لجريدة عمان:
2025-08-02@18:44:58 GMT

الحرية السورية المنقوصة نقصا خطيرا

تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT

ترجمة: أحمد شافعي -

احتفل السوريون في شتى أنحاء بلدهم بسقوط نظام الأسد في ديسمبر، ورأوا في ذلك لحظة بهجة وحرية. ثم اتخذ الرئيس ترامب بعد ذلك قرارا محمودا بتعليق العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدنا، في خطوة سوف تساعد على تخفيف معاناة سنين. لكن بالنسبة لأعراق سوريا المتنوعة ـ ومنها أكراد الشمال الشرقي الذين أنتمي إليهم ـ يظل الوقت الراهن وقت مخاطرة وقلق.

ففي الوقت الذي تتشكل فيه سوريا جديدة لا بد أن نتساءل: أي نوع من الدول نريد؟ دولة ديمقراطية أم استبدادية؟ دولة تحترم الحقوق أم دولة قمعية؟ وأعتقد أن الإجابات تكمن في منطقتي، حيث أنشأنا ما نعده نموذجا لديمقراطية مباشرة متعددة الأعراق.

لا يعكس دستور سوريا الجديد المؤقت هذا التنوع. فهو لا يوفر حماية كاملة لحقوق أقليات سوريا أو نسائها، وينص على أن القانون الإسلامي هو مصدر القانون الوطني كله في دولة شديدة المركزية. وهذا تطور خطير. فتاريخ سوريا مع الاستبداد والقمع وانفراد طائفة واحدة بالحكم دون بقية الطوائف تاريخ من الفشل. ونحن بحاجة إلى عملية دستورية لإنتاج وثيقة تضمن اقتسام السلطة وتأمين الحرية السياسية والقضاء على مركزية الحكم والسماح بمشاركة ديمقراطية كاملة، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجندر.

ولقد ولد هذا النموذج الديمقراطي في أولى أيام الثورة السورية، حينما حققت منطقتي ـ التي كنا نطلق عليها رسميا اسم (الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا) ـ الاستقلال الذاتي سنة 2012. لا تشكل المنطقة المعروفة أيضا باسمها الكردي «روج آفا» ـ إلا ثلث سوريا ويقيم فيها قرابة مليوني كردي، لكنها شأن بقية سوريا موطن لعرب وعلويين وأرمن ودروز وشيشان ومجموعات عرقية أخرى. وهي تحتوي أديانا كثيرة، من المسلمين الشيعة والسنة، واليزيديين، وطائفة متنوعة من الآشوريين والسريانيين والكلدانيين وغير ذلك من التراثات المسيحية القديمة، فضلا عن العلمانيين.

في ظل إدارتنا، كانت للجماعات العرقية حماية قانونية، وحصلت النساء على دور قيادي في السياسة والمجتمع. وفي جزء من العالم ذي تاريخ استبدادي قمعي، نؤمن أن نظامنا قادر على أن يكون نموذجا لا لسوريا فقط ولكن للشرق الأوسط كله.

فللطوائف المختلفة قول في حكمنا من خلال ترتيب اقتسام السلطة الذي يجعل كل منصب إداري ـ من رؤساء البلديات المحلية إلى المجلس التنفيذي للمنطقة بأكملها ـ شراكة بين رجل وامرأة مختلفي العرق. ويلتقي المواطنون في مجالس لحكم أحيائهم وقراهم ومدنهم ويرسلون وفودا إلى المجالس الإقليمية. وتساعد اللجان المحلية في صياغة سياسات الصحة والتعليم والدفاع والرياضة وحقوق المرأة وغيرها.

يضمن دستورنا الإقليمي ـ الذي نطلق عليه العقد الاجتماعي ـ حقوقا متساوية للجميع. وليس النظام بمثالي. فبرغم جهودنا في توزيع الأرض التي كانت مملوكة من قبل لنظام الأسد الحاكم، لا يزال هناك الكثير للغاية من التفاوت الاقتصادي. ولا نزال نعاني من البنية الأساسية العتيقة، ومن مشاكل بيئية، ومن ندرة في الاستثمار الاقتصادي، وقد تفاقم كل ذلك بعد أكثر من اثني عشر عاما من الحرب. ولا بد أن نزداد جدا في العمل لإشراك مزيد من الناس في المستوى المحلي وتنفيذ التزامنا بالوعي البيئي. لكن الديمقراطية أمر يستوجب ممارسة.

