبلوماسية تاريخية لرفض التهجير القسري وأيضا لإدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين الأبرياء.
وأضاف "أبو الفتوح"، أن الدبلوماسية المصرية لم تدخر جهدًا في التواصل مع كافة الأطراف الفاعلة لدفع عملية السلام والوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، موضحًا أنها قدمت كافة سبل الدعم الإغاثي والإنساني، منوهاً بأن مصر كانت وما زالت في طليعة الدول التي تقدم المساعدات الإنسانية والإغاثية لقطاع غزة، مشددًا على أن المعابر المصرية لم تتوقف عن استقبال وإدخال المساعدات الإغاثية والطبية والوقود، بالرغم من كل التحديات، بخلاف ذلك فإن مصر قدمت الرعاية الطبية ونجحت في استقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين.
وأشار عضو مجلس الشيوخ، إلى أنه على الصعيد السياسي، فإن الجميع يدرك أن مصر تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية والأولى، وأن دعم حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية هو مبدأ ثابت لا يمكن التنازل عنه، مؤكداً بأن هناك إيمان راسخ لدى مصر شعبا وقيادة بعدالة القضية الفلسطينية، وأن تضحيات الشعب الفلسطيني وصموده إزاء الجرائم الإنسانية التي ترتكب كل لحظة ستنجح في إنهاء هذا الاحتلال والحفاظ على أرضه وحقه في العيش بسلام.
وأوضح الدكتور جمال أبو الفتوح، أن مصر ستظل دائمًا السند والعون للشعب الفلسطيني حتى ينال حقوقه المشروعة كاملة، لافتاً إلى أنه على مدار العامين الماضيين استضافت القاهرة عدة جولات من الحوار الفلسطيني - الفلسطيني، بهدف إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الوطني الفلسطيني، كما شاركت مصر في تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لوقف التصعيد، وسعت إلى تثبيت التهدئة، بالتعاون مع الأمم المتحدة وعدد من القوى الدولية، لكن إسرائيل مازالت تتعنت وترفض الوصول إلى حل سلمي يحقن دماء الأبرياء، مشدداً على أهمية مواصلة جهود المجتمع الدولي لرفض سياسة العقاب الجماعي ضد المدنيين، وإدانة استهداف المستشفيات والمدارس والبنية التحتية، مع ضرورة العمل على فتح أفق سياسي حقيقي يفضي إلى حل الدولتين، وفقًا للمرجعيات الدولية.