ولقد استمددنا من التزامنا بالديمقراطية وحقوق المرأة قوة في محاربة تنظيم داعش فهزمناه بدعم عسكري أمريكي وبفضل أربعة عشر ألفا من شبابنا وشاباتنا وهبوا أرواحهم للمعركة.

فما الذي يمكن أن تتعلمه بلاد أخرى من نظامنا؟ كانت اللغة العربية ذات يوم اللغة الرسمية الوحيدة في سوريا، ولكننا نعلِّم التلاميذ بثلاث لغات رسمية هي العربية والكردية والسريانية. ولدينا إعلام قوي وحر ومستقل يحميه عقدنا الاجتماعي. ولدينا نظام عدالة إصلاحي يشمل الـ(ملا جين) (أي دور النساء) حيث يمكن أن تحل الأسر مشاكلها الأسرية باستشارة ومساعدة من نساء كبيرات في السن. ونشجع التعبير الكامل عن الثقافة العرقية والدين والزي. ولا نطالب النساء بارتداء الثياب بطريقة معينة. وتحتل النساء نصف المقاعد التشريعية والوظائف الحكومية ولهن مواقع قيادية في جميع المؤسسات، العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ففي تجربتنا دروس مهمة لمستقبل سوريا السياسي. فالسيطرة المركزية الموروثة عن السلطات الفرنسية التي كانت تسيطر ذات يوم على سوريا كانت وبالا علينا، مثلما كانت وبالا على الكثير من بلاد الشرق الأوسط ذات الشعوب المتنوعة. وقد فشل إرث ما بعد الاستعمار في الشرق الأوسط مرارا وتكرارا. والمنطق يستوجب السماح للمناطق بحكم نفسها وفقا لاحتياجاتها وتقاليدها ضمن أمة متحدة.

لقد وقعنا مع دمشق اتفاقية في مارس تؤكد اعتزامنا دمج مؤسساتنا وقواتنا المسلحة في الإدارة الجديدة، ووافق الرئيس المؤقت أحمد الشرع في المقابل على الحق في تمثيل جميع السوريين في الحكومة الجديدة، وعلى وقف إطلاق النار في جميع الأراضي السورية، ووعد بأن يتمكن جميع السوريين النازحين من العودة إلى مدنهم وقراهم. وهذه التزامات نقابلها بالترحاب ونثق أنها سوف تسهم في استقرار البلد.

لكن الدستور المؤقت، الذي وقعه الرئيس الشرع في مارس، على أن تقام انتخابات في غضون خمس سنوات، يهدد بتقويض هذه النوايا الطيبة. فبصياغة هذا الدستور إلى حد كبير على أيدي جماعة تحرير الشام الثورية السابقة التابعة للرئيس أحمد الشرع، فإنه يتيح تقييد الحقوق المدنية، ومنها الحقوق الدينية، إذا ما اعتبرت منتهكة للنظام العام. وثمة اختلال في نظام مراقبة السلطة التنفيذية الحاصلة على سلطة عليا في تعيين القضاة وثلث أعضاء السلطة التشريعية.

وإن قلقا عظيما ينتابني من هذه السياسات. ذلك أن في البلد صدوعا بدأت في الظهور بالفعل منذ سقوط الأسد. والعنف الرهيب في ساحل سوريا في مارس، والذي أسفر عن قتل أكثر من ألف وستمائة من المدنيين أغلبهم علويون، والعدوان بعد ذلك على الدروز في جنوب دمشق يؤكدان الحاجة إلى عملية دستورية ديمقراطية جديدة.

لا بد لسوريا الجديدة، منذ البداية، أن تحتوي الجميع. ولإدارة ترامب والكونجرس الأمريكي فرصة تاريخية لمساعدتنا في إقامة مثل هذا الحكم في سوريا. ولن يساعد هذا السوريين وحدهم لكنه سيوفر مخططا للشرق الأوسط كله.

إلهام أحمد رئيسة قسم العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا. وهي الرئيسة المشاركة السابقة للجنة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية.

خدمة نيويورك تايمز

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

عاملونا كمجرمين.. شهادات صادمة من ناشطي أسطول الحرية بعد احتجازهم من قبل الجيش الإسرائيلي

أوضحت إحدى الناشطات أن القوات الإسرائيلية اقتادتها إلى ميناء أشدود، حيث تم توقيفهم، ومصادرة أمتعتهم، واحتجازهم في غرف استجواب. وأكدت أن متعلقات كثيرة لا تزال مفقودة حتى الآن. اعلان

قال ناشطان أستراليان إنهما تعرضا لـ"تعذيب نفسي وحشي" ومعاملة "كمجرمين" من قبل القوات الإسرائيلية، بعد اعتراض قارب مساعدات كانا على متنه ضمن "أسطول الحرية" المتجه إلى قطاع غزة.

وأوضحا في حديث لصحيفة "الغارديان" أنهما خضعا للتفتيش وتم تقييدهما، ومنعا من التواصل مع العالم الخارجي أو الحصول على الأدوية، قبل أن تتدخل السفارة الأسترالية.

وكانت الصحفية تانيا صافي والناشط الحقوقي روبرت مارتن ضمن 21 متضامنًا على متن قارب هندالة الذي تم اعتراضه يوم الأحد الماضي من قبل البحرية الإسرائيلية، خلال محاولته إيصال مواد غذائية وحليب أطفال وحفاضات وأدوية إلى غزة، وسط أزمة إنسانية صنّفها خبراء أمميون بأنها "أسوأ سيناريو مجاعة".

Related مع اقترابه من شواطئ غزة.. كيف سيتعامل الجيش الإسرائيلي مع أسطول الحرية؟أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة "تحالف أسطول الحرية" يكشف عن مشروعه الجديد (2018) لكسر الحصار البحري عن غزة تفاصيل "الاعتقال"

قالت صافي، عقب وصولها إلى مطار سيدني، إنها لا تزال "ضعيفة ومتألمة"، ووصفت ما حدث بأنه "تجربة صادمة". وأوضحت أن نحو 30 جنديًا إسرائيليًا مسلحين صعدوا إلى القارب، وكان بعضهم يحمل حتى أربعة أسلحة. وأضافت: "أحدهم ضربني في ساقي بسلاحه الرشاش"، مشيرة إلى محاولات نفسية لإجبارهم على قبول الطعام والماء أمام الكاميرات، لكنهم رفضوا "أخذ أي شيء من كيان يتسبب في تجويع الأطفال حتى الموت".

وأوضحت صافي أن القوات الإسرائيلية اقتادتها إلى ميناء أشدود، حيث تم توقيفهم، ومصادرة أمتعتهم، واحتجازهم في غرف استجواب. وأكدت أن متعلقات كثيرة لا تزال مفقودة حتى الآن.

وفي روايتها، أشارت صافي إلى تعرض الناشط الأميركي كريس سمولز، وهو الناشط العمالي الوحيد من ذوي البشرة السمراء، لـ"الضرب والركل والخنق من قبل سبعة أو ثمانية جنود"، وقالت: "حين سألت عن حاله، اقتحموا الغرفة وسحبوني من ذراعيّ، لا تزال الكدمات واضحة".

وأضافت: "ألقوني أرضًا، وأجبَروني على خلع كل ملابسي، وتم تفتيشي بشكل عارٍ تمامًا، وأُجبرت على أداء حركات القرفصاء أمامهم. لقد عاملونا كمجرمين".

منع التواصل وغياب الرعاية الطبية

ووفقًا لصافي، لم يُسمح لهم بالتواصل مع عائلاتهم أو محاميهم إلا بعد تدخل السفارة الأسترالية. وقالت: "استيقظنا على أصوات صراخ وبكاء سجناء آخرين من شدة الألم. كانوا يقيدونني بالأصفاد ثم يضربونني بها على الحائط".

من جانبه، قال روبرت مارتن إنه تعرض لـ"الاعتداء الجسدي" مع آخرين عند مطالبته بحقه في محامٍ، مضيفًا: "لم يكن لنا أي حقوق. أتناول أدوية مهمة، لكنهم رفضوا إعطائي إياها. كما رفضوا السماح لي أو لأي شخص آخر بإجراء مكالمات هاتفية، رغم مطالبة الحكومة الأسترالية بذلك".

وأشار إلى أنهما نُقلا مكبلين من تل أبيب إلى الأردن، وهناك تلقيا رعاية من السفارة الأسترالية وتم إسعافهما إلى المستشفى، حيث تم اعتبار حالتهما الصحية غير مستقرة للسفر جوًا. وقال: "كنا نظن أنهم سيتخلصون منا هناك، بدون مال أو هاتف أو وسيلة تواصل. كان ذلك مرعبًا".

"نُقلنا رغماً عنا" ومحاولات لانتزاع اعتراف كاذب

قالت صافي إنها لم تدرك مدى تدهور حالتها إلا بعد أن تم توصيلها بالمحاليل الوريدية في المستشفى، مضيفة: "فقدت الوعي ونمت 16 ساعة متواصلة. في السجن لم أستطع النوم، كانوا يسلطون الكشافات في وجهي أو يطرقون الباب كلما أغمضت عيني".

وتابعت: "لم نرتكب أي جريمة. حاولوا إجبارنا على توقيع وثائق تزعم أننا دخلنا إسرائيل بطريقة غير قانونية، وهو أمر غير صحيح... تم أخذنا بالقوة وتعرضنا للتعذيب النفسي بجميع أشكاله".

ويأتي هذا الحادث بعد أسابيع من اعتراض القارب "مدلين" التابع لأسطول الحرية أيضًا، والذي جرى توقيفه من قبل الجيش الإسرائيلي في المياه الدولية في 9 يونيو وسُحب إلى ميناء أشدود. وكان على متنه 12 ناشطًا، من بينهم الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، وتم لاحقًا ترحيلهم.

وتعود أشهر واقعة في هذا السياق إلى عام 2010، حين قُتل تسعة نشطاء على متن السفينة التركية مافي مرمرة بعد أن أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم، وأصيب بعضهم برصاص في الرأس من مسافة قريبة.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • بدعم من دولة قطر.. بدء تدفق الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى سوريا عبر تركيا
  • وزير الطاقة المهندس محمد البشير لـ سانا: تدشين خط النقل الإقليمي للغاز الذي يربط سوريا بأذربيجان مروراً بالأراضي التركية، يشكل خطوة استراتيجية على طريق تعزيز أمن الطاقة في سوريا
  • الكويت تكشف مخططاً إجرامياً خطيراً لاستخدام أراضيها كنقطة عبور لـ«الهجرة غير الشرعية»
  • مراسل سانا: افتتاح خط النقل الإقليمي للغاز الذي يربط سوريا بتركيا بحضور وزير الطاقة السوري المهندس محمد البشير ووزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار ووزير الاقتصاد الأذربيجاني ميكائيل جباروف وممثلين عن صندوق قطر للتنمية
  • وزارة الخارجية السورية: الوفد التقني للوزارة الذي يزور ليبيا الشقيقة بهدف تسوية الأوضاع القانونية للمواطنين السوريين، يعلن عن قيامه بتقديم مجموعة من الخدمات القنصلية العاجلة للأخوة المواطنين تسييراً لأوضاعهم وذلك ريثما يتم افتتاح سفارة الجمهورية العربية ا
  • نصب الحرية يتشح بـالوعد الصادق.. تظاهرات في بغداد لفك الحصار عن غزة (صور)
  • عاملونا كمجرمين.. شهادات صادمة من ناشطي أسطول الحرية بعد احتجازهم من قبل الجيش الإسرائيلي
  • كانت في طريقها إلى سوريا... هذا ما ضبطه الجيش في بلدة حدودية (صورة)
  • الخارجية السورية: اللقاء التاريخي بين بوتين والشيباني أكد انطلاق مرحلة جديدة من التفاهم السياسي والعسكري بين سوريا وروسيا
  • الوزير الشيباني: الدولة السورية تعد بمحاسبة جميع من ارتكبوا انتهاكات في السويداء، وهناك محاولات لاستغلال الأحداث فيها للتدخل في الشؤون السورية